خطاب المرحلة (109)... إذا أردت أن تعرف المنتصر فانظر إلـى كربلاء يوم زيارة الأربعيـن
إذا أردت أن تعرف المنتصر فانظر إلـى كربلاء يوم زيارة الأربعيـن([1])
بسم الله الرحمن الرحيم
لما رجع الإمام السجاد (عليه السلام) وأهل بيت النبوة إلى مدينة جدهم (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد واقعة ألطف قال أحدهم بدافع التشفي والشماتة والحقد والحسد أو مدفوعاً تحت التضليل والجهل قال للإمام (عليه السلام) من الغالب؟! فقال الإمام (عليه السلام) إذا ارتفع صوت الأذان فستعرف من هو الغالب!
لأن الأمويين حاولوا بكل جهدهم طمس معالم الإسلام الحقيقي واستئصال قادته الحقيقيين، وفي كلمات معاوية ويزيد ما يدل على ذلك فقد عبّر معاوية عن شعوره باليأس والإحباط وعدم نجاح سعيه الأكيد لإطفاء نور الله تبارك وتعالى حينما قال: لم يكتفِ ابن أبي كبشة –يعني محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم)- حتى قَرنَ اسمه باسم الله (يعني في الأذان) ويصرّ بأن غليله لا يشفى إلا بدفن هذا الصوت، فالإمام السجاد (عليه السلام) يقول إن المنتصر الحقيقي هو الإمام الحسين (عليه السلام) الذي حفظ بدمه الزكي وجود الإسلام وثبّت مساره الصحيح وأفشل مخططات الأمويين في إنهائه وإطفاء نوره.
هكذا يجب أن نقيّم الحركات والمشاريع والأفراد في ضوء الأهداف التي تحركوا من أجلها، فلو كان الإمام الحسين (عليه السلام) كقادة الانقلابات العسكرية خرج لقلب نظام الحكم وتولي السلطة فإنه يمكن أن يقال أنه (عليه السلام) فشل في حركته، لكنه (عليه السلام) أعلن وهو ما يزال في مكة أنه سيقتل هو وأهل بيته وتسبى نساؤه (كأني بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا) وإنما خرج عليه السلام لطلب الإصلاح في أمة جده محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وقد تحقق ذلك، وها هي الأمة تعيش منذ أربعة عشر قرناً والى قيام القائم بركات حركته الشريفة.
ولمزيد من الإيضاح نقول لو أن طالباً من الأوائل دخل الامتحان فحصل على درجة (70) أو (80) بالمئة فإنه يعتبر نفسه قد فشل في الامتحان؛ لأن هدفه كان قريباً من المئة فرغم أن درجته ناجحة إلا أنه يعتبر نفسه فاشلاً لعدم تحقق هدف حركته.
وكذا الفريق الرياضي الذي تعوّد الفوز في البطولة التي يشارك فيها فلو حاز المركز الثالث أو الرابع فإنه يعتبر نفسه فاشلاً رغم أن مثل هذا المركز غاية مطمح غيره.
وبهذا المعيار نجيب من يسأل: هل نجح المشروع الأمريكي في مسخ هوية الأمة وتذويب شخصيتها؟
وهل نجح الإرهابيون في إرعاب الشعب وإخافته ومنعه من إظهار ولائه لأهل بيت النبوة؟
وهل استطاعوا إبعاد الشباب عن دينهم وفصل العروة الوثقى بينهم وبين أئمتهم وقادتهم ومرجعيتهم؟
نجيب هؤلاء: انظروا إلى كربلاء يوم الأربعين وزحف الملايين التي زادت عن الثلاثة مشياً على الأقدام، وقطع بعضهم مئات الكيلومترات رغم المخاطر المحدقة لتعرفوا فشل الإرهابيين.
وانظروا كيف أن أغلبهم من الشباب لتعرفوا فشل مشروع الغرب الإفسادي.
ولاحظوا التعبئة العامة التي أعلنتها الأمة لإنجاح هذه الشعيرة المقدسة وتقديم الخدمات وأسباب الراحة لهذه الملايين في كربلاء وعلى طول الطريق المؤدية إليها لتعرفوا شدة تمسك الأمة بالإسلام وولاية أهل البيت (عليهم السلام).
وإذا سألوا هل نجح مشروع إفساد طلبة الجامعات والمعاهد وتمييعهم وصرفهم عن أهدافهم الحقيقية إلى مظاهر الحياة التافهة الدنيئة، فنقول لهم انظروا إلى الموكب المهيب لطلبة الجامعات والمعاهد العراقية الذي ضمّ الآلاف منهم وسار عدة كيلومترات ليجدد انتماءه الواعي إلى مدرسة أهل البيت (عليهم السلام).
وكان المفروض من السياسيين أن يفهموا الرسالة التي وجّهتها هذه الملايين، فلا الائتلاف الذي يمثلهم تحدّث بقوة هذه القاعدة الواسعة الثائرة الغاضبة واستثمر هذه الحركة المباركة، ولا الآخرون توقفوا عن تماديهم وظلمهم، ولكن النصر يبقى بإذن الله تعالى حليف هذه الأمة المتمسكة بحبل الله المتين وسراطه المستقيم.