خطاب المرحلة (170)... قيمة العمل الفردي والجماعي للرساليين وطلبة الحوزة العلمية الشريفة
بسم الله الرحمن الرحيم
قيمة العمل الفردي والجماعي للرساليين وطلبة الحوزة العلمية الشريفة (1)
يوجد دور للإنسان يؤديه كفرد وله دور آخر كجزء من المجتمع، ومن وظائفه على الصعيد الأول تهذيب نفسه وتربية أولاده وتحصيل الكسب للإنفاق على عائلته وغيرها ومن الثاني مشاركته في بناء الدولة والعمل الجماعي الذي تؤديه الأمة.
وما يقال إن جهود الأمة هي مجموع الجهود الفردية لأبنائها وان كل فرد لو أصلح نفسه فانه سينصلح المجتمع، إذا أريد بجهد الفرد وإصلاح نفسه على الصعيد الأول فقط فإن هذه المقولة غير كافية؛ لأنه لو تصورنا أن كل فرد أصبح صالحاً في نفسه فهذا لا يكفي لإقامة دولة صالحة ما لم يؤدوا وظيفتهم الثانية وهي دورهم في العمل الجماعي وأداء وظيفتهم في العمل المؤسساتي.
واضرب لكم مثلاً فيما لو وُجِد كتاب من عدة أجزاء وعرض عليك الكتاب بكامل أجزائه فانك تدفع فيه ثمناً معيناً، بينما لو عرضت أجزاء متفرقة منه وناقصة فانك لا تدفع في كل جزء منه مبلغاً مساوياً لنسبة ذلك الجزء من مجموع الأجزاء، لنقصان قيمته حينما يكون منفرداً وتزداد فيما لو انضمّ إلى المجموع، وقد تنعدم قيمة الجزء إذا كان منفرداً كأحد مصراعي الباب فانه لا ينفع بإزائه شيء ولكنه إذا انضمّ إلى جزئه الآخر دفعت فيه قيمة معتبرة.
ولما كان الحديث الشريف يقول (قيمة كل امرئ ما يحسنه) فإن الإنسان الهادف يسعى لإيجاد أكبر قيمة له، فلا يتوقف عند قيمته كفرد مهما غلت وازدادت بما حوى من محاسن ذاتية وإنما يسعى لاكتساب القيمة الأخرى التي يحصل عليها من الانخراط في العمل المؤسساتي الجماعي، وهذه القيمة يخسرها الإنسان حينما ينعزل وينكمش ويبتعد عن أداء دوره ضمن المؤسسات النافعة.
وكما هو واضح فإن أحد الدورين لا يغني عن الآخر فالأول أساس للثاني والثاني كمال للأول، وهذا ما يميّز عمل المؤمن الرسالي عن غيره فإن المؤمن غير الرسالي يقف عند حدود تربية ذاته وإصلاح نفسه وأداء دوره الأول، وهو خير ويثاب عليه ولكنه ليس كالثاني الذي يتحرك في الأمة ويبذل كل ما في وسعه لإصلاح الآخرين وهدايتهم وإقامة الحق والعدل في البلاد.
ولما كانت الحوزة العلمية الشريفة في طليعة المؤسسات الرسالية فلا ينبغي لها أن تغفل عن تحصيل كلتا القيمتين، وللحوزوي دوره الفردي التقليدي من إمامة الجماعة والجمعة وتبليغ الأحكام ووعظ الناس وإرشادهم والتوسط بين المرجعية وأتباعها وأي نشاطات أخرى، وهذا ما لا يمكن التخلي عنه وإنما تتنوع آليات تحقيقه بحسب ما يتيسر بلطف الله تبارك وتعالى.
وعليهم أيضاً أن لا يغفلوا عن دورهم الثاني ونحن ما أسسنا (جماعة الفضلاء) إلا لتكون الإطار التنظيمي لعمل الحوزويين بشكل جماعي ليقيموا المجتمع الصالح سعياً لإقامة دولة الحق والعدل.
وفي ضوء هذا فإن من ينغمس في العمل المؤسساتي ويترك وظائفه الفردية يكون مضيعاً لأساس عمله، ومن يطالب بإلغاء العمل المؤسساتي ويطالب بالاكتفاء بالطريقة التقليدية من أداء وكلاء المراجع فإنه يكون مضيعاً للكمال [وَكُلاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى] (النساء:95)، إذ لا يوجد تنافي بين الدورين والدور الفردي محفوظ ويستطيع وكلاء المرجعية الرشيدة أن يقوموا به ويقتصروا عليه إذا لم يكن عندهم انسجام مع العمل الجماعي.
ويستطيعون التوسع بعملهم بحيث يصبح كل فرد منهم مؤسسة [إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً] (النحل:120)، فيقيمون الدورات الحوزوية الصيفية، ودورات تعليم القرآن الكريم، ورعاية الفرق الرياضية، وتكريم المتفوقين في الدراسات الأكاديمية، وإقامة الشعائر الدينية والحفلات الاجتماعية، ومساعدة المحتاجين وتزويج الشباب، وإيجاد فرص عمل للعاطلين وغيرها كثير مما يقرّب إلى الله تبارك وتعالى.
ولا يقعده عن أداء هذا الدور المبارك عدم وجود مسجد ينطلق منه في حركته، فيمكن أن يكون داره أو دار أحد ممن يتعاون معه مسجداً ومجمعاً للناس ومحلاً لإقامة الشعائر المباركة، ويضع على سطح الدار مكبرة صوت يرفع منها الأذان المبارك في أوقات الصلاة ليضيء داره في الأرض كالكوكب الدري كما يبدو لأهل السماء، ولا يُنال ذلك إلا بفضل الله تبارك وتعالى.
([1]) من حديث سماحة الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع إدارة وطلبة جامعة الصدر الدينية فرع كربلاء المقدسة يوم السبت 20/رجب/1428 المصادف 4/8/2007 وحديثه مع عدد من أعضاء مكتب جماعة الفضلاء في النجف الأشرف يوم 22/رجب/1428.