خطاب المرحلة (35)... ضرورة مشاركة العراقيين في العملية السياسية

| |عدد القراءات : 2256
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

ضرورة مشاركة العراقيين في العملية السياسية

 بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله وحده وصلى الله على النبي وآله وسلّم تسليماً كثيراً.

حينما نتحدث عن وظيفة الشباب المسلم وعموم العراقيين في هذه المرحلة فليس ذلك من آثار واستحقاقات توقيع الاتفاق بين مجلس الحكم الانتقالي وقوات الاحتلال؛ لأننا قد أبدينا تحفظاتنا على هذا الاتفاق وبينّا نقاط الخلل فيه التي لا تنسجم مع الحقوق المشروعة لهذا الشعب، وإنما أتحدث عن الوظيفة التي تمثل تكليفنا في كل حالة جديدة إذ ما من واقعة إلا ولله فيها حكم.

والأحداث السياسية التي يمر بها البلد من أهم تلك الوقائع لأنها تتعلق بالأمة جميعاً وتؤثر سلباً أو إيجاباً في مستقبلها سياسياً وثقافياً وأخلاقياً ودينياً واجتماعياً، فهي من أهم مستحدثات المسائل الفقهية المرتبطة بأفعال المكلفين كأفراد، فالتعرف عليها وبيانها والعمل على تنفيذها -أي الأحكام الاجتماعية العامة- أكثر إلحاحاً وأشد وجوباً.

من هنا كان لزاماً على علماء الإسلام (أيدهم الله تعالى) توعية الأمة وإرشادها إلى ما يجب أن تتخذه من مواقف بإزاء القضايا التي تعترضها، ومن تلك القضايا تسلّم العراقيين بأنفسهم إدارة شؤون بلدهم وبناء مؤسساته التي تحفظ كيانه وتوفر للشعب حقوقه كافة، وحتى لا تبقى ذريعة لقوات الاحتلال في البقاء، ولا تتحقق هذه النتيجة إلا من خلال خطوات:

1- توعية الأمة بمطالبها الحقيقية ومصالحها المشروعة والإصرار عليها وضرورة المشاركة الجدية الفاعلة في تحقيقها.

2- تنظيم شؤون الأمة وترتيب أمورها من خلال تأسيس الاتحادات والنقابات أو إنشاء الأحزاب والجمعيات والحركات التي تتبنى تلك المطالب وتتخذ المنهج المناسب لتحقيقها.

3- وحدة الصف بإزاء القضايا المصيرية وإن تعددت الرؤى واختلفت المناهج، فإن هذا أمر طبيعي ما دام هناك عقل يفكر ويقتنع بما يتوصل إليه ولكن يجب أن ننظر إلى هذا التعدد على أنه حالة إيجابية باعتباره تنويعاً لآليات العمل التي تصب في الهدف الواحد، لتتمكن من استيعاب كل شرائح المجتمع ذي القناعات المتعددة وعندئذ تجتمع هذه التشكيلات وتنسق أعمالها وتوحّد مواقفها وتتفق على مرشحيها في قوائم موحدة لتقف كلها صوتاً واحداً وراء هؤلاء المرشحين النزيهين الكفوئين مهما كانت انتماءاتهم بعيداً عن الأنانية والمصالح الحزبية أو الشخصية ولا يكون حالة سلبية إلا إذا لبس ثوب الأنانية والفئوية والشخصية فيتعصب كلٌ لحزبه ويحاول إلغاء الآخر وتسقيطه.

4- الشعور بالمسؤولية وتحملها بشكل كامل ولا يلقيها على غيره وليعود نفسه هذه المعاناة ولا يخلد إلى حياة الراحة والكسل ولا يكونوا كالذين قالوا لنبيهم [اذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ] بل كالذين [قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ في سَبِيلِ اللهِ].

وقد وجدت كثيراً من الناس الأكفاء الذين يتمتعون بثقة الناس ينسحبون من المسؤولية وكأنهم لطول حرمانهم من المواقع السياسية والوظيفية العليا ألِفُوا الحياة في الظل، ولم يستطيعوا الخروج إلى النور ليروا أن اللذة الحقيقية في التعب والعناء لنيل رضا الله تبارك وتعالى، قال تعالى [يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ] (الانشقاق:6)، وكلما كان العنت والمشقة في سبيل الله تعالى وإدخال السرور والسعادة على البشرية فهذا عمل مرضي لله تبارك وتعالى، فإن الأمة كالجسد الواحد إذا أصيب منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، فأي تقصير من قبل العناصر الملتزمة النزيهة في ملئ المواقع الوظيفية والإدارية من أدناها إلى أعلاها يعني إعطاء الفرصة للعناصر الفاسدة في إشغالها وسيكونون وبالاً على الأمة التي لا تلوم إلا نفسها على هذا التقصير.

وتتحمل الحوزة العلمية الشريفة مسؤولية كبيرة في القيام بهذه الخطوات وتعبئة الأمة لأداء دورها الرسالي وأن تتولى رعايتها على طول الخط وفي جميع المراحل.

والحوزة العلمية قد عملت بالوسائل التي تراها مناسبة للضغط على الأطراف المعنية بالقضية العراقية مما دفعهم إلى الرضوخ إلى مطالب الشعب المشروعة وتسليم السيادة إليهم وتمكينهم من إدارة البلد بأنفسهم، ونحن قد قدمنا مشروعاً لحل المشكلة السياسية في المرحلة الانتقالية قبل عدة أشهر ويبدو أنهم احتاجوا إلى كل هذه المعاناة والخسائر وتدهور الوضع ليقتنعوا بتنفيذه ومع ذلك فإنهم التفوا عليه وصادروا عدة نقاط مهمة فيه وخصوصاً إجراء انتخابات حرة مباشرة لكل الشعب لاختيار أعضاء البرلمان الانتقالي، ولجأوا إلى هذه التفاصيل والآليات المعقدة والطويلة.

وعلى أي حال فإن على الشعب أن يشارك لاستنقاذ ما يمكن تحصيله من حقوقه وتختلف طبيعة المشاركة بحسب مؤهلات الشخص لموقع المسؤولية فيرشح من يجد نفسه أهلاً لموقع ما، في انتخابات تلك الموقع ولكي تتوحد الأصوات وراء مرشح واحد جامع للصفات يكون على المرشحين التفاهم فيما بينهم لكي ينسحب الجميع لمصلحة واحد منهم حتى لا تتشتت الأصوات فتضيع وتتحول القوة والكثرة إلى ضعف وهزيمة.

ويجب على الشعب الاستمرار بالمطالبة في إشراكه في الاختيار من خلال انتخابات حرة مباشرة من أدنى موقع إلى أعلاه سواء على مستوى المجلس البلدي أو المحافظ أو البرلمان أو رئاسة الجمهورية أو لجنة وضع الدستور، وإذا تعذر ذلك بأوسع أشكاله فيمكن القبول بدرجة أقل منه إلا أنه لا بد أن تمنح الفرصة الكافية للشعب ليختار ممثليه ليكتسب المسؤولون شرعيتهم، وإلا فإن الفجوة تبقى قائمة بل تتعمق وتزداد حالة الإحباط والشعور بالغبن والظلم مما يؤدي إلى عواقب وخيمة.

ويجب استغلال الوقت وعدم إضاعته بل ينبغي الاستفادة من كل لحظة لتعبئة الطاقات وحشدها وتوحيدها واختيار المؤهلين وتعريفهم للجماهير وحثهم على دعمهم وانتخابهم وتسخر كل الوسائل والقنوات والآليات وتوظيفها لهذه العملية وتوعية الأمة بمواصفات وشروط من ينتخبونه، فإنها أمانة ثقيلة يجب أن تؤدى إلى أهلها.

 

الخطاب السياسي الشيعي في العراق:

وأحب أن أذكر هنا جواب سؤال وُجِّه إليّ عن الخطاب السياسي الشيعي وأهدافه وآلياته.

س: هل تعتبرون أن الخطاب السياسي الشيعي ناضج في هذه المرحلة أم لا؟ وعلى من تقع مسؤولية هذا الخطاب، على الحوزة العلمية أم على الأحزاب الإسلامية؟

جـ: بسمه تعالى:  إن الخطاب السياسي يعني الأطروحة والرؤية وبرنامج العمل الذي يقدمه أي حزب أو تنظيم لتحقيق الأهداف التي يعمل من أجل تحقيقها، والخطاب السياسي الشيعي فيه مطالب عامة يشترك فيها مع جميع الطوائف والتيارات الممثلة للشعب، وأخرى خاصة بالطائفة نفسها لما فيها من خصوصيات في هذا البلد كوجود المرجعية الدينية والعتبات المقدسة والحوزة العلمية الشريفة، والمظلومية وغمط الحقوق التي تعرضت لها خلال العقود السابقة.

والخطاب السياسي الشيعي لا بد أن يشمل جميع هذه المحاور وتتحمل الحوزة العلمية والأحزاب السياسية مسؤولية كلا الخطابين، وسوف أؤجل الحديث عن الخطاب الثاني الخاص، أما الخطاب الأول العام فيمكن للحوزة أن تشارك فيه من خلال عدة خطوات:

1- وضع الأهداف العامة التي يجب السعي لتحقيقها.

2- الانفتاح على الأحزاب والتشكيلات السياسية الإسلامية الموجودة في الساحة والاطلاع على برنامج عملها، لمعرفة مدى وعيها لهذه الأهداف وقدرتها على تحقيقها ونظافة آليات عملها ونزاهة وإخلاص القائمين عليها وتقييم دورها.

3- دعوة المؤمنين المخلصين لتشكيل النقابات والاتحادات والجمعيات المتخصصة وغيرها لاستقطاب وتجميع الطاقات الكفوءة والنزيهة، وحثها على العمل السياسي والإشراف على برامج عملها وأطروحتها، والحفاظ على جاهزيتها لممارسة دورها في إدارة البلد.

4- دعم وإسناد الأحزاب والتشكيلات المؤهلة لتحقيق الأهداف المطلوبة وتوجيه الجماهير نحوها بالآليات المتعددة كإخراج المسيرات وعقد التجمعات.

ونستطيع أن نضع جملة من الخطوط العريضة لمطالب الأمة التي يراد تحقيقها، وعلى الأحزاب بلورة وصياغة هذه الأفكار في خطاب سياسي وآليات عمل تفصيلية كأي اختصاصي في مجال معين، وتتفاوت الخطابات والأطروحات السياسية في النضج تبعاً لكفاءة وخبرة القائمين عليها ووعيهم وإخلاصهم لقضيتهم، والمهم هي الجدية في الانجاز، ومنها:

1- نشر الفضيلة في المجتمع ومنع الفساد والانحراف والمحافظة على هويتنا الإسلامية الأصيلة.

2- وصول العناصر الكفوءة والنزيهة إلى موقع المسؤولية والإدارة.

3- الارتقاء بمستوى العلم والمعرفة والوعي لدى أبناء الأمة لتكون بالمستوى الحضاري المعاصر.

4- تحقيق العدالة في الأمة واستقرار الأمن وإنعاش الوضع الاقتصادي للبلد.

5- الحفاظ على وحدة البلد وتركيبته الاجتماعية واستقلاله.

6- توفير الحقوق والحريات لجميع فئات الشعب وطوائفه وأعراقه بما لا ينافي الفقرات أعلاه.

7- وضع دستور للبلد يضمن النقاط أعلاه ووسائل تفعيلها ولا يتقاطع مع الشريعة.

8- ضمان انتخابات حرة نزيهة لاختيار برلمان وحكومة تمثل بصدق تركيبة المجتمع العراقي وتحترم إرادته بحسب التوزيع السكاني.

ولكي يتحقق ذلك لابد من الحوار بين جميع التيارات الممثلة للشعب وانفتاح بعضها على بعض خصوصاً الإسلامية منها لتنسيق المواقف اتجاه القضايا العامة.

فمسؤولية وضع الخطاب السياسي والعمل على انجازه على ارض الواقع تقع على الحوزة الشريفة والتشكيلات السياسية وعموم المؤمنين كل بحسبه، ولكل فرد في الأمة تأثير في مستقبلها السياسي كالمشاركة في التصويت على الدستور بعد فهمه واستيعابه أو انتخاب ممثليه في البرلمان والحكومة.

أسأل الله تعالى أن يأخذ بيد هذه الأمة لما فيه صلاحها وفلاحها ونجاحها في الدنيا والآخرة إنه نعم المولى ونعم النصير [وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ] (القصص:5).

 

محمد اليعقوبي

6 ذ.ق 1424

30/12/2003