خطاب المرحلة (182)... تأييد مطلب العشائر بتأسيس مكاتب إسناد القانون وحماية مؤسسات الدولة في عموم العراق
بسم الله الرحمن الرحيم
تأييد مطلب العشائر بتأسيس مكاتب إسناد القانون وحماية مؤسسات الدولة في عموم العراق ([1])
كنّا من أوائل من نبّه إلى ضرورة أن تعطى العشائر دورها الذي تستحقه في بناء العراق الجديد وحفظ الأمن والاستقرار فيه، ولكن المتصدين لإدارة البلاد اعرضوا عن سماع هذا الصوت المخلص لأنه لا ينسجم مع الأجندات التي يعملون من أجل تحقيقها، مما أدى إلى تمزّق البلاد بهذا الشكل المريع.
ولم تبخل العشائر في منحهم أصواتها في الانتخابات ليتسلقوا إلى مناصب الدولة المختلفة حتى إذا شغلوها جميعاً بخلوا على تلك العشائر حتى بتعيين أبنائها في أدنى وظائف الدولة حيث حصرت تلك الأحزاب الوفية! التعيينات بمن يأتي عن طريقها لتستعبده وتسخّره لخدمة أغراضها الأنانية.
وبقيت الحكومة تتخبط ويزداد الحال سوءاً بسبب إقصائهم لأهل هذا البلد الذين عاشوا معاناته بكل فصولها وصمدوا على هذه الأرض الطيبة في وجه كل مؤامرات تغيير الهوية وحافظوا على خصوصيات هذا البلد وأهله، حتى التفت المحللون والخبراء واللجان التي أرسلتهم الإدارة الأمريكية إلى فداحة خطر هذا الإقصاء وارتكابهم لهذا الخطأ الجسيم فبدأوا بمشاريع لاستيعاب العشائر في مجالس الصحوات ومجالس الإسناد ونحوها، وكان لعدد منها دور مخلص في القضاء على الإرهاب وتجفيف منابعه والقضاء على حواضنه وهو ما دعوناهم إلى القيام به خصوصاً عشائر الأنبار في خطاب بعد التفجير الإجرامي الأول الذي استهدف الروضة العسكرية الشريفة في شهر شباط/2006 كما كان لعشائر الوسط والجنوب دور بارز في تأمين الطرق والمحافظة على مؤسسات الدولة وملاحقة العصابات الإجرامية وحماية الأنابيب الناقلة للنفط وغيرها.
وقد لمس جميع المراقبين آثار هذه الانطلاقة الايجابية البناءة لعشائر العراق، ثم كان لها الدور البارز في وقف الفتنة الطائفية التي جاء بها عملاء الأجانب فأعادوا اللحمة الوطنية وتلاقوا على حب هذا الوطن ونبذ الإرهاب أياً كان مصدره وتوجّهه ورفض تقسيم البلد وحفظ وحدة أرضه وشعبه فتبادلوا الزيارات واللقاءات.
لكن الذي يؤسف له أن الإدارة الأمريكية البعيدة عن هذا الشعب ثقافياً ودينياً واجتماعياً وجغرافياً تلتفت إلى أهمية هذا المشروع بينما يغفل عنه المحسوبون على العراق ظاهراً، ومادام الحل يأتي أمريكياً فانه حتماً سوف لا يتطابق مع الرؤية العراقية من بعض الجهات على الأقل لذا نرى كيف ظهرت خلافات عميقة عن مصير مجالس الصحوة والأعمال المناطة بها وأهداف تشكيلها وغيرها بعد أن تعارضت المصالح وهذه نتيجة طبيعية لسياسة خاطئة لا تعتمد المصالح الوطنية العليا وتتلاعب بها مصالح الدول المتدخّلة في الشأن العراقي.
إن هذا الخلاف لا يمكن أن يلغي دور العشائر وضرورة إشراكهم في إدارة البلد من خلال تحمّلهم المسؤوليات التي تناسب وضعهم، وهذا الدور لا يقتصر على مواجهة القاعدة والمجاميع الإرهابية حتى يقول البعض إننا لسنا بحاجة إلى مجالس إسناد العشائر في وسط وجنوب العراق لخلوّها من القاعدة وأمثالها، فهذه إن كانت كلمة حق فانه يراد بها باطل وهو الاستمرار في سياسة إقصاء أبناء هذا البلد الغيارى والوطنيين الأحرار الذين لا يركعون للأجانب، لان دور العشائر لا يقتصر على مواجهة الإرهاب بل إن لهم القدرة على المساهمة في بناء البلد وفرض سلطة القانون وحماية مؤسسات الدولة وهذه مطلوبة في كل أنحاء العراق.
وإن هذه العشائر تأبى حياة الضيم والذل فكيف ترضى بأن يبلغ بها الحال أن تطرق أبواب الأحزاب وتستجدي موافقتها على تعيين أبنائها الأصلاء في سلك الجيش والشرطة ولا يجدون أذاناً صاغية وهذا ابسط حق لهم على تلك الأحزاب التي تسللّت إلى المناصب بأصوات العشائر، فلماذا تحصر التعيينات بالأحزاب وتحرم منها العشائر مع وضوح بؤس هذه السياسة الحمقاء التي حولت مؤسسات الدولة إلى مكاتب للأحزاب ترعى مصالحها؟
إن العشائر العربية الأصيلة تتصف بالكثير من خصال الخير يجب على كل قائد أو مربي أو مصلح أو سياسي أن يستثمرها للإصلاح والأعمار كما فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما استثار هذه الخصال وانطلق بالإسلام المبارك من أحضان الجزيرة العربية حتى ملأ بنوره الشرق والغرب.
([1]) من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع عدد من شيوخ ووجهاء عشيرة بني تميم في التاجي يوم 29/ذ.ح/1428 المصادف 9/1/2008 ومع عدد كبير من شيوخ عشائر البصرة في اليوم التالي