سبل السلام الحلقة 38
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الزكاة
وفيه مقدمة ومقاصد.
مقدمة:
الزكاة: أحد الأركان التي بني عليها الإسلام، ووجوبها من ضروريات الدين، ومنكر وجوبها كافر لأنه يعني تكذيب الرسالة.
ومنشأ اللفظ أحد معنيين:
(الأول) الطهارة والتطهير، قال تعالى ( قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا )(الشمس:9) أي طهّرها وهذّبها من الرذائل الخلقية والانسياق وراء الأهواء والشهوات في إشارة إلى النفس. وقال تعالى (مَا زَكَا مِنكُم) (النور:21) أي ما طهر، وقال تعالى(وَمَا عَلَيْكَ أَلاّ يَزَّكَّى) ( عبس: 7) أي يتطهر من الشرك.
(الثاني) النمو والبركة.
وانطباق المعنيين على الزكاة واضح (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )(التوبة103) وقال تعالى (ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ)( البقرة:232)، لأنها ـ كما دلت الآيات والروايات ـ تنمي المال وتخلف على صاحبها وتوجب البركة فيه، قال تعالى (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)(سبأ:39) وقال تعالى (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)(البقرة:261)
وأما التطهير بها، فلأن إخراج الزكاة يكبح في النفس الطمع وحب المال ويحررّها من أسر الشهوات ويزرع فيها حب الخير ومساعدة الآخرين، ومواساة المحرومين والفقراء، والمساهمة في إنشاء مشاريع الخير ورعاية المصالح العامة، وغيرها من وجوه البر والإحسان. ولان إخراج الحقوق الشرعية من المال يجعل الباقي حلالا طيّبا طاهراً لصاحبه .
فما أعظمها من آثار مباركة تلك التي يمّن الله تبارك وتعالى بها على عباده بهذا التشريع العظيم، وهو المتفضّل المنّان حين رزقهم ما ينفقون وأبقى لهم أكثر مما يحتاجون وهداهم إلى ما يصلحهم، و جزاهم على استجابتهم ، فالحمد لله أولاً وآخراً.
والزكاة بهذا المعنى الواسع لا تختص بالمال، وإنما تتحقق هذه الآثار في كل المجالات، فزكاة العلم إنفاقه وبذله لمستحقيه من الطلبة والمتعلمين، وزكاة البدن تعرضه للصعوبات والإزعاجات ولو كانت يسيرة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ( يَوْماً لأصْحَابِهِ مَلْعُونٌ كُلُّ مَالٍ لا يُزَكَّى مَلْعُونٌ كُلُّ جَسَدٍ لا يُزَكَّى وَلَوْ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ يَوْماً مَرَّةً فَقِيلَ يَا رَسُولَ الله أَمَّا زَكَاةُ الْمَالِ فَقَدْ عَرَفْنَاهَا فَمَا زَكَاةُ الأجْسَادِ فَقَالَ لَهُمْ أَنْ تُصَابَ بآفَةٍ قَالَ فَتَغَيَّرَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْهُ فَلَمَّا رَآهُمْ قَدْ تَغَيَّرَتْ أَلْوَانُهُمْ قَالَ لَهُمْ أَتَدْرُونَ مَا عَنَيْتُ بِقَوْلِي قَالُوا لا يَا رَسُولَ الله قَالَ بَلَى الرَّجُلُ يُخْدَشُ الْخَدْشَةَ وَيُنْكَبُ النَّكْبَةَ وَيَعْثُرُ الْعَثْرَةَ وَيُمْرَضُ الْمَرْضَةَ وَيُشَاكُ الشَّوْكَةَ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا حَتَّى ذَكَرَ فِي حَدِيثِهِ اخْتِلاجَ الْعَيْنِ)([1] )
وما هدف الشرائع السماوية إلا تطهير الإنسان وتزكيته وتحريره من أسر الشهوات وأغلال العقائد الفاسدة وتوحيد العبادة لله و الواحد الأحد وتخليصه من طاعة ما سوى الله تبارك وتعالى.
ومما يشير إلى عظمة الزكاة قرنها مع الصلاة عمود الدين في الآيات المباركة.
ووردت أحاديث كثيرة في تشديد العقوبة على مانعها ففي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) أنه قال: ( ما من عبد منع من زكاة ماله شيئاً إلا جعل الله ذلك يوم القيامة ثعباناً من نار مطوّقاً في عنقه ينهش من لحمه حتى إذا يفرغ من الحساب، وهو قول الله عز وجل (سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) يعني ما بخلوا به من الزكاة)([2]) وفيه شرحنا الآثار الاقتصادية والاجتماعية والمعنوية لإنفاق في مقدمة كتاب الخمس، وقرّبنا أن الزكاة في الآيات الشريفة تشمل كل الإنفاق الواجب المعيّن شرعاً فتشمل الخمس وغيره. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
المقصد الأول
شرائط وجوب الزكاة العامة
وهي كما يلي:
الأول: البلوغ، فلا تجب الزكاة في مال الصبي، فإذا كان الشخص بالغاً وقت التعلق أو طيلة السنة تعلقت الزكاة بما له وإلا فلا.
نعم إذا أراد الولي أن يتصرف بالمال الزكوي للصغير على غير شؤونه مما يقع في حدود ولايته كاستثمار المال مثلاً بالمضاربة ونحوها، وجب إخراج زكاة هذا الجزء خاصة ويدفعها الولي من ماله لا من مال الصغير.
الثاني: العقل، فلا زكاة في مال المجنون، ونقصد بذلك إن وجوب الزكاة مشروط بأن يكون المالك عاقلا في وقت التعلق فيما لا يعتبر فيه الحول كالغلات الأربع، وطيلة السنة فيما يعتبر فيه الحول كالأنعام الثلاثة، فلو كان مجنونا في وقت التعلق أو لم يكن عاقلا طيلة السنة فلا زكاة في ماله، وإن أصبح عاقلا بعد التعلق أو بعد السنة كما أنه لو كان عاقلا وقت التعلق أو طول السنة، تعلقت الزكاة بماله البالغ حد النصاب وإن جن بعد ذلك، فالمعيار في وجوب الزكاة إنما هو بوجود العقل طيلة السنة فيما يعتبر فيه الحول ووقت التعلق فيما لا يعتبر فيه الحول.
الثالث: التمكن، بأن يكون المالك متمكنا من التصرف في النصاب متى شاء وأراد عقلا وشرعا، ويكون تحت يده وسلطانه، واءما إذا لم يكن كذلك فلا زكاة فيه، وذلك كالدين والوديعة والمال المدفون في مكان منسي والمال الغائب وغير ذلك; إذ ليس بإمكان المالك التصرف في تلك الأموال متى شاء وأراد وإن كان بإمكانه تحصيل القدرة والتمكن من التصرف فيها إلا أنه غير واجب.
الرابع: الملك، ونقصد به الملك في وقت التعلق فيما لا يعتبر فيه الحول كالغلات الأربع، وفي طول السنة فيما يعتبر فيه الحول كالأنعام الثلاثة.
(مسألة1): ظهر أن تعلق الزكاة بالمال منوط بتوفر الشروط العامة فيه منها الملك، فلذلك لا تجب الزكاة في نماء الوقف، إذا كان مجعولا على نحو المصرف لمكان عدم الملك وتجب إذا كان مجعولا على نحو الملك، من دون فرق بين أن يكون الوقف عاما أو خاصا فإذا جعل بستانه وقفا على أن يصرف نماءها على ذريته، أو على علماء البلد لم تجب الزكاة فيه، وإذا جعلها وقفا على أن يكون نماؤها ملكا للأشخاص ـ كالوقف على الذرية مثلا ـ وكانت حصة كل واحد تبلغ النصاب وجبت الزكاة على كل واحد منهم، وإذا جعلها وقفا على أن يكون نماؤها ملكا للعنوان ـ كالوقف على الفقراء أو العلماء ـ لم تجب الزكاة وإن بلغت حصة من يصل إليه النماء مقدار النصاب.
(مسألة2): إذا كانت الأعيان الزكوية مشتركة بين اثنين أو أكثر اعتبر في وجوب الزكاة على كل واحد منهم بلوغ حصته وحده النصاب، ولا يكفي في الوجوب بلوغ المجموع حد النصاب.
(مسألة3): ثبوت الخيار في البيع المشروط برد مثل الثمن غير مانع عن التمكن من التصرف في المبيع; لما مر من أن المراد منه كون المال تحت يد المالك وسلطانه فعلا بنحو له أن يتصرف فيه متى شاء وأراد، وعلى هذا فلا مانع من تعلق الزكاة به إذا كانت سائر شروطها متوفرة فيه.
(مسألة4): الإغماء والسكر حال التعلق أو في أثناء الحول لا يمنعان عن وجوب الزكاة.
(مسألة5): إذا عرض على المالك عدم التمكن من التصرف بعد تعلق الزكاة، أو بعد مضى الحول فقد استقر الوجوب، فيجب عليه الأداء، إذا تمكن منه بعد ذلك، فإن تسامح وتماهل كان مقصرا وضامنا وإلا فلا.
(مسألة6): زكاة القرض على المقترض بعد قبضه لا على المقرض، فلو اقترض نصابا من الأعيان الزكوية، وبقي عنده سنة وجبت عليه الزكاة، وإن كان قد اشترط المقترض في عقد القرض على المقرض أن يؤدي الزكاة عنه. نعم، إذا أدّى المقرض عنه صح مع تحقق النية من المقترض بأي نحو كان كالإذن في ذلك أو الرضا به ونحوها، وسقطت الزكاة عن المقترض ويصح مع عدم الشرط أن يتبرع المقرض عنه بأداء الزكاة كما يصح تبرع الأجنبي.
(مسألة7 ): إذا علم البلوغ والتعلق ولم يعلم السابق منهما لم تجب الزكاة، سواء علم تاريخ التعلق وجهل تاريخ البلوغ أم علم تاريخ البلوغ وجهل تاريخ التعلق أم جهل التاريخان معا، وكذا الحكم في المجنون إذا كان جنونه سابقا وطرأ العقل، أما إذا كان عقله سابقا وطرأ الجنون وجبت الزكاة، فيما إذا كان تاريخ التعلق معلوما وتاريخ الجنون مجهولا، وأما إذا كان العكس أو كان تاريخ كليهما مجهولا فلا تجب الزكاة.
(مسألة8 ): إذا ملك تمام النصاب مما تجب فيه الزكاة وكان بقدر الاستطاعة للحج بحيث إذا أخرج الزكاة يفقد الاستطاعة، فإن كان تعلقها قبل حصول الاستطاعة وجب ولم يجب الحج، وإن كان بعده وجب الحج، ويجب عليه ـ حينئذٍ ـ حفظ الاستطاعة مهما أمكن، ولو بتبديل المال بغيره لكي لا يتحقق دوران الحول على العين الزكوية وينتفي وجوب الزكاة، وإن لم يحفظ الاستطاعة ومضى عليه الحول وجبت الزكاة أيضا، وعندئذٍ فإن كان متسامحا ومقصرا في ذلك استقر وجوب الحج عليه وإلاّ فلا.
المقصد الثاني
ما تجب فيه الزكاة
تجب الزكاة في الأنعام الثلاثة: الإبل والبقر والغنم، والغلات الأربع:
الحنطة والشعير والتمر والزبيب، وفي النقدين: الذهب والفضة، واكتفى بهذا المشهور، لكن الأحوط إخراجها من سائر الحبوب التي تكال وتوزن إذا دار عليها الحول، كما تجب الزكاة في الاعيان والبضائع التجارية التي يدّخرها صاحبها طلباً لزيادة الربح حولاً، أما لو لم يبعها لعدم دفع سعر مساوٍ لرأس المال أو انه داورها خلال السنة فلا زكاة عليها، كما أنها تستحب في أموال التجارة وفي الخيل الإناث دون الذكور ودون البغال والحمير ولا تستحب في الخضروات مثل البقل والقثاء والبطيخ والخيار ونحوها ولا في الأملاك والعقارات التي يراد منها الانتفاع كالبستان والخان والدكان وغيرها. والكلام فيما تجب فيه الزكاة يقع في مباحث:
المبحث الأول
الأنعام الثلاثة
وشروط وجوب الزكاة فيها وهي كما يلي:
الشرط الأول: النصاب:
في الإبل اثنا عشر نصابا:
الأول: خمس إبل، وفيها شاة.
الثاني: العشر وفيها شاتان.
الثالث: خمس عشرة وفيها ثلاث شياه.
الرابع: العشرون وفيها أربع شياه.
الخامس: خمس وعشرون وفيها خمس شياه.
السادس: ست وعشرون فيها بنت مخاض، وهي الداخلة في السنة الثانية.
السابع: ست وثلاثون وفيها بنت لبون، وهي الداخلة في السنة الثالثة.
الثامن: ست وأربعون وفيها حقة، وهي الداخلة في السنة الرابعة.
التاسع: إحدى وستون وفيها جذعة، وهي الداخلة في السنة الخامسة.
العاشر: ست وسبعون وفيها بنتا لبون.
الحادي عشر: إحدى وتسعون وفيها حقتان.
الثاني عشر: مائة وإحدى وعشرون وفيها في كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون، فإن كان العدد مطابقا للأربعين بحيث إذا حسب بالأربعين لم تكن زيادة ولا نقيصة على الأربعين كالمائة والستين حسب على الأربعين، وإذا كان مطابقا للخمسين، بالمعنى المتقدم، عمل على خمسين، كالمائة والخمسين، وإن كان مطابقا لكل منهما ـ كالمأتين ـ تخير المالك بين العد بالأربعين والخمسين وإن لم يكن مطابقا لكل من النصابين كالمائتين وعشرة ولكن كان مطابقا لهما بنحو التوزيع عمل بهما كذلك فيحسب خمسين وأربع أربعينات، وعلى هذا لا عفو إلا فيما دون العشرة، وإذا لم يكن كلا النصابين عادا للجميع ولا كليهما معا، فيجب الأخذ بأكثرهما استيعاباً وأقلهما عفواً.
(مسألة9): إذا لم يكن عنده بنت مخاض أجزاء عنها ابن لبون، وإذا لم يكن عنده ابن لبون أيضا تخير في شراء أيهما شاء.
(مسألة10): في البقر نصابان:
الأول: ثلاثون وفيها تبيع، ولا تجزي التبيعة على الأظهر وهو ما دخل في السنة الثانية.
الثاني: أربعون وفيها مسنة وهي التي دخلت في السنة الثالثة، وفيما زاد على هذا الحساب يتعين العد بالنصاب الذي يطابق العدد ولا عفو فيه فإن كان العدد ستين عد بالثلاثين، وإن كان ثمانين عد بالأربعين، وإن كان سبعين عد بهما معا، وان كان مائة وعشرين تخير من العد بالثلاثين والعد بالأربعين، وإذا كان أحدهما أكثر عادا واستيعابا من الآخر تعين الأخذ به دون الآخر، ثم، إن كل عدد لا يكون احد النصابين أو كلاهما عادا له فهو عفو، وكذا ما دون الثلاثين.
(مسألة11): في الغنم خمسة نصب:
الأول: الأربعون، وفيها شاة.
الثاني: مائة وإحدى وعشرون، وفيها شاتان.
الثالث: مائتان وواحدة، وفيها ثلاث شياه.
الرابع: ثلاثمائة وواحدة، وفيها أربع شياه.
الخامس: أربعمائة فما زاد، ففي كل مائة شاة بالغا ما بلغ، ولا شيء فيما نقص عن النصاب الأول ولا فيما بين كل نصابين.
(مسألة12): الجاموس والبقر جنس واحد، ولا فرق في الإبل بين العراب والبخاتي، ولا في الغنم بين المعز والضأن، ولا بين الذكر والأنثى في الجميع.
([1] ) أصول الكافي المجلد 2 باب شدة ابتلاء المؤمن.
[2]) ) وسائل الشيعة ، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة،باب 3 ج3.