خطاب المرحلة (20)... قانونان ضد مصلحة الشعب العراقي في أسبوع واحد

| |عدد القراءات : 4814
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

قانونان ضد مصلحة الشعب العراقي في أسبوع واحد

 بسم الله الرحمن الرحيم

 نشرت جريدة الصباح بعددها المؤرخ 13/9/2003 مسودة قانون الجنسية العراقية وقد اقره مجلس الحكم وحسب ما أفاده أحد أعضاء مجلس الحكم انه أريد من القانون أعادة الحق للعراقيين في تحصيل الجنسية العراقية بعد أن أسقطها النظام المقبور عن عراقيين أصلاء بحجة عدم امتلاكهم لشهادة الجنسية العثمانية ونحوها من الأعذار التي كان الهدف منها إضعاف شوكة شريحة اجتماعية يعتقد بأنها لا تسير في ركابه.

وتكمن خطورة هذا القانون بفتحه للباب على مصراعيه أمام كل من هبّ ودبّ من عدو وصديق حتى لو كان صهيونياً أن يحمل الجنسية العراقية إذا أقام في العراق عشر سنين (الفقرة الثالثة من المادة السادسة)، أو تزوج امرأة عراقية وأقام ثلاث سنين في العراق (المادة السابعة)، أو المرأة غير العراقية التي تزوجت من عراقي وأقامت ثلاث سنين (المادة الحادية عشر)، أو من ولد خارج العراق من أم عراقية وأب مجهول أو لا جنسية له (المادة الرابعة)، فتستطيع العاهرات أن تنجب للعراق من يحملون جنسية من آباء مجهولين أو لا جنسية لهم من أهل الفسق والفجور في بلدان العالم وتأتي بهم من الخارج أبناء شرفاء للعراق الكريم، واحتياطاً لهذه الاقتراحات فقد نصّت (المادة الثامنة) على مثل هؤلاء الأشخاص أن يؤدّوا يمين الإخلاص للعراق أمام مدير الجنسية المختص، ولا ادري إن كان هذا اليمين كافياً لحماية العراق وأهله ودينه وأخلاقه من هؤلاء الشذاذ الذين سيفدون إليه من الآفاق، وهل منع هذا اليمين الذي يؤديه الرؤساء والوزراء باستمرار من خيانة البلاد واستعباد أهلها والاستئثار بالخيرات؟

وإذا تجنس هؤلاء بالجنسية العراقية أصبح لهم الحق كاملا في مزاحمة أهله والتمتع بكافة الامتيازات والحقوق التي يتمتع بها العراقي إلا ما استثني بقانون خاص (الفقرة الأولى من المادة التاسعة).

وهنا ينبغي الالتفات إلى أمور:

1 ـ إن مجلس الحكم (انتقالي) فلا يحق له أن يتخذ قرارات ستراتيجية كهذا، وإنما وظيفته القيام بالمسؤوليات الحيوية كإعادة الأمن والاستقرار وإعادة الخدمات الضرورية كالماء والكهرباء والوقود وتأهيل الصحة والتعليم والنقل ونحوها وخصوصاً وانه لا يملك المشروعية، إذ لم يحصل على إمضاء من المرجعية الدينية الشريفة ولا نال موافقة الشعب باستفتاء عام، وإنما غض الشعب طرفه عن الاعتراض راجياً أن يمنحه الفرصة للنجاح في أداء المسؤوليات المتقدمة حتى تنشأ حكومة وبرلمان دستوريان منتخبان من قبل الشعب ليتخذ مثل هذه القرارات الاستراتيجية.

2ـ إن القوانين ومنها قانون الجنسية إنما هي شروح وتفصيلات لمواد الدستور الذي يعتبر المستند الشرعي والأصل لهذه القوانين فما دام الدستور غائباً لا يمكن اتخاذ مثل هذه القرارات لعدم وجود مستند لها.

3ـ إن هذا القانون لا يلائم طبيعة المجتمع العراقي وكذا دول المنطقة (إلا الكيان الصهيوني) اللقيط لذا لا تجد دولة منها تلتزم بمثل هذه المواد، وغاية ما تعطي تلك الدول حق الإقامة على أراضيها بشرط تجديدها كل ستة أشهر أو سنة مثلاً وبعض الحقوق والامتيازات المحدودة ولا يمكن أن تساويه بابن البلد الذي يملك هو وحده الحق كاملاً في خيرات وطنه وليس بلدنا بحاجة إلى متجنّسين جدد وهو لم يوفّر السعادة الكافية لأبنائه.

4 ـ إن مثل هذا القانون يفتح الباب واسعاً لأعداء هذا الشعب كالصهاينة أن يتجنّسوا ويمتلكوا ويتمتعوا بكل امتيازات العراقي وسنجد أنفسنا بعد عشر سنين أو عشرين سنة غرباء في أرضنا ومستعبدين ويدير الأجانب بلدنا ونتشرد في أصقاع الأرض كما حل بالفلسطينيين.

فهل التفت إلى كل هذا أعضاء مجلس الحكم الموقّر؟!

وبعد أسبوع أي في العشرين من أيلول أطل علينا وزير المالية (كامل الكيلاني) من دبي ليبشّر الشعب العراقي بالسعادة والرفاهية المقبلة عليه من خلال السماح للأجانب بتملك كل شيء في العراق عدا النفط، لأن سياسته موجهة من قبل الأجانب أصلاً بلا حاجة إلى قرار، وكلنا يعلم أن العالم اليوم شهد تكتلات اقتصادية تمتلك رؤوس أموال ضخمة لا يستطيع منافستها أصحاب الأموال العراقيين الذين أضعفهم النظام المقبور واستأثر بثروات البلاد لنفسه وبالتالي فإن مثل هذا القرار سيملّك العراق بكل قطاعاته إلى هؤلاء الأجانب ليتحكموا في اقتصاده ومن ثم في سياسته، وهو استعباد جديد بأسلوب متحضر مقبول.

وإذا انتظرت أمريكا مائتي عام منذ دخول اليهود إلى أراضيها ونشاطهم فيها حتى امتلكوا مفاصل الاقتصاد والسياسة فراحوا يوجهونها كيف يشاؤون فإن العراق سوف يحتاج إلى أقل من عشرين عاماً ليقع فريسة لهذا الإخطبوط، لذا كان أول المستبشرين بهذا القرار قادة الكيان الصهيوني حيث صرح (نتنياهو) أمام الكنيست بشطب العراق من قائمة الدول المعادية (لإسرائيل) وفتح الأسواق (الإسرائيلية) أمام التجار العراقيين وكأنه أول من يعلم بالقرار قبل صدوره.

وإذا كان عذرهم هي حاجة العراق إلى أموال ضخمة لإعماره وإعادة تأهيله فيمكن أن يكون بغير هذه القرارات المجحفة، كما تفعل بعض دول المنطقة من حصر التملك بأبناء البلد وإعطاء فرصة الاستثمار للأجنبي باسم أبناء البلد على أن يكون لهذا الأخير أكثر من نصف عدد الأسهم لتبقى سلطة القرار بيده أو أي صيغ أخرى.

إن ما ذكرناه من النقاط تعليقاً على قانون الجنسية تنطبق على هذا القانون أيضاً لذا تدعوا الحوزة العلمية الشريفة أعضاء مجلس الحكم والوزراء أن ينظروا أولاً وقبل كل شيء إلى رضا الله تبارك وتعالى ومصلحة هذا الشعب المحروم والوفي والغيور على دينه وقيمه، وليكونوا شجعاناً وحازمين، وأن يتجردوا عن المصالح الشخصية أو الفئوية فإنها مرحلة تأريخية عصيبة سيسجل التأريخ مواقف أبنائها ومن لا يجد في نفسه الكفاءة والقدرة والشجاعة لاتخاذ القرارات الكبيرة فلينسحب.

وإننا إذ نؤدي واجبنا الشرعي بهذه البيانات نطلب من المثقفين والسياسيين والعلماء أن ينتبهوا إلى مثل هذه التجاوزات وليعملوا على توعية الأمة وتبصيرها بالأمور وليتخذوا الوسائل والتدابير التي تمنع من تمرير مثل هذه القرارات.

[وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ] (محمد:35)