الدعاء أفضل العبادة وسلاح المؤمن

| |عدد القراءات : 6703
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

الخطبة الاولى

بسم الله الرحمن الرحيم

الدعاء أفضل العبادة وسلاح المؤمن(*)

          الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا أبي القاسم محمد وآله الطاهرين.

الأعمال بآثارها وخواتيمها:

          روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (من أحبَّ أن يعلم قُبلت صلاته أم لم تقبل، فلينظر هل منعته صلاته عن الفحشاء والمنكر؟ فبقدر ما منعته قُبلت صلاته)([1]).

          والإمام (عليه السلام) ناظر إلى قوله الله تبارك وتعالى: [أُتلُ مَا أُوحِيَ إِلَيكَ مِن الكِتَابِ وَأَقِم الصَلاةَ إنَّ الصَلاةَ تَنهَى عَن الفَحشَاءِ وَالمُنكَرِ وَلَذِكرُ اللهِ أكبَرُ وَاللهُ يَعلَمُ مَا تَصنَعُون] (العنكبوت: 45).

          وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعداً).

          وروي أن فتىً من الأنصار كان يصلي الصلوات مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويرتكب الفواحش فوُصِف ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: (إن صلاته تنهاه يوماً ما).

          فقيمة العمل تقاس بما يحقق من الغرض الذي جُعل من أجله، وبمقدار ما يحسن من العمل ويرتب عليه الآثار المرجوّة تزداد قيمة العمل وتزداد تبعاً له قيمة الإنسان العامل نفسه وإلا فلا قيمة للعمل، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (قيمة كل امرئٍ ما يحسنه).

تحصيل التقوى هو الغرض من التشريع:

          والمتتبع لأغراض الشارع المقدس من جعل الأعمال والتكاليف يجد أن الهدف هو تحصيل ملكة التقوى وذكر الله تبارك وتعالى ومراقبته في السر والعلن، كما تقدم في أثر الصلاة على سلوك الإنسان، وقال الله تبارك وتعالى في الصوم: [يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلى الذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ] وقال عز من قائل في الهدي الذي يتقرب به الحاج: [لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُها وَلَكِن يَنَالُه التَقوَى مِنكُم] وقال تعالى في عموم الشعائر من حج وغيره: [ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّم شَعَائِرَ اللهِ فإنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ] حتى في المعاملات فإن الله تبارك وتعالى يذكّر عباده بالتقوى ففي سورة الطلاق المؤلفة من اثنتي عشرة آية وردت مفردة التقوى خمس مرات.

          وهذا التركيز على التقوى لأنها خير وسيلة لتحصيل الكمال والفوز والفلاح قال تعالى: [وَتَزَوَّدُوا فَإنَّ خَيرَ الزَادِ التَقوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الألبَابِ] وقال تعالى: [إنَّ اللهَ مَعَ الذِينَ اتّقَوا وَالذينَ هُم مُحسِنُونَ] وإذا كانت الأمور والأعمال بخواتيمها فإن الله تبارك وتعالى يقول: [وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ].

يوم عرفة يوم التوبة:

          وبالأمس كان يوم عرفة وهو يوم دعاء وتوبة واستغفار فإذا أردنا أن نعرف أننا ممن قبلهم الله تبارك وتعالى في ذلك اليوم واستجاب لهم وجعلهم من أهل طاعته فلا بد أن تنعكس آثار هذا اليوم على سلوكنا وتصرفاتنا بالندم عما تقدم منا مما لا يليق بوظائف العبودية لله تبارك وتعالى وعقد العزم على أن لا نعود لأمثالها وأن نبذل الوسع لرد المظالم إلى أهلها والاستحلال منهم والبدء بصفحة جديدة بفضل الله تبارك وتعالى.

          ومن وسائل تحصيل التقوى بل تحقيق كل أمنية وطلب: الدعاء قال تعالى: [ادْعُونِي أستَجِبْ لَكُم] وقال تعالى: [وإذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعوَةَ الدَاعِ إذَا دَعَانِ فَليَستَجِيبُوا لِي وَليُؤمِنُوا بِي لَعَلَّهُم يَرشُدُونَ] (البقرة: 186).

          ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: [مَا يَفتَحِ اللهُ للنَاسِ مِنْ رَحمَةٍ فَلا مُمسِك لَهَا] قال (عليه السلام): (الدعاء)([2]).

الدعاء أيسر الوسائل إلى أعظم الخزائن:

أيها الأحبة..

          هذه حقيقة نغفل عنها وهي امتلاكنا لهذه الوسيلة التي تفتح خزائن رحمة الله تبارك وتعالى التي وسعت كل شيء من خلال الدعاء، تصوروا لو أن لأحدكم وسيلة إلى مسؤول كبير وشخصية ذات نفوذ وقوة فإنه سيكون حريصاً على إبقاء تلك الوسيلة والاستفادة منها، وها نحن نمتلك أيسر الوسائل إلى أعظم الخزائن وهو الدعاء، ولا نستثمره، يقول الإمام السجاد (عليه السلام): (ولو دلّ مخلوق مخلوقاً من نفسه على مثل الذي دللت عليه عبادك منك، كان موصوفاً بالإحسان ومنعوتاً بالامتثال ومحموداً بكل لسان، فلك الحمد ما وُجِد في حمدك مذهب، وما بقي للحمد لفظ تُحمد به، ومعنى ينصرف إليه)([3])، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (فأكثر من الدعاء فإنه مفتاح كل رحمة ونجاح كل حاجة ولا ينال ما عند الله إلا بالدعاء، فإنه ليس من باب يكثر قرعه إلا أوشك أن يُفتح لصاحبه).

          وللدعاء أهمية كبرى في كتاب الله تبارك وتعالى والأحاديث الشريفة عن أهل بيت العصمة (صلوات الله وسلامه عليهم) ففي خبر صحيح عن الإمام الباقر (عليه السلام) في تفسير قول الله تبارك وتعالى: [إَنَّ الذِينَ يَستَكبِرُونَ عَن عِبَادَتِي سَيَدخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ] (غافر: 60) قال (عليه السلام): (هو الدعاء وأفضل العبادة الدعاء) ويشهد لذلك صدر الآية [ادْعُونِي أَستَجِبْ لَكُم]، وفي تفسير قوله تعالى: [إنَّ إِبرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ] (التوبة: 144) قال (عليه السلام): (الأواه هو الدَعّاء) وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (وكان أمير المؤمنين رجلاَ دَعّاءً).

          وقال تعالى: [قُلْ مَا يَعبَؤ بِكُم رَبّي لَولا دُعاؤُكُم فَقَد كّذّبتُم فَسَوفَ يَكونُ لِزَاماً] (الفرقان: 77) وقال تعالى: [وَاسأَلُوا اللهَ مِن فَضلِهِ، إنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شيءٍ عَلِيماً] (النساء: 32).

الدعاء لكل حاجة:

          والدعاء لكل حاجة مهما صغرت ونحن في كل نفس وكل طرفة عين محتاجون إلى الله تبارك وتعالى الغني فلا نتوقف عن اللجوء إلى الله تبارك وتعالى في كل شيء حتى إذا كان تافهاً بنظرك أو أن الحصول عليه سهل يسير فقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (سلوا الله عز وجل ما بدا لكم من حوائجكم حتى شسع النعل فإنه إن لم ييسره لم يتيسر) وقال: (ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى يسأله شسع نعله إذا انقطع) وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (ألا أدلّكم على سلاح ينجيكم من عدوكم ويدرّ أرزاقكم؟ قالوا: نعم، قال: تدعون بالليل والنهار فإن سلاح المؤمن الدعاء) وروي أن الإمام الكاظم سئل عما قيل: لكل داء دواء فقال (عليه السلام): (لكل داء دعاء فإذا أُلهم العليل الدعاء فقد أُذن في شفائه)، وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (عليكم بالدعاء فإنكم لا تتقربون بمثله ولا تتركوا صغيرة لصغرها أن تسألوها فإن صاحب الصغائر هو صاحب الكبائر).

الدعاء في كل زمان:

          والدعاء في كل زمان حتى زمان اليسر والرخاء ويشتد في زمان العسر والضيق والبلاء، يروي أحد أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام) الثقات في شدة المحنة التي فرضها المنصور العباسي بعد استشهاد الإمام الصادق (عليه السلام) وسيفه يقطر دماً من شيعة أهل البيت يقول: (دخلت على أبي الحسن موسى (عليه السلام) بالمدينة وكان معي شيء فأوصلته إليه فقال: أبلغ أصحابك وقل لهم: اتقوا الله عز وجل فإنكم في إمارة جبار -يعني أبا الدوانيق- فأمسكوا ألسنتكم وتوقّوا على أنفسكم وادفعوا ما تحذرون علينا وعليكم منه بالدعاء، فإن الدعاء –والله- والطلب إلى الله يرد البلاء وقد قدّر وقضي ولم يبق إلا إمضاؤه فإذا دعي الله وسئل: صُرف البلاء صرفاً، فألحوا في الدعاء أن يكفيكموه الله، قال أبو ولاّد: فلما بلّغت أصحابي مقالة أبي الحسن (عليه السلام) قال: ففعلوا ودعوا عليه وكان ذلك في السنة التي خرج فيها أبو الدوانيق إلى مكة فمات عند بئر ميمون قبل أن يقضي نسكه فأراحنا الله منه، قال الراوي: وكنت تلك السنة حاجاً فدخلت على أبي الحسن (عليه السلام) فقال: يا أبا ولاد كيف رأيتم نجاح ما أمرتكم به وحثثتكم عليه من الدعاء على أبي الدوانيق، يا أبا ولاد: ما من بلاء ينزل على عبد مؤمن فيلهمه الله الدعاء إلا كان كشف ذلك البلاء وشيكاً، وما من بلاء ينزل على عبد مؤمن فيمسك عن الدعاء إلا كان ذلك البلاء طويلاً فإذا نزل البلاء فعليكم بالدعاء).

          وقد ورد عن الإمام الهادي في حق دعاء (يا من تُحَلُّ به عُقَدُ المكاره) وهو من أدعية الصحيفة السجادية: (إن آل محمد صلى الله عليهم أجمعين يدعون بهذه الكلمات عند إشراف البلاء وظهور الأعداء وخوف الفقر وضيق الصدر وغيرها).

 

 

الدعاء يمنع اليأس والإحباط:

          ولمنع الإنسان من الوقوع في حالة اليأس والإحباط والقنوط والاستسلام لما يصيبه فقد نبّه الأئمة سلام الله عليهم إلى أن الدعاء يبقى مؤثراً وكفيلاً بتغيير الحال حتى لو أحكم القضاء والقدر ومهما كان التغيير عسيراً قال الإمام الصادق (عليه السلام): (ادعُ ولا تقل: إن الأمر فُرغ منه، إن عند الله منزلة لا تنال إلا بمسألة، ولو أن عبداً سدّ فاه ولم يسأل لم يعطَ شيئاً فسل تعطَ) وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (الدعاء يرد القضاء بعدما أُبرم إبراماً).

          وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): (ما زالت نعمة عن قوم ولا نضارة عيش إلا بذنوب اجترحوها، إن الله ليس بظلاّم للعبيد، ولو أنهم استقبلوا ذلك بالدعاء والإنابة لم تنزل، ولو أنهم إذا نزلت بهم النقم وزالت عنهم النعم فزعوا إلى الله بصدق من نيّاتهم ولم يهنوا ولم يسرفوا: لأصلح الله لهم كل فاسد ولرد عليهم كل صالح).

ظروف استجابة الدعاء:

          ولا شك أن ليس كل لقلقة لسان هو دعاء بل لا بد من توفّر ظروف لاستجابة الدعاء، روي أن رجلاً من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) (قال: إني لأجد آيتين في كتاب الله أطلبهما فلا أجدهما، قال (عليه السلام): وما هما؟ قال الرجل: [ادْعُونِيْ أَسْتَجِبْ لَكُمْ] فندعوه فلا نرى إجابة، قال: أفتَرى الله أخلف وعده؟ قلت: لا، قال (عليه السلام): فمه؟ قلت: لا أدري، قال (عليه السلام): لكني أخبرك: من أطاع الله فيما أمر به ثم دعاه من جهة الدعاء أجابه، قال الرجل: وما جهة الدعاء؟ قال (عليه السلام): تبدأ فتحمد الله وتمجّده وتذكر نعمه عليك فتشكره ثم تصلّي على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم تذكر ذنوبك فتقرّ بها ثم تستغفر منها فهذه جهة الدعاء، ثم قال (عليه السلام): وما الآية الأخرى؟ قلت: قوله: [وَمَا أَنفَقتُم مِن شَيءٍ فهُوَ يُخلِفُهُ] وأراني أنفق ولا أرى خلفاً، قال (عليه السلام): أفتَرى الله أخلف وعده؟ قلت: لا، قال: فمه؟ قلت: لا أدري، قال: لو أن أحدكم اكتسب المال من حله وأنفقه في حقه لم ينفق درهما إلا أخلف الله عليه).

          وهنا نصحح فكرة وهي أننا حينما نقول: إن لاستجابة الدعاء ظروفاً فهذا لا يعني تضييقاً في كرم الله تبارك وتعالى وأنه سبحانه يشترط شيئاً لعطائه فإن نعمه تفضلٌ ويبتدئ بها من لا يستحق كما ورد في أدعية شهر رجب (يا من يعطي لم يسأله ومن لم يعرفه تحنناً منه ورحمة)، والإنسان الكريم لا يشترط ثمناً لعطائه فكيف يشترطها الكريم الحقيقي، يقول الإمام الحسين (عليه السلام) في دعاء يوم عرفة: (إلهي تقدس رضاك أن يكون له علّة منك، فكيف يكون له علة مني) وهكذا كل صفاته عز شأنه ومنها الكرم تقدست أن يكون لها علة منه تبارك وتعالى لأنها ذاتية فكيف يكون لكرمه سبب من خلقه. وإنما أراد الأئمة (عليهم السلام) بذكر تلك الظروف تربية الإنسان وتكامله ليسعد وليكون لائقاً بمقام العبودية لله تبارك وتعالى ومحلاً قابلاً لنزول الفيوضات الإلهية، هذا المقام الذي يفخر به أمير المؤمنين (عليه السلام) حين يقول: (إلهي كفى بي فخراً أن تكون لي ربّاً، وكفى بي عزّاً أن أكون لك عبداً، إلهي أنت كما أحب فاجعلني كما تحب).

          ويمكن من خلال الأحاديث الشريفة الحصول على ظروف الاستجابة،

(فمنها) زمانية: كليلة الجمعة ويومها وما بين الطلوعين وعند الزوال وأيام الأعياد كهذا اليوم وغيرها من المذكورات في كتب السنن والمستحبات.

(ومنها) مكانية: كالروضات الشريفة للمعصومين (سلام الله عليهم) والمساجد خصوصاً الأربعة المعظمة وعند قبر الوالدين ونحوها.

(ومنها) حالية: كحال نزول المطر وإذا كان الدعاء جماعياً وإذا كان يدعو لغيره.

(ومنها) ذاتية مرتبطة بنفس الشخص: ككونه متطهراً وفي حالة السجود وبعد الصلاة خصوصاً الفريضة فإن للمؤمن دعوة مستجابة إثر كل صلاة مفروضة([4]) وأن يسبق الدعاء بالحمد والثناء على الله تبارك وتعالى والصلاة على النبي وآله (صلوات الله عليهم أجمعين) وأن يعترف بذنبه ويستغفر وأن يكون متوجهاً لما يقول وليس ساهياً([5]) غافلاً ويلحّ في الدعاء ولا يمل من تكراره وأن يكون بحال الاضطرار ومن تقطعت به الأسباب واثقاً بالإجابة وإن تأخرت فلعل تأخيرها خير له([6]) وأن يدعو لإخوانه المؤمنين أولاً بالمغفرة والرحمة وقضاء الحوائج([7]) وأن يطلب من الغير أن يدعو له([8]) خصوصاً الإمام العادل والوالدين([9]).

          إن من مفاخر شيعة أهل البيت (سلام الله عليهم) هذا العطاء المبارك الوفير من الأدعية التي صدرت عن أهل بيت العصمة وغطّت كل حاجات الإنسان، ولولا أنهم سلام اللأأيبيبأ

أنهم (سلام الله عليهم) علّمونا كيف ندعو الله تبارك وتعالى وأدب الوقوف بين يديه لما علمنا كيف نناجي ربنا، وماذا تقتضي وظائف العبودية لله العظيم سبحانه.

          لقد تضمنت تلك الأدعية أرقى معاني المعرفة بالله تبارك وتعالى وأسمى الأخلاق الكريمة وأفضل العلاقات الإنسانية وأعمق العلوم مما لا يمكن صدوره عن غيرهم (سلام الله عليهم) وليتأمل من يطلب الشواهد على ذلك في الأدعية الواردة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين والإمام الحسين والإمام السجاد (سلام الله عليهم أجمعين) ومنها الأدعية التي ورد الحث على المواظبة عليها كدعاء كميل ودعاء الصباح والمناجاة الشعبانية ودعاء الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عرفة.

فوائد الدعاء:

          إن الأدعية المأثورة لا تتلى فقط لأنها عبادة بل أفضل العبادة كما ذكرنا ولا طلباً للثواب المرصود لها وإن كان عظيماً وإنما للتزود مما فيها من علوم ومعارف، وللتعرض للنفحات والألطاف الإلهية المودعة فيها فيطلب من الله تبارك وتعالى أن يحققها له ويتحفه بها، ولمعرفة الحلول لكل المشاكل والعقد النفسية والاجتماعية والفكرية والعقائدية والأخلاقية، بل حتى السياسية والاقتصادية.

          وخلاصة ما تقدم أن نكثر من الدعاء في كل صغيرة وكبيرة وأن نحرص على توفير ظروف استجابته وهي يسيرة ومتوفرة وأيسرها أن لا ننفتل من صلاتنا المفروضة حتى نسبّح تسبيح الزهراء (عليها السلام) ونسجد شكراً لله تعالى ثم نقول: (يا أرحم الراحمين) سبعاً ونصلّي على النبي وآله أجمعين ثم نستغفر الله تعالى مما صدر منا ونطلب العصمة منه تبارك وتعالى لما يأتي وندعو لإخواننا المؤمنين والمؤمنات بحوائجهم العامة والخاصة ثم ندعو لأنفسنا.

          والأفضل أن نضم إليه مجالس الدعاء الجماعي في المساجد وعقيب صلاة الجماعة وغيرها وبذلك تحققون أكثر ظروف الاستجابة المذكورة.

          اللهم صلِ على محمد وآل محمد (صلاة لا يقوى على إحصائها إلا أنت، وأن تشركنا في صالح من دعاك في هذا اليوم من عبادك المؤمنين يا ربَّ العالمين، وأن تغفر لنا ولهم إنك على كل شيء قدير، اللهم إليك تعمدّت بحاجتي، وبك أنزلت اليوم فقري وفاقتي ومسكنتي، وإني بمغفرتك ورحمتك أوثق مني بعملي، ولَمغفرتك ورحمتك أوسع من ذنوبي، فصلّ على محمد وآل محمد وتولَّ قضاء كل حاجة هي لي بقدرتك عليها، وتيسير ذاك عليك ، وبفقري إليك، وغناك عني، فإني لم أُصِب خيراً قطّ إلا منك، ولم يَصرف عني سوءاً قط أحدٌ غيرك، ولا أرجو لأمر آخرتي ودنياي سواك)([10]).

          وأفضل الدعاء وأكمله لسيدنا ومولانا صاحب العصر والزمان (أرواحنا له الفداء) أن يجمع الله تبارك وتعالى له الخير كله.



(*) الخطبة الأولى لصلاة عيد الأضحى المبارك للعام 1429 المصادف 9/12/2008.

([1])  هذا الحديث والذي يليه من البحث الروائي الملحق بتفسير الآية (45) من سورة العنكبوت في كتاب الميزان في تفسير القرآن.

([2]) الروايات الواردة في الخطبة موجودة في كتاب بحار الأنوار، المجلد التاسع عشر، عن مصادرها الأصلية، وأصول الكافي.

([3]) الصحيفة السجادية، من دعائه (عليه السلام) في وداع شهر رمضان

([4])  عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (من أدّى فريضة فله عند الله دعوة مستجابة).

([5])  عن الإمام الصادق (عليه السلام): (إن الله لا يستجيب دعاء بظهر قلب ساهٍ، فإذا دعوت فأقبل بقلبك ثم استيقن الإجابة).

([6])  في صحيحة البزنطي عن الإمام الرضا (عليه السلام): (والله لَمَا أخَّرَ اللهُ عن المؤمنين مما يطلبون في هذه الدنيا خير لهم مما عجل لهم منها) ثم قال (عليه السلام) له: (أخبرني عنك لو أني قلت قولاً كنت تثق به مني؟ قلت له: جعلت فداك: وإذا لم اثق بقولك فبمن أثق وأنت حجة الله تبارك وتعالى على خلقه، قال: فكن بالله أوثق فإنك على موعد من الله، أليس الله تبارك وتعالى: [وَإذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعوَةَ الدَاعِ إذا دعَانِ] وقال: [وَلا تَقنَطُوا مِن رَحمَةِ اللهِ] وقال: [وَاللهُ يَعِدُكُم مَغفِرَةً مِنهُ وفَضلاً] فكن بالله عز وجل أوثق منك بغيره، ولا تجعلوا في أنفسكم إلا خيراً فإنكم مغفورٌ لكم.

([7])  عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (إذا دعى أحد فليعم فإنه أوجب للدعاء ومن قدم أربعين رجلاً من إخوانه قبل أن يدعو لنفسه استجيب له فيهم وفي نفسه) وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): (ما من مؤمن أو مؤمنة مضى من أول الدهر أو هو آتٍ إلى يوم القيامة إلا وهم شفعاء لمن يقول في دعائه: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات وإن العبد ليؤمر به إلى النار يوم القيامة فيسحب، فيقول المؤمنون والمؤمنات: هذا الذي كان يدعو لنا فشفّعنا فيه فيشفعهم الله فينجو).

([8])  روي أن الله سبحانه أوحى إلى موسى (عليه السلام): (يا موسى ادعني على لسان لم تعصني به، فقال: أنى لي بذلك؟ فقال: ادعني على لسان غيرك)، وبذل الإمام الهادي (عليه السلام) مالاً لأحد أصحابه كي يذهب إلى كربلاء ويزور جده الحسين (عليه السلام) ويدعو له.

([9])  عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (أربع لا ترد لهم دعوة: الإمام العادل لرعيته، والأخ لأخيه بظهر الغيب يوكل الله به ملكاً يقول له ولك مثل ما دعوت لأخيك، والوالد لولده، والمظلوم يقول الرب عز وجل: وعزّتي وجلالي لأنتقمن لك ولو بعد حين).

([10])  الصحيفة السجادية، من دعاء الإمام السجاد (عليه السلام) في يوم الأضحى.