خطاب المرحلة (138)... خطوات على طريق إنضاج عمل مؤسسات المجتمع المدني
بسم الله الرحمن الرحيم
خطوات على طريق إنضاج عمل مؤسسات المجتمع المدني([1])
لقد تجاوزتم بفضل الله تبارك وتعالى عدة مراحل من العمل و هي مرحلة تأسيس منظمات المجتمع المدني التي تكفلت تغطية نشاطات و احتياجات متنوعة، ثم مرحلة التلاقي والتعارف بينكم لتبادل الخبرات، ثم مرحلة المركزية والتجميع في الهيئة المركزية لمنظمات المجتمع المدني (همم) لتنظيم العمل و توزيع الأدوار و تنويع المهام، والآن تستطيعون التقدم بعدة اتجاهات :
الأول: إصدار كراس يُعرِّف بطبيعة عمل مؤسسات المجتمع المدني و الأدوار التي يؤديها في حياة الأمة و شرح معنى المجتمع المدني و إزالة الشبهة التي يصورها أذناب الغرب حين يجعلون المجتمع المدني مقابل المجتمع الديني فيسالون في استبياناتهم (هل تريدون مجتمعا مدنيا أم دينيا) و هذا ربما له وجه بالنسبة لهم للدور السيئ الذي مارسته الكنسية للعصور الوسطى حيث وقفت حائلا دون تقدم البشرية، أما الإسلام فانه كان عاملا مهما في النهضة الحضارية التي شهدتها الأمة و تحولت في ظرف سنين من حالة بدائية ممزقة مختلفة إلى دولة تقود العالم، ونضجت بسرعة و أخذت تبني مؤسسات المجتمع المدني و دولة القانون كبيت المال و ديوان القضاء و المظالم و ديوان الجند و دار الخلافة و بيت الحكمة و غيرها.
و لكي يتعرف الناس على طبيعة عمل هذه المؤسسات و أهدافها لا بد من تدوين كل ذلك حتى يقتنعوا بدعمها و الانضمام إليها و المساهمة في إنجاح عملها و يمكن تلخيص الأهداف بما يلي:-
1- تغطية ساحات العمل و الأنشطة المطلوبة كلها فإن انشغال الجميع بالنشاط السياسي يترك فراغا في النواحي الأخرى التي لا تقل أهمية في حياة المجتمع كالأنشطة الثقافية و الاجتماعية و الدينية و الاقتصادية و الرياضية و غيرها
2- توفير الفرص لأكبر عدد من الراغبين في العمل الاجتماعي و خدمة الناس قربة إلى الله تبارك و تعالى، وهذا فرق الرسالي عن غيره فإن الأول لا يكتفي بهداية نفسه و يقف عند هذا الحد و إنما يسعى لهداية اكبر عدد من الناس و خلق فرص الطاعة لهم؛ لأن تشكيلات العمل السياسي كالأحزاب و الحركات لا تستوعب كل الذين لديهم الهمة و الحماس للعمل فالاقتصار على هذا اللون من العمل يوجب تزاحما و تدافعاً و تقاطعاً، فلتخفيف هذا الاحتقان نوجد منافذ أخرى من العمل مع الاحتفاظ بالحقوق السياسية لهؤلاء العاملين كحق الترشيح في الانتخابات أو المناصب و نحوها، وقد شرحنا تفصيله في خطاب المرحلة (103).
3- إننا قلنا في خطاب المرحلة (65) أن مما ينتظره الإمام من شيعته نضج قابليتهم في إنشاء دولة المؤسسات و القانون القائمة على أسس حضارية، فأي خطوة في هذا المجال تندرج في التمهيد للظهور المبارك و سيقيم الإمام دولة تبهر البشر بعظمة مؤسساتها و تجعلهم يذعنون له كما سجد سحرة فرعون لما ألقى كليم الله موسى عصاه و راحت تلقف ما يأفكون.
4- ممارسة دور الرقابة على عمل المؤسسات الرسمية جميعا بعد أن تخلت الجهات المختصة بهذا المجال عن ممارسة دورها في حسابات المصالح و المحاصصات و التوافقات السياسية.
5- في ضوء ما تقوم به هذه المؤسسات من نشاط واسع و تفصيلي فستكون مصنعا منجبا للكفاءات التي يجرب إخلاصها و حماسها و حسن إدارتها للأمور و سيؤهلها لشغل الوظائف المناسبة.
6- إن الأحزاب السياسية قد فقدت مصداقيتها و ثقة الناس بها بسبب سوء تصرفاتها و اهتمامها بمصالحها دون مصالح الشعب الذي يتطلع إلى الجهات النظيفة الصادقة في القول و العمل و حينئذ ستكون هذه المؤسسات جهة موثوقة لدى الشعب لترشيح الشخصيات القادرة على نفع البلد و الشعب.
إن هذه الأهداف التي تحدد مسار العمل و طبيعته وبرامجه و أي غفلة عنها يوجب انحرافاً في المسيرة، لذلك أكد القران الكريم و المعصومون عليهم السلام على أهمية ذكر الله و انه من أفضل الأعمال لان الله تعالى هو الهدف و المقصد و غاية المطلوب فذكره يعني التذكر المستمر للهدف الذي نعمل من اجله ولا نحيد عنه
الثاني:- أن تعمل الهيئة المركزية على تنظيم هيكلية إدارتها و عملها فتجعل لها مكتبا تنفيذيا لمتابعة القضايا التي تضطلع بها مؤسساتها لدى دوائر الدولة و وزاراتها كوزارة العمل لتسجيل العوائل المتعففة في شبكة الرعاية الاجتماعية، و ديوان الوقف للمساعدة في تزويج الشباب، ووزارة الهجرة و المهجرين لمساعدة العوائل المهجرة، وسائر الوزارات لإيجاد فرص عمل لأبناء العوائل المتعففة و المحتاجة و ذوي الشهداء و السجناء و المضطهدين و المهجرين وغيرهم، وأن تنشئ (همم) مكتباً تنظيمياً لإعداد كشف بالمؤسسات التابعة لها و نوع نشاطها و دائرة عملها لكي توزع الأدوار بينها بدقة و حتى نحدد مناطق الفراغ لتملاها بالمنظمات المطلوبة، وإذا وجدت أكثر من مؤسسة تعمل باتجاه واحد في مكان واحد فتحول عمل إحداها على الأخرى و تفرغها لنشاط من نوع آخر وهكذا، كما توجد حاجة لقسم الإحصاء الذي ينظم قاعدة بيانات للأفراد الذين يحملون مؤهلات لشغل الوظائف كمقدمة للسعي إلى توظيفهم وهكذا.
كما إنكم بحاجة إلى مركز أو لجنة للبحوث والدراسات و تشخيص الظواهر المرتبطة بعملكم كمشكلة العنوسة وعزوف الشباب عن الزواج، وازدياد عدد الأرامل و الأيتام لتحليل الأسباب و وضع البرامج الكفيلة لمعالجتها، وقد نقل أن عدد الأرامل في سن الزواج قاربت المليون أو زادت وبعضهن لا يليق بها وصف الأرملة لان عمرها لم يبلغ العشرين، وهذه مشكلة خطيرة تنذر بشر مستطير على المجتمع لولا بقية من دين و أخلاق وأعراف اجتماعية، فلا بد من المسارعة إلى معالجتها قبل استفحال خطرها بحملة توعوية أولا باتجاه قبول تعدد الزوجات باعتباره حلا شريفا يحل مشكلة النساء قبل الرجال، وتشجيع مشاريع الاستثمار لبناء وحدات سكنية بأقساط مريحة طويلة الأمد و تسجل باسم الأرملة و تلغى بعض الأقساط بالإنجاب و نحوها من الحلول الميسرة بلطف الله تبارك وتعالى.
و هذا يتطلب إجراء استبيانات متواصلة تغطي كل هموم و آلام و قضايا الأمة، وأن يستقبل موقعكم على شبكة الاتصالات و مقركم على الأرض كل المقترحات و المظالم و الشكاوى، ولا احتاج إلى تذكيركم بان من أعظم القربات إلى الله تبارك وتعالى الإحسان إلى الناس و إدخال السرور عليهم و قضاء حوائجهم و تخفيف آلامهم و التفريج عن كربهم، وأشرنا إلى شيء من ذلك في كتاب شكوى الإمام في موضوع (عناصر شخصية المسلم في المأثور عن أهل البيت (عليهم السلام)).