خطاب المرحلة (62)...دراسة واقع الشباب وكيفية النهوض به

| |عدد القراءات : 2594
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

دراسة واقع الشباب وكيفية النهوض به (1)

 بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله كما يستحق حمداً كثيراً وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطاهرين.

الشباب محل عناية كل القادة والمصلحين والمربين وعلى رأسهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد روي عنه (أوصيكم بالشباب خيراً فإنهم ارقُّ أفئدة) وهذه العناية الخاصة بهم لأنهم قلب الأمة الذي تتدفق منهم الحياة في جسدها فتجد عندهم الحماس والحيوية والاندفاع والصدق والإخلاص والشجاعة، وهم طاقة عظيمة إن أحسنت القيادة توجيهها وتوظيفها في اتجاه الخير كانوا ثروة هائلة في جميع ميادين الحياة لذا جعلت الحكومات وزارة خاصة ترعى شؤونهم.

ولكن هذه الوزارة كانت في بلدنا خلال العقود الماضية عديمة الفاعلية واضمحلت أنشطة الشباب وإبداعاتهم التي كانت تنميها مراكز الشباب ومديرية الرعاية العلمية إلى حدود منتصف السبعينات، وتراجع المستوى العلمي للطلبة بشكل مرعب ومثير للقلق على مستقبل هذا البلد، وأعتقد أن القصور ليس فيهم لأن الشباب العراقي مشهود لهم بالذكاء والتفوق والقابلية على الإبداع، وإنما التقصير من الجهات المسؤولة في توفير وسائل وأسباب الرقي العلمي وظروفه.

وعلى العكس فقد سيقوا إلى حروب وصراعات وفتن داخلية وخارجية لا هدف من ورائها إلا اتباع الشهوات والمطامع النفسية الدنيئة، فخسرنا خلال عقدين أكثر من مليون شاب ماتوا بلا فائدة، كان يمكن للحياة أن تزدهر بهم ولو كانوا بيننا الآن ونفترض أن كلا منهم ينجب أربعة من الأبناء لازدادت أمتنا خمسة ملايين إنسان يساهم في بناء المجتمع هذا غير أربعة ملايين من الطاقات الكفوءة والعاملة الذين تركوا البلاد للنجاة بأنفسهم أو لتوفير لقمة العيش. أما التدني في المستوى الثقافي والاجتماعي والاقتصادي فقد بلغ حد الكارثة.

وكانت للمرأة الحصة الأوفر من الحرمان والاضطهاد والضياع والظلم والكبت، فنشأت مشاكل حقيقية في المجتمع كان يمكن أن تفتك بالأمة وتندثر لكنها بقيت محافظة على هويتها بفضل الله تعالى وببركة بقيةٍ من أخلاق ودين ورجال مخلصين مسكت بالمجتمع وحفظته من البوار.

هذه إشارة بسيطة للتركة الثقيلة التي ورثناها فكيف ننهض بها ونعيد هذه الشريحة الحبيبة إلى موقعها المناسب من جسد الأمة خصوصاً ونحن نتطلع إلى مستقبل زاهر لبلدنا ؟ إننا بحاجة أن ننهض كرجل واحد ونلتقي ونتشاور ونتبادل الآراء، وما مؤتمركم المبارك هذا إلا خطوة على هذا الطريق وهي خطوة مباركة حقاً تدل على وعي القائمين على هذا القطاع الحيوي المهم وصدقهم وإخلاصهم في تحمل المسؤولية الملقاة على عاتقهم، ومن حين علمي بالنية لعقد المؤتمر فقد حرصت على المشاركة فيه من خلال وفد يضم كفاءات متنوعة.

إن أول عمل نقوم به هو إعطاء الفرصة لكل المخلصين وذوي النظر في أن يقدمّوا رؤيتهم لمشاكل الشباب وتقييم واقعهم، ومن ثم التفكير في وضع آليات الحلول وتنفيذها من دون كلل أو ملل أو تقصير، وإن هذا المؤتمر الكريم فرصة حقيقية لتبادل الأفكار.

وأرجو أن تنبثق عن المؤتمر لجان متخصصة بحسب تصنيف المشاكل، فهناك مشاكل أخلاقية واجتماعية واقتصادية وعلمية وسياسية وغيرها والتي أشير إلى بعض عناوينها باختصار:

أولاً: المشاكل الأخلاقية ومنها:

1- الانبهار بالغرب وتقليده في الملبس وقصّة الشعر ولبس القلادة والسوار ونحوها.

2- عدم الالتزام بالآداب العامة كالخروج بـ(الشورت) في الشوارع العامة والتخنث بالنسبة للرجال ولبس الملابس الخليعة للنساء.

3- ضياع الهوية العربية الإسلامية ومسخ شخصيتها الأصيلة وانهيار القيم.

4- الانحلال الخلقي وانتشار الفساد والانحراف وعمل المعاصي.

وتعالج مثل هذه المشاكل بحملات التوعية والإرشاد والتوجيه من خلال النشرات والمحاضرات وإقامة الندوات وسائر البرامج الإصلاحية المناسبة ويتصدى لها علماء الدين والمثقفون والمربّون والأساتذة.

ثانياً: المشاكل الاقتصادية:

1- قلة فرص العمل والتصاعد الفظيع لنسبة العاطلين عن العمل.

2- عدم وجود خطة مركزية لدى الوزارات المعنية لتوظيف خريجي الجامعات والمعاهد.

3- افتقار أكثر أبناء المجتمع لأبسط رأس مال يمكنه به تشغيل أي مشروع للكسب.

4- ركود عجلة الاقتصاد والصناعة الوطنية واضمحلال الكثير من مشاريع العمل بسبب منافسة البضائع المستوردة وعدم دعم الدولة لمشاريع القطاع الخاص باستيراد المواد الأولية ونحوها مما حدَّد أنماط العمل وحصرها في صيغ معينة.

وتعالج بـ :

1- إنشاء صناديق تسليف للشباب الراغبين في فتح مشاريع للعمل بعد الاقتناع بجدوى المشروع وأخذ الضمانات عليه.

2- تأسيس شركات مساهمة أو بنوك مختلطة لاستيعاب رؤوس الأموال البسيطة المتوفرة لدى المواطنين والتي لا تفي لوحدها بشيء إلا أن انضمامها إلى بعضها يجعل لها قدرة على المنافسة.

3- إنشاء لجنة توزيع مركزي تشترك فيها عدة وزارات لتعيين حملة الشهادات.

4- تشجيع الصناعة الوطنية وتوفير فرص إنجاحها ودعمها.

ثالثاً: المشاكل العلمية والثقافية:

1- تدني مستوى الطلبة في جميع مستويات الدراسة ولم يعد الطالب بمستوى المرحلة التي هو فيها وانتشار الغش في الامتحانات.

2- عزوف الصبيان والشباب عن الالتحاق بالمدارس والجامعات تحت ذرائع شتى كعدم الفائدة من الشهادات ونحوها.

3- عدم وجود مراكز للرعاية العلمية وتنمية الكفاءات وتطوير المهارات والتدريب على وسائل التقنية الحديثة.

4- ظاهرة التسطيح الفكري وانهماك الشباب في القضايا القشرية كإمضاء الساعات الكثيرة في مشاهدة برامج التلفزيون والرياضة والتسكع في الشوارع والألعاب الفارغة.

وتعالج بـ :

1- القيام بحملات توعية لأهمية العلم والمعرفة ودورهما في تقدم الأمم وازدهارها وتذكيرهم بسيادة امتنا للعالم كله حين اهتمت بالعلم والأخلاق والثقافة وأسست أعظم حضارة في تاريخ الإنسانية.

2- الاعتناء بالمدارس وتعيين الإدارات من ذوي الكفاءات والأخلاق، وتزويدها بوسائل التعليم المتقدمة.

3- إصلاح حال الجامعات وكليات التربية والآداب وغيرها التي تجهّز المجتمع بالمدرسين ولا بد أن يكونوا عارفين بعظمة مسؤوليتهم.

4- فتح مراكز للرعاية العلمية وتعليم الشباب كيفية التعامل مع التطور العلمي والتكنولوجي المتصاعد في عالم اليوم.

 

رابعاً: المشاكل الاجتماعية:

1- التفكك الأسري والمشاكل العائلية وكثرة حالات الطلاق.

2- انتشار تجارة المخدرات وتناولها والشذوذ الجنسي ووسائل تدمير المجتمع.

3- كثرة العنوسة وعزوف الشباب عن الزواج بسبب غلاء المهور وغيرها مما ذكرت في كتابي (الزواج والمشكلة الجنسية).

هذه مجرد إشارات لبعض ما تعانيه هذه الشريحة المهمة وما يمكن أن تكون حلولاً ومعالجات لها، وقد تناولتها بتفاصيل أكثر في عدة كتب مثل (الحوزة وقضايا الشباب)، (فقه الجامعات)، (شباب في مقبرة الجنس)، (كونوا أحراراً)، (الزواج والمشكلة الجنسية)، (المشاكل العائلية : أسباب وعلاج) و(خطاب المرحلة) وغيرها.

أدعو الله تبارك وتعالى أن يسدد خطى مؤتمركم وان يكون حجر الأساس لنهضة شاملة مباركة لإعادة حقوق هذه الشريحة والمسح على جروحها وتخفيف آلامها وإعادة البسمة إليها.

[وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ] (التوبة: 105)

 

محمد اليعقوبي - النجف الأشرف

13 رجب 1425 - 30/8/2004



 (1) محاضرة أُعَّدت لإلقائها في مؤتمر موسع عن الشباب تقيمه وزارة الشباب والرياضة العراقية تزامناً مع ذكرى مولد سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين (عليه السلام) في الثالث من شعبان عام 1425.