خطاب المرحلة (77)...الإسلام والديمقراطية وحقوق الإنسان

| |عدد القراءات : 2385
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

الإسلام والديمقراطية وحقوق الإنسان([1])

 

س1: ما هو تعريفكم للديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان وهل هي من مبتكرات الحضارة الغربية أم أن الشريعة الإسلامية سبقت في طرحها وتأصيلها لهذه المفاهيم.

الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم: يوكل تعريف الديمقراطية إلى الذين وضعوا المصطلح، ونحن مسؤولون عن مفاهيمنا وشرح مصطلحاتنا، ولكن باعتبار أن تجارب الشعوب تتلاقح والحضارات تتكامل ويمكن لأمة أن تستفيد من معطيات الأمم الأخرى فنتعامل مع المصطلح من هذه الجهة ونقول:

إن للديمقراطية معنيين أو مساحتين للعمل واحدة مرفوضة وأخرى مقبولة.

فتارة يراد بالديمقراطية حاكمية الشعب أو كما يعبرون (الشعب مصدر السلطات) وان الأغلبية إذا شرعت شيئاً كزواج المثليين أو جواز الموت الرحيم - كما يسمونه - أو إباحة العلاقات الجنسية للمرأة خارج إطار الزوجية أو مساواة الرجل والمرأة في الميراث فيسري العمل بهذا القانون ويكون نافذاً.

وهذا شيء مرفوض في الإسلام لأن الحاكمية لله تبارك وتعالى [أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ] (المائدة:50)، [وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (المائدة:45)، [وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ] (المائدة: 47)، [وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ] (المائدة: 44)، [فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً]، (النساء: 65)، فلا يحق لأي شخص أن يسنّ تشريعاً مخالفاً لشريعة الله تبارك وتعالى، وفي ضوء هذا المبدأ على السلطات الثلاث (التشريعية والقضائية والتنفيذية) أن تفهم صلاحياتها وحدودها.

وتارة يراد بالديمقراطية الآلية التي يختار بها الشعب قادته وحاكميه ومدبري شؤونه، وهذا مما لا بأس به فإن الله تبارك وتعالى أوكل تصريف شؤون العباد إليهم أنفسهم فينظمون الآلية التي يتوافقون عليها قال تعالى: [وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ] (الشورى: 38)، فاستعمل ضمير (هم) أي أن الأمور العائدة إليهم في تدابير شؤونهم الحياتية فهذا موكول لهم وترك تفاصيلها إليهم مما سماها بعض الفقهاء (قدس الله أسرارهم) منطقة الفراغ، وهي ليست فراغاً في الحقيقة وإنما بمعنى أن المشرع وضع لها حدودها وأطرها العامة وترك التفاصيل إلى الأمة لتختار الأسلوب المناسب.

فمثلاً: المطلوب من باب حفظ النظام الاجتماعي العام تأمين الطرق للناس بين النجف وبغداد ولكن هل يمر الطريق عبر الحلة أو كربلاء، وكم عدد ممرات الشارع وغيرها من التفاصيل فهذه مما يقررها من تختارهم الأمة وتفوضهم النظر في شؤونها وتوكلهم في تدبير أمورها.

وبهذا المعنى من الديمقراطية أي احترام إرادة الشعب والرجوع إليه في تقرير مصيره فإن الإسلام أول من وضع أصوله ومبادئه وسار عليه قادة الإسلام بمنتهى الصراحة والشفافية، فتجد في سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه حينما خرج مع المسلمين على غير استعداد للقتال لاعتراض قافلة قريش التجارية، ولما أفلتت القافلة وأصبح المسلمون في مواجهة قريش، استشارهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في المضي نحو القتال أو الرجوع، وقبل معركة أحد استشارهم (صلى الله عليه وآله وسلم) في التصدي لقريش داخل شوارع المدينة وأزقتها أو خارج المدينة، واستشارهم في كيفية مواجهة الأحزاب حتى أشار سلمان الفارسي بحفر الخندق.

وحتى في ممارسة قيادة الأمة، فبالرغم من أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو سيد الخلق والمبعوث رحمة للعالمين وأولى بالناس من أنفسهم، فإنه لم يؤسس دولته المباركة في المدينة ويمارس صلاحياته كقائد حتى طالبه أهل المدينة بالهجرة إليهم، واشترط عليهم النصرة والدفاع عنه كما يدافعون عن نسائهم وأموالهم، وكذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) المنصوب خليفة على الأمة من بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بنص إلهي، لم يمارس قيادته للأمة إلاّ بعد أن انثالت عليه تبايعه وهو (عليه السلام) يردهم، حتى أجمعوا أمرهم على إمامته، وهو الذي لا يحتاج إلى ذلك وإنما لإلقاء الحجة عليهم ومطالبتهم باستحقاقات هذا الموقف؛ لذا قال (عليه السلام): (لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر لألقيت حبلها على غاربها …).

وفي ضوء هذا نفهم أن ولاية شؤون الأمة لا تكون بالادعاء ولا بالتسلط ولا بالقهر، وإنما بإرادة الأمة وبالآلية التي تضعها لنفسها، فولي أمر المسلمين يختاره أهل الخبرة من المجتهدين ومن قاربهم في العلم والفضيلة والورع والترفع عن الدنيا، وهكذا بقية مواقع المسؤولية في الأمة.

وأما حقوق الإنسان فإن الإسلام هو رائدها ومؤسسها والتزم بها قادة الإسلام ورسموا لها أنبل الصور التزاماً بقوله تعالى: [وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ … وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً]، (الإسراء: 70)، وجوامع الحديث مليئة بهذه التعاليم. راجع كتاب آداب العشرة في المجلد الثامن من وسائل الشيعة ورسالة الحقوق للإمام السجاد (عليه السلام)، وعهد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى مالك الأشتر لما ولاّه مصر ومما جاء فيه: (واستشعر الرحمة للرعية فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق).

فمَنْ مِنْ زعماء الدول التي تدّعي الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان يقف كرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما جمع أصحابه وقال لهم: (يوشك أن ادعى فأجيب فمن كانت له قبلي مظلمة فليقتصها مني قبل أن يأتي يوم القصاص الإلهي العادل)، فيقوم له أحد أصحابه ويقول له: إنك في يوم كان ازدحام الناس حولك شديداً ورفعت قضيبك الممشوق لتضرب ناقتك فوقع عليّ خطأ، فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقضيب وكشف عن موضع القصاص من جسده الشريف ودعا الصحابي للاقتصاص، ورأى أحد أصحابه يعبث بصيد العصافير فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) له: استعد لمساءلته يوم القيامة فإنه يخاصمك أمام رب العزة والجلال ويقول: ربّ اسأله لماذا قتلني وهو لا ينتفع بلحمي.

ومَنْ من هؤلاء الزعماء (الديمقراطيين) المدعين لحقوق الإنسان الذين تسمع يومياً بسوء تصرفهم بالمال العام والاستفادة منه بطرق غير مشروعة يقف كأمير المؤمنين (عليه السلام) على منبر مسجد الكوفة بعد أربع سنوات من توليه شؤون الأمة وتصرفه بدولة مترامية الأطراف يقول للناس: (إن خرجت منكم بغير القطيفة التي جئتكم بها من المدينة فأنا خائن).

والحديث في هذا المجال واسع أتركه لمناسبات أخرى وللكتاب والمفكرين.

س2: ما هو ردكم على من يدعي أن لا ديمقراطية في الإسلام باعتبار الآية الشريفة [وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا] (الحشر : 7)، تذوّب إرادة الفرد في إطار عام من الضوابط والواجبات ولا نلمس حرية الفرد؟

الجواب: إن هذه النظرة مبتورة للنظام الإسلامي وينطبق عليها قوله تعالى: [أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ]، (البقرة : 85)، فإنه كما توجد هذه الآية توجد الآية المتقدمة [وَأمرُهُم شُورَى بَينَهُم] وقوله تعالى: [وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فإذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ] (آل عمران : 159)، فحرية الفرد ووجوده ورأيه محترم لكن ضمن الإطار العام الذي تنظمه الشريعة، وهي حالة عقلائية يتفق عليها كل البشر المتحضر من ضرورة وجود دستور يضم المبادئ العامة التي تتوافق عليها الأمة، ويمثل مرجعية القوانين التي يعمل بها، ولا يجد أي واحد غضاضة في الالتزام بها لأنها تعود بالنفع عليه، وبدونها تحكم الأمة شريعة الغاب.

والفرق بين النظام الإسلامي والنظم الوضعية أن الدستور الإسلامي مأخوذ من الشريعة التي انزلها الله تبارك وتعالى خالق البشر العدل المطلق الكامل الرحيم بعباده العليم البصير لإسعاد البشر وضمان فلاحهم وفوزهم.

أما النظم الوضعية فهي من صنع البشر القاصر المحكوم لأهوائه ونزعاته الذي يجهل حقيقة نفسه فضلاً عن حقيقة الكون الذي يحيط به.

س3: هل ترون أن مقتضى الديمقراطية وحرية الرأي أن يعتقد المواطن العراقي ما يشاء من عقائد ومفاهيم وعادات وتقاليد أم هو مؤطر بجملة خيارات لا تتعدى السائد على ساحة الوطن.

الجواب: كل إنسان له حرية الاعتقاد وقال تعالى: [فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ] (الكهف: 29)، [إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً] (الإنسان:3)، [لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ] (الأنفال: 42)، فالإنسان مخير في عقيدته ونمط حياته التي يسير عليها، ولولا هذا التخيير والحرية لبطل الثواب والعقاب ولما استحق المحسن الثواب على إحسانه ولا المسيء يستحق العقاب على إساءته ما داموا مكرهين على هذا الشيء، فحرية الاختيار هو الأساس في استحقاق الثواب والعقاب، فلا يحق لولي الأمر أن يكره الناس على أن يكونوا مؤمنين، وإنما وظيفته تقريب الناس إلى طاعة الله تبارك وتعالى بتكثير فرصها وتيسيرها وبيان حقيقة الأمور في النشأتين، وتجنيبهم معصية الله بسدّ منافذها.

وقد كان الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) رئيساً للدولة ويوجد بين رعاياه ناس على غير دينه ومع ذلك فإنه كان يتكفل بشؤونهم، وقد امتنع عددٌ من أهل المدينة عن بيعته كعبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقاص ولم يجبرهم على ذلك رغم أن إمرته صحيحة وملزمة بكل المقاييس، وغاية ما اشترط عليهم أن لا يحدثوا فساداً وفتنة في الأمة وحينما حمل قادة الإسلام السيف فإنهم حملوه ليقضوا على هذه الفتن وليزيلوا العقبات التي تمنع الناس من اختيار العقيدة الصحيحة لا لكي يكرهوا أحداً على الإيمان.

س4: ما هو ردكم على من يقول: إن في الإسلام انتهاكاً لحقوق المرأة وعدم مساواتها مع الرجل؟ وما هي حدود تولي المرأة للوظائف العامة وهل يجوز لها تولي القضاء؟

الجواب: هذه شبهة وَفِرْية يرددها أعداء الإسلام لخلط الأوراق وتضليل الناس بإثارة هذه الأمور لينفّروا المرأة من الإسلام من خلال إيهامها بوجود ظلم لها في الشريعة، وقد استعر هذا الهجوم بعد مجيء قوات الاحتلال وانفتاح الساحة على جميع الاتجاهات حتى الإباحية؛ لذا بادرنا ووجهنا إلى تأليف كتاب يشرح فلسفة تشريعات المرأة ليجد فيها المساواة في الحقوق والواجبات بين المرأة والرجل قال تعالى: [فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أو أُنْثَى] (آل عمران: 195)، [إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً] (الكهف: 30).

فالمساواة موجودة. نعم، لا توجد مماثلة في الوظائف بينهما لمراعاة التركيبة النفسية والفسيولوجية والاجتماعية لكل منهما، ولتقريب الفكرة ننقل المثال التالي لو أن شخصاً أراد أن يوزع أمواله على أولاده الثلاثة وكان يملك نقداً بمقدار مليون دينار ومصنعاً بقيمة مليون ومزرعة بقيمة مليون وكان أحد أولاده يحسن التجارة والآخر يجيد الحرفة والصناعة والآخر يجيد الزراعة فأعطى الثلاثة للثلاثة على الترتيب فالأب هنا ساوى بين أولاده لكنه لم يماثل بينهم مراعياً ما يناسب كل واحد منهم، وهكذا الرجل والمرأة فإنهم متساوون من حيث المسؤولية والاستحقاقات ولكن توزيعها عليهما روعيت فيه المناسبة، فالقيمومة للرجل والحضانة للمرأة والنفقة على الرجل وإن كانت المرأة موسرة مقابل زيادة حصته في الميراث وهكذا، ولا تعني المساواة أبدا إعطاءهم نفس الوظائف وتستطيع أن تكتشف أن هؤلاء المتحمسين للدفاع عن مساواة المرأة في دول الغرب لا تشغل المرأة نسبة خمسة بالمائة من رؤساء الحكومات والوزراء والقادة العسكريين ورؤساء الجامعات والمتحكمين في الأسواق والبورصات ومدراء الشركات الكبرى وغيرها مما لا تناسب طبيعة المرأة، فإذن هم سائرون عملياً على هذا التوزيع الطبيعي للأمور وإنما يثيرون هذه الفقاعات لاستدراج الضحلين والغوغاء لإبعاد الأمة عن عقيدتها وأخلاقها.

وهذا هو ما درج عليه الإسلام في تشريعاته فإن القضاء بما يتطلبه من احتكاك واسع بالناس والتعرض لمماحكات طويلة لا يناسب طبيعة المرأة وكذا ولاية أمر الأمة ويدعوها إلى التصدي للوظائف التي تناسبها كالتعليم والتمريض ورعاية الأسرة وتربية الجيل وصناعة الإنسان.

 

محمد اليعقوبي

2 ربيع الثاني 1426

11/5/2005



([1]) من لقاء أجرته إحدى المؤسسات الثقافية في كربلاء المقدسة مع سماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله).