خطاب المرحلة (53)...توجيهات بمناسبة العطلة الصيفية

| |عدد القراءات : 3529
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

توجيهات بمناسبة العطلة الصيفية

 بسم الله الرحمن الرحيم

 

يبدأ خلال أيام أحباؤنا الطلبة في أداء الامتحانات العامة ومن ثم يتمتعون بعطلة صيفية، وقد ألقيتُ في مثل هذه المناسبات قبل عامين عدة محاضرات طبع بعضها في كتاب (الحوزة وقضايا الشباب) وكتاب (موعظة وإرشادات في فصل الصيف) وذكرتُ فيها معاني جليلة مستوحاة من مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) لا ينبغي للأمة أن تقصر في تأملّها والاستفادة منها.

وقد كانت تكلفني مثل هذه المحاضرات التي القيها تحت أبصار وأسماع جلاوزة صدام أخطر النتائج، ولكنني كنت مطمئناً إلى قول أمير المؤمنين (عليه السلام): (إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لن يقرّبا أجلا ولن يقطعا رزقاً) وأنا لم أزد على إحياء هذه الفريضة الإلهية العظيمة.

ومما قلت بمناسبة الامتحانات إننا لنأخذ منها الموعظة، فإن هذا الجهد المضني وسهر الليالي والأعصاب المشدودة التي يعاني منها الطالب في فترة الامتحانات إذا كانت تستحقها شهادة دنيوية –مهما عظمت أهميتها- فإنها زائلة، فكيف يجب أن نستعد لامتحان الآخرة ونتائجها الباقية إما نعيم مقيم أو عذاب خالد –والعياذ بالله- مما لا تحتمله جلودنا الرقيقة.

ولنأخذ أيضاً من لذة النجاح والتفوق في هذه الامتحانات أو الشعور بالخجل والخيبة والحقارة عند الرسوب فيها درساً لموقفنا يوم القيامة حينما يحشر الأولون والآخرون في عرصة القيامة والحكم هو الله تبارك وتعالى والشهود هم الأنبياء والرسل والأئمة (عليهم السلام) وتعرض نتائج السعي في الدنيا على الملأ العظيم، فيا قرة عين الفائزين وطوبى لهم وواخجلة المسيئين.

وقد دعوت في تلك المحاضرة إلى الجد والاجتهاد في الدراسة لتحصيل تسنى المراتب حتى يكون شبابنا المؤمن هم القدوة في كل شيء وليكونوا بذلك سبباً لهداية غيرهم، وتفاصيل هذه المعاني وغيرها في كتاب (الحوزة وقضايا الشباب).

وقلت بمناسبة العطلة الصيفية أن الإنسان المؤمن لا يعرف (التعطيل) بمعنى الكسل والخمول والسبات فإنه ما خلق لذلك، بل خلق ليتكامل ويسمو ويتنافس في درجات القرب من الله تعالى [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ] (الذاريات:56).

وقد عبّرت الآية الشريفة عن حياة الإنسان بالكدح والعمل المضني الشاق [يَا أَيُّهَا الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيه] (الانشقاق: 6) فلا نعني بالتعطيل: التعطيل المطلق، وإنما التعطيل النسبي أي بلحاظ الدراسة وإلا فانه ينتقل إلى نشاطات أخرى ليريح عقله من الجهد العلمي بالاتجاه الذي كان يدرس فيه، لكنه يقوم بنشاطه الفكري والبدني في اتجاهات أخرى لا تقل نفعاً وأهمية عن ذلك الجهد، وهي بالتالي تعينه على العودة بهمّة كبيرة واستعداد مفتوح للعطاء عند بداية العام الدراسي المقبل بإذن الله تعالى.

ومن النشاطات التي دعوتُ الطلبة إليها الالتحاق بالحلقات السريعة المكثفة التي تعقدها الحوزة العلمية وفق منهج معين خلال أشهر العطلة يفي بمتطلبات سنة دراسية كاملة وفق المسار المعمول به في الحوزة العلمية، وبذلك هم يتجاوزون مراحل الدراسة الحوزوية من دون أن تؤثر على تحصيلهم الأكاديمي، وبنفس الوقت ننشئ داخل الجامعات والمدارس جيلاً يحمل أفكار الإسلام ويهدي الآخرين إليها، وعلى الأقل فانه يحصّن نفسه وعقيدته من الانحراف المستشري في أوساط الجامعات وفوائد أخرى ذكرناها في المحاضرة.

وبالرغم من أن الكلام لم يذكر على شكل دعوة واضحة للالتحاق بالحوزة العلمية في النجف الأشرف وإنما ذكر عَرَضاً إلا أن الاستجابة من الشباب كانت مثيرة للإعجاب، فزهت النجف بالمئات من الشباب الجامعيين من مختلف الاختصاصات حتى الراقية منها، وبقدر ما افرح المؤمنين وعبّر الكثير من المراجع والعلماء والفضلاء والمفكرين عن سرورهم بهذه الخطوة فإنه أزعج الطغاة وأقض مضاجعهم فراحوا يرفعون (التقارير) المتتالية إلى أسيادهم عن هذا النشاط.

وقد بارك الله تعالى بذلك المشروع وسهّل لهم محلات السكن ورواتب شهرية تغطي نفقات سفرهم وإقامتهم بشكل لم تعهده الحوزة العلمية التي تشكو عجزاً وتقصيراً واضحاً في إدارة شؤون الطلبة وإسكانهم بهذه السرعة والتنظيم.

وفي نهاية الدورة كتبت للمشاركين كلمة ألقاها المشرفون عليهم حيث قسموا إلى مجموعات تضم كل مجموعة (25) طالباً في المعدل ولهم مشرف يهيئ لهم الأساتذة ويوجههم ويوفر لهم الخدمات وكانت تجربة تستحق الإكبار وتسجيل الشكر لكل المساهمين فيها.

وقد تقدم (في الجزء الثاني من هذا الكتاب) فراجعوها لتحاولوا أن تعيشوا معنا تلك اللحظات القدسية والألطاف الإلهية التي عاشها المؤمنون، والتي ببركاتها وأمثالها من المشاريع المخلصة منَّ الله تبارك وتعالى على الأمة بزوال الطاغوت المتجبّر بعد عدة أشهر لما علم الله من هذه الأمة الإخلاص له والعمل الصادق في سبيله.

وعلى أبواب العطلة الصيفية هذا العام نحن مطالبون بأن نعيد تلك الأنشطة بشكل أوسع؛ لأن المانع قد زال بفضل الله تبارك وتعالى ولم تعد الدراسة الحوزوية مقتصرة على النجف الأشرف، فهذه فروع جامعة الصدر الدينية المحروسة في المحافظات قد بلغت (12) فرعاً وهي تضاهي في مستواها ومنهجها وإدارتها النظام المعمول به في النجف الأشرف.

وأشير هنا إلى بعض الخطوات العملية:

1- ينتظم الطلبة في مجاميع أو (مواكب) ويُحدَّد العدد المناسب لكل موكب ويختار له مشرفاً بالانتخاب.

2- تُحدَّد النشاطات وبرامج العمل المناسبة لكل مدينة بحسب الفرصة ومنها:

أ- بناء المساجد والحسينيات إن توفرت إمكانياتها.

ب- تنظيف الطرق والحدائق العامة بما يشبه العمل الشعبي.

جـ- مساعدة المتضررين.

د- مفاتحة المؤسسات الخدمية كالكهرباء والماء والبلدية والمستشفيات لتقديم الخدمات المجانية أو بنصف الأجور.

هـ- الالتحاق بالدراسة الحوزوية، أي الدورات السريعة أو أي شكل من أشكال التحصيل للدروس الحوزوية في مدنهم.

و- إقامة الشعائر الدينية لأهل البيت (عليهم السلام) حتى بدون مناسبة.

ز- المواظبة على صلاة الجماعة.

ح- تنظيم مباريات رياضية بعيداً عن روح الشحناء والتباغض وإنما للتأليف بين القلوب ولتحقيق الوحدة واجتماع المؤمنين.

ط- القيام بأعمال الكسب والارتزاق لتحقيق الاكتفاء الذاتي أو لمساعدة الآخرين.

ي- تأسيس مكتبات جماعية أي جمع أموال من الأعضاء وشراء كتب بالمال المتجمع وتعود ملكيتها للجميع والحث على القراءة والمطالعة.

ك- إقامة المسابقات في شتى المجالات.

ل- دعوة المفكرين والفضلاء لإلقاء المحاضرات واستماع التوجيهات ومناقشتهم في قضايا الساعة.

3- تتولى الحوزة العلمية رعاية هذه المواكب وتنظيم نشاطاتها وتوجيهها وتقديم الدعم المادي والمعنوي لعملها.

4- تتحمل إدارات فروع جامعة الصدر في المحافظات مسؤولية تنظيم الدورات السريعة وتوفير المدرسين لها ووضع المناهج الدراسية ومن المفضّل مفاتحة رئاسة الجامعات الأكاديمية أو المدارس لتوفير القاعات لعقد هذه الدروس وتقوم بتقديم الهدايا على المتفوقين والمواظبين على التحصيل وتقوم بمراعاة المستويات العلمية للطلبة.

5- يقتصر التدريس على العلوم الأساسية: الفقه، العقائد، الأخلاق، التفسير والتلاوة، سيرة المعصومين (عليهم السلام)، دروس في علم المنطق. والمناهج الملائمة هي (الصراط القويم) في الفقه و(عقائد الإمامية أو بداية المعرفة) في العقائد و(مرآة الرشاد أو أخلاق أهل البيت أو القلب السليم) في الأخلاق و(مختصر تفسير الميزان أو تفسير شبر) في التفسير وكتاب (دور الأئمة في الحياة الإسلامية بقسميه الأول والثاني أو نفحات من السيرة) في تاريخ المعصومين، وعند عدم توفر المصادر يُشجع الطلبة على تحضير دفاتر وتقرير شرح المدرسين.

هذه أفكار رئيسية أضعها بين يدي أحبائي وإخواني وعليهم وضع التفاصيل، وأملي بهم كبير أن يجعلوا من العطلة الصيفية (خلية نحلّ) تعج بالحركة والنشاط وكل ما فيه خير الأمة وصلاحها، واعلموا أن من أقسام الجهاد هو من أسس مشروعاً خيرياً أو سنة حسنة وجاهد من أجل إدامتها وانتفاع الأمة منها. ومن أولى هذه أهل هذا البلد الكريم في أن يزدهر فيهم هذا النشاط.

 

محمد اليعقوبي

9 ربيع الثاني 1425

29 / 5 / 2004