خطاب المرحلة (56)...دور الأئمة في الحياة الإسلامية

| |عدد القراءات : 2237
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

دور الأئمة في الحياة الإسلامية([1])

 بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله تعالى على محمد وآله الطيبين الطاهرين

كثيراً ما يسألني الفضلاء وطلبة العلم والشباب الواعون الرساليون: ما هو تكليفنا في هذه المرحلة؟ وهو سؤال نابع من الشعور بالمسؤولية تجاه الله تبارك وتعالى وتجاه الامة وقادتها وتجب إثارته ليس في هذه المرحلة بل في كل مرحلة لان التكاليف تتنوع بحسب اختلاف الظروف كما ان الاحكام تختلف بحسب تعدد الموضوعات.

والمصدر الذي ننطلق منه لمعرفة تكليفنا ودورنا وعملنا هي سيرة المعصومين (عليهم السلام) لانهم إعدال الكتاب وصنوه كما نصّ عليه حديث الثقلين المشهور - وأنهما لا يفترقان، فإذا كان القرآن لم يفرّط في شيء([2]) يمكن أن يستفاد منه في هداية الإنسان وتكميله وإصلاحه وتهذيبه وسعادته واستقامته وأن فيه تبياناً لكل شيء([3]) كما نطقت به الآيات الشريفة -، فإن سيرة أهل البيت (عليهم السلام) كذلك لم تترك حالة أو واقعة أو موقفاً إلاّ وتجد في سيرتهم (عليهم السلام) حكمه ورأي الشريعة فيه، حتى ورد عنهم (عليهم السلام): (ما من واقعة إلاّ ولله فيها حكم)، وروى سماعة عن الامام أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) في حديث قال: فقلت: أصلحك الله أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الناس بما يكتفون به في عهده؟ قال (عليه السلام): (نعم وما يحتاجون اليه الى يوم القيامة ) فقلت: فضاع من ذلك شيء ؟ فقال (عليه السلام) : (لا هو عند أهله)([4]) .

وهي تجسيد عملي على أرض الواقع لكلمات القرآن وما علينا إلا استقراء مفردات حياتهم (عليهم السلام) واستثارة كوامنها وتحليلها وفهم المغزى منها، ونظم هذه المفردات في منهج متكامل نتعرف من خلاله على (دور الائمة في الحياة الاسلامية) ليكون نبراساً لنا في معرفة دورنا نحن بمقدار ما نفهم وما نستطيع تطبيقه من هذه الاعمال والفعاليات الضخمة التي كان يقوم بها الإمام (عليه السلام)، فكان هذا الكتاب قراءة تحليلية لسيرة الائمة (عليهم السلام) لاستنباط هذه الادوار المتنوعة لكنها تنتظم ضمن أهداف محددة، وهي تلك التي سعى الائمة (عليهم السلام) لتحقيقها وأنجز منها بمقدار ما وُفقّت الامة له، وعليها أن تسعى لإتمام المسيرة حتى يقام العدل الكامل على يد بقية الله الاعظم (أرواحنا له الفداء).

ولا أدعي أنني استقصيت ما كان يقوم به الائمة من نشاطات في حياة الأمة، وأنى لمثلي ذلك وكل ما فعلت هو إثارة جملة من النقاط في هذه المسيرة الطويلة المباركة، تكون كافية لايضاح معلم هذا المنهج التحليلي في دراسة سيرة المعصومين  (عليهم السلام) أمام المفكرين والباحثين والعلماء.

فهذا الكتاب مما لا يستغني عنه القادة ليعرفوا كيف يتصرفون في المواقف وما هي مسؤولياتهم ووظائفهم.

والمربّون ليتعلموا الطرق السليمة والمنافذ الدقيقة لتربية الامة وإصلاح مفاسدها.

والعلماء والفقهاء ليتعرفوا على الاتجاه العام لسيرة الأئمة (عليهم السلام) والمنهج الذي ساروا عليه والذوق الذي من خلاله نقيّم ما يمكن نسبته اليهم (عليهم السلام) أو عدم نسبته.

والرساليون الذين حملوا همّ العمل الاسلامي المبارك وسعوا الى نشر راية الاسلام وبسط نظامه العادل السعيد في كل مكان.

وتعود أصل فكرة هذا الكتاب الى اربعين سنة حين أقامت جمعية الرابطة الادبية في النجف الاشرف موسماً ثقافياً سنة 1386 هـ - 1966، وشارك فيه نخبة من العلماء والمفكرين والادباء من بلدان عربية واسلامية عديدة ونشرت نصوص بحوثهم وكلماتهم وقصائدهم في العدد الاخير من مجلة الايمان النجفية التي كان يصدرها والدي (رحمه الله) وهو العدد (7 - 10) من السنة الثالثة.

وكان منها بحث قيم ومبتكر للسيد الشهيد الصدر الأول (قدس سره) بعنوان (دور الائمة في الحياة الاسلامية)([5]).

وكان مما يسّر لي الله تبارك وتعالى الاطلاع على هذا البحث أثناء فترة اختفائي في البيت ابتداءً من عام 1982 لامتناعي عن المشاركة في جيش صدام المجرم الذي كان يخوض حرباً عدوانية شرسة ضد جمهورية ايران الإسلامية، وأعجبت بفكرته وعزمت على توسيعه وذكر الشواهد عليه واستقراء المفردات التفصيلية في حياة الائمة (عليهم السلام)  لاستنباط المزيد من الادوار المشتركة، مستفيداً مما توفّر لدي من ثقافة دينية وتاريخية ومن مصادر قليلة نسبياً حيث كان الكتاب الاسلامي يومئذ محظوراً ويتعرض لاقسى العقوبات من يضبط عنده، لذا فإنك تجد اكثر المصادر التي اعتمدتها هي مصادر ليست أصلية وإنما ناقلة (سيرة الائمة الاثني عشر، الشيعة والتشيع، منتهى الآمال، مجلة الإيمان، ...) ولم تتيسر لي المصادر الأصلية (أصول الكافي، عيون الأخبار، ...).

والآن وبعد أن توفرت لم تسمح لي كثرة مشاغلي بتخريج الاحاديث والروايات من جديد، وعلى أي حال فقد بدأت بالعمل حتى تجاوز البحث - الذي أصله عشر صفحات تقريباً - مائتي صفحة، ومنّ الله تبارك وتعالى في عام 1985 بالاتصال سراً عن طريق المكاتبة مع السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) الذي كان هو الآخر في إقامة جبرية ومراقبة من قبل جلاوزة صدام.

فعرضت مجموع ما كتبت عليه (قدس سره) فعلّق على أصل البحث وعلى تعليقاتي وإضافاتي مع تقريض من عدة اسطر للكتاب رفع من همّتي وأكّد لي ما أحسّه من أهمية الكتاب، وكان من تعليقاته (قدس سره) أن تعدّد الهوامش وكثرتها وطولها يشوش القارئ ويشتت ذهنه فتارة يقرأ في المتن (والذي هو أصل بحث السيد الشهيد الاول (قدس سره)) وأخرى في شرحه وبيانه في الهامش وأخرى في التعليقات وذكر الشواهد في هامش منفصل آخر، ورفعاً لهذا الاشكال ارتأيت أن يكون الكتاب بقسمين:

الاول: كتابة المتن أي أصل بحث السيد الشهيد الاول (قدس سره) وتعليقاتي وتعليقات السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) عليه وتخريج شواهده التاريخية.

وهذه التعليقات للسيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) على اختصارها إلاّ أنها تعبّر عن اراءه (قدس سره) في جملة من القضايا المهمة التي قد يختلف فيها مع السيد الشهيد الاول (قدس سره)، وهو من تراثه الذي لم يُنشر ولم يتعرف عليه القرّاء فجاء هذا القسم مزيجاً من عطاء هذين المرجعين القائدين المصلحين المفكرين، أقدّمه وفاءً لهما وإحياءً لذكرهما وتراثهما فإن بحثاً يكتبه مثل السيد الشهيد الصدر الاول (قدس سره) ويعلّق عليه مثل السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) لحقيقٌ بأن يكون محلاً للنظر والتأمل والتدقيق.

وسنرمز لتعليقة السيد الشهيد الصدر الثاني بوضع الحرف (ص) في نهايتها تمييزاً لها عن بقية الهوامش والتعليقات.

الثاني: الكتاب الذي ألفته في ضوء النقاط التي أثارها السيد الشهيد الصدر الاول في بحثه.

ولم يتيسر لي تنفيذ هذه الصياغة وإعادتها لضخامة العمل وتكثّر المسؤوليات وشعوري بعدم الجدوى من إنجازه سريعاً مادام البطش الصدامي وإخراس الالسن والاقلام موجوداً، حتى بدأ الغزو الامريكي البريطاني على العراق لاسقاط صدام ليلة الخميس 16/ محرم/ 1424 الموافق 20/3/2003، وتعطلت الحياة العامة تفرّغتُ في البيت لإعادة النظر في ترتيب الكتاب وصياغته وفق الرؤية المذكورة آنفاً، وأنجزته خلال الاسابيع الثلاثة التي استمرت فيها العمليات العسكرية.

وبعد انتهائها بزوال الطاغوت وعودتنا للتدريس ولقاء المؤمنين، وبدأت بالقائه على شكل محاضرات يومية ثم اسبوعية على فضلاء وطلبة الحوزة العلمية الشريفة لتحقق الحاجة إليه، وكان نبراساً للكثير من الحاجات والتحديات التي استجدّت، وكانت هذه المحاضرات فرصة لاضافة معلومات مفيدة وقد كنت خلال المحاضرات أحاول تطبيق بعض الافكار على ما تعيشه الامة من تحديات وقضايا مما لم اذكره في هذا الكتاب للمحافظة على عموميته.

هذه هي قصة الكتاب وهذا هو هدفه وقد لمستُ بركاته في حياتي ولازلت انهل منه واجد في طيّاته ما احتاج، لم تصبني حيرة او تردد برغم المشاكل المعقدة التي تعيشها الامة الاسلامية والاضطراب الذي يعاني منه العراق في ظل الاحتلال المتغطرس وتخريب المنافقين والمتحجرين والمرتزقة وحماقات الجهلة والنزقين([6]).

ولا يمكن لقائد أن يتصدى لمسؤولية تربية الامة وإصلاحها دون أن يعيش في أجواء المدرسة القرآنية المباركة وينهل من سيرة المعصومين (عليهم السلام) قادة الاسلام العظيم، وقد توفرت لي هذه الفرص بمقدار ما يناسب عجزي وقصوري وتقصيري، وقد شرحت هذه التجارب في كتب (شكوى القرآن) و (الاسوة الحسنة في بناء الذات وإصلاح المجتمع) المستفادة من سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و(دور الائمة في الحياة الاسلامية) الخاص بسيرة الائمة (عليهم السلام).

فالحمد لله على ما أنعم وله الشكر على ما ألهم ونسأله تعالى التوفيق لما وفق له محمداً وآل محمد صلى الله عليهم أجمعين.

 

محمد اليعقوبي

جمادى الأولى / 1425

الموافق تموز /2004



(1) طبعت كمقدمة لكتاب (دور الأئمة في الحياة الإسلامية).

([2])  إشارة إلى قوله تعالى: [مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ] (الأنعام: 38).

([3])  إشارة لقوله تعالى: [وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء] (النحل:89).

([4])  أصول الكافي ، ج 1 ، ص 57، باب البدع والرأي والمقاييس: ج 13.

([5]) أعقبه نفس السيد (قدس سره) لاحقاً بمحاضرات أخر تدور حول نفس المحور ونشرت لاحقاً في كتاب (حياة الائمة: تنوع أدوار وهدف مشترك). 

([6]) لا يصعب معرفة المراد بالجهات الموصوفة بهذه الصفات.