خطاب المرحلة (30)... أوجه نشاط الإمام الصادق (عليه السلام) والمرحلة الراهنة
أوجه نشاط الإمام الصادق (عليه السلام) والمرحلة الراهنة([1])
بسم الله الرحمن الرحيم
إن سيرة أهل البيت (عليهم السلام) سفر جامع لكل ما تحتاجه البشرية من آراء ومواقف وحلول وبرامج عمل لمختلف القضايا التي تواجهها، ولا عجب في ذلك فإنهم عدل الكتاب العزيز وصنوه وقد وصف القرآن نفسه بكونه [تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ](النحل:89) و[مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ](الأنعام:38) فهم كذلك.
وبمناسبة ذكرى وفاة الإمام الصادق (عليه السلام) نريد أن نستلهم من حياته (عليه السلام) بعض المعالجات لمشاكلنا، ونتعلم منه (عليه السلام) كيف نصمد أمام التحديات التي تحاول تقويض شخصيتنا ومسخ هويتنا، ونعرض ذلك باختصار من خلال نقاط:
الأولى: إن الفترة التي نعيشها تشابه تلك التي عاشها الإمام الصادق (عليه السلام) من حيث أنها شهدت ضعف وانحلال دولة هي الأموية، وظهور دولة جديدة هي العباسية، فكان أهم عمل قام به في هذه الفترة الانتقالية وتخفيف قبضة الظالمين عنه هو نشر علوم أهل البيت (عليهم السلام) وتثبيت الركائز الفكرية والعلمية الرصينة لهذه المدرسة، حتى لقد نسب المذهب إليه فقيل المذهب الجعفري لأن جهده (عليه السلام) كان هو الأوضح في تأسيس هذا الصرح الشامخ، وقد قطع الإمام شوطاً واسعاً في هذا المجال فقد تخرج على يديه أربعة آلاف عالم في مختلف العلوم والفنون، فأبو حنيفة شيخ أئمة المذاهب من تلاميذه (عليه السلام) وله كلمته المشهورة (لولا السنتان لهلك النعمان) وجابر بن حيان مؤسس علم الكيمياء من طلابه (عليه السلام) وغيرهم كثير، وقد انتشر هؤلاء في الأمصار ونقلوا معهم ما تعلموه.
وكان (عليه السلام) يحث على طلب العلم ويقول: (لوددت أن أصحابي ضربت رؤوسهم بالسياط حتى يتفقهوا)([2]) وخاطب (عليه السلام) أصحابه: (عليكم بالتفقه في دين الله ولا تكونوا أعراباً فإنه من لم يتفقه في دين الله لم ينظر إليه يوم القيامة ولم يزكِّ له عملاً)(2) ونقل (عليه السلام) عن جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (أفٍ لرجل لا يفرغ نفسه في كل جمعة لأمر دينه فيتعاهده ويسأل عن دينه)(3).
ونحن إذ نعيش اليوم زوال أيام النظام الجائر الذي حرمنا من كثير من حقوقنا، ونشوء دولة جديدة، يكون من أولوياتنا تأسيس الحوزات العلمية الشريفة والمؤسسات الثقافية في جميع المدن، لخلق واقع جديد من انتشار مراكز العلم والمعرفة يكون أساساً تبنى عليه الحياة الجديدة حتى يتسع الوضع الحالي الذي يفترض وجود الحوزة العلمية في مدينة النجف الأشرف؛ لأن مجرد وجود الكيان العلمي الديني في مدينة ما يعني دفعة قوية للحركة الإسلامية والالتزام الديني، فضلاً عما لو تحرك هذا الكيان ليبلّغ الأحكام ويعظ ويوجه ويرشد فإنه سيملأ تلك المدينة ولا يترك فراغاً يمكن أن يشغله غيره ويحاصر الفساد والانحراف ويسد عليه منافذ الحركة.
الثانية: بيان وتوضيح المعالم الصحيحة لشخصية المسلم بعد أن مسخها الحكام الظلمة بما كانوا يصورون للأمة من جوانب مخزية لشخصيتهم، وبما كانوا ينشئون في حياة المجتمع الإسلامي من واقع فاسد من فسق وفجور وخيانة وجور وانكباب على الدنيا وتقاتل من أجلها وولع بالخمر وعدوان على أهل الحق.
وكان وعاظ السلاطين السائرون في ركابهم يرقعون لهم هذه المخازي بضلالاتهم فضاعت الصورة الحقيقية للمسلم خصوصاً عند الأقوام التي دخلت الإسلام جديداً وليس لهم عمق تأريخي فيه وحرموا من التعرف على أئمتهم الحقيقيين.
فنهض الإمام (عليه السلام) بمسؤولية هذا التعريف، وكان يركز اهتمامه أكثر على شيعته باعتبارهم طليعة هذه الأمة التي عرفت الحق واتبعته فتكون المسؤولية عليهم أكبر قال (عليه السلام): (فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق في حديثه وأدّى للناس الأمانة وحسن خلقه معهم وقيل هذا شيعي يسرني ذلك ويدخل عليَّ منه السرور ومن كان غير ذلك دخل عليَّ بلاؤه وعاره)([3]) وقال (عليه السلام): (والله ما شيعة علي إلا من عف بطنه وفرجه وعمل لخالقه ورجا ثوابه وخاف عقابه)([4]) ويروي الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (خرجت أنا وأبي حتى إذا كنا بين القبر والمنبر إذا هو بأناس من الشيعة فسلم عليهم ثم قال من كلامٍ (واعلموا أن ولايتنا لا تنال إلا بالورع والاجتهاد من ائتم منكم بعبدٍ فليعمل بعمله)([5]) وقال (عليه السلام): أوصيكم بتقوى الله وأداء الأمانة لمن ائتمنكم وحسن الصحبة لمن صحبتموه وأن تكونوا لنا دعاة صامتين) ولما سأله أحدهم مستغرباً: يا ابن رسول الله كيف ندعوا إلى الله ونحن صامتون، فقال (عليه السلام): تعملون بما أمرناكم به من طاعة الله وتعاملون الناس بالصدق والعدل وتؤدون الأمانة وتأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ولا يطلِّع الناس منكم إلا على خير فإذا رأوا ما أنتم عليه علموا فضل ما عندنا فعادوا إليه).
ومجتمعنا اليوم يتعرض لحملة عالمية منظمة مدعومة بأحدث التقنيات والوسائل الإعلامية كالصحف والمجلات والتلفزيون والستلايت، من أجل سلخه عن عقيدته وأخلاقه وأعادته إلى الجاهلية التي استنقذهم الله تبارك وتعالى منها، فلكي نحافظ على هويتنا الإسلامية في العقيدة والسلوك علينا أن نحشد طاقاتنا ونبتكر الأساليب والوسائل المناسبة للتصدي لتلك الحملة المنظمة، فنعّرف بعناصر شخصية المسلم ومعالمه التي تميزه عن غيره، وقد كتبت بحثاً بعنوان عناصر شخصية المسلم في آثار أهل البيت (عليهم السلام) ونُشر في كتاب نحن والغرب.
الثالثة: الوقوف في وجه التيارات الفكرية التي تنشأ من داخل المجتمع المسلم، أو تفد عليه من الخارج والتي تهدد عقيدة الأمة أو سلوكها، فعندما نشأت شبهة القول بالجبر وأن الله قد قهر العباد على أفعالهم وساهمت السلطات الحاكمة على ترويجها لتبرير ظلمهم للعباد، وقف الإمام (عليه السلام) بحزم لتفنيدها وخصص عدداً من أصحابه للحوار والجدال، وانتشرت كلمته التي تعبر باختصار عن مذهب أهل البيت (عليهم السلام) وهي: (لا جبر ولا تفويض وإنما أمر بين أمرين).
وكذا واجه حملات الإلحاد وإنكار الصانع لهذا الكون وقد تبناها عدد من الزنادقة والدهريين وكانوا يصرحون بها ويدافعون عنها ويطلبون من يناظرهم فيها ويستغلون موسم الحج لنشر ضلالاتهم وتسفيه عقائد المسلمين في شعائر الحج، وكان الإمام الصادق (عليه السلام) يقف لهم بالمرصاد فيفحمهم ويرد كيدهم إلى نحورهم وينصر المؤمنين ويشد على قلوبهم ويعزز إيمانهم.
وكذا وقف بقوة ضد الفقهاء الذين بدأوا العمل بالقياس لاستنباط الأحكام الشرعية، وحذرهم مغبة عملهم وقال لهم إياكم أن يقف الناس يوم القيامة فيقولون قال الله ورسوله وتقولون قسنا ورأينا وقال لهم (إذا قيست السنة محق الدين)، واثبت بطلان العمل بالقياس بموارد ثابتة من الفقه تخالف أقيستهم، ولولا هذه الوقفة الشجاعة لكانت الأحكام الشرعية الآن مخالفة تماماً لما أراده الله ورسوله بحيث تؤدي إلى محق الدين كما عبر الإمام (عليه السلام).
وتأسياً بالإمام (عليه السلام) فيجب على العلماء والمفكرين والمثقفين التصدي للشبهات والتيارات الفكرية والاجتماعية التي تهدد كيان الأمة كالإلحاد وإنكار الخالق والقول بالصدفة أو الطبيعة وكالعلمانية ودعوات تحرير المرأة التي لا تعني إلا تدمير أخلاق المجتمع تحت هذه العناوين البراقة الخادعة، ومثل دعوات التغريب التي يراد منها إلحاق المجتمع الشرقي المسلم بالغربي بجميع أنماط الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية رغم البون الواسع في مرتكزات كل منهما.
الرابعة: التصدي لتصحيح التصرفات المنحرفة التي تنشأ عن الجهل والغرور والحماقة فمنها ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال: قوله عز وجل (اهدنا الصراط المستقيم) يقول أرشدنا للزوم الطريق المؤدي إلى محبتك والمبلغ إلى جنتك من أن نتبع أهواءنا فنعطب ونأخذ بآرائنا فنهلك فإن من اتبع أهوائه وأعجب برأيه، كان كرجل سمعت غثاء الناس تعظمه وتصفه فأحببت لقائه من حيث لا يعرفني لأنظر مقداره ومحله، فرأيته في موضع قد أحدق به جماعة من غثاء العامة فوقفت منتبذاً عنهم متغشياً بلثام أنظر إليه وإليهم، فما زال يراوغهم حتى خالف طريقهم وفارقهم) إلى أن يقول (فلم يلبث أن مر بخبازٍ فتغفله فأخذ من دكانه رغيفين مسارقة ثم مر بعده بصاحب رمان فما زال به حتى تغفله فأخذ من عنده رمانتين مسارقة ثم لم أزل أتبعه حتى مر بمريض فوضع الرغيفين والرمانتين بين يديه) فسأله الإمام (عليه السلام) عن سر فعله هذا فاتهمه بجهله للقرآن يقول الإمام (عليه السلام): قلت: وما الذي جهلت؟ قال: قول الله عز وجل: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها) واني لما سرقت الرغيفين كانت سيئتين ولما سرقت الرمانتين كانت سيئتين فهذه أربع سيئات فلما تصدقت بكل واحدة منها كانت أربعين حسنة، انقص من أربعين حسنة أربع سيئات بقي ست وثلاثين، قلت: ثكلتك أمك! أنت الجاهل بكتاب الله أما سمعت قول الله عز وجل: (إنما يتقبل الله من المتقين) إنك لما سرقت رغيفين كانت سيئتين ولما سرقت الرمانتين كانت سيئتين ولما دفعتهما من غير رضا صاحبها كنت إنما أضفت أربع سيئات إلى أربع سيئات ولم تضف أربعين حسنة إلى أربع سيئات فجعل يلاحيني فانصرفت عنه وتركته).
وكم يوجد مثل هذا الرجل في زماننا وكل زمان حيث يقومون بأفعال يظنون أنها تقرّبهم إلى الله تعالى وهي لا تزيدهم منه إلا بعداً كالذين ينفذون التفجيرات الإجرامية وينشرون العنف فيقتلون الأبرياء ويخرّبون الممتلكات العامة تحت عنوان المقاومة وأمثالها، أو يحرصون على فعل المستحبات ويتركون الواجبات كالذي ينفق ماله في إقامة الولائم على حب أهل البيت (عليهم السلام) وهو لا يدفع ما بذمته من الحقوق الشرعية وهو بذلك يسرق حقوق مستحقيها.
الخامسة: حرصه (عليه السلام) على وحدة المسلمين والتأليف بين قلوبهم، فرغم أنه (عليه السلام) وأهل بيته ظُلِموا وغُصِبت حقوقهم إلا أنه لم يثر فتنة وسلّم لهم من أجل أن تسلم أمور المسلمين كما قال جده أمير المؤمنين (عليه السلام): (لقد علمتم أني أحق الناس بها من غيري ووالله لأسلِّمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلا عليّ خاصة، التماساً لأجر ذلك وفضله وزهداً فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه).
وضربوا (عليهم السلام) لذلك مثلاً في امرأتين تنازعتا في ولدٍ كل واحدة تقول هو لي وتحيّر الخليفة الثاني في كيفية حل النزاع فالتجأ إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فما كان منه (عليه السلام) إلا أن دعا بسيفه وقال سأقطع الولد نصفين لكل واحدة نصف، فصاحت أم الولد الحقيقية لا تفعل يا أمير المؤمنين واحفظ الولد سالماً ولتأخذه المرأة الأخرى، فقال لها (عليه السلام) أنت أمه الحقيقية ودفعه إليها، فكان كل إمام يشعر أنه أم الولد وعليه أن يضحي حفاظاً لسلامة كيان الأمة من التمزق والتشتت وكان الإمام الصادق (عليه السلام) يقول: (ولدني أبو بكر مرتين)(1) تأليفاً لقلوب العامة.
السادسة: الاهتمام بأمور المسلمين وقضاء حوائجهم ومساعدة ضعفائهم بحيث يصل إلى درجة التعبير عمن لم يهتم بأمور المسلمين بأنه ليس منهم، وكان الإمام الصادق (عليه السلام) يطوف بالبيت الحرام فجاء رجل إلى أحد أصحابه طالباً منه قضاء حاجة فاجله إلى حين انتهاء الطواف فلم يرض الإمام عليه وطلب منه قطع الطواف حتى يقضي حاجة أخيه المؤمن ويعود إلى طوافه، ومر المعلى بن خنيس وهو من خواص أصحاب الإمام (عليه السلام) بمسلمين يتنازعان على مالٍ فدفع منه مالاً يرضيهما ولما استغربا من عظيم صنعه، قال: والله ليس هو من مالي وإنما وضعه عندي سيدي ومولاي جعفر بن محمد للمساعدة في إصلاح الخلافات بين المؤمنين وحل نزاعاتهم.
وفي هذه السيرة المباركة دروس لكل من يلي شيئاً من أمور الرعية أن يحافظ على وحدة الشعب وزرع الألفة بينهم، وأن يتفانى في خدمتهم وتحقيق السعادة لهم.
المواقف السياسية للإمام الصادق (عليه السلام)
شهدت الفترة الأخيرة من الدولة الأموية اجتماعات عديدة كان يعقدها العلويون والعباسيون لإعلان الثورة، وقد حاولوا إقناع الإمام (عليه السلام) بالانضمام إليهم إلا أن الإمام (عليه السلام) كان يبين موقفه بوضوح بأننا لسنا طلاب دنيا وليس لنا مطامع في السلطة، وإنما نريد الإصلاح وتهذيب النفوس وتكاملها ورقيها وهو ما يجب أن نعمل لأجله ومن دون وصول الأمة إلى مستوى رفيع من التربية الإيمانية لا يمكن أن تنجح فيهم سيرة الإمام (عليه السلام) في الحكم بين الناس.
وعندما كتب إليه أبو سلمة الخلال أحد قادة جيوش العباسيين التي أطاحت بالأمويين يعرض عليه الدعوة إليه بعدما تكشفت له نوايا القوم بالاستئثار بالسلطة دون العلويين، قال الإمام (عليه السلام) مالي ولأبي سلمة وهو شيعة لغيري، ثم قال لخادمه: أدن مني السراج فأدناه منه فوضع الكتاب على النار حتى احترق بكامله والرسول ينظر إليه، فقال له الإمام (عليه السلام) هذا جواب كتابه.
ولما جاء أبو مسلم الخراساني قائد جيوش العباسيين يعرض عليه تسليم الأمر إليه بعدما أحس بخيانة العباسيين الذين بنوا حركتهم على الدعوة إلى الرضا من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قال (عليه السلام): لست من رجالي ولا الزمان زماني.
فالتصدي للسلطة عند الإمام (عليه السلام) وسيلة لإحقاق الحق وإقامة شريعة الله تبارك وتعالى، وليست شهوة وغاية في نفسها، فلذا نأى بنفسه عن الخوض في هذه الحياة بل تركها لأهلها الذين رضوا بهذه الدنيا الدنية ثمناً لدخولهم نار جهنم، وتفرغ هو لبناء النفس المطمئنة والقلب السليم والمجتمع الإسلامي النظيف.
ولكنه (عليه السلام) كان يرى أن بعض الثورات التي تنطلق بين حين وآخر بقيادة العلويين كزيد الشهيد وبني الحسن (عليه السلام) كانت مخلصة وضرورية لإبقاء إرادة الأمة حية ولتعميق وإدامة رفض الظلم والظالمين، وهو (عليه السلام) وإن لم يتبناها بشكل مباشر وحرص على أن لا يدان بشيء متصل بها إلا أن تعاليمه وخطه الفكري والتربوي والأخلاقي كان يصب في إشعال هذه الثورات، لذا كانت السلطات تعتبره المرشد لها وكان (عليه السلام) يقول: (لا زالت أنا وشيعتي بخير ما خرج الخارجي من آل محمد)([6]) أي الثوار الرافضون لظلم الطواغيت ويقول: (لوددت أن الخارجي يخرج من آل محمد وعليَّ نفقة عياله).
فهو وإن لم يكن يرى أن المقاومة المسلحة هي الحل الأمثل لبناء الأمة، إلا أنه يراها قوة له وتصب في مصلحة الإسلام العليا.
وكتب (عليه السلام) رسالة تفصيلية إلى عبد الله المحض وأخوته وأولاده وبني عمومته من بني الإمام الحسن (عليه السلام) بعد أن اعتقلهم المنصور العباسي في الهاشمية للضغط على ولديّ عبد الله محمد النفس الزكية وإبراهيم أحمر العينين حتى يتركا الثورة ويستسلما، وضمَّنَ الرسالة كل معاني المواساة والصبر والمصابرة والتسلية.
وحينما قتل قائد شرطة الوالي العباسي على المدينة مولاه المعلى بن خنيس، قصد مقر السلطة بنفسه على غير عادته وطالب بالاقتصاص من القاتل وبعد محاولات عديدة للتخلص من الموقف، قابلها الإمام (عليه السلام) بالإصرار على إقامة العدل استسلم الوالي وقدم الجاني للقصاص.
بهذه النشاطات الكبيرة والمتعددة التي كان يؤديها الإمام (عليه السلام) نجح في إدامة الروح الدينية في الأمة وتوعيتها، وبناء الأسس الرصينة لشخصيتها، لذا حظيّ بتقدير الأمة بجميع طبقاتها وصدرت منهم أعلى كلمات الثناء والإطراء، قال مالك بن أنس أحد أئمة المذاهب (ما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمد الصادق علماً وعبادة وورعاً) وقال فيه أبو حنيفة (ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد) وقال ابن أبي العوجاء –من زعماء الملحدين- عندما قصد الإمام الصادق (عليه السلام) ليناظره وقد قال له الإمام: ما يمنعك من الكلام، فقال له: إجلالاً لك ومهابة منك ولا ينطق لساني بين يديك وإني شاهدت العلماء وناظرت المتكلمين فما تداخلني من هيبة أحد منهم مثلما تداخلني من هيبتك يا ابن رسول الله، وكان المنصور على شدة عداوته للإمام (عليه السلام) يقول: إن جعفر بن محمد من السابقين بالخيرات ومن الذين اصطفاهم الله من عباده وأورثهم الكتاب.
(1) محاضرة ألقيت بمناسبة ذكرى استشهاد الامام الصادق (عليه السلام) في 25 شوال 1424 المصادف 20/12/2003.
([2]) و (2) و (3) الكافي:1/ 31، 40.
([3]) الكافي: 2/636.
([4]) الكافي: 2/233.
([5]) الكافي: 8/213.
(6) فأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر وكانت في غاية الجلالة والكرامة بحيث قيل للإمام الصادق (عليه السلام) ابن المكرمة وكانت من أتقى نساء زمانها وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر (معجم رجال الحديث: 14/49، ومنتهى الآمال مج2).
([7]) بحار الأنوار: 46/172.