دور المسجد في حياة الأمة والفرد
بسم الله الرحمن الرحيم
دور المسجد في حياة الأمة والفرد[1] (*)
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا أبي القاسم محمد وعلى ائمة المسلمين من آله الطيبين الطاهرين.
أجرينا استطلاعاً عن الحالة الدينية والالتزام بشريعة الله تبارك وتعالى خلال شهر رمضان المنقضي وقد اتفقت الإجابة على وجود تحسن قياساً بشهر رمضان العام الماضي الذي شهد انتهاكاً واضحاً لقدسية الشهر ولحرمات الله تبارك ناقشنا أسبابه في خطبة عيد الفطر يومئذٍ.
ومن مظاهر التحسن الإقبال على المساجد ومجالس الوعظ والإرشاد وانحسار ظاهرة الإفطار العلني والحفلات والتجمعات التي ترافقها محرمات.
وكان لهذا التحسن أسباب نشير إلى بعض أسبابها بإيجاز:-
1- ارتفاع الهمة والحماس لدى ثلة من المؤمنين للقيام بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ هذه الفريضة التي بها تقام الفرائض وتحيى السنن وتأمن المذاهب وتحل المكاسب ويستجاب الدعاء ويحكم الأخيار وغيرها من الآثار المباركة.
2- الاحتفالات والحملات الإعلامية التي جرت لاستقبال شهر رمضان والتعريف بحرمته والحث على طاعة الله تبارك وتعالى فيه مما خلق أجواءً محفزّة على الطاعة.
3- تفعيل دور المساجد والحسينيات وتجمعات المؤمنين مما ساهم في جذب الناس إليها والتفاعل مع الشعائر الدينية ولو من منطلق السلوك الجمعي.
4- استجابة بعض الجهات الحكومية لمطالب المؤمنين واتخاذ قرارات تمنع انتهاك قدسية هذا الشهر الشريف.
وعلى أي حال إتضاح الفرق لدى الناس بين الدين والجهات الدينية من جهة وبين الأحزاب الحاكمة والمتسلطين باسم الدين الذين اساؤوا وافسدوا وظلموا مما قلّل من تحول الاستياء والنفور والرفض لهؤلاء الى نفوذ ورفض للدين والتدين فنحن من واجبنا كمؤمنين دعم الحالة الإيمانية وتنميتها والمحافظة عليها، واتخاذ كل التدابير الكفيلة بذلك ونحن سنتحدث هنا عن نقطة واحدة من المجموعة أعلاه وهي أثر المساجد في دعم وانتشار التدين والالتزام بالأخلاق وإن كان هذا الدور للمساجد مما لا يخفى على أحد ولكن الذكرى تنفع المؤمنين.
للمساجد أهمية كبيرة في الشريعة من خلال الحث الأكيد على إعمار المساجد مادياً –ببنائها وتشييدها- ومعنوياً –بإقامة الصلوات والشعائر الدينية والحلقات العلمية ونحوها فيها- وفضل الصلوات فيها خصوصاً لصلاة الجماعة، وثواب المواظبة على الحضور فيها حتى أن مجرد الوجود في المسجد عبادة يثاب عليها وإن لم يفعل شيئاً، ومن خلال بيان بركة الآثار المترتبة على التواصل مع المساجد وغيرها، وسأنقل لكم بعض الروايات الشريفة في ذلك:-
1- في بناء المساجد ولو برصف أحجار لتحديد أرض المسجد، صحيحة أبي عبيدة الحذّاء قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: من بنى مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة. قال أبو عبيدة: فمر بي أبو عبد الله (عليه السلام) في طريق مكة وقد سويت بأحجار مسجداً فقلت له: جعلت فداك نرجو أن يكون هذا من ذاك؟ قال: نعم)([2]).
2- فضل صلاة الجماعة والسعي إليها في المساجد، صحيحة زرارة قال: (قلت لأبي عبد الله: ما يروي الناس أن الصلاة في جماعة أفضل من صلاة الرجل وحده بخمس وعشرين صلاة، فقال: صدقوا)([3]).
وفي خبر آخر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (فما من مؤمن مشى إلى الجماعة إلا خفف الله عليه أهوال يوم القيامة، ثم يؤمر به إلى الجنة).
وفي فضل المشي إلى المساجد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (من مشى إلى المسجد لم يضع رجلاً على رطب ولا يابس إلا سبحت له الأرض إلى الأرضين السابعة)([4]) وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (ما عُبد الله بشيء مثل الصمت والمشي إلى بيته) وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (من مشى إلى مسجد من مساجد الله فله بكل خطوة خطاها حتى يرجع إلى منزله عشر حسنات ومحى عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات).
3- المتواصل مع المسجد ولو بالنية في ظل الله تبارك وتعالى، فعن رسول الله ص: (سبعة في ظل عرش الله عز وجل يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل، ورجل تصدق بيمينه فأخفاه عن شماله، ورجل ذكر الله عز وجل خالياً ففاضت عيناه من خشية الله، ورجل لقي أخاه المؤمن فقال: إني لأحبك في الله عز وجل ورجل خرج من المسجد وفي نيته أن يرجع إليه، ورجل دعته امرأة ذات جمال إلى نفسها فقال: إني أخاف الله رب العالمين)([5]).
4- سر عظمة المساجد وكرامة زائرها: عن أبي بصير قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن العلة في تعظيم المساجد فقال: إنما أمر بتعظيم المساجد لأنها بيوت الله في الأرض)([6]) وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: مكتوب في التوراة أن بيوتي في الأرض المساجد فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي ألا أن على المزور كرامة الزائر) وعن الصادق (عليه السلام) أيضاً أنه قال: (عليكم بإتيان المساجد فإنها بيوت الله في الأرض ومن أتاها متطهراً طهره الله من ذنوبه وكُتب من زواره فأكثروا فيها من الصلاة والدعاء وصلوا من المساجد في بقاع مختلفة فإن كل بقعة تشهد للمصلي عليها يوم القيامة)([7]).
5- الجلوس في المسجد عبادة: عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن آبائه (صلوات الله عليهم) قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): الجلوس في المسجد لانتظار الصلاة عبادة ما لم يحدث، قيل: يا رسول الله وما الحدث؟ قال: الاغتياب)([8]). وعنه (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (من كان القرآن حديثه والمسجد بيته بنى الله له بيتاً في الجنة)([9]).
6- فوائد التردد على المساجد: عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه كان يقول: (من اختلف إلى المسجد أصاب إحدى الثمان: أخاً مستفاداً في الله، أو علماً مستطرفاً، أو آية محكمة، أو يسمع كلمة تدل على هدى، أو رحمة منتظرة، أو كلمة ترده عن ردى، أو يترك ذنباً خشيةً أو حياءً)([10]).
7- تحير من لم يحضر الصلاة في المسجد من غير علة: عن علي (عليه السلام): (لا صلاة لمن لم يشهد الصلوات المكتوبات من جيران المسجد إذا كان فارغاً صحيحاً)([11]) وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (اشترط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على جيران المسجد شهود الصلاة وقال: لينتهين أقوام لا يشهدون الصلاة أو لآمرنّ مؤذناً يؤذّن ثم يقيم ثم لآمرن رجلاً من أهل بيتي وهو علي بن أبي طالب فليحرقنذ على أقوام بيوتهم بحزم الحطب لأنهم لا يأتون الصلاة).
8- الجلوس في المسجد خير من الجلوس في الجنة: عن علي (عليه السلام) قال: (الجلسة في الجامع خير لي من الجلسة في الجنة، لأن الجنة فيها رضا نفسي والجامع فيه رضا ربي)([12]).
9- المسجد أحب البقاع إلى الله وفضل تطويل البقاء فيها: ففي الكافي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لجبرائيل (عليه السلام): يا جبرائيل أي البقاع أحب إلى الله عز وجل؟ قال: المساجد وأحب أهلها إلى الله أولهم دخولاً وآخرهم خروجاً منها)([13]).
أيها الأحبة:
هذا بعض ما ورد في عظمة المساجد وبركتها على الفرد والمجتمع، وقد لمسنا ذلك على أرض الواقع، لذا فنحن مطالبون اليوم بـ (صحوة) و (يقظة) من هذه الغفلة والتقصير في حق المساجد بل في حق أنفسنا إذ لم نستثمر هذه الفرصة العظيمة للطاعة التي أتاحها الله تبارك وتعالى حتى لا نكون ممن يشكوهم المسجد كما ورد في الحديث الشريف عن الإمام الصادق (عليه السلام): (ثلاثة يشكون إلى الله عز وجل: مسجد خراب لا يصلي فيه أهله، وعالم بين جهال، ومصحف معلق قد وقع عليه الغبار لا يقرأ فيه)([14]).
إن الفرصة متاحة اليوم لنشر المساجد ومحالّ العبادة وإقامة الشعائر الدينية ومجالس الوعظ والإرشاد في كل مكان ولو بأبسط صورها من دون تصور الأبنية الضخمة، مثلا يوجد كثير من الساحات المتروكة يمكن تسويتها وتحديدها أو تسقيفها لتكون محلاً لاجتماع المؤمنين، أو تهيئة بعض غرف الاستقبال والمضايف في الدور لتؤدي الغرض، أو الوصول إلى مستوى تبرع الأشخاص أو الجهات بإنشاء المساجد وتأسيسها على التقوى [لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ] (التوبة:108).
والأهم من الإعمار المادي هو الإعمار المعنوي الذي تشكو منه المساجد في الحديث المتقدم، وإعمارها يكون بإقامة الصلوات فيها والذكر والدعاء وبيان الأحكام الشرعية والأخلاق الفاضلة وتهذيب النفوس ومجالس الوعظ والإرشاد وذكر فضائل أهل البيت (عليهم السلام) ومظلوميتهم والشعائر الدينية وتجنيبها ما ينافي قدسيتها من المحرمات واللغو واللهو وأعمال الدنيا، وفي ذلك ورد عن أبي ذر (رضوان الله عليه)عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (يا أبا ذر الكلمة الطيبة صدقة وكل خطوة تخطوها إلى الصلاة صدقة، يا أبا ذر من أجاب داعي الله وأحسن عمارة مساجد الله كان ثوابه من الله الجنة، فقلت: كيف يعمر مساجد الله؟ قال: لا ترفع الأصوات فيها ولا يُخاض فيها بالباطل ولا يشترى فيها ولا يباع واترك اللغو ما دمت فيها، فإن لم تفعل فلا تلومن يوم القيامة إلا نفسك)([15]).
وفي الحديث الشريف: (يأتي في آخر الزمان قوم يأتون المساجد فيقعدون حلقاً ذكرهم الدنيا وحب الدنيا، لا تجالسوهم فليس لله فيهم حاجة)([16]).
ومن وصايا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأبي ذر (رضوان الله عليه): (يا أبا ذر: كل جلوس في المسجد لغو إلا ثلاثة: قراءة مصلٍّ أو ذكر ذاكر الله تعالى أو سائل عن علم)([17]).
إن من بركات إعمار المساجد وإحيائها دفع البلاء عن الأمة وما أحوجنا إليه، روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (إن الله تبارك وتعالى ليريد عذاب أهل الأرض جميعاً حتى لا يحاشي منهم أحداً إذا عملوا بالمعاصي واجترحوا السيئات، فإذا نظر إلى الشيّب ناقلي أقدامهم إلى الصلوات، والوُلدان يتعلمون القرآن رحمهم اله فأخّر ذلك عنهم)([18]) ومن وصايا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأبي ذر: (يا أبا ذر: يقول الله تعالى: إن أحب العباد إليّ المتحابون بجلالي المتعلقة قلوبهم بالمساجد المستغفرون بالأسحار، أولئك إذا أردت بأهل الأرض عقوبة ذكرتهم فصرفت العقوبة عنهم)([19]).
فسارعوا أيها المؤمنون [إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ] (آل عمران:133) [إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ] (التوبة:18) [وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً] (الجـن:18).
ولنستثمر التوجه الحاصل في شهر رمضان فنديمه ونخلق الحوافز الإضافية له وليقم طلبة العلوم الدينية والخطباء والمبلغون بدورهم وواجبهم في هذه الحركة المباركة. ويحسن مراجعة كتاب (شكوى المسجد) وآخر فصل من كتاب (نحن والغرب) لمعرفة أسباب عزوف الناس عن المساجد وكيفية علاجها وأمور مفيدة أخرى والحمد لله رب العالمين.
[1] الخطبة الثانية لصلاة عيد الفطر السعيد عام 1430هـ المصادف 21/9/2009
([2]) وسائل الشيعة: كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، باب 8، ح1.
([3]) هذا الحديث والذي يليه تجدهما في وسائل الشيعة: كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، باب 1، ح3، 10.
([4]) هذا الحديث والحديثان بعده في وسائل الشيعة: كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، باب 4، ح1، 2، 3.
([5]) بحار الأنوار: 84/2، أبواب مكان المصلي وما يتبعه، باب فضل المساجد وأحكامها وآدابها.
([6]) الحديث والذي يليه تجدهما في بحار الأنوار: 84/6.
([7]) بحار الأنوار: 83/384.
([8]) بحار الأنوار: 83/384.
([9]) وسائل الشيعة: كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، باب 3، ح2.
([10]) وسائل الشيعة: كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، باب 3، ح1.
([11]) الحديثان تجدهما في وسائل الشيعة: كتاب الصلاة، أحكام المساجد، باب 2، ح3، 6.
([12]) وسائل الشيعة: كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، باب 3، ح6.
([13]) الكافي: ج3، صفحة 489، ح14، باب النوادر.
([14]) وسائل الشيعة: كتاب الصلاة، أبواب حكام المساجد، باب 5، ح1.
([15]) المصدر، باب 27، ح3.
([16]) المصدر، باب 14، ح4.
([17]) بحار الأنوار: 83/370.
([18]) وسائل الشيعة: كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، باب 3، ح3.
([19]) بحار الأنوار: 83/370.