خطاب المرحلة (107)... ماذا بعد تفجير الروضة العسكرية المطهرة

| |عدد القراءات : 2458
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

ماذا بعد تفجير الروضة العسكرية المطهرة([1])

 بسم الله الرحمن الرحيم

[إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ] (غافر:51) [وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ] (الأنبياء:105).

لقد آن للجماهير أن تأخذ زمام المبادرة وتستعمل مختلف الوسائل المتاحة لها وعناصر القوة المتوفرة عندها، لكن طبعاً من دون عنف أو إضرار بمصالح العباد والبلاد خصوصاً أبناء المحافظات الجنوبية الذين استهدفت مقدساتهم وقتل أبناؤهم ولا زالوا يعيشون حياة الفقر والحرمان والبؤس وتخرج الخيرات من تحت أرجلهم إلى أعدائهم ليقتلوا بها أبناءهم ويرمّلوا نسائهم وييتموا أطفالهم، أو إلى المتآمرين عليهم ليسلبوا استحقاقهم ويلتفوا على إرادتهم وفي جميع الأحوال فإن الشعب وحده يدفع الثمن أما القيادات السياسية فلا همَّ لها إلا مصالحها الشخصية والفئوية وتصفية الحسابات بينها.

فرئيس الحكومة يترك البلد يحترق بالنار ويذهب لزيارة تركيا([2]) في حين أن قادة الدول يقطعون أهم زيارة أو مؤتمر لهم إذا وقع حادث في بلدهم  وقد اعترض رئيس الجمهورية على زيارة رئيس الحكومة لا لمطالبته بالمكث مع شعبه ومواساته في محنته والتفرغ للتفكير بألف حلّ وحلّ للخروج من الأزمة وإنما اعترض عليه لأنه لم يخبره وتصًّرف وحده ولاتخاذ الزيارة ذريعة لإسقاطه. أما زعماء الكتل السياسية فقد اجتمعوا([3]) وظن المراقبون أن مثل هذا الاجتماع الخطير للفرقاء كلهم يزيل كل العقبات ويحلُّ كل العقد لو كانوا يحملون نيات مخلصة ولكنه لم يكن إلا لذرّ الرماد في العيون وليوحي كل واحد منهم انه قد ابرأ ذمته وألقى الكرة في ملعب الآخر.

هذا كله وشلال الدم العراقي يجري والمقدسات تنتهك ولم تبقَ خطوط حمراء للمحرمات ومثيرو الفتن ينشطون في كل مكان.

فهل نكتفي بلطم الصدور وجلد الظهور والنداء بالويل والثبور، أو إصدار بيانات الاستنكار أو تسيير المظاهرات من دون هدف ولا مطلب وكأنها غاية وليست وسيلة لإحقاق الحق ورفع الظلم؟ ونحن إلى الآن لا نستطيع أن نقوم بأي مشروع في محافظاتنا إلا بتوقيع من دوائر العاصمة بغداد التي يسيطر عليها الصداميون والعملاء وهم لا يريدون الخير لنا ويعرقلون كل حركة ايجابية فصرنا لا نستطيع منح قطعة ارض لعائلة شهيد قدم روحه ونزف دمه دفاعاً عن دينه وأمته لأن وزارة البلديات لم تأذن بذلك ! 

وتنتهي سنة 2005 دون أن تصرف الحكومة التي انتخبها الشرفاء منكم التخصيصات المالية للمحافظات، وتركوها تعاني من شظف العيش والبطالة والوضع المتردي في الخدمات، ثم يتبجحون بان فائض الميزانية العراقية في هذا العام تجاوز ثمانية مليارات دولار وهي الأموال التي حرموكم منها وحبسوها عنكم، ولا أدري كيف يحصل فائض في ميزانية هذا البلد الخراب ويحتاج إلى أضعاف هذا الرقم للنهوض من جديد وكأنهم جاؤوا ليواصلوا سياسة (صدام) في تخريب هذه المدن الشريفة وتجويع أبناءها الكرام.

هذا هو حال الضعف والهوان الذي أوصلتنا إليه القيادات السياسية حتى طمع فينا شذاذ الآفاق فسعوا إلى تجميع شراذمهم([4]) لمصادرة الاستحقاقات الانتخابية وإفراغها من مضمونها تحت مسميات شتى وذرائع مختلفة، ثم أوقفوا العمل بالدستور الذي نال مصادقة الشعب مصدر السلطات وينص على أن البرلمان يجب أن ينعقد خلال مدة لا تتجاوز (15 يوماً) من حين مصادقة المفوضية العليا على نتائج الانتخابات، وقد انتهت هذه المدة يوم السبت الماضي ولم ينعقد البرلمان والكل يتفرج ولا يكترث ولا تنتفض غيرته إلا حينما تتأثر مصالحه الشخصية، وإذا أراد تحقيق مطلبه سخَّر المأجورين والجهلة والمتحجرين لإزهاق أرواح الأبرياء وإحراق الأخضر واليابس للضغط بهذا الاتجاه فهل بعد هذا يوجد شيء ننتظره من هؤلاء؟ !

أن الأمة هي المستهدفة وهي المظلومة وهي التي تدفع الثمن وبنفس الوقت فإن عناصر القوة بيدها وهي التي تمتلك التأثير والحسم فلماذا تغيّب نفسها وتلقي بقيادها إلى من لا يستحق؟ !

أن الخطوة الأولى تبدأ من وحدتها وتماسكها ووقوفها صفاً واحداً في حركتها المباركة هذه كما آخى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بين المهاجرين والأنصار قبل أن يتحرك لبناء دولة الإسلام العظيمة.

وعليها أيضا أن لا تتوقف عن إقامة الفعاليات والتجمعات والندوات والمظاهرات والمواكب وصلوات الجمعة الحاشدة لإبقاء حالة التعبئة كاملة.

وعلى ممثلي التوجهات المتنوعة للأمة أن يواصلوا الاجتماعات ويضعوا الخطط لبلورة مشروع كفيل بالنهوض بواقعها.

والتلويح بأشكال الضغط التي يستطيعونها فلديهم الكثير منها خصوصاً وان 90% من ثروات البلد تخرج من أراضيهم ولديهم الموانئ والمطارات والحدود الدولية والثروات الطبيعية وموارد بشرية يزيد تعدادها عن 15 مليون، وبينها الكثير من الكفاءات والمخلصين فلماذا يبقون يئنون من بطش وقسوة الأعداء والعملاء والمتآمرين؟

إننا نضع بين أيديكم عدة مطالب أساسية:

1- أن تجعل الحكومة هدفها حماية المواطن وتوفير الخدمات له وتبتعد عن مصالحها الشخصية والحزبية.

2- إنجاح عمل الحكومات المحلية للمحافظات وتأهيلها لإدارة شؤونها بعيداً عن التبعية المقيتة للروتين المركزي.

3- بناء قوات مسلحة وطنية مخلصة كفوءة قادرة عدةً وعدداً على حفظ الأمن وسيادة البلد والقضاء على بؤر الإرهاب والعتاة والحزم في تطبيق القانون، وإنهاء حالة الاحتلال المتذرع باختلال الأمن ويندرج في ذلك المطالبة بزيادة عدد القوات المسلحة وتجهيزها بمعدات وتكنولوجيا متقدمة، والإبقاء على سلاح واحد وهو سلاح الحكومة الدستورية.

4- تشكيل (لواء الإمامين العسكريين (عليهما السلام)) من الموالين والمخلصين الغيورين على مقدساتهم يتولى تأمين الطريق من بغداد إلى سامراء لحماية الزائرين وتمكينهم من زيارة الإمامين المظلومين علي الهادي والحسن العسكري (عليهما السلام)، وأن يكون مرتبطاً بجهة مؤتمنة على أرواح الناس وممتلكاتهم وأن يكون ذلك بأسرع وقت، فقد ضاقت الصدور لهفة لزيارة الإمامين الهمامين ورفع التقصير بحقهما وبحق ولدهما المهدي المنتظر الموعود (عجل الله تعالى فرجه الشريف).

5- تحريك العملية السياسية وفق الدستور وبما يكفل حقوق جميع مكونات الشعب العراقي مع مراعاة الاستحقاق الانتخابي.

6- إصلاح جهاز القضاء و المبادرة إلى تنفيذ العقوبات الصارمة بحق القتلة والمجرمين الذين اعترفوا أو ثبتت إدانتهم بارتكاب الجرائم والفساد في الأرض فإن التراخي معهم هو الذي أدى إلى تماديهم في الغي والعدوان.

7- تطهير العملية السياسية من الصداميين والمروّجين للإرهاب والمبررين للجرائم الشنيعة بحق الشعب والمحرضين على الفتنة والنعرات الطائفية.

8- محاربة الفساد الإداري ومحاسبة المفسدين وتأهيل الكوادر الوطنية الشابة وإعطائها الفرصة في إدارة مفاصل الدولة.

9- التزام السياسيين بخطاب وطني يدعو إلى الوحدة و يؤمن بثوابت هذا الشعب الدينية والأخلاقية والاجتماعية والوطنية، [قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إلى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلا الإصلاح مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ] (هود:88)

محمد اليعقوبي

2 صفر الخير 1427

الموافق 3/3/2006



([1]) نص البيان الذي وجهه سماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) إلى الآلاف من المؤمنين الذين اجتمعوا في مدينة البصرة من المحافظات الجنوبية لإقامة صلاة جمعة موحدة ليوم 2 صفر 1427 الموافق 3/3/2006 وفي جامع الرحمن ببغداد، لبيان الموقف من تداعيات فتنة الروضة العسكرية الشريفة، راجع (خطاب 113) (صفحة 259) للاطلاع على ثمرات هذا التجمع المبارك.

([2])  غادر د.إبراهيم الجعفري رئيس الحكومة المنتهية ولايتها والمرشح لتشكيلها بغداد متوجهاً إلى تركيا بزيارة مفاجئة يوم الثلاثاء 29/محرم /1427 المصادف آخر شباط 2006 ومعه نائبه لشؤون الطاقة د.أحمد الجلبي..

([3])  جمع رئيس الوزراء الدكتور إبراهيم الجعفري رؤساء الكيانات السياسية وبحضور وزيري الدفاع والداخلية والسفير الأمريكي يوم السبت 26 محرم.

([4])  اجتمع أعضاء كتلة الائتلاف العراقي الموحد يوم الأحد 13 محرم/1427 المصادف 12/2/2006 لحسم المرشح لرئاسة الوزراء وفاز الدكتور الجعفري بـ(64) صوتاً مقابل (63) صوتاً للدكتور عادل عبد المهدي، وفي اليوم التالي أبدى التحالف الكردستاني (53 مقعداً) وجبهة التوافق السنية (44 مقعداً) الاعتراض على ترشيح الجعفري لولاية ثانية وتحركوا لإقناع حركة الدكتور أياد علاوي (25 مقعداً) وجبهة الحوار لصالح المطلك (11 مقعداً) وبعض الآخرين لتشكيل جبهة تمثل أغلبية لتشكيل الحكومة، وشجعهم على ذلك عدم تحمّس المجلس الأعلى (الذي يرأس كتلة الائتلاف) ومؤيديه إلى دعم الدكتور الجعفري، واستمر الشد والجذب إلى أن انتهت –بعد مفاوضات معقدة- بتنازل الدكتور الجعفري واختيار نوري المالكي لتشكيل الحكومة.