الطاقة الكامنة عند الشعوب

| |عدد القراءات : 3111
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

الطاقة الكامنة عند الشعوب([1])

 

من أساطيرنا الشعبية قصة (علاء الدين والمصباح السحري) التي تحكي عن مصباح لعلاء الدين إذا فركه بيده خرج منه عفريت من الجن يقول (شبّيك لبّيك أنا عبدك بين يديك) فيأتمر بأمره في كل ما يريد حتى لو أراد إزالة جبل من مكانه.

تحكى هذه القصة وأمثالها للتسلية والمتعة وقضاء الوقت ويعرف الجميع إنها خرافية، لكن حركة الشعوب التي نشهدها في المنطقة اليوم أثبتت أن هذه القصة تحمل رمزية لواقع يمكن تحقيقه، فإن حركة بسيطة –تضاهي فرك المصباح في القصة- للشعب يمكن أن تأتي بنتائج معجزة.

من كان يتصور أن رجلاً تونسياً بسيطاً مثل (محمد البوعزيزي) كان جل همّه أن يوفـّر قوت عياله اليومي من عربة صغيرة لبيع الخضار في مدينة صغيرة تدعى سيدي أبو زيد لم تؤشّر على خارطة تونس المتداولة، وإذا به يفجّر بدمه عروش طواغيت يجثمون على صدور شعوبهم بالحديد والنار منذ ثلاثين وأربعين سنة ويستبيحون مقدرات شعوبهم، ويزيل أولئك الطواغيت.

هذا ما حصل فعلاً عندما أحرق هذا الرجل نفسه احتجاجاً على مصادرة الشرطة لعربته بحجة التجاوز على القوانين العامة وألقت ما فيها على الأرض، ولم يكن باستطاعته الرد عليهم بعد أن تملكه الغضب والإحباط إلا بهذه الطريقة، فانفجر الشارع المحتقن تعاطفاً معه وانطلقت الشرارة وكسر حاجز الخوف وتشجعت المدن الأخرى ونزل أبناؤها إلى الشوارع، ولم تستطع قوات النظام المدججة بالسلاح كبح جماحهم حتى أطاحت بالنظام. ثم تلته الشعوب الأخرى. حتى مثل الشعب الليبي الذي كنا نعتقد أن طاغوت ليبيا المجنون قد مسخ هويته ومرّغ كرامته بالتراب وسلخ منه إرادته وحريته، وإذا به يقف هذه الوقفة المشرفة ويجابه تلك الماكنة العسكرية الهائلة التي تبطش وتخرب بكل قسوة وهمجية وبقي صامداً إلى اليوم وحرّر أكثر المدن الليبية.

هذه بعض مظاهر القوة التي تمتلكها الشعوب والطاقة الكامنة التي تختزنها وهذا ما تستطيع فعله إذا التفتت إلى ذاتها وسعت إلى انتزاع حقوقها، من دون أن تعوِّل على هذا وذاك ممن لا يريد الخير لها وإنما يبحث عن مصالحه وتنفيذ أجنداته فيجعلهم وقوداً لمشاريعه.

ألا ترون التراجع الذي أصاب حركة الثوار الليبيين عندما عوّلوا على تدخّل الغرب وبقوا يتلقون الضربات منتظرين قرار فرض الحظر الجوي الذي تحدّثت عنه دول حلف شمال الأطلسي أسبوعين قبل تنفيذه وكأنهم يدعون القذافي الهمجي إلى استعمال طيرانه، وقد فهم طاغوت ليبيا الرسالة بأن يبطش بالثوار ويستخدم كل ما أوتي من قوة في الجو وعلى الأرض لأنه في سعة من أمره قبل ان يقرّر مجلس الأمن، وهذا ما حصل فعلاً فأصيب الثوار بالإحباط والنكوص حتى وصل عدوهم إلى مشارف عاصمتهم بنغازي.

وتستهدف قوى الاستكبار من ذلك توريط النظام بدرجة أكبر في الجريمة وزيادة عزلته ليكون في قبضتهم وليسهل عليهم إزالته، هذا من جهة، ومن جهة أخرى ليضغطوا على الشعب والثوار أقصى درجات الضغط حتى يستجيب لمطالبهم ويوّقع لهم على ما يريدون، ولا يهمهم بعد ذلك عدد من يُقتل ويعوّق ويشرّد ويصاب، ومقدار ما يُخرّّب ويدمّر لأنه كله فداء لمصالحهم وصفقاتهم وعلى الشعوب أن تدفع الثمن، أما حقوق الإنسان وحماية المدنيين ونحوها فهي من خدعهم لتمرير قراراتهم والواقع يشهد بخلاف ذلك.

وهذا ما فعلوه في العراق أيضاً، فبعد أن كانوا قاب قوسين أو أدنى من القضاء على صدام اللعين عقب حرب الكويت عام 1991 وكان قائد القوات الأمريكية وحلفائها ينتظر الأمر بالانقضاض عليه جاءت الأوامر بالانسحاب وتركه وشأنه لأنهم لم يطمأنوا إلى أن يكون الشعب العراقي حليفهم ولا يستطيعون حفظ مصالحهم في هذا البلد بعدان عبّر عن هويته ومطالبه من خلال الشعارات التي رفعها في الانتفاضة الشعبانية المباركة، فاقتضت سياسة المستكبرين أن يطلقوا يد صدام ليمعن في ظلم هذا الشعب وقهره وتجويعه حتى يذعن باللجوء إلى أمريكا وحلفائها ويطلب منهم العون والتدخل ويكون شعاره أنه حتى لو حكمنا إبليس فإنه خير من صدام، وهذا ما حصل لبعض من يسمون أنفسهم بالمعارضة وتحالفوا مع الشيطان لتنقذنا الأبالسة فأصبح العراقيون كالمستجير من الرمضاء بالنار. وجاء معهم الدمار والخراب والفساد.

والعراقيون الذين لم يكونوا بحاجة إلى شرارة من تونس ومصر لتوقظهم، للضيم والدمار والقتل والظلم الذي حلّ بهم، ولطالما استنهضت هممهم منذ عدة سنوات في خطابات وفعاليات، فلم يسمع ولم يستجب إلا النـزر القليل الذين لا يدفع بهم باطل ولا يُصلح بهم ما فسد من أمور المسلمين، وقلت في بعض تلك الكلمات أن هؤلاء السياسيين لا ضمير لهم ولا يحبونكم وإنما يحبّون أنفسهم قد أعماهم حب الدنيا، ولا يتحركون إلاّ عندما تُحرق الأرض تحت أقدامهم وتُهدّد مصالحهم، لكن الشعب لم يفقه ما يقوله المخلصون له، وجاءته فرصة التغيير في الانتخابات ليختار من يعرف كفائته ونزاهته وإخلاصه لكن الأغلبية الساحقة اختارت نفس المفسدين المستأثرين، ثم جاؤوا اليوم ليتظاهروا ويطالبوا بالحقوق وهم من ضيّعوها على أنفسهم، وقد حذرت في بعض خطاباتي قبيل الانتخابات أن الله تعالى لا يستجيب دعوة شعب سلّط من لا يرحمه عليه ثم يدعو الله تعالى مطالباً بتغييره.

فهذه اليقظة وهذه المطالبات جاءت متأخرة وبعد فوات الفرصة لكنها مع ذلك تنفع في إيجاد ضغط على مسؤولي البلاد لكي يتحركوا ويقدّموا شيئاً لشعبهم، وعلى أبناء الشعب أن يكونوا واعين ولا يسمحوا للانتهازيين بمصادرة جهودهم وتضحياتهم، ورفع شعارات غير ما خرج المتظاهرون من أجله، وأن يعرفوا قيادتهم بالخير والصلاح و لا يسيروا خلف مجهولين لا تُعرف أجنداتهم ولا الجهات التي يعملون لحسابها ويريدون توجيه الشعب عبر مواقع الفيسبوك واليوتيوب والتويتر.

لقد التفتت شعوب المنطقة اليوم إلى قوتها وقدرتها على إصلاح أحوالها وخلعت ثوب الهزيمة والخنوع والاستسلام والذل، وارتدت لامة الحرية والكرامة والعنفوان والأمل، وها هي تسجّل مآثر خالدة، وتستمر في حركتها نحو الانعتاق من الطواغيت والمستبدين رغم بطش وقسوة تلك الأنظمة، ففي اليمن سقط أمس (52) قتيلاً ومئتا جريح، ولم يزدهم ذلك إلاّ إصراراً على الصمود ومطالبة الرئيس بالتنحي، وكذا ما تشهده مدينة مصراتة الليبية وغيرها من المدن الباسلة في بلاد العرب والمسلمين.

والشعب العراقي يمتلك أزيد مما يملكه أولئك من عناصر القوة لأن عنده أمير المؤمنين (عليه السلام) رمز الشجاعة والعبودية لله تعالى، وعنده الحسين (عليه السلام) عنوان الإباء والتضحية في سبيل الله تعالى. فكيف يعجز عن تحقيق ما يريد بإذن الله تعالى؟

وتبقى كل هذه الحركات لا قيمة لها إذا لم تقترن بالإخلاص لله تبارك وتعالى وحسن النية في إعلاء كلمته وتُطهّر الأرض من الشرك والفساد والظلم، وتحقيق وعد الله تبارك وتعالى، وإلا سوف لا تعدو النتيجة ذهاب ظالم ومجيء ظالم آخر أما الظلم فباقٍ، مهما كانت الشعارات برّاقة ومزوّقة كما خدع العباسيون الأمة بشعارات (يا لثارات الحسين) فلما استتم لهم أمر السلطة تنكروا لشعاراتهم وبطشوا بأهل البيت (عليهم السلام) حتى قال الشاعر.

فليت جور بني مروان عاد لنا              وليت عدل بني العباس في النارِ 



([1]) من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع جمع من طلبة كلية القانون في جامعة بابل ومع وفد جامعة الصدر الدينية في ميسان وإحدى المنظمات الانسانية في النجف يوم السبت 13/ ربيع الثاني/ 1432 المصادف 19/3/2011.