خطاب المرحلة (7)... تكليفنا في هذه المرحلة
تكليفنا في هذه المرحلة(1)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله كما يستحقه حمداً كثيراً وصلى الله على نبيه وآله وسلم تسليماً.
الصراع بين الخير والشر قديم بدأ مع خلق آدم (عليه السلام)، ثم تجلى في صراع ابنيه، و هو نابع من الصراع الأكبر في داخل الإنسان بين جنود الرحمن التي تأتمر بالعقل، وجنود الشيطان التي تأتمر بأهواء النفس الأمارة بالسوء.
ويشهد بلدنا الحبيب اليوم حلقة جديدة من سلسلة هذا الصراع الطويل فهاهي أمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني جاءوا لينتزعوا منكم هذه الجوهرة الثمينة وهو الإسلام وولاية أهل البيت (عليهم السلام) التي لا يعدلها شيء، يأتي شخص إلى الإمام (عليه السلام) يشكوا له ضعف حاله وأنه ليس عنده شيء فقال (عليه السلام): بل إن عندك أكثر من الدنيا وما فيها، فتعجب وقال: كيف يا ابن رسول الله؟ قال (عليه السلام): إن عندك ولايتنا أهل البيت فهل تتخلى عنها مقابل الدنيا كلها، قال لا، قال إذن عندك ما هو أثمن من الدنيا وما فيها في الوجود.
حتى الحياة التي هي أثمن شيء عند الإنسان لا قيمة لها بدون الصلة بالله تعالى وولاية أهل البيت (عليهم السلام) قال تعالى (والفتنة اشد من القتل)؛ لأن الفتنة عن الدين قتل للروح وتخريب للحياة الأبدية الخالدة، فهي أخطر من قتل هذا الجسد المادي وإنهاء هذه الحياة القصيرة وهم جاءوا ليفتنوكم عن دينكم وليقتلوكم معنوياً، وإن وعدوا بالرخاء المادي، لكن ما قيمته مهما عظم إذا كان ديننا في خطر وولاية أهل البيت (عليهم السلام) في خطر، فكونوا يقظين وحذرين ومتأهبين وواعين فإن الدين أمانة في أعناقنا جميعاً فأدّوا الأمانة إلى أهلها كما أداها السلف الصالح وأوصلوها إلينا ناصعة نظيفة رغم مرور 1400 عام.
إن أمريكا وإن حاولت الإيحاء بأنها صاحبة فضل علينا حين قضت على النظام البائد تريد في ذلك أن تخدعنا بأنها جاءت لتحررنا من الظلم والبطش، وأجيبهم بمثال بسيط لو أن أحداً جاء بكلب مسعور ودربّه على أذى الجيران وسهّل له ذلك ومكّنه حتى قتل وجرح وأتلف، والناس تستغيث وتطالب صاحبه بالتخلص منه وهو لا يسمع، حتى استفحل أمر الكلب فصار يؤذي صاحبه فرأى هذا أن من المصلحة القضاء عليه فتخلص منه، لكن هل يكون صاحب هذا الكلب متفضلاً على الجيران؟ على العكس بل عليه أن يدفع كل الخسائر والأضرار التي حصلت بسببه.
هذا هو حالنا فإن أمريكا هي التي جاءت بعميلها ودربته ومكنته وسكتت عن جرائمه ودافعت عنه، ولكنه لما فشل في القضاء على الإسلام بالوسائل الوحشية وامتدت حركة الإسلام والعودة إلى الله تبارك وتعالى لتشمل أغلب هذه الأمة الكريمة، رأت أمريكا أن تتدخل بنفسها وبأساليب اشد مكراً وخبثاً، فإن ظاهرها الحرية والديمقراطية والتحضر ونحوها من العناوين البراقة، لكنها تستبطن السم الزعاف.
فها هم شبابنا يعتقلون وفيهم عدد من فضلاء الحوزة العلمية، وديار أهلنا تقتحم ووسائل الفساد والانحراف تنتشر في كل مكان، وها هم يعرقلون ويعطلون كل خطوة لإعادة البلد إلى إدارة أهله سواء على مستوى المحافظ أو المجلس البلدي أو على مستوى تشكيل الحكومة المؤقتة.
أيها الأحبة: إنكم بالتزامكم بدينكم والمواظبة على شعائركم والتفافكم حول علمائكم تحبطون خططهم وتصيبونهم بالإرباك، وتشعرونهم باليأس من أن ينالوا من إيمانكم وشرفكم وكرامتكم، فإنه كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إن إيمان المؤمن أقوى من الجبل لأن الجبل يُستقل منه بالمعاول ولا يستقل من إيمان المؤمن شيء).
وقد أفشلتم كل ما قرروه قبل الحرب وظنوا أن الشعب سيستقبلهم بالزهور، ويرضى بتنفيذ كل ما رسموه لكنهم فوجئوا بوعيكم وإيمانكم وتفانيكم من أجل الله، وأنكم لا ترضون بأي شيء مهما كان في الحسابات المادية مهماً إذا كان ثمنه الابتعاد عن الدين، وأثبتّم لهم أننا بخير ما دام ديننا بخير وليست بطوننا بخير، وأننا بشر والعياذ بالله إذا أصيب ديننا بمكروه، ولا يمكن أن نقبل بأي بديل عن الله ورسوله وأمير المؤمنين كما قال الحديث الشريف (ما خير بخير بعده النار وما شر بشر بعده الجنة).
وأنقل لكم أحد الشواهد على ذلك فقبل أيام جاءت مجموعة من الأمريكان ومترجم معهم إلى إحدى مدارس الطالبات للنظر في احتياجات المدرسة وسألوهن عن مطالبهن، فقالت إحداهن نريد تعلية الجدار الخارجي لحماية الطالبات من نظر الأجانب، فقال المترجم: لا نستطيع ذلك لأنهم يريدون منكن خلع الحجاب وأنت تريدين تعلية الجدار؟ فقالت هذه المؤمنة العفيفة المنتمية لمدرسة الزهراء (عليها السلام) وزينب الكبرى: إذن نرميهم في (الزبالة) -أي سلّة النفايات والمهملات- رغم أنها كانت قبل قليل تشكو للمترجم ضعف حالتها المادية.
إنهم حينما يتحدثون عن أسلحة الدمار الشامل إنما يقصدونكم أنتم جنود الإمام المهدي (عجل الله فرجه) الذين سيفتح بكم الإمام (عجل الله فرجه) العالم كله منطلقاً من هذه الأرض الحبيبة المعطاء، وحينما تقول أخبار الظهور أنه في زمانه يكشف الفرات عن كنوز ما هي والله من الذهب والفضة، فالكنوز هم انتم الذين أنجبكم الفرات والعراق كله بدجلة والفرات هو ابن الفرات لأنه الاسم الأوضح في الأذهان يومئذٍ كما نقول الحسنين تغليباً للحسن والشمسين تغليباً للشمس فنقول للعراق الفرات تغليباً له، فإذا أردتم الفوز والفلاح فحافظوا على دينكم واقطعوا أسباب الفساد والانحراف عن أنفسكم أولاً وعن أسركم ثانياً وعن مجتمعكم ثالثاً لتكونوا من تلك الكنوز.
وإن كانت أمريكا صادقة في زعمها فلا تتدخل في شؤوننا، ولا تعرقل مساعينا لانتخاب إدارات كفوءة نزيهة مؤمنة لم تتورط في ظلم هذا الشعب وتشكيل حكومة تدير البلد وتشرف على صياغة دستور عادل للبلد وتتولى أعماره، ولا يحق لأمريكا أن تتولى إبرام عقود الإعمار فتعطي ما تشاء لمن تشاء وتمنع من تشاء.
وقد قرأت الرسالة التي رفعتها الجماهير([1]) المؤمنة يوم أمس من مدن الشطرة والغراف والنصر وغيرها، وآلاف التواقيع التي وصلت من مدينة الناصرية الفيحاء والتي تطالبني بإعلان القيادة للأمة في هذه المرحلة، وبحسب ما اعتقد فإن القيادة ليست أمراً يُعلن وإنما هي حالة يفرزها الواقع وتكشف عنه حاجة الأمة إلى القائد وقدرته على أن يكون بمستوى تطلعات الأمة وطموحها والتحديات التي تواجهها كما نقل عن الخليل الفراهيدي عندما سئل عن الدليل على إمامة أمير المؤمنين (عليهم السلام) قال: حاجة الكل إليه وعدم احتياجه إلى الكل.
والآن أطمئنكم وأقول لكم إن مراجعتي مبرئة للذمة إن شاء تعالى فعودوا مرفوعي الرأس، ولا يهمكم نقاش الذين لا يعيشون إلا همومهم الشخصية وأنانياتهم، ولا تتعبوا أنفسكم معهم فإن في ذلك مضيعة للوقت وقسوة للقلب [لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ] (الأنفال:42) [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أنفسكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إذا اهْتَدَيْتُمْ] (المائدة:105)، وإني لا أرضى بأن يكون انتماء الشخص لجهة معينة سبباً لتهجمه على الآخرين فإن اختلاف القناعات لا يمكن أن يكون سبباً لفرقة الأمة وتشتتها.
ولكي لا أطيل عليكم فإني ألخص لكم بنقاط ما يجب علينا من تكاليف في هذه المرحلة:
1- توثيق الصلة بالله تعالى وتعميقها من خلال التركيز على الطاعات واجتناب المحرمات وتلاوة القرآن والدعاء وذكره تعالى على كل حال بحيث نحاول أن نجعل هدفنا في كل قول أو فعل هو رضاه تبارك وتعالى.
2- تجديد البيعة مع الإمام المهدي (عجل الله فرجه) بوضع اليد اليمنى باليسرى، وقد سئلت عن الدليل على ذلك فقلت: إنه فعل قام به الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان صاحب سر رسول الله (صلى الله عليه وآله) حينما تولى أمير المؤمنين الخلافة، وكان حذيفة في المدائن وهو مريض فخشي أن تدركه الوفاة قبل أن يبايع علياً، فوضع يده اليسرى باليمنى إشعاراً ببيعة أمير المؤمنين، وأمر ولديه بالالتحاق به فتوفي (رضوان الله عليه) ولم يدرك علياً (عليه السلام) والتحق به ولده وشاركوا في معاركه، ونحن نقوم بنفس الفعل مع إمامنا (عليه السلام) الذي هو حاضر بيننا إلا أننا لا نعرفه لقصورنا وتقصيرنا، فالأولى عن الإمام (عليه السلام) والثانية عن المبايع، وأن تكون بيعة صادقة بالتعهد بعمل ما يدخل السرور عليه، وتجنب كل ما يسخطه (عليه السلام) حتى نحظى بلطفه وتأييده ورعايته، والمواظبة على الدعاء له بالحفظ والتأييد، والالتزام بقراءة دعاء الندبة بشكل جماعي صباح كل جمعة في المساجد.
3- التمسك بالحوزة الشريفة واحترام المرجعيات الدينية والعلماء والقيادات العاملة في سبيل الله، ومهما صدر من تقصير من أحد فإنه ليس مبرراً للقدح فيه قال تعالى: [فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأنفسهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى] (النساء:95)؛ لأن كلاً منهم يساهم بقدر أو بآخر في أقامة صرح الدين، وكما قلنا سابقا فإن الإسلام محتاج إلى كل أبنائه.
4- الالتزام الجدي بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتشكيل لجان لذلك قال تعالى [وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ] (آل عمران: 104)، وأن تكون هذه الأمة أي اللجان قد استجمعت شروطها من التفقه والوعي وإجادة أسلوب العمل، والالتزام بالمراتب المقررة في الرسائل العملية، فأولها الدعوة بالحكمة الموعظة الحسنة فإن لم تنفع فالزجر والتوبيخ وهكذا.
5- تنظيم أموركم في اتحادات ونقابات وجمعيات بحسب ما يقتضيه الحال، كاتحاد إسلامي للطلبة ورابطة للمرأة المسلمة ونقابات إسلامية وللأطباء والصيادلة والمعلمين والمهندسين وغيرهم، وجمعيات ومراكز ثقافية واجتماعية وإنسانية ودينية، فإن هذه التنظيمات قوة لكم وإعزاز لأمركم، كما أنها تجعل العطاء أكثر وأفضل، وتقطعون بذلك الطريق على العناصر غير النظيفة أن تصل إلى مواقع القرار.
6- ممارسة الضغط لاختيار محافظ ومجالس بلدية من قبل الشعب تتوفر فيهم صفات الكفاءة والنزاهة وحب المصلحة العامة ونكران الذات والخبرة والالتزام الديني وأن لا يكونوا قد تورطوا بظلم الناس.
7- الحضور المكثف في المساجد لإقامة صلوات الجماعة والجمعة والشعائر الدينية والمحاضرات النافعة، وأن يكون خطيب الجمعة بمستوى متطلبات المرحلة.
8- إنشاء المدارس الدينية والحوزات العلمية في كل مدينة للرجال والنساء لتعليمهم الفقه والتفسير والعقائد والأخلاق وتوعيتهم وتثقيفهم، وتنبيههم إلى عناصر القوة في الإسلام ونقاط الضعف في المناهج الأرضية المادية، وتحذيرهم من الأخطار الفكرية والاجتماعية والأخلاقية واستغلال كل الوسائل المتاحة من صحف ومجلات وأقراص.
9- التعاون والتكافل والمساعدة في قضاء حوائج المحتاجين وتزويج الشباب ورعاية الأرامل والأيتام، فإن الإمام (عليه السلام) يقول لشخص من الشيعة: أيمد أحدكم يده إلى جيب أخيه فيأخذ ما يحتاج من دون أن يسأله الآخر؟ قال: لا يا ابن رسول الله، قال: إذن أنتم لستم بشيعة. ويقطع الإمام طواف الحج ليقضي حاجة المؤمن.
أسأل الله تعالى أن يؤجركم بكل خطوة سعيتموها وكلمة قلتموها أو كتبتموها، وأن يسرَّ قلوبكم يوم لقائه بقدر ما أغظتم الكفار وأعداء الدين، إنه نعم المولى ونعم النصير.
(1) الكلمة التي ألقاها سماحة الحجة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) على جموع أهل الناصرية الذين وفدوا لمبايعته وإعلان الولاء له بتأريخ 16 ربيع الثاني 1424 المصادف 16/6/2003..
([2]) كان طلب هؤلاء الآلاف من سماحة الشيخ (دام ظله) أن يعلن مرجعيته وولاية أمر الأمة، لكن سماحته كان يعتقد بأنه لا زال سابقاً لأوانه، ولا بد من إعطاء فرصة للآخرين ليقدموا ما عندهم.