خطاب المرحلة (123)... الحاجة إلــى الموعظة ودروس الأخلاق

| |عدد القراءات : 1839
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

الحاجة إلــى الموعظة ودروس الأخلاق


 بمناسبة اليوم الأول من رجب ودخول هذه الأشهر الشريفة استقبل سماحة الشيخ مجموعة من المؤمنين من أبناء النجف الأشرف وفيهم بعض طلبة العلوم الدينية يرومون نشر أخلاق أهل البيت (عليهم السلام) في المجتمع للوصول إلى القلب السليم ولتنبيههم من الغفلة.

وبارك سماحة الشيخ اليعقوبي لهم وللحاضرين حلول شهر رجب وقال: أن مجرد تذكر الإنسان انه في شهر رجب أو شعبان أو رمضان أو يوم الجمعة ونحوها فإنه ينال بذلك بركة وألطافاً إلهية. ومن بركات هذه الأزمنة الشريفة ازدياد الهمة والتوجه نحو طاعة الله تعالى وتزداد كلما ازدادت الأيام شرفاً فتكون في شعبان أفضل منها في رجب وهكذا. فعلى المؤمنين أن يستثمروا هذه الفرص لتهذيب النفس وتطهير القلب الذي يمثل النتيجة المطلوبة من كل الممارسات والعقائد التي أمر الله تعالى بها فجعل سلامة القلب معيار الفوز في الآخرة [إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ] (الشعراء:89).

وجعل تبارك وتعالى من أعظم نعمه على أهل الجنة نزع ما في قلوبهم من أدران وتعلّق بالدنيا وحب للأنا [وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ] (الحجر:47). لأنها تنغّص حياته وتكدر صفو معيشته وتشغل فكره، فالأجدر بالمؤمن أن يسعى وهو في الدنيا بتطهير قلبه من هذه الأغلال لكي لا يحرم ولو لحظة من نعيم الجنة. 

أن القيمة الحقيقية للأعمال والطاعات التي يؤديها الإنسان هي بمقدار ما تثمر من سلامة القلب وتزكية النفس، لذا حينما يسال أحدهم الإمام الصادق (عليه السلام) عن كيفية التعرف على مقدار قبول صلاته فأجابه عليه السلام : انه بمقدار ما نهتك هذه الصلاة عن الفحشاء والمنكر. 

لقد كان السلف الصالح مهتمين بتهذيب سلوك المجتمع من خلال إلقاء المواعظ والدروس الأخلاقية، وكان لبعضهم منابر معروفة في الصحن الحيدري الشريف كالشيخ حسين قلي الهمداني والشيخ جعفر الشوشتري (قدس الله روحيهما) ويحضر عندهم العلماء المجتهدون والفضلاء وعامة الناس، ولا زال أبناء النجف يروون بعض تلك المواعظ والدروس، وأنا اروي بعضها عن أبي عن جدي عن أبيه الشيخ يعقوب الذي كان من خرّيجي هذه المدرسة الأخلاقية (رحمهم الله جميعاً).

ومما يروى من مواعظه أنه قال يوماً لحضّار المجلس: لقد أخبرني ثقة لا يكذب أن لصّا دخل بينكم يريد أن يسرق الأشياء الثمينة منكم فأخذ الحضور غاية الحيطة والحذر وتفقد كل منهم جيوبه، وبعد برهة قال لهم: ألا تصحون من غفلتكم؟! أتحذرون كل هذا الحذر من أجل دراهم بخسة ولا تحذرون من الشيطان الذي يريد أن يسرق منكم دينكم وآخرتكم ويريد أن يضلكم ويغويكم وقد أخبركم بذلك الله تبارك وتعالى أصدق القائلين وتواتر عليه مئة وأربعة وعشرون ألف نبي إضافة إلى الأئمة والعلماء والصالحين.!!

لقد ابتلي أتباع أهل البيت اليوم بالسلطة والمواقع والجاه فبرزت عندهم الأمراض القلبية والنفسية بشكل مريع يدعو إلى التشكيك بأصل الإيمان، ورموا عرض الجدار كل تلك الجهود التي بذلها العلماء والشهداء من اجل تربية الأمة وخصوصاً المتصدين منهم للمسؤولية الاجتماعية، مما يدعونا إلى التوقف للمراجعة والـتأمل والتقويم حتى لا نتخبط ونسير على غير هدىً وذلك هو الخسران المبين.

وقدمت المجموعة في نهاية اللقاء باكورة إنتاجها عن (مرض الغيبة) وعلاجه وفي نهايته أربعون حديثاً عن القلب السليم فعلق سماحته أن جمع أربعين حديثاً عن النبي وآله (صلى الله عليهم أجمعين ) ووعيها وتطبيقها يجعلكم مصداقاً للحديث الشريف (من حفظ على أمتي أربعين حديثاً ينتفعون بها بعثه الله يوم القيامة فقيهاً عالماً)، لكنني لا أجدكم كتبتم على العنوان (الأربعون حديثا في كذا..) مما يعني أن العمل لم يكن بالتفات كامل (إنما الأعمال بالنيات) والنية مؤثرة في قيمة العمل، ويمكن للإنسان بلطف الله تعالى بالنية المخلصة والإرادة الصادقة والعزم الراسخ أن يختصر طريق التكامل فيقطع في لحظة ما يقطعه غيره في سنة أو أكثر فإن (طيّ المسافة) المذكور في كرامات الأولياء لا يختص بالبعد الجغرافي، وإنما يمكن تحقيقها بلطف الله تعالى في البعد المعنوي كالحُر الرياحي فبالرغم من انه عاش عمره في خدمة الطواغيت إلا أن موقفاً عُمرُه لحظات اتصف بما تقدم جعله في أعلى عليين ودخل في زمرة الشهداء بين يدي أبي عبد الله الحسين (عليه السلام).

وأعرف شاباً كان أستاذاً في الجامعة التكنولوجية في منتصف السبعينيات وكان مسيحياً وملذّات الدنيا كلها متاحة بين يديه فهداه الله إلى الإيمان وولاية أهل البيت (عليهم السلام) وتعمق في مدرسة التشيع لهم عليهم السلام حتى أصبح يعقد الحلقات في مساجد الكرادة الشرقية لتدريس علوم أهل البيت وأخلاقهم فغاظ ذلك جلاوزة النظام فأعدموه والتحق بالرفيق الأعلى شهيداً محتسباً راضياً مرضياً.