خطاب المرحلة (14)... الموقف من تشكيل مجلس الحكم

| |عدد القراءات : 4488
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

الموقف من تشكيل مجلس الحكم([1])

 بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله كما هو أهله وصلى الله على نبيه وآله الميامين وسلم تسليماً كثيراً.

حينما غزت أمريكا العراق كانت مطمئنة إلى أن العراقيين يقبلون أية حكومة وبأية صيغة فالمهم عندهم هو زوال النظام، لذا وضعوا السيناريو لشكل الحكومة وعيّنوا الأشخاص عبر عدة مؤتمرات في لندن وصلاح الدين وغيرها، إلا أنهم في أثناء الحرب وبعدها فوجئوا بوعي العراقيين وإيمانهم والتزامهم بمبادئهم فإنهم -أي العراقيين- وإن كانوا يريدون الخلاص من النظام، إلا أنه ليس بأي ثمن ولا أنهم يقبلون أي بديلٍ، وإنما هم أصحاب حق وعندهم قضية لا يستقر لهم قرار حتى يحققوا مطالبهم وتحترم أرادتهم في اختيار شكل الحكم وممثليهم فيه.

من هنا أُصيبت خطط المحتلين بالاضطراب والإرباك فغيروا ما رسموه وقلت ثقتهم بالأشخاص الذين هيئوهم لتسلم الحكم، وعرضوا أشكالاً أخرى للحكم وكلها كانت تصطدم برفض الأمة لها وكان آخرها قبل شهر تقريباً، وهو ما سُميَّ بالمجلس الاستشاري ذي الـ (35) شخصاً، والذي أجهض قبل ولادته بعد أن اطلعنا على هيكليته وصلاحياته، وكانت فيه عدة عيوب:

1- إنه لا يمثل فئات الشعب جميعاً ولا يعلم كيفية تعيينه.

2- إنهم عيّنوا له رئيساً سلفاً ولم يوكلوا ذلك إلى الانتخاب ولا هو يمثل رأي الأكثرية.

3- لا يمتلك صلاحيات وإنما وظيفته تقديم الاستشارات فقط.

4- إن الإدارة العليا فيه وصاحب القرار هم الأمريكيون.

فكان هذا المجلس كما وصفه الشاعر:

    تماثيل ينحتها الاحتلال     وتعرض في قاعة المجلسِ

  واليوم تجري مساعي حثيثة وحركة مداولات دؤوبة لتشكيل مجلس أسموه (مجلس الحكم)، وجاء اختيار الاسم للدلالة على إن المجلس الجديد سيحصل على قدر من الصلاحيات تجعله مؤهلاً لممارسة قدرٍ من أساسيات الحكم لسد بعض الفراغ السياسي والأمني والدستوري في البلاد، ومن المتوقع إعلان تشكيل المجلس في موعدٍ لا يتجاوز أسبوعين من اليوم (السبت 5 تموز 2003 عن صحيفة الزمان)، ولم يحددوا كيفية اختيار أعضائه، إلا أن الذي نشرته الصحف هو أن المجلس يتكون عبر توسيع (مجموعة السبعة)([2]) لتضم أعضاء آخرين صرّحوا ببعض ولمحوا إلى بعض.

وبغض النظر عن الأهمية السياسية للمشاركين في المجلس ومساعيهم في تحرير هذا البلد، إلا أن الإصرار على تغييب عراقيي الداخل أمر لا يمكن قبوله فإنهم الذين اضطُهدوا وحرموا وهم الذين صنعوا التغيير بشكل أساسي عبر جهادهم الطويل، وهم الذين يشكلون التركيبة السكانية للمجتمع العراقي وفيهم الكفاءات والقدرات الخلاقة ولا يمكن إهمال دورهم في بناء مستقبل البلد.

وبالإضافة إلى ما ذكرناه فإنهم لم يحددوا صلاحيات المجلس وسلطته ولا مدى استقلالية قراره، إلا أنني فهمت من بعض المطلعين والذين لهم دور في العملية أن هذا المجلس يمتاز عن سابقه بعدة نقاط إيجابية:

1- إن المجلس له صلاحية تعيين الوزراء وليس فقط ترشيحهم.

2- إن الميزانية بيده.

إلا أن الأفكار تجتمع على أن تشكيل المجلس يكون بالتعيين، ويضم رؤساء القوى السياسية والتيارات الجماهيرية الفاعلة في الساحة وليس بالانتخاب لأسباب لا تخفى على المتأمل.

وهذه الآلية -أي التعيين- مهما كانت واسعة ومستقطبة لهذه القوى والتيارات فإنها لا تستوعب كل فئات الشعب ولا تعبّر بدقة عن أرادته، لكن الإيجابية فيها أنه حل سريع للأزمة بدرجة معتد بها إذا كان شاملاً لكل الأحزاب والواجهات والأفراد الممثلة للشعب ومن دون ذلك يبقى حلاً مرفوضاً من قبل الشعب.

ونظراً لعدم تقديم أي مشروع ترضى به جميع الأطراف ويكفل حقوق الشعب ويحترم أرادتهم من دون أن تفرض عليه حكومة لا تعبِّر عن خياره، كما أنه لا يمكن بقاء الحال على ما هو عليه الآن من فراغٍ سياسي، وغيابٍ لسلطة القانون وفقدانٍ للأمن والاستقرار وتردٍ في الحياة الاقتصادية والاجتماعية فإنه يؤذن بعواقب وخيمة إذا لم نتعاون على الخروج من هذا المأزق.

وبمناسبة التحركات الحثيثة لتشكيل حكومة انتقالية خلال أسبوعين أو ثلاثة نقول إن ذلك يمكن بآليتين:

  الأولى: التعيين، من خلال تأسيس مجلس سياسي يضم رؤساء القوى السياسية والتيارات الجماهيرية التي أثبتت وجودها في الساحة، ومشكلته: أنه مهما كان واسعاً ومستقطباً لهذه القوى والتيارات فإنه لا يستوعب كل الشعب ولا يعبّر بدقة عن أرادته، لكن إيجابيته: أنه حل سريع للأزمة بدرجة معتدٌ بها إذا كان شاملاً لكل الأحزاب والواجهات والأفراد.

الثانية: الانتخاب، وهي الطريقة العادلة للتعبير عن أرادة الشعب، وقد ذكروا لها جملة من المصاعب التي تعرقل العملية كعدم وجود دستور تستند إليه الانتخابات وعدم وجود جرد سكاني، إلا إنها لا أصل لها فإن هذه الانتخابات تستمد مشروعيتها من مشاركة وتأييد الشعب لها، ولا تحتاج إلى أزيد من أسبوعين أو ثلاثة، وتكون بإشراف الأمم المتحدة كما حصل في بعض نقاط العالم كـ(تيمور الشرقية) من دون أي مشكلة تذكر، ولا تتدخل قوات الاحتلال إلا عند طلب المساعدة منها في أية نقطة سواء على صعيد حفظ الأمن أو الإشراف وغيرهما، ويتحقق من  خلال الخطوات التالية:

1- تحديد الجهة المتنفذة في كل تجمع سكاني (الحوزة العلمية، قوى سياسية، رؤساء العشائر، الوجهاء،...) وتشكيل لجنة انتخابية في كل تجمع من هذه الجهة أو أكثر.

2- تجنيد عدد من المتطوعين أو الموظفين بأجرٍ لجمع المعلومات عن التجمعات السكانية وتسجيل لوائح الذين لهم حق الانتخاب باستجواب المواطنين ومطابقة المعلومات مع البطاقة التموينية.

3- تحديد المراكز الانتخابية بواقع مركز لكل (100) ألف إنسان وفتح باب الترشيح لكل مركز مع اشتراط أمور في المرشح بأن يكون كفوءاً نزيهاً عنده نكران للذات ولم يتورط بظلم الناس وإيذائهم.

4- تجري الانتخابات بإشراف اللجان الانتخابية وممثلي الأمم المتحدة المشار إليهم أعلاه وهم الذين يتولون فرز الأصوات وإعلان أسماء الفائزين الذين يصل عددهم إلى (260) عضواً عن (26) مليون عراقي.

5- تعطى (10) مقاعد لكل حزب أو حركة من (مجموعة السبعة) إن لم يحصل على هذا العدد في الانتخابات أو يكمل له العدد احتراماً لدورهم السياسي، وكذا تعطى مقاعد للشخصيات المستقلة الذين لهم هذا الدور.

6- يعطى مقعد لكل طائفة أو قومية يقل عددها عن (100) ألف ويزداد العدد بمقعدٍ لكل (100)ألف أخرى إن لم يفز منها أحد في الانتخابات بسبب انتشار أفرادها.

7- من مجموع الأعضاء أعلاه يتأسس مجلس وطني انتقالي يمارس عمله كبرلمان، والوظيفة الثانية: أنه ينتخب من بين أعضاءه أو من يرشحهم الأعضاء كممثلين عنهم في الحكومة الانتقالية، والثالثة: أنه يتولى الإشراف على اختيار الأشخاص الذين يضعون الدستور من بين أعضاءه أو ممثليهم.

8- تتولى الحكومة الجديدة:

- إبرام عقود الإعمار.

- الإشراف على ميزانية الدولة ومواردها المالية.

- إجراء الاستفتاء العام على الدستور بعد صياغته.

- الإعداد لانتخابات الحكومة والبرلمان الدستوريين.

9-  يكون تمويل هذا المشروع من صندوق أموال العراق بإشراف الأمم المتحدة وإذا تعذر ذلك فإن الجهة المتنفذة في أي تجمع سكاني تقوم بذلك. وحينئذٍ نضمن استقلالية الانتخابات.

وبتنفيذ هذا المشروع تحل مشكلاتنا السياسية والدستورية معاً بطريقة عادلة وتعتبر هذه الرؤية إيضاحاً وتفصيلاً وآلية لما طالبت به المرجعية الشريفة ببيانات صريحة: إن هذه الأمور لا تكون موكولة إلى الأجنبي وإنما باختيار الشعب.



(1) محاضرة ألقيت على فضلاء وطلبة الحوزة العلمية يوم 5/7/2003 بمناسبة انعقاد جلسات تهدف لتأسيس مجلس الحكم، وقام سماحة الشيخ بزيارة الشهيد السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) –وهي الثانية منذ عودته إلى العراق في مايس- يوم الخميس 10/7/2003 وسلّمه نسخة من البيان، وقد أقيم احتفال رسمي يوم الأحد 13/7/2003 نقل مباشرة على وسائل الإعلام قُدِّم فيه (25) شخصاً اختيروا من قبل الحاكم الأمريكي ليكوّنوا مجلس الحكم ويديروا شؤون العراق بإشراف أمريكي.

(1) ويُقصد بهم الأحزاب السياسية إسلامية وكردية وشيوعية وليبرالية التي كانت تجتمع بالأمريكان وتخطط لمستقبل العراق قبل الغزو في لندن وصلاح الدين وغيرهما.