خطاب المرحلة (94)... المرجعية تطالب بإصلاح بعض فقرات الدستور قبل أن نقول له (نعم)
المرجعية تطالب بإصلاح بعض فقرات الدستور
قبل أن نقول له (نعم)
إننا نعتقد أن نتائج أي استفتاء أو انتخاب لا تكون ملزمة من الناحية الشرعية إلا إذا أمضاها المجتهد الجامع للشرائط؛ لأنه –أي الفقيه- يمثل القانون الشرعي والأعلم به وبتطبيقاته والأقدر على تشخيص الأحكام للحالات المختلفة، وليس في هذه الفكرة مصادرة لرأي الأمة التي اختارت، وإنما هو تقنين وتكييف شرعي لاختيارها وإرادتها، كما أن القاضي العالم بالقانون الوضعي إذا حكم على حالة بحكم معين فإنه لا يمكن تجاوزه حتى وإن خرج أغلب الناس في تظاهرات للمطالبة بمخالفة ذلك الحكم، فإن مطلبهم هذا غير حق ومخالف للقانون، وعليه فإجراء حكم هذا القاضي لا يعني تغليب رأي الواحد على الأكثرية وإنما هو إطاعة الكل للقانون الذي استند إليه القاضي في إصدار الحكم.
فكذلك الولي الفقيه العارف بالأحكام الشرعية وموارد تطبيقها يعبّر عن القانون الشرعي ويجب أن ترجع إرادة الأمة إلى هذا القانون ما دام مثبتاً كقانون، فإذا استطاع المعارضون أن يثبتوا بالدليل الصحيح خطأ مستند هذا الحكم فيكون حينئذٍ العدول إلى ما دل عليه الدليل.
ومحل الشاهد اليوم هو الدستور فإن له إمضائين:
الأول: شعبي إذا صوّت أغلب الشعب عليه وهو إمضاء تواضعي اصطلاحي باعتبار أن الدستور يمثل وثيقة تنظم حياة الناس وتحفظ الحقوق والواجبات للحاكم والمحكوم، ومن حق الناس أن يصطلحوا على الوثيقة التي تحظى بتأييد أكثريتهم وحينئذٍ يكون العمل به ملزماً للشعب، وهذا لا دخل لنا –كفقهاء – فيه لأنه من شؤون الناس كما لو كان الفقيه يعيش في دولة أوربية.
الثاني: شرعي وهذا يتحقق بإمضاء الفقيه الجامع للشرائط له وحينئذٍ يكتسب صفة الإلزام الشرعي ولا يكفي فيه موافقة الأغلبية:
وبالنسبة لي فإني أرى وجوب تعديل أكثر من فقرة لإضفاء الإلزام الشرعي على الصياغة المنشورة في الصحف الرسمية للدستور:
منها: الشراكة الكاملة التي حصلت عليها أقلية لا تزيد نسبتها عن 20% مع الأكثرية العربية التي تقرب من 80% في كل شيء، كما يظهر من المادة الثالثة وغيرها وتعويق عمل الأكثرية وفرض رأيها عليها باشتراط عدم نقض ثلثي ثلاث محافظات في كثير من مواد الدستور، فالمفروض أن تتمدد كل فئة بحسب حجمها على الأرض، وكان أحد أسباب هذا التمدد الذي وصل حد الابتزاز إلقاح الفتنة بين السنة والشيعة وخلق الفجوة بينهما مما جعل كلاً منهما يتوجه إلى الطرف الثالث الذي يبتز كلاً منهما وكان عليهما أن يعيا هذه الحالة.
ومنها: عدم وضع مادة واضحة تضمن تدفق تصاريف من المياه كافية لمتطلبات الحاجة البشرية والاقتصادية والبيئية.
ومنها: تعريفه العراقي في المادة الثامنة عشرة أنه من ولد من أب عراقي أو أم عراقية، ومنح الجنسية العراقية لمن ولد من أمّ عراقية على إطلاقه ليس صحيحاً، إذ يمكن أن تأتي لنا النساء العراقيات المتسكعات في شوارع الغرب بأولاد لا نعرف أصلهم وتطالب بمنحهم الجنسية العراقية وهم لا يحملون شيئاً من خصائص الهوية العراقية، وليس بلدنا كبلاد الغرب بلا هوية ولا خصائص بل لنا أعرافنا وتقاليدنا وأنماط حياتنا وأخلاقنا التي تميّزُنا، فلا بد من تقييد الفقرة بأن يولد –من كانت أمه عراقية دون أبيه- في العراق ويعيش في العراق حتى بلوغ سن الرشد وأن يكون أبوه مقيماً في العراق قبل زواجه من العراقية سنوات على الأقل ونحوها من القيود.
ومنها: إغفال ذكر (الأكراد الفيليين)([1]) ضمن الأقليات العراقية في المادة (122) رغم ذكر من هم أقلّ عدداً، إضافة إلى ما تعرّضت له هذه الشريحة من اضطهاد وظلم وتشريد وقتل، وسعة انتشارها في محافظات عديدة فعدم ذكرها يشعرنا بالقلق على مصيرها حيث يُراد تذويبها في المنطقة الكردية أي إخضاعها لسلطة أكراد شمال العراق، رغم أن انتماءهم الديني إلى مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) غالبٌ على قوميتهم الكردية مما يعني تذويب هويتهم وإلغاء شخصيتهم وهذا ما لا يمكن قبوله.
أمام هذه الأخطار لا أستطيع أن أضفي الشرعية على هذه الصيغة فلا بد من إجراء التعديلات التي لا تضرّ بأحد لكن إبقاءها على ما هي عليه يضرّ بالأغلبية الساحقة، وأودّ ممن يشاركني هذا القلق أن يضغط معي لإصلاح الحال ما دام في الوقت متّسع باعتبار أن التصويت عليه لم يحصل وإنّ إجراء التعديل الآن أسهل من محاولته بعد إقراره.
لكنني لكي لا أصادر جهود الذين كتبوا الدستور وتعبوا في صياغته ولكي لا أصادر إرادة الشعب في اختيار الوثيقة التي تنظم حياته، فإني أترك الباب مفتوحاً أمامه للاستفتاء بـ(نعم) على الدستور، ولا مانع من أن يستمر القادة السياسيون في حزب الفضيلة الإسلامي وغيره من الأحزاب الإسلامية والوطنية في تثقيف الناس في هذا الاتجاه باعتبارهم يعرّفون السياسة بأنها (فنّ الممكن) ويقولون أن هذا هو الممكن، وعلى أي حال فإن قول (لا) للدستور غير وارد في حساباتنا.
محمد اليعقوبي
19 شعبان 1426 الموافق 24/9/2005
([1]) شريحة كبيرة من المجتمع العراقي تنتشر في عدة محافظات يغلب عليها الولاء لأهل البيت (عليهم السلام) وقد سعى الأكراد لضمهم لهم ومن ثم التمدد على أراضيهم لضمها إلى كردستان فألغوا ذكرهم في الأقليات وجاملهم الائتلاف الشيعي من أجل مغانم زائلة وضاعت هذه الشريحة المظلومة بيد أهلها وخصومها والله المستعان.