أثر الأدب في خلق المجتمع العراقي الجديد
بسم الله الرحمن الرحيم
أثر الأدب في خلق المجتمع العراقي الجديد[1]
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
امتنّ الله تبارك وتعالى على عباده بأن زودّهم بما يعبرون به عن مكنون حاجاتهم وأفكارهم ومشاعرهم وعلّمهم كيفية ذلك من خلال اللغة والبيان قال تعالى في سورة الرحمن (خلق الإنسان علّمه البيان) وهذا يكشف عن عظمة هذه القابلية التي أودعها الله تعالى في الإنسان.
إن للغة وآدابها آثاراً نفسية واجتماعية وأخلاقية وتربوية وعلمية ودينية، فلا غرو أن يكون لها الدور الفعّال في بناء المجتمع، خصوصاً وإن مجتمعنا العراقي يعيش حالة التشكّل والولادة من جديد بعد عهود من التخلف والتمزق والضياع، ولكي يكون الوليد سليماً صالحاً سوياً لابد أن تأخذ اللغة وآدابها دورها في هذا البناء، وذلك لأمور:
1- إن اللغة هي الوسيلة الأكثر تأثيراً في حفظ وحدة أبناء المجتمع وانشدادهم إلى كيانهم خصوصاً في مجتمعنا الذي تعدد فيه القوميات والأديان والطوائف والأيديولوجيات، وقد جرّب الكثير ممن سافروا إلى دول أجنبية أن أكثر ما يشدّهم من الآخر هو عندما يجده يتحدث بلغته، كما لمستم بوضوح الحواجز بين شمال العراق وبقية أجزائه بسبب الانفصال الذي حصل منذ عام 1991 وعدم تداول اللغة العربية بينهم فنشأ عندهم جيل لا يفهم العربية ولم يَعُد يجد قاسماً مشتركاً بينه وبين اخوته العراقيين، بينما كانت اللحمة وثيقة حينما كانوا يدرسون في جامعاتنا ويعملون في مؤسساتنا ويختلطون بمجتمعنا العربي.
2- من خلال اللغة يحس المرء بانتمائه وهويته، فاللغة وطن حقيقي للإنسان ولو انسلخ منها فإنه يعيش الغربة والضياع. فلكي يتعزز الانتماء للوطن لابد من تعزيز الارتباط باللغة.
3- ان لغتنا العربية من أرقى اللغات في الإحساس بالجمال والتعبير عن الإبداع، وهذه معانٍ تنشد إليها النفس وتسمو معها، روي عن رسول الله (ص) قوله (إن من الشعر لحكمة، وإن من البيان لسحر)، لذا كان من الطبيعي أن يختارها الله تبارك وتعالى لتكون وعاءاً للمعاني العظيمة التي يريد أن يبلغ بها عباده من خلال القرآن الكريم الذي لا تنقضي عجائبه ولا تنتهي علومه حتى وصف في أحاديث المعصومين (عليهم السلام) بأن له سبعين بطناً من المعانين وما كان لغير اللغة العربية أن تستوعب بكلام واحد كل هذه المعاني من غير تكلّف ولا اسفاف.
4- إن منظومتنا الأخلاقية والدينية والمعرفية مستمدة من القرآن الكريم والسنة الشريفة ومما تركه السلف الصالح من تراث ضخم، ولا نتمكن من التواصل مع هذه الأصول والمحافظة على منظومتنا هذه إلا بإدامة التعاطي الرصين مع لغتنا العربية، وإلا فاننا سنتخلف عن فهم واستيعاب تلك الحقائق وضياعها منّا.
إن حاجتنا إلى ثورة أدبية لغوية ليس لأن اللغة العربية لغتنا ونعتز بها والقاسم المشترك لأبناء امتنا العربية فحسب، لأن الاهتمام بهذا المقدار شيء تشترك فيه كل الشعوب، ولكن الأهم من ذلك أنها لغة القرآن الكريم والسنة الشريفة للنبي وآله المعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين) فالتفريط بها وبآدابها وضعف الاهتمام بها يعني الانفصال عن هذا المعين الصافي للعلم والمعرفة والمنهج السليم للحياة.
من هنا يكتسب مؤتمركم الشريف أهمية كبيرة، ونستثمر هذه الفرصة لنقدّم بين أيديكم الكريمة خطوات عملية في هذه الحركة المباركة.
1- احياء (مجمع اللغة العربية) وتفعيل دوره، فقد كان وعلى مدى عقود مجمعاً لأساتذة الفن وجهابذته ممن نذروا أنفسهم لصيانة اللسان العربي ونشر علوم اللغة وآدابها فأسدوا للأمة خدمات جليلة.
2- التواصل الجدي المثمر بين الحوزات الدينية والجامعات الأكاديمية لأن لكل من المؤسسين الكثير مما ينفع الآخر ويعضّد الجهود المثمرة لهما.
3- تشجيع الباحثين في علوم اللغة وآدابها ودعمهم مادياً ومعنوياً.
4- إقامة الفعاليات الأدبية التي تثير في المتلقي حبّه لهذه اللغة وتُشعره بجمالها وتعزّز انتماءه لها.
5- نشر البحوث والكتابات المتعلقة باللغة وآدابها بمستوى يناسب الثقافة العامة لتتسع قاعدة المستفيدين منها.
أقول هذا وأنا أعلم أن لديكم الكثير غيره، ولكن الذكرى تنفع المؤمنين.
(وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون).
[1] الكلمة التي كتبها سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) إلى مؤتمر عقدته كلية الفقه في جامعة الكوفة يوم الإثنين 14/جمادى الأولى/1432 الموافق 18/4/2011 تحت العنوان المذكور حضره علماء وأساتذة جامعيون من مختلف الجامعات العراقية.