الإصلاح مسؤولية كل إفراد المجتمع
بسم الله الرحمن الرحيم
الإصلاح مسؤولية كل إفراد المجتمع ([1])
تحدثتم عن صور من عدم مراعاة حرمة مدينة الكاظمية المقدسة، وحرمة الإمامين الكاظمين الجوادين (سلام الله عليهم)، ولا شك أن مسؤولية الإصلاح تقع على جهات عديدة، احدها أمانة العتبة الكاظمية الشريفة، والمسؤولين والمتنفذين في تلك المدينة المقدسة.
لكن المشكلة أكبر من ذلك فقد دبّ الفساد والانحراف في شرائح المجتمع في المدن المقدسة وغيرها، مما يلقي بالمسؤولية على جميع المؤمنين ولا تنحصرالوظيفة برجال الحوزة العلمية.
وأعرض عليكم الآن واحدة من آليات العمل لإصلاح المجتمع وتطويق الفساد وتحجيمه حتى القضاء عليه، وهي أن نتعهد مع أنفسنا على أن يقوم كل واحد منا بنقل أي مسألة شرعية يتعلمها أو موعظة يتأثر بها أو نصيحة نافعة أو قصة هادفة، ينقلها الى أهله وأصدقائه وزملائه في العمل والمحلة وأقرانه، وحينئذ سيحصل عندنا انتشار على شكل متوالية هندسية تتضاعف فيها أعداد المستفيدين، وتتضاعف معها حسنات العاملين، فالواحد يعلّم عشرة، والعشرة يعلمون مئة وهكذا، وستلمسون بركة هذا العمل الشريف.
ولا تقتصر هذه الآلية على الرجال فقط بل تعم النساء، فأنكم تتحدثون عن سفور أو حجاب غير مطابق للحدود الشرعية عند الحرم الشريف، فلو جنَّدت بعض الأخوات أنفسهن للزيارة يومياً أو في الأيام التي يكثر فيها الزوار، وكلما شاهدت امرأة أو أكثر غير محتشمة اقتربت منها وسلمت عليها وعرضت خدماتها عليها كقراءة الزيارة أو أية مساعدة وبعد حصول الألفة بينهنّ توجهها برفق وتعلمها، لأنني أعتقد أن السبب الأكبر للابتعاد عن الدين هو الجهل والغفلة وهما يزولان بالتعليم والموعظة الحسنة.
ولنطبق هذه الفكرة بأن أروي لكم قصة نافعة وعليكم بالاتعاظ بها ونقلها للآخرين، فقد حكي أن رجلاً فقيراً لم يكن يملك ما يشتري به شيئاً لأهله إلا اليسير جداً، فرأى سمكة متعفنة عند بائع لم يرغب بها أحد فاشتراها منه وسلّمها لأهله كي تعدّها للطعام، فلما شقت بطنها وجدت في بطنها لؤلؤة فرحوا بها، وذهب ليبيعها في سوق الصاغة، فقالوا له أنها ثمينة جداً ولا نستطيع تدبير ثمنها فاذهب الى الحاكم فانه يملك خزائن البلد ولعله يقدر على دفع ثمنها، فذهب الى الحاكم وعرضها عليه، فاستشار الحاكم خبراء الصنعة، فقالوا له أنها لا تقدّر بثمن، والحل أن تفتح له خزائن الملك ليأخذ منها ما يشاء، فقال الحاكم للرجل الفقير؛ هذه ثلاث خزائن وهذه مفاتيحها وأمنحك ثلاث ساعات لتأخذ من الخزائن ما تشاء وليس لك حق بعد الساعات الثلاث، ففتح الرجل الفقير الخزينة الأولى فوجد فيها ذهباً وجواهر وأشياء ثمينة، وفتح الثانية فوجد فيها أفرشة الحرير الناعمة التي تتنعم فيها بنوم مريح، ووجد في الثالثة ما لذ وطاب من الأطعمة.
ففكر ماذا يصنع، ثم قرر أن يقسّم الساعات الثلاث الى ساعة للأكل وساعة للنوم والاستراحة وساعة يجمع فيها ما يستطيع من الجواهر، فتلذذ بالأطعمة في الساعة الأولى وملأ بطنه، ثم جاء واسترخى على الفراش الوثير في الثانية فأخذه النوم حتى أيقظه الحراس في نهاية الساعة الثالثة، وقالوا له لقد انتهت المدة فاذهب، فتوسّل اليهم أن يمهلوه ولو لحظة ليأخذ جوهرة تنفعه لتحسين حاله فلم يسمحوا له بشيء فراح يعض يديه ندماً وحسرة حيث لا ينفعه الندم.
قد نسخر جميعاً من عقل هذا الرجل ونعتبره مجنوناً إذ ترك الذهب والجواهر التي كان يمكن له أن يعيش بها بأحسن حال ويشتري باليسير منها ما لذّ من الأطعمة والراحة، وانشغل بدلاً من ذلك بما لا ينفعه إلا وقتياً.
لكن يا أخوتي هذا هو حالنا في هذه الدنيا التي وصفها أمير المؤمنين بأنها جيفة تنهشها الكلاب من طلاّبها ومنحنا الله تعالى فيها لؤلؤة ثمينة هي العمر الذي نستطيع به اكتساب الجنان حيث لا عين رأت ولا أذن سمعت، لكن اغلب أهل الدنيا انشغلوا بمتاعها الزائل الذي سيفارقونه حتى إذا حلّ أجلهم وجاء ملك الموت لم يمهلهم لحظة ليكتسبوا بها حسنة تنفعهم يوم القيامة، وكان يمكنهم أن يستثمروا كل ساعة بل كل دقيقة بل كل ثانية باكتساب حسنة كتسبيحة أو استغفار، نسأل الله تعالى أن يوقظنا من نومة الغافلين ويدخلنا في الصالحين.
(([1] من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع حشد من أبناء الكاظمية المقدسة وشبابها الرسالي يوم السبت 9/ج1/1431 المصادف 24/4/2010.