خطاب المرحلة (180)... حوارات سياسية : موعظة للإعلاميين

| |عدد القراءات : 1792
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

حوارات سياسية : موعظة للإعلاميين

التقى سماحة الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) بعدد من مراسلي الفضائيات ووكالات الأنباء([1]) وافتتح كلامه بالحديث الشريف (طالبان منهومان لا يشبعان طالب العلم وطالب المال) وقال إن الصحفيين نهمون أيضاً في اقتناص الأخبار وتغطية الأحداث وتحقيق السبق الصحفي، فمن أي الفريقين هم؟

وأجاب سماحته: أنهم يمكن أن يكونوا من الأول ويمكن أن يكونوا من الثاني فإذا عملوا بمهنية وموضوعية وحيادية وإنصاف في كشف الحقائق وإيصال المعلومة الصحيحة كانوا من الأول لان العلم هو انكشاف الحقيقة كما هي في الواقع، وإن خضعوا للإغراءات وباعوا أمانتهم وشرف مهنتهم بثمن بخس فأصبحوا أبواقاً تردد ما تطلبه منهم الجهة التي تدفع لهم كانوا من الثاني، والأول هو الإعلامي الناجح الذي يحظى بالرضا والقبول.

وإني أقول بصدق: إنني استفيد كثيراً مما يعرضه المراسلون من خفايا وخبايا عن وضع الناس ومعاناتهم ومشاكلهم مما لا نستطيع الوصول إليه، وأتحرك منطلقاً من مسؤوليتي بما استطيع لحل تلك المشاكل ورفع المعاناة، وأنا مدين لهم بهذه الخدمات التي يؤدونها، وأخصص جزءاً من وقتي لمتابعة نشرات الأخبار واعتبرها جزءاً من الاهتمام بأمور المسلمين التي أمرنا بها.

وفي نفس الوقت فاني أتعجّب من الحكومة وعموم المتصدين لإدارة البلاد لهذا الصمم الذي أصيبت به آذانهم والعمى الذي أصيبت به أعينهم والقساوة التي طبعت على قلوبهم، فإننا إن عذرناهم عن النزول إلى الميدان والتجول بين الناس وتفقّد أحوالهم، فإننا لا نعذرهم من متابعة ما تظهره وسائل الإعلام ولا نعفيهم من واجب بثّ العيون من الأمناء المخلصين في كل زوايا البلاد لينقلوا لهم كل صغيرة وكبيرة من أحوال الشعب فيكافئوا المحسن ويعاقبوا المسيء ويصلحوا الفساد ويعمروا البلاد ويرفعوا المعاناة.

أنا أعلم أنه ليس بمقدورهم حل كل مشاكل البلاد فإن بعضها خارج عن حدود الطاقة، لكنني أتحدّث عمّا يمكنهم فعله لو توفرت الإرادة الجادة والصادقة، مثلاً حينما قرّرت الحكومة تشجيع العوائل المهجّرة في سوريا على العودة إلى العراق بسبب تحسّن الوضع الأمني وقررت توفير وسائط النقل مجاناً ومنح مبلغ لكل عائلة عائدة فإنهم نفذوا فوراً وبدون معوقات وتم تسليم المبالغ نقداً بمجرد وصول العوائل إلى بغداد وهذا شيء جيد ويستحق العائدون أن نعينهم على تجاوز المحنة، ولكن لماذا هذا الروتين القاتل والمماطلة والتسويف في مساعدة العوائل المهجرة بحيث تمرّ الأشهر دون تنفيذ قرار الحكومة بمنح مساعدة مالية لهم رغم صيحات المحرومين والمنظمات الدولية والإنسانية والكوارث المحيطة بهم. ألا يستحق هؤلاء المبادرة إلى مساعدتهم مباشرة وبنفس الفورية التي تعاملوا بها مع العائدين؟ إن مثل هذه المفارقة تجعلنا نعتقد بعدم الإخلاص والمصداقية في العمل إلا بمقدار ما ينفع مصالحهم الشخصية ويلمّع صورتهم وإبراز قضية عودة المهاجرين كمؤشر على نجاح الحكومة.

والمثال الآخر: امتيازات أعضاء مجلس النواب فانه نال المصادقة بدون تأخير مع ما يتميزون به أصلاً من امتيازات بينما يمر عام ونصف العام على قرار منح الطلبة الجامعيين مساعدات شهرية تعينهم على مواصلة دراستهم من دون نيل المصادقة.

والأدهى من ذلك أن أربع سنين عجاف مرّت على الشعب وهو يفقد الآلاف من أبنائه وتُخرّب ممتلكاته في حوادث العنف المريعة، وحينما أرادوا إنهاء ذلك بعد عقد صفقات وجني مصالح وأرباح توقفت تلك الأعمال بدرجة كبيرة بجرّة قلم فمن الذي يتحمل مسؤولية تلك الدماء والضحايا الذين خلفوا ملايين الأيتام والأرامل. وعاد الأمن إلى بغداد بنسبة 60-65% بحسب التقديرات بعد أن أصبحت مدينة أشباح يعلو فيها أزيز الرصاص والمتفجرات على كل صوت.

إن هذه النتائج تفرحنا لكننا نطالب أن تكون إرادة الخير ومراعاة القيم الإنسانية هي الحاكمة والبوصلة التي توجّه حركة الجميع لا المصالح الشخصية والأنانية.

ثم أجاب سماحته على بعض أسئلة الإعلاميين وهي:

 

الامتيازات الإضافية للبرلمانيين

س1: كيف يرى سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي الزيادة الكبيرة التي حصل عليها النواب والوزراء العراقيون والشعب العراقي يَئِنُّ من صعوبات العيش، خاصة خلال هذه الفترة الحرجة؟

الجواب: أعتقد أن المناقشة لا تكون الآن في أصل القرار فقد اتُخذ وانتهى الأمر ولم تنفع بعض الاعتراضات خصوصاً وأننا نعتقد أن ثروات البلد لو وزعت بشكل عادل وتوفرت عند الحكومة حسن إدارة للأموال فإن نصيب المواطن العراقي سيكون وفيراً خصوصاً لمن هم في مواقع المسؤولية ولهم وضع خاص في المجتمع.

          ولكننا نطالبهم أولاً بأن يقدّموا للأمة عطاءً مساوياً للامتيازات التي يحصلون عليها وينجزون القرارات والمشاريع التي ترفع المعاناة عن الشعب وتوفر لهم حقوقهم بأسرع مما يقررّون لأنفسهم وليس العكس كما هو حاصل.

          لذا أنا أمرت من يطيعني من أعضاء البرلمان وأنصح غيرهم أيضاً بدفع هذه الزيادات إلى صندوق خيري ينفق منه على تشغيل العاطلين ومساعدة المهجّرين والمحتاجين ليساهموا ولو بدرجة يسيرة وبحدود ما يستطيعون في رفع معاناة الناس، وقد سمعت أن كثيراً من المهجّرين في خيام متهرئة لا تصمد أمام أمطار وعواصف الشتاء فما مصير هذه العوائل حينئذ؟ وهل يعسر على البرلمانيين والحكومة توفير كرفانات لإسكان المهجرين؟!

 

الحكومة الحالية لا تناسب الوضع السياسي والاجتماعي، والممارسة الديمقراطية عوراء

س2: كيف تقرأون واقع تشكيلة الحكومة الحالية؟

الجواب: لا يمكن بناء العملية السياسية في هذه المرحلة على الأقل على أساس حكم الأغلبية وإنما تجب العودة إلى حكومة الشراكة الوطنية مع مراعاة الاستحقاقات وأن تتخذ القرارات الستراتيجية وفق مبدأ التوافق لأكثر من سبب:

          لأن تركيبة الأحزاب الحاكمة اليوم مبنية على أساس المكونات الاجتماعية والانتماء الطائفي والعرقي فاعتماد نظام حكم الأغلبية يعني عزّل بعض مكونات المجتمع وبالتالي استعداءهم لأنه يُنظر إليه على انه إقصاء لهذا المكون أو ذاك، نعم إذا تحققت القناعة بما دعونا إليه من تغيير خارطة التحالفات وبنائها على أساس البرامج والمشاريع التي تقدّمها الأحزاب فسيكون من الممكن حينئذ حكم الكيانات ذات البرامج التي تحظى بالأغلبية ولا يكون فيه عزل أو إقصاء لمكوّن من النسيج الاجتماعي العراقي وهذا ما يحتاج إلى مدة لاستيعابه ومن ثم العمل به لوجود كتل ترى من  مصلحتها إبقاء هذه التخندقات.

          إن ممارسات المهيمنين على السلطة تقدّم لنا نموذجاً للديمقراطية العوراء التي ترى بعين واحدة وهي حكم الأغلبية هذا إذا افترضنا أنها تتمتع بأغلبية برلمانية وهذا غير صحيح بدليل فشل رئيس الوزراء في نيل ثقة الأغلبية على الوزراء الذين يقدّمهم لشغل المقاعد الفارغة ولا تنظر بالعين الأخرى وهي حفظ حقوق الأقلية، وهذا ما لا يتوفر في سياسة الحكومة إذ أن من لا ينتمي إلى الأحزاب المستأثرة بالسلطة يتعذّر عليه أن يحصل على فرصة عمل يكسب بها قوتاً لعائلته، فهل هذا من الديمقراطية! ولنفترض أن كياناً أو فرداً ليس جزءاً من التشكيلة الحكومية لكن أليس هو جزءاً من الدولة ويساهم في بنائها وانه مواطن عراقي له كامل الحقوق المكفولة لكل مواطن؟

          والنتيجة أن الحكومة الحالية لا تناسب الوضع السياسي والاجتماعي في العراق اليوم ولابد من العودة إلى حكومة الشراكة والوحدة الوطنية فإن الاستئثار والتفرد هو الذي يؤدي إلى العنف ويقود إلى الخراب.

 

حل مشكلة كركوك، والفدرالية والدكتاتورية

س3: كيف ترون الحل في مشكلة كركوك؟

الجواب: حل مشكلة كركوك وكل محافظات العراق بجعل نظام الحكم في العراق مبنياً على أساس الإدارة اللامركزية تتوفر فيه حكومة مركزية قوية قادرة على إعادة بناء البلد وإعماره والدفاع عنه وحفظ وحدته ولحمة نسيجه الاجتماعي وتقسّم ثروات البلد بعدالة، مع إدارة لا مركزية للمحافظات تمنح فيه السلطات المحلية صلاحيات تمكّنها من مراعاة خصوصيات المحافظات وأولويات حاجاتها لوجود تباين بين مستوى المحافظات ودرجة تعرضها للخراب والدمار والإهمال وتنوع ثقافاتها ومصالحها، ثم إن إعطاء مثل هذه الصلاحيات يساهم في بروز قيادات في المحافظات تؤهلها لمشاريع أوسع كالفدرالية ونحوها عندما تكون الظروف مناسبة.

          وقد اكتشف حتى الإخوة الأكراد في الأيام الأخيرة عندما تصاعدت التهديدات التركية حاجتهم إلى وقفة قوية من الحكومة المركزية، واكتشفوا أن ليس من مصلحة العراق وشعبه إضعاف الحكومة المركزية كما إنكم تلاحظون أن كثيراً من المشاكل يستعصي حلها على الحكومات المحلية ولا تُحلَّ إلا بتدخل الحكومة المركزية.

          أما المبررات التي تذكر اليوم للمسارعة في تطبيق الفدرالية فهي غير واقعية كما يقال أنها لمنع الديكتاتورية في المركز. وهذا كلام غير صحيح، لان الذي يمنع الديكتاتورية وجود عملية سياسية صحيحة مبنية على التنافس الشريف واحترام إرادة الشعب والعمل بالدستور وحينئذ ينال كل واحد حقه من غير استئثار ولا عدوان، أما الفدرالية فقد تعمل على إنشاء ديكتاتوريات متعددة في الأقاليم والمحافظات ويتحول إلى ممالك وكانتونات عشائرية وطائفية وغيرها من الانتماءات فلنعمل جميعاً على إقامة عملية سياسية سليمة قائمة على أسس صحيحة فهي الحل الأمثل للجميع. أما الدعوات الأخرى فلا أستطيع أن أحسن الظن بها. والوقائع على الأرض والأحداث شاهدة على ذلك.



 ([1]) بينهم مراسل الحرة والمنار والعراقية والرأي العام ووكالة الصحافة الفرنسية... وكان اللقاء يوم 2/ذو الحجة /1428 المصادف 13/12/2007.