خطاب المرحلة (122)... الشباب الجامعي والدعوة إلــى الله تبارك وتعالــى
الشباب الجامعي والدعوة إلــى الله تبارك وتعالــى (1)
قبل ثلاثين عاماً تقريباً كان وفد من الشباب الجامعي في زيارة للسيد الشهيد الصدر الأول (قدس سره) فكان مما قال إنكم أفضل منا ، وقد تأثروا بكلامه واهتزت عواطفهم حماساً لكنهم لم يفهموا كيف يكونون هم أفضل من أفراد الحوزة العلمية الذين يكرّسون كل وقتهم لطلب العلم والتدريس والتأليف وحضور الاجتماعات الدينية والشعائر، وقد شرح (قدس سره) لهم المعنى بأننا نعيش في النجف والأماكن التي نتردد إليها: المسجد والروضة الحيدرية الشريفة والمدرسة الدينية وبيوت العلماء ، ففرص الانحراف والدعوة إلى المعصية قليلة أو نادرة فإذا كنا لا نشتغل بهذه الوظائف الحوزوية فماذا نصنع وبماذا نقضي وقتنا.
أما انتم يا طلبة الجامعات فمحاطون بأجواء الفساد والانحراف والضغط الشديد للتأثر بالمعاصي، فالتزامكم بدينكم وسط هذه المعاناة وانتم في عنفوان الشباب وذروة اندفاعة النفس نحو إشباع الشهوات والمطامع يكون ذا فضل عظيم.
وأنا أتفق معه (قدس سره) في الجملة أي من بعض الجهات وهو ما قاله من الفخر بنجاح الشباب في امتحان الشهوات والمطامع، وإلا فإننا على علم بوجود أمراض قلبية ونفسية غير مرتبطة بالظروف يتعرض لها العلماء و طلبة العلوم الدينية وهي أكثر تأثيراً في البعد عن الله تعالى من تلك التي يتعرض لها الشباب من المعاصي الظاهرية.
وعلى أي حال فلأجل هذه المعاناة ورد أن الله تبارك وتعالى يباهي الملائكة بالشاب الذي ينشأ في طاعة الله تبارك وتعالى . وينجح في هذا الجهاد الأكبر – لأن الملائكة جبلت على الطاعة وعبادة الله ولا تتجاذبها نوازع الشر والفساد كما في الإنسان حيث تحمل نفسه ميداناً لصراع مرير بين جنود الرحمن وجنود الشيطان.
فعمر الشباب فيه هذه الفرصة من الارتقاء والتكامل إذا لم يستثمرها الشاب وتجاوز الأربعين مثلي فإنه لا يحظى بنفس العناية والمباركة ؟ولماذا لا يستثمرها الشاب ؟ وماذا يخسر لو أصبح ملتزماً بدينه طاهراً في سلوكه عفيفا في جوارحه ؟ انه لا يخسر شيئا فكل احتياجاته ونوازعه كالجنس والمال والجاه مكفولة له بطرق محلله، ولم يخلق الله هذه الشهوات لتكون وبالاً بل خلقها رحمة وامتناناً ولمصالح تعود إلى الشخص نفسه.
أتذكر أن السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) قال في إحدى خطب الجمعة في الكوفة ما أصعب أن يبقى الإنسان على طريق الاستقامة في خضمّ التحديات والصعوبات التي تواجهه والحاجات التي عليه تلبيتها، ولكن ما أيسره بنفس الوقت لأنه لا يحتاج إلى أكثر من الإرادة، فإذا عزم وقويت إرادته هانت عليه كل المصاعب.
هذا بشكل عام و أما أمثالكم من الشباب الرسالي الذين لا يكتفون بإصلاح أنفسهم، وإنما يسعون لإصلاح مجتمعهم خصوصاً الوسط الجامعي المشحون بالإغراء و الفساد والانحراف فهذا يتطلب همماً عالية، وقد اطلعت على عدد من مشاريعكم الإصلاحية كإقامة حفلات التخرج الإسلامية في مقابل المهرجانات الصاخبة والماجنة التي تعود على إقامتها طلبة الصفوف المنتهية في الجامعات قبل تخرجهم وقد تضمنت احتفالاتكم برامج عفيفة وسامية.
إنكم حينما تشكون من ضعف العمل الإسلامي في الجامعات، فإنه لا يدل على تقصير في جهودكم بقدر ما يعكس طبيعة الرسالي الذي لا يتوقف عمله حتى يرى كل الناس قد اهتدوا إلى طريق الحق أسوة برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي كان يتمنى صلاح كل البشرية وهو أمر مستحيل عادة لأن بعض القلوب قاسية فهي كالحجارة أو اشد قسوة وبعض الآذان صماء وبعض العيون عمياء لذا خفف الله تعالى من آلامه وطيب من خاطره في عدة آيات [فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ – أي قاتل – نَفسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إنْ لَمْ يُؤمِنُوا بِهَذَا الحَدِيثِ أَسَفاً] (الكهف: 6) [لعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ] (الشعراء:3).
ولكن أوصيكم باتباع الحكمة في دعوتكم إلى الله تبارك وتعالى والوسائل المناسبة التي تفتح قلب الآخر وعقله، وتجنبوا طرق الاستفزاز و التي تدفع الآخر إلى العناد والاستكبار.
ومن الأساليب المناسبة أن تستثير في الآخر كوامن الخير وتشيد بالخصال الكريمة فيه وان قلّت لأنه حتى الإنسان الفاسق قد تجد عنده خصلة طيبة أو أكثر كالرحمة بالآخرين أو النخوة و الشهامة في مساعدتهم، أو الاشمئزاز من إيذاء الناس، أو حب عمل الخير أو الشجاعة في الدفاع عن الحرمات وهكذا . فعلينا أن نثني على هذه الجوانب الايجابية فيهم ولا نركز على الزجر والتوبيخ والازدراء والوعيد فننفرهم. فإن قلة نادرة من البشر الذين هم شرّ محض ولا يحملون ولو صفة واحدة من الخير.
دخل واعظ على المأمون وتحدث بلهجة قاسية فقال له المأمون : لستُ شرا من فرعون الذي قال أنا ربكم الأعلى ولا أنت أفضل من موسى كليم الله ومع ذلك أوصاه الله تعالى هو و أخاه هارون حينما دخلا على فرعون [فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى] (طه:44).
وفي سيرة أهل البيت نجد نماذج لهذه الدعوة الطيبة كالذي فعله الإمامان الحسن والحسين (عليهم السلام) حينما وجدا شيخاً لا يحسن الوضوء فقالا له : يا عم نريد أن نتوضأ أمامك وتحكم أيُُّنا أحسن وضوءاً ، فلما رأى وضوءهما قال: يا سيدَيَّ إن وضوءكما حسن ولكن عمّكما الذي لا يحسن الوضوء.
([1]) من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع وفد ( البيت الطلابي) الذين أقاموا حفلات التخرج الإسلامية في عدد من الجامعات العراقية في بغداد في نهاية العام الدراسي صيف عام 2006.