خطاب المرحلة (150)... الجامعيون وقيادة المشروع الوطني
بسم الله الرحمن الرحيم
الجامعيون وقيادة المشروع الوطني([1])
إن كل مشروع يبدأ بمستوى معين من الأداء ثم ينضج شيئا فشيئاً من خلال ترسيخ ما هو ايجابي وبإصلاح الأخطاء وتدارك التقصيرات، هذا طبعاً مع توفر صدق النية والإخلاص والشعور بالمسؤولية والهمّة في العمل، ولم يتخلّف عن هذه السنة الجارية في حركة البشرية مشروع مواكب الوعي الحسيني لطلبة الجامعات وكان التحسن في أداء اللجنة المنظمة وعلى رأسها عمادة وإدارة وأساتذة المعهد التقني في كربلاء المقدسة هذا العام ملحوظاً، وهذا ما دعا المرجعية الرشيدة إلى أن تعلن هذه المناسبة ملتقى سنوياً للجامعات والحوزات العلمية في (ملتقى العلم والدين في رحاب الإمام الحسين (عليه السلام)).
وللتعرف على حجم الانجاز الذي حققه منظمو هذه المواكب نقارن عملهم بعمل الهيئة العليا التي أشرفت على تنظيم موسم الحج بإمكانيات ضخمة رصدتها الحكومة بلغت (85) مليون دولار، ودفع كل حاج تسعمائة دولار ومع ذلك فقد كان وضع الحجاج العراقيين مذلاً ومهيناً وبقي عدد كبير منهم بلا مأوى يفترشون أرصفة الشوارع أياماً، ثم أنزلوا بفنادق تحت الإنشاء وتفتقد الخدمات، أما هذه المواكب الجامعية فقد شهدت مستوى جيداً من توفير الطعام والخدمات والمخيمات والفرش والأغطية ووسائط النقل من والى مدنهم ولجان للمحافظة على الأمن والتنظيم والخدمات الطبية، وكل ذلك تبرعاً وتطوعاً.
ولا ندّعي خلّو الفعالية من الخلل والتقصير وقد شُخصت عدة نقاط بهذا الصدد في تقارير مقدّمة من عدة جهات مشاركة نسأل الله تعالى أن يعيننا على إصلاحها وتلافيها.
وقد تضّمن الخطاب الذي وجهّه سماحة المرجع الشيخ اليعقوبي إلى أخوته وأبنائه من أساتذة وطلبة الجامعات عدة محاور ينبغي لهذا الملتقى أن يناقشها ويقدّم التوصيات وآليات العمل التي تتكفل تحقيق النتائج المرجّوة في جميع هذه المحاور.
وكان منها قيادة مشروع وطني يوحّد العراقيين ويأخذ بأيديهم نحو عراق مزدهر حر كريم يأخذ موقعه الرائد بين الأمم المتحضرة ويؤهل هذه الأرض المباركة لاحتضان دولة الحق والعدل الإلهي، ولدى أساتذة وطلبة الجامعات ما يؤهلهم لتأسيس هذا المشروع وقيادته لما يحظى به هذا الكيان من ثقة وحب واحترام لدى كل مكونات الشعب العراقي، ولأنه يحتضن في أروقته الكفاءات والنخب التي يعقد الشعب أماله عليها لبناء العراق في مختلف الاختصاصات في الوقت الذي فقد فيه الشعب ثقته بأكثر الكيانات السياسية وصار يرى فيها سبب المشكلة واصلها فلا يجدهم قادرين على الحل، كما أن لهذا الكيان (أساتذة وطلاباً وإداريين وفنيين) مطالب مشروعة وحقوقاً لا يمكن غض الطرف عن عدم تحقيقها.
فالمطلوب استثمار هذه الفعالية وغيرها للضغط من أجل انتزاع الحقوق إذ السائد في عراق اليوم قانون القوة وليس قوة القانون، فبينما يستأثر الانتهازيون والذين يمتلكون وسائل الابتزاز والقهر بثروات الشعب والمواقع المتقدمة في إدارة البلد يتعرض الأساتذة الجامعيون والمفكرون والمثقفون إلى القتل والتشريد والإقصاء وفي هذا خطر كبير على مستقبل الأمة إذ تضيع فيه موازين التقييم الصحيح وهو ما حذّر منه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمته حينما قال لهم (كيف بكم إذا تركتم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وهي حالة خطيرة أن تتخلى الأمة عن هذه الوظيفة المقدسة التي بها يقام القانون والعدل والنظام ويقضي على الفساد والانحراف فقال أصحابه (أو كائن ذلك يا رسول الله) قال (صلى الله عليه وآله وسلم) (نعم وأشد من ذلك فكيف بكم إذا فعلتم المنكر وتركتم المعروف)، وهذه اخطر حيث لم يكتفوا بترك صاحب المعروف على معروفه وفاعل المنكر على منكره بل تحولوا إلى فعل المنكر وترك المعروف ولكنه (صلى الله عليه وآله وسلم) يبيّن لهم المرحلة الأخطر بعد أن سألوه (أو كائن ذلك يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال (صلى الله عليه وآله وسلم) (نعم واشد من ذلك، كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً) حينئذ تفقد الأمة الرؤية الصحيحة لتشخيص المعروف والمنكر فترى الخطأ صحيحاً والصحيح خطأً فتصعب حينئذ عملية الإصلاح، إذ إن المصلح سيجد إن عليه ليس فقط البدء من الصفر وإنما الرجوع إلى ما تحت الصفر ليصحح الرؤية والمفاهيم في ذهن الناس حتى ينطلق إلى هدايتهم إلى المعروف وتجنيبهم المنكر.
ولكي نحقق هذه النتائج وننتزع هذه الحقوق لابد من أنشاء (كيان عراقي للجامعيين)([2]) أساتذة وطلاباً وإداريين وفنيين تكون باكورة فعالياته والمظهر الرئيسي لنشاطاته تنظيم مواكب الوعي الحسيني لأساتذة وطلبة الجامعات وملتقى العلم والدين، وهذه الفعالية تكون هيئتها المركزية في كربلاء ولها هيئات فرعية في كل الجامعات والمعاهد الفنية والكليات المستقلة في عموم محافظات القطر.
أما الفعاليات الأخرى فيمكن أن تكون هيئتها المركزية في بغداد لأنها عاصمة القرار السياسي أو في البصرة كبديل مؤقت بسبب ما تعانيه بغداد من ظروف قاهرة، ويمثل كل جامعة أو معهد أو كلية عدد من الأساتذة والطلبة في الاجتماعات العامة التي تقيمها الهيئة المركزية.
وينبغي أن يهتم هذا الاتحاد برعاية كل الأنشطة سواء كانت ثقافية أو علمية أو سياحية أو رياضية كاحتضان بطولة لفرق تمثل جامعات العراق لأننا نعتقد إن الرياضة استطاعت توحيد ما فرقته السياسة في عدد من المناسبات الأخيرة.
وتعلن المرجعية الرشيدة استعدادها لاحتضان اللقاء التأسيسي لممثلي الجامعات والمعاهد في النجف الأشرف لوضع النظام الداخلي وبرامج العمل وسوف لا تقصر بلطف الله تبارك وتعالى عن دعم هذا الكيان المبارك الذي قد يتحول إلى قوة جماهيرية واعية ضاغطة على السياسيين لينصاعوا إلى مطالبها المشروعة.
([1]) من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع السادة عميد المعهد التقني في كربلاء ومعاونه وعدد من أساتذته وإدارييه يوم الخميس 4/صفر/1428المصادف22 /2/2007 بعد استضافتهم لفعاليات مواكب الوعي الحسيني لأساتذة وطلبة الجامعات العراقية ومع نخبة من أساتذة وطلبة جامعيين من البصرة وذي قار وواسط يوم 29/محرم/1428.
([2]) عقدت عدة لقاءات لإنضاج المشروع حتى أعلن عن تأسيس كيان (جامعيون) في الموسم اللاحق وعرض على أنه كيان علمي اجتماعي قريب من مؤسسات المجتمع المدني.