خطاب المرحلة (171)... السياسيون يفتقدون الإرادة الجدّية للحل
بسم الله الرحمن الرحيم
السياسيون يفتقدون الإرادة الجدّية للحل ([1])
عُرِضت وتعرض على الطاولة السياسية حلول عديدة لإخراج العراق من محنته ولا يزداد الوضع إلا سوءاً فما السبب!
إن المشكلة في كون السياسيين المستأثرين بالحكم لا يريدون حلاً، أو قل يريدون حلاً يحافظ على مغانمهم ومصالحهم الاستبدادية وهذا يعني اللا حل، لان أي صراع وتقاطع بين طرفين أو أكثر يتطلب تنازلات وتضحيات فالمتسلطون يفتقدون الإرادة الجدية للحل.
يعلمنا القرآن الكريم أن أي عملية إصلاح وحل للمشاكل تتطلب وجود مثل هذه الإرادة بين الطرفين حتى في ابسط صورها بين الزوجين وهما فردان فقط، قال تعالى: [وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً] (النساء:35)، فإذا أراد الزوجان –بناءً على عودة ضمير التثنية عليهما لا على الحكمين- الإصلاح فإن الله تعالى يوفق لذلك الإصلاح وإلا فسيكون المحل غير قابل لنزول التوفيق عليه.
سياسيو العالم كله والمراقبون والمحللون والخبراء يجمعون على أن الحكومة فاشلة وعاجزة ولم تقدّم أي شيء مما يجب عليها تجاه شعبها فعليها الاستقالة، إلا المنتفعون من هذه الحكومة المستأثرون بمغانمها يصرّون على البقاء وهذا يعني أنهم لا يشعرون بالمسؤولية الأدبية والأخلاقية أمام الشعب وكل العالم المتحضّر.
قبل أيام استقال وزيرَا الصحة والمياه الأردنيان على خلفية إصابة ألف أردني بسبب عدم تصفية المياه بشكل كافٍ ورغم عدم مسؤوليتهما المباشرة عن الحادث الذي لم يمت فيه أحد، وأنهما بذلا جهوداً –بحسب رئيس حكومتهم- في تجاوز الأزمة لكنهما انطلاقاً من مسؤوليتهما الأخلاقية عن الحادث قدّما استقالتهما، ونحن في العراق نعيش في كوارث لم يشهد أي بلدٍ مثلها ويصرّ الحكام على البقاء ويصمّون آذانهم ويغلقون أعينهم لكي يقنعوا أنفسهم بعدم وجود مشكلة.
فالجميع يعلم أن الحل بانخراط الجميع في مشروع وطني يتسامى عن الانتماءات الطائفية والعرقية مع احتفاظ كل مكون اجتماعي بخصوصياته، ويكون هذا المشروع كفيلاً ببناء مؤسسات دولة قوية مستندة إلى هيبة القانون، لكن المتسلطين الذين تلفعوا بعباءة دينية أو قومية ووصلوا إلى الحكم لا يريدون لهذا الحل أن يمضي لأنه يكلّفهم التنازل عن بعض ما حصلوا عليه.
ولكنني متفائل لأنني أجد المشاعر الوطنية تتأجج والوعي بخطورة تسلط الأجانب وتبعية السياسيين لأجندات غير عراقية يزداد، وان عمر هؤلاء الأذناب لن يدوم طويلاً، وعلى النخب المثقفة الواعية أن تسعى بجد في هذا الاتجاه لتزول الحواجز بين مكوّنات الشعب العراقي ويذوب الجميع في حب العراق بلد الأنبياء والأئمة (سلام الله عليهم) ومهد الحضارات، فمن العيب أن يفشل السياسيون والمفكرون والمثقفون والخطباء في إيجاد هذه اللحمة الوطنية وتنجح كرة جلدية تتقاذفها الأقدام في صنع فرحة غامرة لشعب كامل([2]) تناسى الجميع في تلك اللحظة الفروق والانتماءات والتقوا كلهم على تلك الفرحة من الخارج والداخل.
إن الشعب إذا لم يتحرك ويُعلي صوته للمطالبة بحقوقه فإن أحداً سوف لا يهتم به أو يفكّر في إنقاذه من محنته، وأنت ترى حلولاً تُطرح من قبل الكتل السياسية المتنفذة ومن الخارج وكلها تراعي مصالحها وتبحث عن الحلول الكفيلة بديمومة تلك المصالح، ويتضح ذلك من تفاصيل وأهداف المشاريع التي يقدمونها فإنها جميعاً لا تتضمن تحسين الخدمات أو رفع مستوى معيشة المواطن العراقي أو إعادة المهجرين إلى ديارهم أو توفير الأمن والسلام، وغاية أهدافهم البقاء مدة أطول في الحكم وتمرير القوانين التي تصب في مصالحهم الشخصية، ولا يلوم الشعب إلا نفسه لأنه لا يُسمِع العالم صوته وكأنه لا يعاني من مشكلة، فإذا غيّب نفسه فهل سيلتفت إليه الآخرون؟.
([1]) من حديث سماحة الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع الأمانة العامة لمنظمة المستقبل الإنسانية الثقافية في محافظة كربلاء يوم الخميس 9/شعبان/1428 المصادف 23/8/2007.
([2] ) إشارة إلى حصول المنتخب العراقي لكرة القدم على بطولة كأس آسيا لأول مرة في تأريخه بعد تغلبه على المنتخب السعودي في المباراة النهائية 1/ صفر يوم 14/ رجب/ 1428 المصادف 29/ 7/2007 وغطت الاحتفالات الشعبية على إحياء الذكرى الأليمة بوفاة العقيلة زينب (عليها السلام).