خطاب المرحلة (198)... الشعب غير معذور إذا لم يختر الكفوئين المخلصيـن
بسم الله الرحمن الرحيم
الشعب غير معذور إذا لم يختر الكفوئين المخلصيـن ([1])
تعمل الأحزاب السياسية المهيمنة على السلطة في المحافظات والحكومة المركزية أن لا تجري انتخابات مجالس المحافظات في موعدها المقرّر من خلال تأخير إقرار قانون الانتخابات أو عرقلة عمل المفوضية العليا للانتخابات وهي تتظاهر بحرصها على إجرائها في الموعد المحدّد الذي لم تقبل به أصلاً لولا إقراراه ضمن حزمة القوانين الثلاث في البرلمان فاضطرت لقبوله.
وعلى أي حال فإن الانتخابات ستجري بإذن الله تعالى في موعدها أو في غير موعدها وحينئذٍ سيقول الشعب كلمته في من يمثله وإذا كان معذوراً في المرة السابقة بسبب قلة الخبرة والمعرفة بالأشخاص وحداثة التجربة والمزايدات الطائفية والقومية والمتاجرة ببعض الرموز الدينية وغيرها من المؤثرات فاختار أشخاصاً لم يكونوا أمناء على المسؤولية ولم يعملوا لمصلحة شعبهم فانه هذه المرة غير معذور في عدم اختيار أبنائه الكفوئين النزيهين الوطنيين الذين يتفانون في حب وطنهم وخدمة شعبهم، بعد أن ذاقوا الأمرّين من الموجودين وحرموهم من ابسط حقوقهم في الحياة الحرة الكريمة.
تتحدث الروايات الشريفة عن حالات لا يُعذر فيها الناس ولا يُسمع لهم دعاء برفع البلاء لأنهم مسؤولون عن الظلم الذي وقع بهم ومنها رواية صحيحة عن الوليد بن صبيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (كنت عنده وعنده جفنة من رطب فجاء سائل فأعطاه ثم جاء سائل آخر فأعطاه، ثم جاء آخر فأعطاه، ثم جاء آخر فقال: وسَّع الله عليك، ثم قال: إن رجلاً لو كان له مال يبلغ ثلاثين أو أربعين ألفاً، ثم شاء أن لا يبقى منه شيء إلا قسّمه في حقٍ فعل فيبقى لا مال له، فيكون من الثلاثة الذين يُردّ دعاؤهم عليهم، قال: قلت: جُعِلت فداك من هم؟ قال: رجل رزقه الله عز وجل مالاً فأنفقه في وجوهه ثم قال: يا رب ارزقني فيقول الله عز وجل أولم أرزقك، ورجل دعا على امرأته وهي ظالمة له فيقال له: ألم أجعل أمرها بيدك، ورجل جلس في بيته وترك الطلب، ثم يقول: يا رب ارزقني فيقول الله عز وجل: ألم أجعل لك السبيل إلى طلب الرزق)([2]).
ويفهم الفقيه العارف بالروايات ومن مناسبات الحكم والموضوع -كما يصطلحون عليها- أن القضية غير مقتصرة على هؤلاء الثلاثة، لذا ذكر حديث آخر مثله خمسة عناوين([3]) وإنما يترتب هذا الأثر - وهو عدم استجابة الدعاء برفع الظلم وعدم المعذورية- لكل من رضي بالظلم وخنع له وهو ممن شارك في جلب هذا الظلم وإقامته.
فإذا أعطيتم أصواتكم في الانتخابات المقبلة سواء كانت المحلية أو العامة للذين لا تعرفون منهم مؤهلات التصدي للمسؤولية فلا تلوموا إلا أنفسكم إذا جوّعوكم وأعطوكم مواداً غذائية مسرطنة([4]) وغير صالحة للاستهلاك البشري، أو إذا حرموكم من خدمات الماء والكهرباء والنفط والغاز وغيرها، أو إذا اعتقلوا أبناءكم لا لذنب إلا لأنهم يخالفون رؤاهم، أو إذا قسّموا الوطن الواحد وجعلوا أهله شيعاً، أو إذا أطلقوا يد ميليشياتهم وجماعاتهم المسلحة لينشروا القتل والدمار والخطف والسرقة، أو إذا وزّعوا على المرضى أدوية ملوثة بفيروسات الايدز وغيرها من الأمراض الفتاكة، أو إذا حرموا أبناءكم من فرصةٍ للعمل يكسبون منها قوتهم مادمت لا تنتمي إلى أحزابهم، أو إذا باعوا الوطن إلى الأجنبي بصفقات بخسة، أو إذا جعلوكم ضحية ووقوداً لتنفيذ أجندات إقليمية ودولية وغيرها من المآسي التي فاقت التصور والحصر.
وسوف لا يسمع الله تعالى لكم دعاءاً لأنكم قادرون على رفع كل هذه المظالم بوعي وإدراك أهمية أصواتكم التي تلقونها في صناديق الاقتراع وأتعبتم أنفسكم في التعرف على من يخدمكم ويخلص لكم.
إن الله تبارك وتعالى يبيّن لنا صفات أولياء الأمور من خلال التعريف بصفات رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فقال تعالى [لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ] (التوبة:128)، فهو ليس قادماً من خارج مجتمعكم وإنما هو ابنكم وعاش محنتكم ومعاناتكم وعرف همومكم ومشاكلكم ولم يعزل نفسه عنكم في قصر الخضراء([5])، ولا المنطقة الخضراء [عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ]، فهو يعزّ عليه ويصعب عليه أن يصيبكم عنت ومشقة وألم وصعوبة وحرمان لحبّه لكم ولأنه [حَرِيصٌ عَلَيكُمْ] فيحميكم من كل سوء ويبذل وسعه لجلب الخير لكم [بِالمُؤمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ] قد مُلئ قلبه بالرحمة والرأفة بل إنه ما أرسل إلا رحمة للعالمين.
يُروى عن أحد المراجع قبل مائتي عام يعرف بـ(صاحب الفصول) لشهرة كتابه الفصول في الحوزات العلمية أنه سأله احد تلامذته النابهين العارفين بقيمة الحياة ومنزلة العلماء: (لو أخبرك ملك الموت أنك ستموت بعد ساعة فبأي عمل ستقضيها) ليعرف ما هي أولويات الأعمال وترتبها بالأهمية فقال (أضع لي كرسياً على باب الدار لأقضي حوائج الناس مهما كانت الحاجة بسيطة).
هذه وغيرها هي صفات المسؤولين الذين يتولون شؤون الأمة ومن لم يتصف بها فهو خارج عن أخلاق رسول الله (صلى الله عليه واله) وفيها تنبيه لكم أن لا تختاروا إلا من توفرت فيه هذه الصفات وإلا فإنكم تجنون على أنفسكم، لأنكم كما ترون أن كل تفاصيل حياتكم من الأمن والغذاء والخدمات والصحة والتعليم والعمل والاقتصاد وغيرها كلها مرتبطة بمن تختارونه لمواقع السلطة، فالأمر لكم والخيار بأيديكم، أقول هذا وأنا اعلم أن صناديق الاقتراع سوف لا تكون وحدها القول الفصل، لان المتسلطين سيمارسون عملية التزوير بمقدار ما يستطيعون، ولكن مع ذلك علينا أن نبذل ما بوسعنا لكي تكون إرادة الأمة هي الحكم.
نسأل الله تعالى أن ينوّر بصائرنا ويزيد من رشدنا وحكمتنا ويوفقنا لاختيار الشخص المناسب بمعونة المخلصين العارفين، ففي الدعاء (اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه) أي أننا نسأل الله تعالى أولاً أن يعرّفنا الحق لان أهل الدنيا يخلطون الأوراق فتشتبه الأمور ثم نطلب ثانياً أن يرزقنا إتباعه، لأنه ليس كل من عرف الحق اتبعه فإن قوماً وصفهم الله تبارك وتعالى بقوله [وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاًً] (النمل:14).
([1]) من حديث سماحة الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع وفد من مدينة الكوفة المقدسة ضمّ شيوخ عشائر ووجهاء ومسؤولي منظمات مجتمع مدني يوم السبت 24 ج2 1429 المصادف 28/6/2008.
([2]) كتاب (الخصال) للشيخ الصدوق، أبواب الثلاثة، الحديث 208 ص160.
([3]) حديث معتبر في باب الخمسة، ح71 ص299.
([4]) هذه الأمور المذكورة بعض مظاهر الفساد والظلم في عمل الحكومة يومئذٍ وكلها مثبتة بوثائق.
([5]) القصر الملكي لمعاوية في دمشق بينما كان أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب يلتقي بعامة الناس ويجلس معهم ويتفقدهم.