خطاب المرحلة (12)... وظائف طلبة الجامعات في هذه المرحلة

| |عدد القراءات : 14625
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

وظائف طلبة الجامعات في هذه المرحلة(1)

 بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله كما هو أهله وصلى الله على نبيه وآله الميامين من أهله وسلم تسليماً كثيراً.

(الطلبة الجامعيون) شريحة مهمة من المجتمع وعليهم تنعقد الآمال في قيادة الأمة في المستقبل القريب؛ فإنهم سيتوزعون على مراكز القرار والمسؤولية في جميع النواحي، فإذا كانوا صالحين وكفوئين وأقوياء فإن الأمة ستعيش بسعادة وأمان وعزة، وإذا كانوا فاسدين والعياذ بالله فإن الأمة ستعيش حالة الفقر والحرمان وستقع في مهاوي الذل والامتهان.

لذا فإن معاول الهدم والفساد والانحراف أشد ما توجّه إلى هذه الطبقة، وهم لكي ينفذّوا مآربهم يُلبسون خططهم أسماء وعناوين براّقة وخادعة لتنطلي على السذّج، كالحرية والتقدم وأمثالها لكنهم يخفون تحتها خبثهم ومكرهم وأهدافهم الشريرة في فصل هؤلاء الشباب عن إسلامهم، مثلاً ما الضرورة إلى الاختلاط بين الجنسين في الجامعات وهو في سن الاندفاع الجنسي والشبق، بحيث صار من الهموم الرئيسية لدى كل من الجنسين هو العمل على كسب ود وإعجاب الجنس الآخر والارتباط به، ولم يترك للعلم في حيّز تفكيره إلا مساحة ضئيلة فكيف سيبدع ويتقدم؟ لقد ذكروا أعذاراً واهية كعدم وجود إمكانيات كافية من الأجهزة أو الهيئة التدريسية، رغم وجود آليات للفصل بين الجنسين لا تتطلب المزيد من هذه الإمكانيات، وإن الدولة قادرة على توفيرها بل إنه في بعض المدن توجد أكثر من كلية في نفس العلم، فلماذا لا تخصص واحدة للذكور وأخرى للإناث.

ومحل الشاهد أنهم علموا أن الأمر لا يستقيم لهم إلا إذا افسدوا تربية الجيل حتى يحطموا فيه كل عناصر القوة من الإيمان والشجاعة وقوة الإرادة والاستقلال، وقد أفلحوا على مدى عقود في ذلك فقد كنت طالباً جامعياً قبل ربع قرن ولم يكن بالإمكان إعلان الطالب التزامه الديني ليس خوفاً وتقية فقط، وإنما لأن المتدين كان يُعيَّر بأنه رجعي ومتخلف، ويجد نفسه وحيداً أمام تيار ضخم من الذين أفسد الأعداء ذوقهم وعقلهم وفطرتهم، أما اليوم فتجد التيار الإسلامي قوياً في أوساط الطلبة الجامعيين، ويُظهرون التزامهم الديني بكل شموخ واعتزاز كل ذلك ببركة جهود وتضحيات العلماء الربانيين والنخبة المخلصين من أبناء هذه الأمة الكريمة، وعلى رأسهم الشهيدان السيدان الصدر الأول والصدر الثاني (قدّس الله إسرارهما) ومئات الآلاف من شهداء الإسلام العظيم.

ونتيجة لهذا التغيير والسمو الروحي الذي حصل في داخل الإنسان استحقت الأمة هذا التغيير العظيم في حياتها، حيث زال النظام الطاغوتي المتسلط على رقاب الناس بالحديد والنار، وهذه سنّة إلهية أكد عليها القرآن الكريم بأن التغيير في الخارج إنما هو نتيجة ما يحصل بمقداره في الداخل، قال تعالى: [إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأنفسهِمْ] (الرعد:11) بكلا الاتجاهين السلبي والإيجابي أي باتجاه النصر أو الهزيمة، ففي الاتجاه الايجابي ما حصلتم عليه من نعمة بزوال النظام السابق ببركة انتصاركم على نفوسكم الأمارة بالسوء، وتطهير قلوبكم من عبادة غير الله تبارك وتعالى، وأما في الاتجاه السلبي فما عبّر عنه أمير المؤمنين(عليه السلام) (وأيمُ الله ما كان قومٌ قط في غضَّ نعمة من عيش فزال عنهم إلا بذنوب اجترحوها؛ لأن الله ليس بظلام للعبيد، ولو أنَّ الناس حين تنزل بهم النقم وتزول عنهم النعم فزعوا إلى ربهم بصدقٍ من نيّاتهم وولهٍ من قلوبهم، لردَّ عليهم كل شارد وأصلح لهم كل فاسد، وإني لأخشى عليكم أن تكونوا في فترة جهالة وغفلة).

فإذا كنتم حريصين على تحصيل المزيد من المكاسب، فاعملوا على توثيق الصلة بالله تبارك وتعالى وترك التعلق بما سواه، وتمسّكوا بعلمائكم الربانيين فإنهم يدلونكم على الهدى ويحمونكم من الوقوع في الردى، وقد التفت الأعداء إلى أهمية هذه الصلة بين الحوزة العلمية وطلبة الجامعات والشباب عموماً فعملوا على قطعها؛ لأبعاد الشباب عن مصادر الهداية والنور، ولإضعاف المرجعية الشريفة التي تكتسب قوتها من التفاف الجماهير حولها، وإنما يحسب الطواغيت ألف حساب للمرجعية لوجود هذا الامتداد الجماهيري.

ولهم في قطع هذه الصلة عدة أشكال من التصرفات لا تقتصر على الأساليب الوحشية من القتل والسجن والتعذيب والتشريد، وإنما التجأوا إلى الأساليب الخبيثة الماكرة بتشويه صورة الحوزويين وتسقيطهم في أعين الناس من خلال التفتيش عن أخطائهم، والمبالغة فيها وتضخيم حجمها أو الكذب والافتراء عليهم، وقد وقع عدد من السذج والبسطاء ضحية هذه الخطة الخبيثة فأصبحوا يحفرون قبورهم بأيديهم، لكنكم انتم الواعون لم تنطل عليكم وبقيتم على بصيرة من أمركم وأعدتم صورة عمار بن ياسر الصحابي العظيم الذي قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (مُلئ عمار إيماناً من قرنه إلى أخمص قدميه) كان (رضي الله عنه) يقول في صفين (والله لو ضربونا بأسيافهم حتى أبلغونا سعفات هجر لعلمنا أننا على الحق وهم على الباطل).

وأنتم حين اتبعتم الحوزة الشريفة وبذلتم الغالي والنفيس من أجل الدفاع عنها ومؤازرتها، فلأنكم وجدتم فيها المثال القريب لأهل بيت العصمة، ولمستم فيها الأهلية لأن تأخذ بأيديكم في طريق التكامل والقرب من الله تعالى، ففيهم -أي المراجع العظام- النزاهة والطهارة والعفاف، حيث توزع المرجعية عشرات الملايين من الدنانير شهرياً على المحتاجين والمصالح العامة وهي تسكن بيتاً متواضعاً، وفيهم الرحمة والحب للآخرين، ونكران الذات والتضحية حتى الشهادة من أجل الآخرين فهم أول من يضحي، وفيهم العلم الغزير والإحاطة التفصيلية بالشريعة التي وضعها الله تبارك وتعالى للبشر من أجل إصلاحهم وإسعادهم، ومن أولى من خالق هذا الكائن المعقد في تركيبه بأن يعرف ما يصلحه.

وعندهم -أي المراجع الكرام-  التواضع والإنصاف والمروءة والعدالة وكل هذه أخذوها من نبيهم الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) وأئمتهم الأطهار، يرسل قاضي الكوفة على أمير المؤمنين رئيس دولة مترامية الأطراف تضم العراق والجزيرة العربية وشمال أفريقيا وبلاد فارس، لادّعاء يهودي عليه بأخذ درع له فيمثل أمام القاضي ويقول له: قف يا أبا الحسن إلى جنب خصمك، فيمتعض الإمام (عليه السلام) وظن القاضي أن ذلك من أجل عدم الاعتناء به كخليفة للمسلمين، فاعتذر إليه بأن ذلك من آداب القضاء، لكن الإمام بيّن له أن امتعاضه لأجل تكنيته بأبي الحسن في حضور خصمه وكان عليه المساواة بين الخصمين حتى في النظر، ويشتري ثوبين عاديين يخيّر مولاه قنبر بأن يأخذ أولاً أحبهما إليه ويأخذ هو (عليه السلام) الثوب الآخر، وكان يذهب إلى الصلاة وعليه ثوب مبلل قد غسله ليس له بديل فيخطب الناس وهو يروّح بثوبه ليجف.

هـذه الأخلاق نجدها في الإسلام أترى نرضى بغيره بدلاً؟ أو بغير رموزه وعلمائه قادة؟

قبل يومين أو ثلاثة أجرى بعض الصحفيين الأجانب لقاءً مطولاً معي وكان أحد أسئلته بأنك بحكم لقائك المستمر بالناس ما هي أهم المشاكل التي يكثر عرضها عليك فقلت له: المشاكل الرئيسية ثلاثة:

1- القلق على الهوية الإسلامية للمجتمع والتي تتهدد بالتمييع والانحراف من خلال نشر وسائل الإفساد والرذيلة وتشجيعها وآخرها جهاز الستلايت الذي يعطي فرصة الانغماس في المعصية ويوجد في الناس ذوو نفوس مريضة يستجيبون لداعي المعصية ويزينّونها لغيرهم.

2- القلق من تغيير الخارطة السكانية للبلد حيث نرى إقبال الأجانب بما فيهم الصهاينة على امتلاك العقارات بكل ثمن، مما قد يؤدي إلى تشرد أهل البلد الأصليين ولجوئهم في البلدان وخسارة أرضهم ووطنهم وما أتعس الإنسان حين يعيش بلا وطن ولا هوية.

3- القلق من عدم حصولهم على حقوقهم المشروعة باعتبارهم الأغلبية في هذا البلد وعودة دورة الحياة من جديد لتبدأ كما بدأت قبل حوالي قرن بالغزو البريطاني لأرض العراق وحرمان الأكثرية من أبسط حقوقهم الإنسانية.

إننا حين نهتم بالطلبة الجامعيين ونرعاهم ونحتضنهم ونؤلف لهم؛ فلأنهم مقياس صحة الأمة وعافيتها فإن كانوا صالحين كان المجتمع كله صالحاً، ولأنهم المؤثر في حياة الأمة فإن الطالب الجامعي له كلمته المسموعة في أهله وذويه وعشيرته ومجتمعه، ولأنهم من الشباب الذي يتدفق حيوية ونشاطاً وحماساً وحباً، ولأنهم مستهدفون بقوة بعملية الإفساد والتضليل والانحراف مما يوجب علينا أن نفكر بجدية في تحسين وضعهم الإيماني وحمايتهم من الوقوع في الخطأ والمساعدة قدر الإمكان في حل مشاكلهم.

وأُبيِّنُ بحضرتكم بعض النقاط العملية في هذا الطريق:

1- توجيه الدعوات باستمرار إلى فضلاء الحوزة وأساتذتها الواعين لزيارة الجامعات وإلقاء المحاضرات وعقد الندوات والاتصال المباشر بأحبتنا الطلبة.

2- توجيه السفرات الطلابية لتكون إلى المرجعية الشريفة والمعالم الدينية والحضارية التي تعمق إيمان الشاب وتزيد من ثقته بنفسه واعتزازه بتأريخه بعد أن كانت إلى مناطق الفسق والفجور واللهو والعبث.

3- تجميع الطاقات المؤمنة في اتحادات طلابية نزيهة تكون لها قوة وفاعلية في تحقيق طموحات الطلبة واختيار الإدارات الكفوءة المخلصة.

4- فتح المراكز الثقافية الإسلامية والمساجد داخل الجامعات للتعريف بالإسلام الأصيل وقدرته الكاملة على قيادة الحياة وإسعاد البشرية وممارسة الأنشطة الفكرية والدينية داخل الجامعات.

5- رفع المستوى العلمي لدى الطلبة حتى نضاهي أكثر الأمم تقدماً في العلم والتكنولوجيا، فقد ولى الزمان الذي كان الطلبة لا يهتمون بتحصيلهم العلمي بعذر أن الشهادة لا تنفع وإنما نريدها للتخلص من الخدمة العسكرية، ونحن لم نرتضِ هذا الكلام في الزمان السابق فكيف نقبله الآن والبلد مقبل على بناء وإعمار واستعادة لحياته بعد أن دبّ الخراب في جميع نواحيه، وأجبنا عن مثل هذه الأفكار في محاضرة نشرت في كتاب (الحوزة وقضايا الشباب).

فنحن نبني أنفسنا أولاً بهذا العلم وبلدنا ثانياً ونسخره لإسعاد مجتمعنا ولتهيئة الأرضية الصالحة المتينة لاستقبال دولة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) الذي سيتخذ من العراق عاصمة له ومنطلقاً لفتح العالم وبسط الخير والعدل في جميع الأرض، وسوف تكون وسيلته الرئيسية في هذا الفتح هو العلم والأخلاق والفكر لذا تدخل الأمم تحت قيادته طوعاً وعن قناعة كاملة وأولها أوروبا بحسب ما تفيد الأخبار الشريفة.

6- التحاق الطلبة الجامعيين بالدورات السريعة المكثفة التي تنظمها الحوزة الشريفة لهم في العطلة الصيفية لتحصيل الدروس الحوزوية الأساسية، وليمارسوا دورهم في الدعوة إلى الله تبارك وتعالى وإصلاح المجتمع خلال العام الدراسي وقد نفذت بنجاح في العام الماضي واستفاد منها المئات من الطلبة في مختلف الاختصاصات.

7- فتح فروع الصندوق (الزواج رحمة) الذي أسسناه وفق ضوابط معينة ذكرتها في محاضرة مسجلة وطبعت في كتاب (الزواج والمشكلة الجنسية)؛ لتشجيع الشباب على التزويج كمعالجة ايجابية للمعاناة الجنسية حتى نردَّ كيد الأعداء إلى نحورهم.

أشكر الله سبحانه وتعالى على أن منّ علينا بكم وأسأله تعالى أن يثبّتكم على صراطه المستقيم ويكثّر من أمثالكم في أوساط الجامعات والشباب عموماً، وإني متفاءل بكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



(1) الكلمة التي ألقاها سماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي في وفد جامعتي بابل والمستنصرية وأهالي وطلبة الهندية (طويريج) وأهالي الزعفرانية مع وفد نسائي ضمن الوفود التي وفدت لمبايعته وإعلان الولاء له.