خطاب المرحلة (8)... جماعة الفضلاء: الأهداف والأعمال
جماعة الفضلاء: الأهداف والأعمال(1)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله كما أهله وصلى الله على نبيّه وآله الطيبين الطاهرين.
كثيراً ما نسأل عن مشروع جماعة الفضلاء والهدف من تأسيسها، وهل أن توقيتها مرتبط بظروف المرحلة الراهنة، وما هي أنشطتها فأود أن أجيب عن هذه الأسئلة المشروعة في هذا الجمع المبارك، وليصل الصوت من خلالكم إلى جميع المؤمنين؛ لأنه بحسب فهمي إن تفعيل دور جماعة الفضلاء الآن هي خطوة مهمة في طريق تحقيق آمال الشعب، ولتبقى الحوزة الشريفة عند حسن ظن الموالين لها وشوكة في عيون أعدائها.
وإنما أخاطبكم لأنكم جميعاً من الفضلاء قال تعالى [قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ] (يونس:54) والرحمة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لقوله تعالى [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ] (الأنبياء: 107)، والفضل هو علي بن أبي طالب كما ورد في التفسير عن أهل البيت (عليهم السلام)وأنتم أبناء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) فانتم من الفضلاء، ولكم الفرصة كاملة في الاشتراك بأنشطة الجماعة التي سنبينها بأذن الله تعالى.
لماذا جماعة الفضلاء؟
إن انبثاق فكرة الجماعة مرتبط بمتطلبات المرحلة التي نعيشها بكل ما تتضمنه من تحديات وأخطار، وتقتضيه من مسؤوليات وأعمال، بحيث لا يستطيع فرد أو جهة مهما كثر عدد أفرادها أن تنهض بها وحدها، بل لا بد من تضافر الجهود واجتماع القلوب، أو قل الانتقال من العمل الفردي الذي دأبت عليه الحوزة الشريفة في الأزمنة السابقة ولها مبرراتها وقد أدّت ما عليها بمقدار ما تستطيع، إلى العمل المجموعي الذي يكون أكثر عطاءً وأقل أخطاءً باعتبار انضمام العقول ومشاورتها وقد أوصى الإمام (عليه السلام) شيعته بـ (نظم أمرهم) أي تنظيم أمورهم ووضعها في إطار (جماعة) بل لعله المستفاد … من قوله تعالى [وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ] (آل عمران: 104)، وهذه الأمة والجماعة هي النخبة المثقفة الواعية الملتزمة التي تقوم بهذه الوظائف فهذا هو الدافع الأول.
الثاني: إننا كثيراً ما نطالب بوحدة الحوزة الشريفة وهو مطلب حق وضروري، وإذا تحقق فإنه سيأتي ببركات كثيرة فماذا نعني بتوحيد الحوزة؟ لا نريد بذلك طبعاً وحدة الفتوى الصادرة منهم، فإن هذا متوقف على ما يراه الفقيه حجة بينه وبين الله تعالى ولا يمكن أن تفرض على فقيه فتوى معينة، وإنما نعني بالوحدة وحدة المواقف إزاء القضايا العامة والمصيرية التي تواجه الأمة، أو على الأقل عدم التقاطع بينهم، وهذا إنما يتحقق بتشكيل جماعة تضم علماء وفضلاء يمثلون مختلف الجهات المرجعية الموجودة، ويتدارسون القضايا التي تواجه الأمة ويقررون اتخاذ موقف موحد بإزائها.
الثالث: إننا وبعد أن سنحت الفرصة لاسترداد حقوق الشعب نطالب بأن يكون للحوزة دور في الكثير من الأمور، كصياغة الدستور وشكل الحكم، والأشخاص المؤهلين له وتعيين القضاة وغيرها، فحينئذ من الذي يمثل الحوزة وفيها مرجعيات متعددة قد تختلف رؤاها، ويستطيع الخصم أن يلعب على هذا الوتر فيقول إن هذا لا يمثل الحوزة كلها وإنما جهة معينة منها، فيرفض كل مطلب بهذا العذر.
فإذا نجحنا في تأسيس جماعة ينضم إليها فضلاء وأساتذة من جميع الجهات المرجعية، فحينئذ يصبح له كل الحق في أن تتحدث باسم الحوزة، وتعبّر عن مطالبها، وتشارك باسمها على مختلف الأصعدة، وبذلك نخرج من هذه العقدة المستعصية والإشكالية الراسخة عند السؤال (من هي الحوزة) و(من الذي يمثل الحوزة) فإنها عنوان مجمل ومبهم لدى الكثير من المهتمين بهذه القضية.
الرابع: استقطاب الطاقات والكفاءات والنخب المثقفة من الشعب وجعلهم ضمن إطار ينتمون إليه، فإن بقاءهم بلا انتماء رغم نزوع الإنسان الفطري إلى الانتماء سيدفعهم إلى الانخراط في أي حزب أو تنظيم، مما يؤدي إلى ضياعهم وتشتتهم، فالجماعة وجدت كأطروحة للوحدة، وكحل لإشكالية مستعصية وكأسلوب للعمل المجموعي البناء، وليست هي بديلاً عن المرجعية الشريفة ولا تتقاطع معها بل هي آلية من آليات عمل المرجعية.
وأعلن أمامكم أنني والجماعة سوف نعمل في إطار المرجعية الشريفة خصوصاً المتحركة منها في الساحة ولا نتجاوزها ما دامت ملبية لطموحات الأمة، من أجل تحقيق وحدة الموقف الإسلامي عموماً، والشيعي خصوصاً فإن من عناصر قوتنا في هذه المرحلة العصيبة من حياة الأمة أن تتوحد المواقف وتتسق الأعمال وتتقارب الرؤى.
وأنتم أيها الأحبة وإن بذلتم الكثير من الجهد والعناء، وأصابكم العنت من أجل زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام)، والوصول إلى هذا العبد القاصر ولتعلنوا تأييدكم له، وهذا عمل نبيل اسأل الله تعالى أن لا يضيّعه لكم وأن يجازيكم به بما يسَّر قلوبكم يوم تلقونه، إلا أنني أكرر أن قوتنا في وحدتنا ولا تتحقق الوحدة إلا برص الصفوف وتجنب الخلاف والعمل سوية في إطار المرجعية الشريفة، هذه وصيتي فمن كان يحبّني فليعمل بها ليكون ذلك أعظم رد توجهونه إلى الأعداء الذين يتربصون بكم الدوائر عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم، حتى لو استفّزكم بعضهم بكلام عليَّ أو عليكم وتشويه صورتي ومحاولة تسقيطي في أعين الناس فلا تردّوا عليهم بالمثل ولا تذكروا الجهة التي يرجعون إليها بسوء، ألا يكفيكم في الجواب عليهم قول الأمام (عليه السلام): (كفى بك نصراً على عدوك أن يعصي الله فيك)؛ لأنه سيقحم نفسه في كبائر عديدة كالغيبة والكذب والبهتان، ألا يكفيكم في جوابه قول الإمام (عليه السلام) (من روى رواية على أخيه المؤمن يبتغي بها شينه وهدم مروته وليسقطه في أعين الناس أخرجه الله من ولايته إلى ولاية الشيطان ثم لا يقبله الشيطان)؟ ألا يكفيكم في رده قوله تعالى [ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فإذا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ] (فصلت:34)؟ ألا يكفيكم في رده هذه الوفود المباركة التي جاءت لتعلن عن وعيها وقدرتها الكاملة على التمييز بين الضار والنافع وعدم تأثرها بتلك الأباطيل.
إذن أيها الأحبَّة أنا لا أرضى بما يحصل في الشارع من التقاطع وتبادل الاتهامات، فإن عاقبته وخيمة وكلكم أبناء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) وأبناء الإسلام، والإسلام اليوم أكثر من أي يوم محتاج إلى جميع أبنائه، ولا نريد أن نخسر أي أحد من أبناء الإسلام لا مادياً ولا معنوياً.
هذا باختصار ما دفعنا إلى الإعلان عن فكرة تأسيس الجماعة والعمل على إخراجها إلى حيّز الواقع، وكلما كان تفهَّم الحوزة لفكرة الجماعة ولمضمون عملها ولدورها أكثر ومشاركتها أوسع كلما كان دور الجماعة فاعلاً ومؤثراً في تحقيق الأهداف.
وينبغي الإشارة هنا إلى أن فكرة الجماعة قد تكون في محافظة أنجح منها في محافظة أخرى، باعتبار تعاون الحوزويين في تلك المحافظة في الاجتماع والتآلف وتنظيم أمورهم وتوزيع المسؤوليات عليهم، وعلى أي حال فإن الباب ما زال مفتوحاً والأهداف ما زالت قائمة والتحديات آخذة بالازدياد ولنعلم جميعاً أن الحوزة كلما كانت أكثر وعياً وانسجاماً وتنظيماً فإن الأمة تكون كذلك والعكس بالعكس.
أنشطة الجماعة
إن الدور الذي تؤديه الجماعة في حياة الأمة نابع من مسؤولياتها التي تحملتها باعتبارها جزءاً من الحوزة الشريفة التي هي وارثة للأنبياء والأئمة (عليهم السلام) كما في الحديث (العلماء أمناء الرسل وورثة الأنبياء) ويمكن أن تكون بعدة صور:
1- الثقافية: من خلال نشر الكتب والإصدارات والنشرات والأقراص وأشرطة التسجيل لعلماء ومفكري الإسلام، وإقامة الندوات والمحاضرات والفعاليات المختلفة لتوعية الأمة وتعريفها بهويتها الإسلامية الأصيلة وإنشاء المراكز والجمعيات الثقافية.
2- الإعلامية: بإصدار الصحف والمجلات لتثقيف الأمة بقضاياها المصيرية والتحديات التي تواجهها والمسؤوليات الملقاة عليها فإن أموراً مهمة في حياة الأمة ومستقبلها نجدها غائبة عن أذهان المجتمع كوضع الدستور للبلاد وتشكيل الحكومة الانتقالية.
3- الاجتماعية: برعاية اسر الشهداء وقضاء حوائج المؤمنين وتزويج شبابهم والسعي للإصلاح بينهم والتقريب بين المؤمنين.
4- الدينية: بإنشاء الجوامع والحسينيات وإحياء ما هو موجود منها بإقامة صلاة الجماعة والجمعة وإقامة الشعائر الدينية.
5- الحوزوية: بفتح حوزات علمية لتدريس مختلف العلوم الإسلامية في كل المحافظات والأقضية والنواحي.
6- إحاطة المرأة والطفل برعاية خاصة وإعداد مناهج دراسية وبرامج عمل وفعاليات خاصة لتوعيتهم وتربيتهم بالاتجاه الإسلامي الصحيح.
7- الاهتمام بالمنبر الحسيني ووضع خطة لإعداد خطباء ومبلغين كفوئين وقادرين على تربية الأمة وتوجيهها وبمستوى حاجة الأمة.
هذه عناوين عريضة لما يمكن أن تؤديه الجماعة من أعمال وانتم جميعاً مسؤولون عن انجازها والتعاون لتحقيقها.
التنظيم والعمل السياسي
ومن ضرورات المرحلة تنظيم أموركم واستجماع قواكم ليكون لكم دور فاعل في إدارة شؤون البلد ورسم حياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لا حباً في الدنيا ولا طمعاً في المناصب، ولكن كما قال الإمام (عليه السلام) لأننا نأسى أن يغلب على هذه الأمة سفهاؤها فيتخذون عباد الله خولا ومال الله دولا) أي يتداولون ثروات الشعب بينهم، وقد ذقتم الأمرّين من تسلّط الناس غير النظيفين مما جعل أكثر الشعب يعيش حالة الحرمان والاضطهاد والكبت وحرموا من أبسط حقوقهم المشروعة.
فاعملوا على أن يكون لكم دور فاعل ووجود مؤثر في جميع النقابات كنقابة الأطباء والمهندسين والمعلمين والمحامين والصيادلة والعمال وغيرهم، والاتحادات كالطلاب والمرأة وغيرهم وانتم بحمد الله كثيرون ومن السهل فرض وجودكم، ولا يحتاج الأمر إلى أزيد من التجمع والانضمام وتنظيم الصفوف فلا يغلبنكم عليه غيركم.
وليكون لكم بعد ذلك الدور الكبير في الحياة السياسية للبلد بالشكل الذي تكفل لكم حقوقكم ويعوضكم عن الظلم والاضطهاد الذي عانيتم منه، ومن أولويات جماعة الفضلاء رعاية ودعم هذه التحركات إذ من غير المعقول تغييب صوت الأكثرية([1]) ومع أنهم أكثر عدداً فإنهم ذوو كفاءات وقدرات عالية.
عزّزوا ثقتكم بالله تبارك وتعالى وعمقوا صلتكم به فإنه وعد أن يذكركم إذا ذكرتموه [اذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ] (البقرة: 152)، واعلموا أن رصيدكم الحقيقي إنما هو في سعيكم المخلص في كسب رضاه تبارك وتعالى (ماذا وجدَ مَن فَقَدَك وماذا فقد من وجدك، عميت عين لا تراك عليها رقيباً، وخسرت صفقة عبد لم تجعل لها من حبّك نصيباً) وأكثروا من ذكر الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وادعوا له دائماً بالحفظ والنصر والتأييد والتعجيل بظهوره الميمون ليعزّ به الدين ويظهره على الدين كله ويكسر شوكة الكافرين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(1) الكلمة التي ألقاها سماحة الحجة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) على جموع أهل بغداد الذين وفدوا لمبايعته وإعلان الولاء له يوم الاثنين 22 ربيع الثاني 1424 الموافق 22/6/2003.
([2]) عملت الأحزاب السياسية التي كانت في خارج العراق ودخلت مع قوى الاحتلال في صفقات واتفاقات على الاستئثار بالحكم والسلطة وأقصت القوى الفاعلة في معارضة النظام داخل البلاد.