خطاب المرحلة (26)... رسالة الشعب العراقي المظلوم إلـى الإخوة في فلسطين بمناسبة يوم القدس العالمي
رسالة الشعب العراقي المظلوم إلـى الإخوة في فلسطين بمناسبة يوم القدس العالمي([1])
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله كما هو أهله وصلى الله على نبيه وآله وسلم تسليماً كثيرا
للقدس مكانة مقدسة وسامية في قلوب المسلمين فهي أول قبلة توجه لها رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) والمسلمون بالصلاة في السنين الأولى من البعثة النبوية الشريفة تمييزاً لهذه الفئة الحنيفية الطاهرة من أدناس الشرك عن المشركين الذين اتخذوا الكعبة المشرفة محلاً لأصنامهم يعبدونها من دون الله تبارك وتعالى، حتى بدأ اليهود –بعد الهجرة إلى المدينة- ينتقصون من المسلمين وأنهم تبع لهم لأنهم يتوجهون إلى نفس قبلتهم فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يتطلع إلى الله تبارك وتعالى ليخص المسلمين بقبلة تميزهم فنزل قوله تعالى: [قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ] (البقرة:144) فحول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وجهه من القدس إلى الكعبة وكان في أثناء الصلاة في المكان المعروف اليوم بمسجد القبلتين.
والقدس ثالث الحرمين الشريفين من المساجد الأربعة التي عظمها الله تبارك وتعالى بعد المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف، وقد وصف الله تبارك وتعالى المسجد الأقصى في القدس بقوله تعالى: [الذِي بَارَكْنَا حَولَهُ] (الإسراء:1) ومنه عرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى السماء بعد أن أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى.
والقدس إضافة إلى ذلك مستقر كثير من أنبياء الله ورسله وفيها عاشوا ومنها انطلقوا للدعوة إلى الله تبارك وتعالى وإعلاء كلمته، هذه القدس الشريفة أسيرة اليوم بيد الصهاينة الذين التقطهم الاستكبار العالمي من شتات الأرض ليقيم لهم كياناً هنا في قلب العالم الإسلامي لأهداف عديدة:
1- تفريق شمل الأمة وتمزيق وحدتها وإلقاء الخلاف بينها لأن المواقف تجاه هذا الكيان ستكون مثار جدل وخلاف وتباين وربما نزاع وتقاتل.
2- استنزاف قدراتها في حروب باردة أو ساخنة مع هذا الكيان اللقيط تثار بين وقت وآخر، ونهب خيراتها بعنوان تسليحهم بأحدث الأسلحة والتي يطورونها لهم باستمرار، أو ابتزازهم من أجل مواقف سياسية معينة.
3- تدمير الأخلاق والعقيدة المتأصلة في قلوب ونفوس شعوب المنطقة بتمسكها بالإسلام من خلال الوسائل الخبيثة المتنوعة فنسمع أن الدول لها ناقلات طائرات تجوب البحار، أما الكيان الصهيوني فله ناقلات من قبيل آخر تقف قبالة سواحل البلاد الإسلامية كدول الخليج ومصر وتحمل فرق الفاسقات واللهو والمجون والخمر وأندية القمار فيهرول لها المسلمون !! ليفرغوا جيوبهم على شهوات النفس الأمارة بالسوء ولينزعوا من قلوبهم وعقولهم نور الإيمان والعزة والهيبة والتسامي وليكونوا عبيد هؤلاء الشياطين وقد بلغت واردات الكيان الصهيوني (3) مليارات دولار من هذه التجارة سنوياً.
4- ليكون هذا الكيان أداة لتنفيذ مخططات الاستكبار في المنطقة، ولإفشال كل مشروع يتقاطع مع مصالحهم فيكون يدهم الضاربة لتنفيذ ذلك، والشواهد على كل ذلك كثيرة. فقد أدى هذا الكيان دوره بإتقان؛ لذا لم تقصر قوى الاستكبار في دعمه ورعايته وإسناده مادياً حتى أصبح معدل دخل الفرد فيه يمثل أعلى المستويات حيث يصل إلى أكثر من (17) ألف دولار سنوياً، ومعنوياً حيث أصبح دولة فوق القانون ولا يعامل كما تعامل الدول الأخرى، وقد سمعتم بالضجة التي أثيرت حول رئيس وزراء ماليزيا (مهاتير محمد) الشهر الماضي لأنه قال كلاماً فسر بأنه معاداة للسامية، أو ما يثار حول المسلسل التلفزيوني (الشتات) فأصبحت هذه التهمة سيفاً مشهوراً على رأس كل من يقول الحق ويبين الموقف الصحيح التي تمليه الإرادة الحرة، بينما هم يقولون ما شاؤوا من الكلمات ويخرجوا ما يحبون من الأفلام والمسلسلات التي تشوه صور المسلمين والعرب والقرآن الكريم ولا رادع لهم.
وقد سمعت في أخبار اليوم (22 رمضان 1424 – 17/11/2003) أن مدير مدرسة مزرعة الشبيبة في القدس طرد طالبة يهودية من المدرسة تنحدر من أصل كازاخستاني لأنها اعتنقت الإسلام وارتدت الحجاب، وكذا فعلوا في فرنسا وألمانيا، بينما لا يستنكر أحد لبس اليهودي لزيه التقليدي.
لكن مع ذلك توجد صحوة ضمير لدى الغربيين إزاء القضية الفلسطينية العادلة حيث صوت أغلبية الأوربيين قبل أيام لصالح القول أن إسرائيل هي المصدر الأول للإرهاب في العالم وكانت صعقة لهؤلاء المعتدين الآثمين، بل إن الإقرار بحق الشعب الفلسطيني وضرورة تخلي الكيان الصهيوني عن تصرفاته العدوانية في ظلم وإذلال المسلمين في فلسطين بدأ يصدر من رموزهم كرئيس الأركان الصهيوني مما ادخله في هذه الأيام بنزاع مع رئيس حكومته.
وقبل أيام عقد المدراء السابقون لجهاز (الشن بت) الصهيوني لقاءً وكان من مقرراتهم تقديم النصيحة لحكومة الصهاينة بان تتخلى عن ممارساتها العدوانية وتفكك المستوطنات المقامة على الأرض الفلسطينية، وما كان ذلك ليتحقق إلا بصبر وجهاد وتضحيات الشعب الفلسطيني بعد أن التفت إلى الإسلام وجعله محور قضيته وبدأت شعارات (الله أكبر) و(لا اله إلا الله) و(محمد رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وتذكير الصهاينة بخيبر وصولة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).
لقد ولى الزمان الذي كانت تعتبر فيه قضية فلسطين قضية قومية تخص العرب تحت مبررات واهية، وعزلوا بذلك قوة كبيرة وطاقة فعالة لو استثمرت فإنها ستحقق للأمة مرادها هي قوة العقيدة، وما الانتصارات التي حققتها الجيوش العربية المسلمة في حرب 6 تشرين 1973 إلا بفضل الروح الدينية التي كان يحملها أولئك الجنود بالتأثير الساحر لشهر رمضان لان الحرب بدأت في العاشر من شهر رمضان المبارك ولا زلت أتذكر رغم مرور ثلاثين سنة بالضبط كيف دخل المرحوم الشهيد الشيخ عبد الجبار البصري إلى قاعة الدرس وكنت حينها طالباً في متوسطة الإمام الجواد (عليه السلام) الأهلية، وكان في غاية الحماس والانفعال بعد إعلان بدء الحرب وطالبنا بكتابة موضوع في درس الإنشاء عن (إخوانٍ لنا يقاتلون في سبيل الله لا تأخذهم في الله لومة لائم ولا يستوحشون الطريق لقلة سالكيه) ولا زالت كلماته هذه ترن في أذني.
لكنهم مع الأسف لم يسموها بحرب العاشر من رمضان وإنما أسموها حرب السادس من تشرين فأفقدوها سلاحها الروحي المضاء، والغريب من القيادات الفلسطينية والعربية أن تغفل عن هذا الإطار للقضية وهم يرون عدوهم يقاتلهم بعقيدته اليهودية، ويزرع في قلوب جنوده الهمة والحماس للدفاع عنها، فلماذا لا نواجههم بنفس السلاح الذي شهروه في وجوهنا ولا يعني هذا أننا ضد العقيدة اليهودية التي هي بالأصل ديانة سماوية جاء بها رسول كريم عظيم من أولي العزم هو كليم الله موسى بن عمران (عليه السلام)، ولكننا ضد التوظيف السيئ والمنحرف لها من أجل تحقيق أهداف شيطانية للصهيونية.
إننا نحن المسلمين في العراق رغم ما بنا من الم الجراح والفقر والاضطهاد والحرمان والمآسي الكثيرة، لا نغفل عن قضية إخواننا المسلمين في فلسطين لأنها قضيتنا جميعاً، ولا يشغلنا شيء عن مواساتهم والألم لما يصيبهم والدعاء لهم بالنصر والتأييد والثبات، فإن المؤمن فيه من صفات الله تبارك وتعالى ومن صفاته عز وجل أنه لا يشغله شأن عن شأن، فلنتخلق بأخلاق الله تبارك وتعالى.
وإن أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله فنحن نحب إخواننا في فلسطين ونحس بآلامهم في الله، ونبغض أعداءهم الذين هم أعداؤنا في الله تبارك وتعالى فنحن معهم في خندق واحد في هذه المواجهة التي شاء الله تبارك وتعالى أن يجعلهم في الخندق الأول.
وأنا اذكرهم بحديثين شريفين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم ففي مسند أحمد وتهذيب ابن عساكر وكنز العمال عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم): (لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين لعدوهم قاهرين ولا يضرهم من خالفهم ولا ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس).
وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): (لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حوله وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله، لا يضرهم خذلان من خذلهم، ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة).
فبورك لكم هذا الاختيار لتكونوا طليعة الأمة وواضعي حجر الأساس لدولة المصلح الأعظم الإمام المهدي الموعود (عليه السلام) الذي ادخره الله تبارك وتعالى ليقيم دولة الحق والعدل في الأرض وليحقق للبشرية يومها السعيد الذي تحلم به.
إن أقل ما نقدمه لإخواننا في فلسطين هو الاهتمام بقضيتهم والتفاعل معهم والدعاء لهم بالنصر والتثبيت خصوصاً في مظان الإجابة، ومنها هذه العشر الآواخر من شهر رمضان والجمعة الأخيرة منه وفي الشعيرة المقدسة المباركة صلاة الجمعة، وليس هذا قليلاً في الحقيقة إذا كان عن إخلاص وصدق فإن الدعاء سلاح المؤمن قال تعالى: [قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ] (الفرقان:77).
محمد اليعقوبي
22 رمضان 1422- 17/11/2003
([1]) أعلن السيد الخميني الراحل (قدس سره) بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، آخر يوم جمعة من شهر رمضان يوماً عالمياً للقدس لكي تبقى حيّة في ضمير الأمة.