خطاب المرحلة (24)... رسالة إلــى العراقيين بمناسبة شهر رمضان وفيها مشروع المصالحة الوطنية
رسالة إلــى العراقيين بمناسبة شهر رمضان([1])وفيها مشروع المصالحة الوطنية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله كما هو أهله وصلى الله على رسوله والأئمة الميامين من آله وسلم تسليماً كثيراً
حينما يحلّ شهر رمضان ويتطلع المسلم إلى هلاله ينتابه شعوران:
الأول: الفرح لكونه ممن حظي فشهد هذا الشهر المبارك ولم يكن من الذين اخترمهم الأجل خلال العام الماضي فحرِم من هذه الفرصة الثمينة للتكامل والقرب من الله تعالى،فكم شخص كان بيننا في رمضان السابق وهو اليوم ليس فينا أما نحن فقد شملنا الله بلطفه وفتح لنا الباب على مصراعيه للاستزادة من الفضائل والحسنات والتقرب أكثر إلى الله تبارك وتعالى، كالطالب الذي تعطى له فرصة أخرى للامتحان في الدور الثاني ونحوه من أجل أن ينجح أو يحسّن درجته فحاله أفضل ممن يمنح فرصة واحدة.
وإن لله تبارك وتعالى ألطافاً ونفحات خاصة في شهر رمضان لا ينالها العبد في غيره وقد ورد في الحديث الشريف: (إن لله تبارك وتعالى نفحات ألا فتعرضوا لها)، هذه الألطاف والإمدادات الروحية يحسها حتى البعيدون عن الله تعالى فالمرأة السافرة تتحجب في شهر رمضان والذي يعاقر الخمرة يجتنبها احتراماً لهذا الشهر وتارك الصلاة يلتزم بها كل ذلك من بركات هذا الشهر الكريم.
من هذه الألطاف ما ذكرها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في خطبته التي ألقاها على المسلمين في آخر جمعة من شعبان ورواها أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (أيها الناس إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، أيها الناس: إن أبواب الجنان في هذا الشهر مفتحة فسلوا ربكم أن لا يغلقها عليكم، وأبواب النيران مغلقة فسلوا ربكم أن لا يفتحها عليكم، والشياطين مغلولة فسلوا ربكم أن لا يسلطها عليكم.... الخ).
الثاني: الرهبة والهيبة لهذا الشهر الكريم لأنه شهر الله وله حرمة عظيمة فلذا أوجب الله تبارك وتعالى صومه من دون الشهور، وجعل فيه ليلة القدر وجعلها خيراً من ألف شهر وأنزل فيه القرآن ودعا عباده إلى ضيافته يرتعون في موائده ويغدق عليهم من كرمه وماذا تجد على تلك الموائد.
يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب، فسلوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه وقيامه وتلاوة كتابه، فإن الشقي من حُرِم غفران الله في هذا الشهر العظيم).
فيشعر المؤمن بهيبة لهذا الشهر خشية أن يقصر فيه، ولا يكون أهلاً لضيافة الله تعالى فيحرم من بعض كرمه ويكون من الأشقياء، وعن هذه الحالة عبر الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) في دعائه، مخاطباً شهر رمضان: (السلام عليك يا شهر الله الأكبر ويا عيد أوليائه السلام عليك يا أكرم مصحوب من الأوقات ويا خير شهر في الأيام والساعات، السلام عليك من مجاور رقّت فيه القلوب وقلّت فيه الذنوب، السلام عليك من ناصر أعان على الشيطان وصاحب سهل سبل الإحسان، السلام عليك ما كان أمحاك للذنوب وأسترك لأنواع العيوب).
ويمكن أن تقرب الصورة بمثال من الواقع: فلو أن ملكاً أو رئيساً دعا أحداً لضيافته فكم سيكون هذا المدعو حريصاً على آداب الضيافة وعدم الإخلال بها ليكون أهلاً لهذه الدعوة ويكون سعيداً وفخوراً بتوجيهها إليه، فكيف إذا صدرت بطاقة الدعوة من الله تبارك وتعالى خالق الخلق وجبار السموات والأرض وأوصلها إليك اشرف المخلوقات محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكم هي ثمينة وقيمة هذه الدعوى وكيف سيكون حرصك على أن تكون أهلاً لها.
ومن اقتران هذين الشعورين: الفرح والرهبة في القلب يندفع المسلم للعمل الصالح ويكون الحافز فيه مضاعفاً لطاعة الله تبارك وتعالى وأعمال البر والإحسان وصفاء القلوب والمودة والألفة ونزع ما فيها من غلّ وحقد وحسد وبغضاء ليكون من الفائزين يوم القيامة قال تعالى: [يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ، إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ] (الشعراء:88-89) أي خال من الغش للآخرين خصوصاً إذا التفت إلى عظمة العطاء الإلهي على أعمال الخير، يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (مَن حسّن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الأقدام، ومن كف فيه شره كف الله غضبه يوم يلقاه، ومن أكرم فيه يتيماً أكرمه الله يوم يلقاه، ومن تطوع فيه بصلاة كتب الله له براءة من النار، ومن أدى فيه فرضاً كان له ثواب من أدى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور، ومن أكثر فيه من الصلاة علي ثقل الله ميزانه يوم تخف الموازين ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور).
فلتتوحد قلوبنا على الصفاء والمودة والعمل المخلص لإرجاع البسمة إلى هذا الشعب الأبي الكريم الذي ذاق صنوف الاضطهاد والحرمان والكبت، وقد أذن الله تبارك وتعالى له أن يسترد عافيته بجهود المخلصين من أبنائه فلا تفرقنا اتجاهات دينية أو نوازع عرقية، فهذا أمير المؤمنين (عليه السلام) يوصي مالك الأشتر عندما ولاه مصر ويعهد إليه بكتاب طويل ومما جاء فيه: (واستشعر الرحمة في قلبك للرعية فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق).
ونحن اليوم أحوج ما نكون إلى المحبة والتسامح والحوار حتى نخرج من هذه الأزمة الخانقة التي أوصلت جميع الأطراف إلى طريق مسدود، وبمناسبة حلول شهر رمضان الذي هو أثمن فرصة للمودة والصفاء والسلام أقدم هذا المشروع الذي هو بمثابة دعوة للمصالحة والحوار بين جميع الأطراف المعنية بالقضية العراقية، وهذا هو نص المشروع:
بسم الله الرحمن الرحيم
دعوة إلــى المصالحة الوطنية
تعد المشكلة الأمنية من اخطر ما يواجه العراق اليوم والوضع ينذر بالأسوأ إذا لم يتصد عقلاء القوم المعنيون بالأمر لاتخاذ التدابير اللازمة للعلاج لأن انعدام الأمن والاستقرار سيترك آثاره على جميع النواحي الأخرى كالاقتصادية والاجتماعية والسياسية ويعرقل تلك النشاطات.
وإذا استقرأنا جذور المشكلة ومناشئها فسنجد أن حل المشكلة الأمنية ليس عسكرياً أي لا يكون بجلب المزيد من القوات وإشراك الدول الأخرى، وإنما الحل يكون سياسياً بان تستشعر الأمة سيادتها على أرضها وصون كرامتها وعزتها وحفظ هويتها الوطنية والإسلامية وهذا ما نراه مهدداً الآن، وبدلاً من أن تعمل قوات الاحتلال على تقوية مجلس الحكم وإنجاح عمله لتزداد قناعة الشعب به، حصل العكس بتهميش دوره وعدم الاعتناء بآرائه ومواقفه تجاه عدد من قضايا الأمة وعدم اعتباره عنصراً أساسياً في الساحة العراقية، وأُنيطت مسؤولية إدارة العراق وأمواله ومؤسساته بمسؤول الإدارة المدنية لقوات الاحتلال.
وهذا ما يثير قلق الشعب لأنه وإن أبدى بعض التحفظات على كيفية تشكيل مجلس الحكم واختيار أعضائه وأسلوب عمله وعدم شموليته لكل القوى والتيارات الجماهيرية، إلا أنه يعتبره هيئة عراقية يمكن أن تكون منطلقاً وفق خطة تدريجية لعودة السيادة الوطنية، فأي إضعاف له يكون محبطاً لتلك الآمال، وهذا الفشل والشعور بالإحباط يولد ردود أفعال مذمومة ويعطي المبررات لنشوء مشاريع لا تكون في مصلحة الشعب العراقي، كما أن إهمال بعض القوى المؤثرة في الساحة وتجاهل دورها في صنع مستقبل العراق أدى إلى حصول هذه النتائج السيئة.
إننا وإن أبدينا هذه التحفظات إلا أننا لا نستطيع إنكار الانجازات الكبيرة التي حققها مجلس الحكم خلال الفترة الماضية([2]) على صعيد أعادة الخدمات الأساسية وتشكيل الدولة وتأهيل مفاصلها المدنية والعسكرية للعمل من جديد.
وفي ضوء هذه الدراسة للأسباب نخرج بنتيجة مفادها ضرورة قيام مجلس الحكم بمبادرة (مصالحة وطنية) تخرج البلد من حالة الاختناق والتوتر، وتقطع الطريق أمام الانتهازيين وتعيد عملية البناء والإعمار والتقدم إلى مسارها الصحيح من خلال الخطوات التالية:
1ـ إشراك قوتين جماهيريتين([3]) في مجلس الحكم فيصبح عدد المقاعد (26) بنسبة مقعد واحد لكل مليون شخص مع مراعاة التوازن في تمثيل قوميات وطوائف المجتمع العراقي.
2ـ أن لا يتخذ مجلس الحكم أي قرارات مصيرية كقانون تجنيس الأجانب وخصخصة قطاع النفط؛ لأنها من اختصاص المجالس المنتخبة من قبل الشعب وبعد وضع الدستور الذي تستند إليه هذه القرارات واكتفاء هذا المجلس باتخاذ القرارات المرحلية لأنه (انتقالي) أسس لكي يتجاوز بالأمة هذه الفترة العصيبة.
3ـ أن تعمل قوات الاحتلال على تقوية مجلس الحكم وإنجاح عمله واحترام قراراته والتعامل معه كممثل حالي للشعب العراقي فحينما رفض استخدام قوات تركية لا ينبغي لمسؤول الإدارة المدنية لقوات الاحتلال أن يقول (ليس بيد مجلس الحكم أن يرفض مثل هذا القرار)؛ لأن العراق للعراقيين وهم الذين يقررون مصيره.
4ـ أن يعلن مجلس الحكم عن خطوات جدية لإعادة السيادة للعراقيين وإنهاء الاحتلال تدريجياً وبأقرب وقت، بان يضع برنامجاً بتوقيتات محددة لوضع الدستور وإجراء انتخابات وطمأنة الشعب بوجود صدق في هذا الاتجاه ولنبدأ الخطوة الأولى وهي تحديد موعد إجراء التعداد العام للسكان وليس الإحصاء التفصيلي وهو أمر ليس عسيراً بعد تشكيل الوزارات وبدأ العام الدراسي ووجود البطاقات التموينية فيمكن أن تقوم الهيئات التعليمية والموظفون بهذه المهمة كما كانت في النظام البائد.
(1) صدر بمناسبة حلول شهر رمضان 1424 وصادف الأول من رمضان يوم 27/10/2003.
([2]) شكل مجلس الحكم المكون من (25) عضواً حكومة من وزراء بنفس العدد حيث كان من حق كل عضو أن يعين وزيراً، أما رئاسة مجلس الحكم فكانت لواحد كل شهر من تسعة اختيروا ويمثلون الأحزاب السياسية والشخصيات المستقلة المعارضة للحكم.
(3) كان المقصود بهما القوتين الرئيسيتين اللتين ضمتا مقلدي السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) ومريديه فرجعت إحداهما إلى السيد كاظم الحائري (دام ظله) والأخرى إلى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله).