خطاب المرحلة (82)...كيف نرفع عنا التقصير في العمل
كيف نرفع عنا التقصير في العمل ([1])
كثيراً ما نتحدث عن كوننا مقصرين في أداء دورنا في العمل الإسلامي المبارك وإنجاح المشروع الإسلامي في المواجهة الحضارية التي أعلنها الغرب على الإسلام، والاعتراف بالتقصير وإن كان في نفسه فضيلة إلاّ انه لا ينبغي الوقوف عند هذا الحد بل علينا التفكير في كيفية رفع هذا التقصير وخلق المحفزات والبواعث لبذل المزيد من الجهد لإنجاح المشروع.
ويحضرني هنا عدد من العوامل اذكرها كإثارات أولية لتكون منطلقات فكرية وعملية في هذا الطريق وعليكم التأمل والتفكير لاستنباط المزيد، وهذه العوامل استطيع أن أصنفها إلى قسمين: عوامل ذاتية راجعة إلى الشخص العامل وأخرى موضوعية ترجع إلى طبيعة العمل والآليات المتبعة والظروف المحيطة به.
وعلى صعيد القسم الأول اذكر عاملين:
الأول: وعي المشروع فإن العامل حينما يجد نفسه جزءاً من مشروع واسع وخالد يمتد تأثيره إلى المستقبل البعيد، وينتمي فيه إلى سلسلة كريمة يقف على رأسها الأنبياء والرسل والصالحون والعلماء والمراجع والرساليون فإنه سيندفع إلى العمل فرحاً مسروراً شاكراً لله على نعمته إذ جعله جزءاً من هذا المشروع العظيم.
وهذا ما عاشه أصحاب الحسين (عليه السلام) حينما كان أحدهم يقدم على الموت فرحاً مسروراً وهو واحد أمام سبعين ألفا شحذوا أسلحتهم لتقطيع أوصاله، حيث تنقل الروايات إن الإمام الحسين (عليه السلام) مسح على عيونهم وأراهم مقاعدهم في الجنة، ويمكن فهم هذه الرواية على معناها الظاهري وهو أنهم رأوا منازلهم في جنة الآخرة، ويمكن أن تفهم على معنى آخر لأن الجنة والنار عالمان يعيشهما الإنسان في هذه الحياة الدنيا، حيث أن الجنة هي آثار أعماله الصالحة والنار عكس ذلك ويستدل عليه بقوله تعالى: [وَإنَّ جَهَنّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالكَافِرِينَ] أي الآن وليس في المستقبل، وبالرواية الواردة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه كان بين أصحابه يوماً فأصابه ذعر شديد وفزع ولم يعرف أصحابه السبب فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) لهم أن هذا الفزع أصابني نتيجة هدة عظيمة حصلت بسبب ارتطام حجر مضى عليه سبعون سنة وهو يهوي في نار جنهم حتى وصل إلى قعرها الآن، ويقصد به رجلاً قضى عمره البالغ سبعين سنة وهو يتسافل في المعاصي والموبقات ويحيط نفسه بنار آثامه ويهوي بها حتى وصل عند الموت إلى قمة الانحطاط والتعاسة.
ومحل الشاهد أن أصحاب الحسين (عليه السلام) كشف لهم عن المستقبل ورأوا بركات وقفتهم تلك التي مهما احتوت على آلام وتضحيات فإنها لا تدوم إلاّ سويعات وتعقّب خلود الرسالة وتنعّم الأجيال كلها على مدى آلاف السنين ببركة الإسلام وولاية أهل البيت (عليهم السلام)، وربما رأوا ما ستؤول إليه تلك البقعة الطاهرة في كربلاء وتوافد الملايين من شتى بقاع الأرض سيراً على الأقدام فمقاعدهم في الجنة هي دورهم وتأثيرهم في صنع هذا المستقبل الزاهر مما أثار فيهم الهمة والحماس والإقدام والشجاعة التي لا نظير لها.
وأنتم أيها الإخوة والأخوات اختاركم الله تعالى لتكونوا طليعة الأمة الممهدين لدولة الحق المباركة، ولتكونوا رأس الحربة في هذه المواجهة الحضارية التي نستطيع أن نصفها كما قاله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الخندق حيث برز أمير المؤمنين (عليه السلام) لعمرو بن عبد ود العامري بأنه (اليوم برز الإيمان كله إلى الشرك كله)، فعلينا أن نجسد الإيمان كله برعاية وألطاف وتسديدات صاحب الأمر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) فحينما تلتفتون إلى توفيق الله تعالى لكم إذ اختار لكم هذا المقام الرفيع فسوف تندفعون إلى بذل كل وسعكم لتكونوا أهلاً لهذا الاختيار الحسن.
الثاني: تذكر الهدف فإن الهدف كلما كان سامياً وكبيراً هانت في طريق الوصول إليه الصعوبات وتعلو الهمة وتتضاعف وتستعد لتحمل اعلي المسؤوليات، وأنتم معاشر العاملين الرساليين تبتغون رضا الله تبارك وتعالى [وَرِضْوَانٍ مِنَ اللهِ أكْبَرِ ذَلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظِيمِ] وفي تجارة لن تبور، وتطمعون أن تنالوا المقام الكريم في مقعد صدق عند مليك مقتدر حيث لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وتجاورون الأحبة سادة الخلق وكرامهم محمداً وآله الطيبين الطاهرين وحسن أولئك رفيقاً، وحينئذٍ نستقل ونستصغر كل ما نقوم به مهما كان كبيراً مادام الثمن هذه الكرامات، وما قيمة ما تبذل أمام هذه المنن وهل من المعقول أن عملنا هذا يورثنا كل تلك الكرامة، إنها تجارة رابحة تنفق درهما ليعود عليك بسبعمائة درهم والله يضاعف لمن يشاء ولا تجد مثل ذلك إلاّ في كرم الله العزيز الكريم.
وأما على صعيد القسم الثاني فهي ضرورة لقاء كل أجنحة المشروع في اجتماع أسبوعي يجمع مكتب جماعة الفضلاء وأمانة حزب الفضيلة ورابطة بنات المصطفى وجامعة الصدر وجامعة الزهراء وسائر المراكز والروابط والمؤسسات التابعة للمشروع ليقدم صاحب كل ملف تقريراً عن عمله فيطلع عليه الآخرون ويوصل بعضهم إلى بعض مقترحاته ومشاكله وشكاواه فيتكامل عمل هذه الأجنحة ويتناسق وتصب الجهود كلها في بوتقة واحدة هو المشروع الإسلامي الحضاري المبارك حتى يرث الأرض ومن عليها عباد الله الصالحون ونتجنب بذلك التقاطع في العمل والضعف في الأداء والتقصير والقصور.
([1]) تقرير ملخص لحديث سماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي في الملتقى المشترك لأمانة حزب الفضيلة ومكتب جماعة الفضلاء ورابطة بنات المصطفى في النجف الأشرف يوم السبت 11 جمادى الأولى 1426 المصادف 18/6/2005.