بركة الاقامة عند امير المؤمنين (عليه السلام ) في العشر الاواخر من شهر رمضان
بسم الله الرحمن الرحيم
بركة الاقامة عند امير المؤمنين (عليه السلام ) في العشر الاواخر من شهر رمضان[1]
يُشبِه الاخلاقيون اثر مصاحبة الصالحين في تهذيب الاخلاق و السير نحو الكمال بالنبات المتسلق الذي اذا تُرك وحده فانه ينمو ولكن قريباً الى الارض لا يستطيع ان يقف قائماً ويرتفع نحو الاعلى ، ولكنه اذا أُسند الى الحائط او أي قائم ثابت فانه يتسلق نحو الاعلى ويرتفع، هذا مثال لتأثر مريد الكمال بالأجواء الايمانية اذا آوى اليها وكان قريباً من اهلها وان لم يسمع منهم كلمة ، كما ان مطالعة سير الصالحين تؤثر في روحية الانسان وتدله على طريق الكمال ،وان لم يسمع ولم يلتقِ بصاحب الكلام في الكتاب لكنه يلتقيه روحياً من خلال هذه الكلمات فكأنما يعيش معه .
فمن نعم الله تعالى عليكم إقامتكم الى جوار امير المؤمنين الذي لم تنقطع رعايته لمجاوريه ولشيعته بعد استشهاده كما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في تفسير قوله تعالى {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ }التوبة105 وعلي (عليه السلام) هو امير المؤمنين فهو مطلع على اعمال العباد ويدعو الله تعالى بالزيادة والقبول لحسناتهم والمغفرة والصفح لسيئاتهم ، وإن القلوب لتتلقى بحسب استعدادها من فيوضاته المباركة وهو (عليه السلام) باب مدينة علم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
وبذلك فقد اخترتم المكان الافضل و الزمان الافضل وهي العشر الاواخر من شهر رمضان ، وانتم بهذا العمر المفعم بالحيوية والنقاء والقرب من الفطرة والنشاط في العمل فكثير منكم لم يبلغ العشرين او تجاوزها بقليل ، واذا عدنا الى مثال النبات المتسلق ، فان اسناد هذا النبات الى ما يُقوِّم نموه ويرفعه نحو الاعلى في اول تكوينه يكون اكثر اعطاء للنتائج المرجوة ، مما لو حصل بعد ان نمى وكبر متشبثاً بالأرض وكثرت التواءاته وعقده.
ولا شك انكم احسستم وجداناً بركات هذه المجاورة لأمير المؤمنين (عليه السلام) وللعلماء والحوزة العلمية ، وليس حالكم خلال هذه الايام كحالكم قبل شهر رمضان وقبل قدومكم ، ولكن عليكم ايها الاحبة ان تديموا هذا الاثار المباركة ، ولا تجعلوها مرهونة بهذا الزمان وهذا المكان الشريفين ، وانتم تعلمون ان قيمة الاعمال هي بمقدار اثارها المعنوية ، فالصوم لا تُنال حقيقته بالامتناع عن المفطرات الظاهرية المدونة في كتب الفقه كالأكل و الشرب وان كان هذا المقدار مبرئاً للذمة ، وانما بكف النفس والجسد عّما حرّم الله تعالى وتفريغهما لطاعة الله تبارك وتعالى واذا انضم اليهما القلب كان الحال اكمل بفضل الله تبارك وتعالى .
فاذا استطعنا التقدم في شهر رمضان في هذا المجال فلنحافظ عليه حتى ما بعد شهر رمضان لأنها امور مطلوبة على الدوام ، وما شهر رمضان الا باب من ابواب اللطف الالهي لإعانة الانسان واعطائه دفعة كبيرة الى الامام ، ولطف الله تعالى مبذول على الدوام وابوابه مفتوحة ، واذا اغلقت باب ، فتح الله تبارك وتعالى بكرمه ورحمته ابواب اخرى قد تكون اوسع ، واذا رفعت موائد شهر رمضان وليلة القدر و العشر الاواخر ، وحصل كلُ واحد من الناس على مقدار ما يسره الله تعالى له ، فان موائد رب شهر رمضان الكريم مستمرة ، وقد يتاح للعبد الحصول منها على افضل مما حصل عليه غيره في شهر رمضان .
ولتقريب الفكرة نقول : عندما يدعو عالم عامل مخلص ناساً الى مأدبة طعام ، فان من المدعوين من يتشرف بالتناول من مائدته ويخرج ، ومنهم – وهم الخاصة – من ينتظر ما هو افضل مما بذل على مائدة الطعام فيبقى بعد انفضاض عامة الناس ليتزود من الغذاء المعنوي ولذة مجالسة هذا العالم والانس بلقائه والاخذ منه .
اليس غفران الذنوب من اعظم ما يطلبه المؤمنون في ليلة القدر كما نطقت به الادعية الشريفة ، فان عندك على طول السنة سبباً للمغفرة بل ارقى من ذلك فانه سبب لتبديل تلك السيئات الى حسنات : وهي الصلوات اليومية المفروضة في اوقاتها خصوصاً اذا صُليت جماعة في المساجد قال تعالى {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ }هود114 ، ورد في تفسيرها عن امير المؤمنين (عليه السلام) انه قال ( سمعت حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : ارجى آية في كتاب الله – ثم ذكر الآية وقال – يا علي والذي بعثني بالحق بشيراً ونذيراً ان احدكم ليقوم الى وضوئه فتتساقط من جوارحه الذنوب فاذا استقبل الله بقلبه ووجهه لم ينفتل وعليه من ذنوبه شيء كما ولدته امه ، فان اصاب شيئا بين الصلاتين كان له مثل ذلك حتى عَدَ الصلوات الخمس .
ثم قال : يا علي انما مثل الصلوات الخمس لامتي كنهر جار على باب احدهم فما يظّنُ احدهم اذا كان في جسده درن ثم اغتسل في ذلك النهر خمس مرات اكان يبقى في جسده درن ؟ فكذلك والله الصلوات الخمس لامتي )[2] .
وهكذا نُديم الاثار المباركة الاخرى ، فمن استطاع ان يتجنب الغيبة شهر كاملاً احترامناً لصومه ولشهر رمضان وطلباً لرضا الله تعالى ، فليأخذ شحنة ايمانية لبقية ايامه فيتجنب الغيبة دائماً ، والنظر الى ما لا يحل ، وسماع ما حرمه الله تعالى ، وسوء الاخلاق وسائر الامور المذمومة الاخرى ، وليستمر على ما وُفَق له في هذا الشهر كصلاة الليل وتلاوة القرآن ومساعدة الناس وزيارة الائمة المعصومين (عليه السلام) .
[1] ) من حديث سماحة المرجع الديني اية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي – دام ظله – يوم السبت 26-رمضان- 1432هـ الموافق 27-8-2011 مع الشباب الذي استضافتهم الحوزة العلمية في النجف الاشرف عشرة ايام ووضعت له برامج عبادية واخلاقية ولقاءات مع المراجع و العلماء .
[2] ) تفسير الصافي : 4/84