خطاب المرحلة (117)... كيف نستعيد دور العشائر في بناء العراق الجديد
كيف نستعيد دور العشائر في بناء العراق الجديد(1)
قال الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم [وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا] (الحجرات:13) أي لتكون بينكم نسبة يعرف بها الشخص ويميز عن الآخرين الذين يشاركونه في بعض الصفات.
وقد حافظت القبائل العربية على هذه النسبة وصانتها وعززتها وصايا المعصومين فيوصي أمير المؤمنين ولده بقوله (صل عشيرتك فإنهم جناحك الذي به تطير) وقسم (عليه السلام) جيشه في صفين على أساس العشائر لأنه ادعى للبأس والحماس والثبات، وكذا قسِّم جيش المسلمين عندما واجهوا الفرس في القادسية، وكان للقبائل العربية دور مشهود كإشادة أمير المؤمنين (عليه السلام) بقبيلة همدان بقوله:
ولو كنتُ بوّاباً على باب جنةٍ لقلتُ لهمدان ادخلوا بسلامِ
وامتازت العشائر بخصائص توارثها أبناؤها كالشجاعة والكرم، وفي حديث خطبة أم البنين أم العباس و إخوته لأمير المؤمنين (عليه السلام) بواسطة أخيه عقيل ما يشير إلى ذلك، حيث روي أن علياً (عليه السلام) قال لأخيه : (اطلب لي امرأة قد ولدتها الفحول من العرب كي أتزوجها لتلد لي غلاما ينصر ولدي الحسين بكربلاء ) فأرشده عقيل إلى فاطمة أم البنين .
وقد أثبتت العشائر عبر التاريخ أنهم مكوِّن مهم في النسيج العراقي وأثّروا في حركة الأمة، وأحداث القرن الأخير شاهدة على ذلك حينما تحمّلت العشائر بقيادة علماء الدين مقاومة الاحتلال الانكليزي في الحرب العالمية الأولى سنة 1914 – 1917 وفي ثورة العشرين المباركة عام 1920 التي أثمرت إنهاء الاحتلال وإقامة الحكم الوطني بغض النظر عن انحرافه عن أهدافه لاحقا .
وقد التفت الأعداء خصوصا النظام البعثي البائد إلى مصادر القوة في هذا الشعب التي حفظت هويته واستقلاله وحركته دوما لرفض الظلم والانحراف فوجدوها ثلاثة (المرجعية – العشائر – التمويل الذاتي ) فوضعوا الخطط لاجتثاث منابع القوة هذه لدى الأمة، أما المرجعية فحاصروها وقيدوها واعدموا عدداً منهم كالشهيدين الصدرين (قدس سريهما)، و قضوا على الحلقة الوسطية الفاعلة بين المرجعية والأمة وهم الفضلاء والمبلغون والخطباء والشباب الرسالي فأعدموهم واعتقلوهم وشرّدوهم، وأما التمويل الذاتي فجففوه وأفقروا الطائفة بمصادرة أموال أثرياء الشيعة وسفروهم إلى إيران بحجة تبعية جنسيتهم وحجّموا كل أصحاب الأموال من أتباع أهل البيت (عليهم السلام).
ثم التفتوا إلى العشائر فاعدموا عدداً من وجوهها المؤثرين كالمرحوم الشهيد راهي بن الحاج عبد الواحد آل سكر والحاج عبد الحسين جيته وغيرهما، وصنعوا من بعض النكرات رؤساء عشائر وهميين وشتتوا أبناء العشائر بالانتماء إلى الحزب البائد، وكرسوا الجهل والتخلف فيها و عاقبوا كل من يتصل منهم بالمرجعية الدينية والحوزة العلمية و غيرها من الأساليب الشيطانية .
وجاءت الأحزاب اليوم لتمعن في ظلم العشائر وحرمانها فبالرغم من أنها وصلت إلى مواقع الحكم بأصوات أبناء العشائر، إلا أن الأحزاب استأثرت بالمغانم ولم تعط للطليعة والنخب من أبناء العشائر الفرصة الكافية لإدارة مفاصل الدولة، فبقي التهميش والإقصاء للعشائر.
وهذا ما يدعونا إلى إعادة النظر ومراجعة الحالة ووضع البرامج الكفيلة باستعادة العشائر دورها وثقلها الاجتماعي، وأعتقد أنهم قادرون على بناء بلدهم وحل مشاكله أفضل من الذين قدموا من الخارج بعد انقطاع عن بلدهم وشعبهم أزيد من عشرين عاماً، وأعتقد أيضا أن للعشائر فرصة طيبة في حل المشكلة الأمنية لامتدادها في الطائفتين، ووجودها في كل المدن الساخنة حتى أن بعض أبناء العشيرة الواحدة من السنة وآخرين من الشيعة .
فالمطلوب إنشاء كيان عشائري([2]) مستقل عن الأحزاب ويضم لجان متعددة تتكفل كل واحدة منها بتحريك وجه من أوجه النشاط المطلوبة كتثقيف العشائر وتوعيتها وتعليمها الأحكام الشرعية والمخالفات التي يتورط بها البعض، وان تتخصص لجنة لمتابعة الحقوق السياسية، وأخرى اجتماعية فتسعى في الإصلاح والتوفيق بين المتخاصمين وحل المشاكل وتقريب وجهات النظر وهكذا.
ويحسن أن يكون المقر المركزي في النجف الأشرف لإعطائه زخما وقوة لاحتضان المرجعية له عن قرب ويقوم بمتابعات ميدانية في جميع المدن والقرى والأرياف.
لقد اعترف الأمريكان أنهم ارتكبوا آلاف الأخطاء في العراق، وكان منها إهمال دور العشائر (السنية والشيعية) والاستخفاف بها باعتبارها وضعاً منافياً للمجتمع المدني، وقد غفلوا عن حقيقة أن العشائر تنظيمات لها خصالها الكريمة ودورها المؤثر فهي مكون مهم للمجتمع المدني، وبسبب هذا الإهمال وغيره من الأسباب دفع الأمريكان والعراقيون هذه الأثمان الباهظة، وكان ظنهم أنهم قادرون على تحقيق مخططاتهم وانجاز مشروعهم بالعراقيين الذين جاؤوا بهم من الخارج ففشلوا هذا الفشل الذريع.
لقد أصدرنا كتباً وخطابات، و سبقنا أستاذنا السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) بكتابه (فقه العشائر) وكلها تصلح أن تكون جزءا من هذه الحركة المباركة إذا نفِّذت ميدانيا .
ومن الآليات التي أثبتت جدواها في مثل هذا المشروع تأسيس مواكب أو تشكيلات من الشباب الرسالي داخل كل عشيرة ليقوم بهذه النشاطات، وستنتج من مجموع هذه الحركة أجواء إيمانية واعية وقادرة على التأثير في مجمل الحياة في البلد، وستعرف القائمين على المشروع بأصحاب الكفاءات والقادرين على العطاء.
([1]) من حديث سماحة الشيخ مع وفود من رؤساء عشائر ووجهاء النجف الأشرف يوم 26/ع2 ويوم 29/ع2 و مع موكب السراج المنير من عشائر الناصرية يوم 15/ع2/1429 المصادف 13/5/2006.
([2]) أثمرت هذه الدعوة المخلصة عن إنشاء مجالس صحوة العشائر التي تصدت لمكافحة الإرهاب والقضاء على تنظيم القاعدة ودولتهم الإسلامية المزعومة.