مسؤولية الأمة عن رعاية الإبداع
بسم الله الرحمن الرحيم
مسؤولية الأمة عن رعاية الإبداع([1])
إنها ساعة أعتز بها في حياتي حظيت من خلالها بالاستماع إلى هذه الأصوات المبدعة من مجمع القرآن الكريم وهي تترنّم بكلمات الله تبارك وتعالى.
إن مسؤوليتنا أمام ها المشروع المبارك عظيمة بأن نعمل على إدامته وإنجاح عمله وتوسعة نشاطه ليكون نبراساً لأمثاله في كل أصقاع الأرض، وأن نرعى هذا الإبداع ونحتضنه ونكرمه ونشجّعه، ليس لأن الحافز عندهم ناقص ونريد أن نكمله بالتشجيع والتكريم فإن المخلص لله تبارك وتعالى لا يحتاج إلى محرّك آخر، ولكن لأن النجاح كما يعتمد على مقوّمات ذاتية ترتبط بالشخص أو الجهة العاملة، فإنه يحتاج إلى ظروف موضوعية تيسّر له أسبابه ومقدماته ومقومّاته.
مما يُؤسف له أن امتنا لا ترعى الإبداع، وأن المبدعين ضائعون بين ظهرانيها فيهاجرون أو يتخلون عن المجالات التي يبدعون فيها، وربما تتذكرهم بعد وفاتهم فتقيم لهم مجالس التأبين وتعدّد فضائلهم وآثارهم وإسهاماتهم، وفي هذا بعض وفاءٍ لهم لكنه غير كافٍ لتشجيعهم وتفجير طاقات غيرهم، قال الشاعر:
لا ألفينّك بعد الموت تندُبني وفي حياتي ما زودّتني زادي
كان المرحوم الشيخ عبد المحسن الكاظمي شاعراً مبدعاً أهمله مجتمعه فاضطر للهجرة إلى مصر حتى توفي سنة 1935 فأقيمت له مجالس التأبين في بغداد واشترك في أحدها جدي الشيخ محمد علي اليعقوبي والشاعران معروف الرصافي وجميل صدقي الزهاوي وأنشدوا قصائدهم وقد اتّفقوا على معنى واحد من باب (توارد الخواطر) من دون اتفاق مسبق، وهو المعنى التالي الذي تضمنته قصيدة جدي اليعقوبي (ره):ـ
ومن عجبٍ بكتك وأنت ميتٌ بلاد ضيّعتك وأنت حيُّ([2] )
وموت الابداع يعني موت الأمة، فإذا أرادت الأمة أن تكون حيّة فعليها رعاية المبدعين وأن تكرِّمهم في حياتهم وتوفر كل الإمكانيات التي تكشف عن هذه الكنوز وتستثير ما فيها خصوصاً إذا تعلق الأمر بالقرآن الكريم الذي لا تصلح الأمة إلا به كما صلح سلفها والذي يقول فيه أمير المؤمنين باب مدينة العلم: إن كل ما عندي هو من القرآن.
([1] ) من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي في المحفل القرآني الذي أقامه مجمع القرآن الكريم في البصرة في مكتبه العامر يوم 7/ذي الحجة/1429 وشارك فيه عدد من الأوائل في المسابقات الدولية لتلاوة القرآن الكريم.
([2] ) ديوان اليعقوبي،ج1: 240 ـ 242 ويقول فيها:
أساءت نحو(( محسنها)) صنيعاً فجاء اليوم يعتذر المســـيُّ
أبعد الموت بالتأبين يُرعــــــــى لديها قدرُك السامي العلــيُّ
بلادٌ خطكّ أهل الفضل فيـــــ ـها أماني روض مرعاها وبيُّ