خطاب المرحلة (163)... العجز عن حل مشاكل العراق بسبب عدم وجود رمز كبير يفرض الحل على السياسيين
بسم الله الرحمن الرحيم
العجز عن حل مشاكل العراق بسبب عدم وجود رمز كبير يفرض الحل على السياسيين([1])
في إحدى المرات التي أصيب البلد بوباء الجراد إبان العهد الملكي والجراد الذي يكتسح أرضاً زراعية فإنه يذرها قاعاً صفصفاً، فاهتمت الحكومة يومئذٍ بمكافحته، وكان جدي الشيخ محمد علي اليعقوبي (رحمه الله) معروفاً بانتقاداته اللاذعة للحكومة وسوء إدارتها وبعض الظواهر المنحرفة في المجتمع ويعبر عن نقده ببيتين من الشعر تعرف بـ(الدوبيت) وكانت دوبيتات اليعقوبي تأخذ صداها في أوساط المجتمع وتتناقلها الألسن لما فيها من سلاسة ودقة انطباق على الحالة، ومن دوبيتاته التي تناول فيها الحالة المذكورة وهي مكافحة الجراد قوله (رحمه الله) :
ألا قـل للـوزارة وهـي تبـغي مكـافحة الجـراد عن البلادِ
فهلا كافحتْ في الحكم قوماً أضرُّ على البلاد من الجرادِ
ترحّمتُ عليه وعلى كل المخلصين من أبناء البلد وأنا أرى دقة انطباق وصفه على الموجودين في السلطة اليوم رغم مرور أكثر من نصف قرن على نظمه البيتين، فقد جاء هؤلاء المتسلطون من خارج البلاد كوباء الجراد وراحوا يقضمون بـِنَـهمٍ كل ما في هذا البلد من خيرات ومن حضارة ومن وجود، فهم كما وصف أمير المؤمنين (عليه السلام) بني أمية حينما ولي الخليفة الثالث الخلافة وسلّطهم على الرقاب في غفلة من الزمن وسبات من الأمة (وقام معهُ بنو أبيهِ يَخضمون مال الله خضمةَ الإبلِ نبتةَ الربيع)([2]).
وهي نتيجة طبيعية تحصل للأمة حينما ترجع في أمورها إلى من هو ليس بأهل وتختار عن غير بصيرة وتستسلم للظلم والانحراف، وقد حذّرت الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء في خطبتها من هذه النتيجة فقالت (عليها السلام) : (ويحهم أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدّي إلا أن يهدى فمالكم كيف تحكمون؟! أما لعمري لقد لقحت، فَنَظِرةٌ ريثما تنتج) إلى أن قالت (عليها السلام) : (وأبشروا بسيف صارمٍ، وسطوة معتدٍ غاشم واستبداد من الظالمين: يدَعْ فيئكم زهيداً، وجمعكم حصيداً، فيا حسرة لكم! وأنى بكم وقد عميت عليكم، أنُلزِمكموها وأنتم لها كارهون)([3]).
قبل أيام قرر مجلس الأمن حل اللجنة المكلفة للبحث عن أسلحة الدمار الشامل وانتهاء عملها ولما سأل مُقَدِّمُ النشرة الأخبارية مراسلَ القناة هناك عن مقدار الأموال المتبقية في رصيد اللجنة ومصيرها؟ قال إنها (60) مليون دولار وستبقى تحت تصرف بعثة العراق في الأمم المتحدة لتحسين بنايتها!!
تصوروا أن هذا المبلغ الضخم عندهم هو مجرد (تفاليس) لا يستحق أن يعاد إلى الخزينة العراقية ويصرف على الجياع والمحرومين والمهجرين الذين تعقد دول العالم المؤتمرات لدراسة كيفية مساعدتهم وتجمع التبرعات. بينما تهدر هذه الثروات الضخمة على أيدي المسـتأثرين والمستبدين.
هذا مع العلم أن بعثة العراق هناك تافهة ولا تقدم أي عمل لخدمة العراق ونصرة شعبه وكل همها إقامة الولائم وحضور الحفلات.
وبدلاً من أن تساهم الحكومة العراقية في معالجة أسباب التهجير وتضمن العودة السريعة للمهجرين إلى منازلهم تدعو دول العالم لاستقبالهم وكـأن مشروعاً خفياً يجري لتغيير ديموغرافية العراق وتركيبته السكانية بإفراغه من أهله والمجيء بناس من دول أخرى لا نعلمهم سوى أنهم منسجمون مع مصالح أصحاب هذه الخطة.
إن المهجرين يغادرون منازلهم وعيونهم عليها وقلوبهم معها وآمالهم مشدودة إلى اليوم الذي يعودون فيه إليها حتى وهم في أقصى نقاط العالم، لذا لا تجد أحداً منهم يبيع بيته أو أثاثه أو يصفي أملاكه إلا النادر وهذا يعني أنهم غير عازمين على هجر بلدهم وتركه، فانتـبِـهوا إلى هذه المؤامرة الخطيرة على الشعب العراقي التي تشترك فيها دول عدة ويديرها عملاء هذه الدول الذين ينفذون أجنداتهم.
ولاكتمال المؤامرة فإنهم يحاربون أبناء البلد الوطنيين الأحرار الشرفاء وإذا برز فيهم([4]) من يمكن أن يكون خطراً على المصالح اللامشروعة لأولئك العملاء فإنهم يعملون بكل ما أتوا من ماكنة إعلامية وأموال قارونية وقداسة مزيفة على تسقيط تلك الرموز، والافتراء عليهم لكي تخلو الساحة لأولئك العملاء وحتى إذا جاءت الانتخابات المقبلة ونحوها فسوف لا يجد الشعب إلا إعادة انتخاب سارقي ثروات الشعب أنفسهم بمباركة من وُعّاظ السلاطين الذين كل همّهم مداراة مصالح الخاصة ولو سَخطَ عامة الشعب، على عكس ما أوصى به أمير المؤمنين (عليه السلام) مالك الأشتر حينما ولاه مصر (فإن سخط العامة يجحف برضا الخاصة، وان سخط الخاصة يُغتفر مع رضا العامة).
إن العجز عن حل مشكلة العراق اليوم يرجع في بعض أسبابه المهمة إلى عدم وجود رمز وطني أو ديني كبير له هيبة وانقياد يستطيع فرض الحل على السياسيين وإرغامهم على الرضوخ إلى الحق.
وهنا يكون واجب النخبة كبيراً فعليهم تحمل مسؤولياتهم لتوعية الشعب وتوجيهه نحو قيادته الحقيقية والتصدي لتحمل المسؤولية وتقديم البديل الصالح ليأخذ محل الفاسدين والظالمين.
(1) من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع وفد من ناحية غماس ضم أطباء وقضاة ومحامين ووجوه عشائرية يوم الثلاثاء 18/ج2/1428 المصادف 3/7/2007.
(1) نهج البلاغة، ج1، الخطبة رقم (3) وهي المعروفة بالشقشقية.
([3]) الاحتجاج، ج1، ص148. وشرحنا الفكرة بالتفصيل في بحث (ماذا خسرت الأمة حينما ولت أمرها من لا يستحق) المنشور في كتاب (الأسوة الحسنة).
([4]) يشير سماحته بذلك إلى نفسه، وقسوة المؤامرات التي حاكها أولئك المجتمعون على تسقيط مرجعية سماحة الشيخ ومحاصرته وتشويه صورته.