خطاب المرحلة (84)...النقد الذاتي فيما يتعلق بعمل الحكومة
بسم الله الرحمن الرحيم
النقد الذاتي فيما يتعلق بعمل الحكومة([1])
يشعر الكثير من أبناء الشعب بالامتعاض من أداء جملة من السياسيين سواء على صعيد الحكومة المركزية أو الحكومات المحلية، ويعبرون عن خيبة أملهم بهؤلاء الذين انتخبوهم وتحملوا الأخطار في سبيل إيصالهم إلى هذا الموقع ومعهم حق في الشعور وهو دليل وعيهم ومتابعتهم للعملية السياسية، وقد نصحنا هؤلاء المتصدين في عدة بيانات وخطب ومنها الرسالة الموجهة إليهم بعنوان (المبادئ الثابتة في السياسة) أن يصارحوا الأمة ويكونوا واضحين معها في بيان أسباب هذا الضعف وهذا التلكؤ والإهمال، وهل هو قصور بسبب ظروف خارجة عن إرادتهم، أم تقصير يسعون لتلافيه ومعالجته لتعذرهم الأمة وتتفاعل مع حركتهم وتسندهم، ولتشعر بالأمل بغدٍ أفضل، ولا يمكن تبرير إهمال هذه المشاعر والسكوت عنها ومقابلتها باللامبالاة والإعراض وكأن شيئاً لم يحصل. أما تكليف الأمة تجاه هذه الحالة فيتمثل في أمور:
الأول: وعي هذه الحالة والالتفات إليها ومراقبتها فإن الشعب الذي يُظلم وتصادر حقوقه وهو ساذج وسادر في غفلته لا يتمكن من النهوض ولا يتقدم.
الثاني: استشعار الرفض والغضب داخل النفس إزاء هذه المظالم والتقصيرات مهما كان مصدرها؛ لأن هذا الشعور هو الحافز والدافع للتغيير والإصلاح ومن دون حصول هذه المقدمة لا تحصل تلك النتيجة، ولكن يجب التحكم في هذا الغضب ليبقى في دائرة الايجابية والسيطرة على ردود الفعل وعدم خروجها عن دائرة التكليف الشرعي وأوامر القيادة الصالحة.
الثالث: تعبئة الطاقات القادرة على الإصلاح والتغيير وزجها في العملية السياسية لتحل محل المقصر وغير الكفوء.
فليس الحل بالانكفاء والانزواء والشعور باليأس والإحباط والسخط من المرجعية التي أحسنت الظن بالمتصدين ولا يلزم منه فشل المشروع كلياً لأن الفشل هو فشل هؤلاء فقط ولا يمكن تعميمه، فهل يمكن أن نعترض على أمير المؤمنين (عليه السلام) أو نحكم على مشروعه بالفشل لمجرد أن واليه على بلاد فارس سرق بيت المال وهرب إلى معاوية؟!
وإن العامل المتحرك يقع في الأخطاء أما المتقاعس المستسلم إلى الدعة والراحة في الظل فإنه لا يعمل حتى يخطئ، وليس من المروءة والإنصاف أن يكتفي القاعد في الظل بتوجيه اللوم والتقريع والتوبيخ والنقد إلى المتصدي لحمل المسؤولية والمتحرك وسط هذه الحالة المعقدة المحفوفة بالأخطاء والضغوط.
فهذا الذي نسمعه من عدد من الناس من الاعتراض على دعم المرجعية للعملية السياسية وانه ماذا جنينا منها وأننا سوف لا نشارك فيها حتى لو دعتنا المرجعية إلى المشاركة ليس رداً صحيحاً ولا يمكن تعميم فشل بعض المتصدين إلى فشل المشروع كله، بل علينا أن نعين المرجعية-بعد أن تحرينا فيها شروط القيادة الصالحة-وندعم جهودها في رفد العملية السياسية بالأصلح والأكفأ ولتشترك الأمة مع مرجعيتها في تحمل هذه الأمانة الثقيلة.
وخذوا درساً من سيرة الرسول الكريم موسى بن عمران (عليه السلام) إذ انه سمح لسحرة فرعون أن يلقوا هم أولا ما هم ملقون لأنه لا يخشى ما عندهم وهو واثق من نفسه ونصر الله تبارك وتعالى له فلما ألقوا عصيّهم سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاؤوا بسحر عظيم، ولكن الرسول الكريم ألقى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون وهناك خر السحرة ساجدين لرب موسى وهارون.
وأنتم أيها الرساليون دعوا الآخرين يلقون بمشاريعهم وإيديولوجياتهم وأعطوهم الفرصة الكاملة لممارسة دورهم، ولا تخشوا ولا تخافوا فوت الفرصة فإن عندكم مشروعاً عظيماً متكاملاً ستقتنع الأمة به وتتبعه بمجرد أن تعرضوه عليها، بعد أن تجرب بنفسها ضعف وخواء وسوء تلك المشاريع والتجارب، وإنما يتحقق لكم ذلك باتباعكم المرجعية الرشيدة التي تتصف بالشروط التي وضعها الأئمة المعصومون عليهم السلام.
محمد اليعقوبي
26 جمادى الأولى 1426
([1]) ملخصات من حديث سماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع عدد من الوفود التي زارته يوم 26 جمادى الأولى 1426 المصادف 3/7/2005.