الشهيد الصدر الثاني (قده) وإعداد البديل

| |عدد القراءات : 2891
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

الشهيد الصدر الثاني (قده) وإعداد البديل([1])

 

إن التعبيرعن المشاعر وردود الافعال إزاء مثل هذه  المناسبات الحزينة المؤلمة مختلفة بحسب مستويات الناس، فأنتم  الفضلاء والأساتذة وطلبة البحث الخارج يكون تعبيركم المناسب هو ما نفهمه من ذيل الحديث الشريف ( إذا مات العالم ثُلم في الإسلام ثُلمة لا يسدّها شيء إلا عالمٌ مثله) بوجوب مضاعفة الجهد وبذل الوسع لتحصيل ملكة الاجتهاد حتى نسدَّ هذه الثُلمة.

وهذا ما يقتضيه منهج أهل البيت (سلام الله عليهم أجمعين ) فإنهم أرجعوا الأمة في زمان غيبة الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) إلى المجتهد الجامع للشرائط ليقوم ببعض وظائف ومسؤوليات الإمام وهي تلك التي لا يستطيع القيام بها لأنها تتنافى مع المصلحة في غيبته أما وظائفه( سلام الله عليه ) الأخرى فهو قائم بها وعلى رأسها لطف وجوده المبارك.

إن اللطف الإلهي اقتضى أن لا تخلوا الأرض من حُجة وإلا لساخت الأرض بأهلها كما ورد في الأحاديث الشريفة والمصداق الأكمل للحجة موجود (عجل الله تعالى فرجه) حتى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ويقيم دولته المباركة، لكن الأمة بحاجة إلى نوع آخر من الحجة يكون نائباً للمعصوم (سلام الله عليه) ويقوم بتصريف الشؤون  التي لا يستطيع مباشرتها بنفسه وبدونه تضّل الأمة عن الصراط المستقيم ، لذا ورد في الدعاء ( اللهم عرّفني نفسك فإنك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف نبيَّك، اللهم عرّفني رسولك فإنك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجتك ، اللهم عرّفني حجتك فإنك إن لم تعرّفني حجتك ضللتُ عن ديني ).

فمن مسؤولية الحوزة العلمية وخصوصاً المرجعية أن لا تُخلي الأرض من حجة بهذا المعنى الثاني بلطف الله تبارك وتعالى.

نعم هذا الوجوب كفائي وإذا تصدى أحد للمسؤولية فإنه يسقط عن الآخرين ويمكن أن يكتفي به غيره، لكن علينا الاستعداد المبكر لمثل هذا اليوم لأن شروط المرجعية لا تتوفر إلا بعد جهد وجهاد طويلين قد يستمران عقوداً ولا تُعذر الحوزة العلمية أمام الله تبارك وتعالى إذا قصّرت في إعداد البديل، لقد كان السيد الشهيد الصدر الثاني (قده) منصفاً في الإشادة بكل نبوغ علمي واجتهاد ويرى من مسؤولياته الإشارة إليه، ويشجّع السائرين الذين يؤمَّل لهم الوصول، كنتُ أناقشه باستمرار بعد انتهاء محاضرات البحث الخارج في الأصول وفي أحد الدروس سنة 1417هـجرية عرض رأياً للسيد الشهيد الصدر الأول (قده) وناقشته (حيث كان يرّكز في بحثه على مناقشة آراء أستاذيه السيدين الصدر والخوئي (قدس الله سرهما ) فقلت له بعد الدرس إن هذه المناقشة ليست  تامة لكذا وكذا والصحيح أن يُردَّ على كلام الشهيد الصدر (قده) بكذا وكذا فنظر إلي مبتسماً وعليه علامات الفخر بتلميذه ( إن هذه المناقشات تفرحني لأنها تقربك من الاجتهاد ) هذا غير الكلمات التي نشرت بقلمه وبصورته (قدس الله نفسه).

وسأكون إن شاء الله تعالى منصفاً كأستاذي وكما أمر الله تبارك وتعالى فأشيد بكل نبوغ واجتهاد وأشير إليه تحملاً لهذه الأمانة لأن حبس الاعتراف باستحقاق الآخرين ظلم لهم والله لا يحب الظالمين فاغتنموا فرصة وجود المنصفين لأن العقود الأخيرة شهدت ـ بكل أسف ـ حبس هذا الحق لذا لم تصدر شهادة  اجتهاد واحدة في الحوزة النجفية منذ أكثر من ثلاثين عاماً، فهل هذا يعني إفلاس هذه الحوزة وعجزها عن أداء دورها فليعلنوا ذلك بشجاعة وموضوعية ؟ أم أن وراء الأكمة ما وراءها ، إذ أن الحوزة النجفية منجبة بفضل الله تبارك وتعالى وفيها عدد يُفتخر به من الطاقات الواعدة.

إن من المفارقات المؤلمة أن  نجد أساتذة الجامعات من الأكاديميين لا يبخلون على طلابهم بالاعتراف بنيل الشهادات العليا بعد الإشراف عليهم ومناقشة رسائلهم فيمنحونهم ما يستحقون وبتقديرٍ عال ٍ رغم أن ذلك يعني منافسة هؤلاء الأساتذة الجدد لهم في مواقعهم التدريسية والوظيفية ولم يمنعهم ذلك من الشهادة بإنصاف لهم ، مع أنهم في الغالب علمانيون، فهل هؤلاء أنبل وأكثر إنصافا من مما يجري في أروقة الحوزة العلمية ؟ هذا إذا عقدنا المقارنة على هذا المستوى وإلا فبين أيدينا شواهد على قيام كبراء الحوزة العلمية بقتل الإبداع والنبوغ ووضع العراقيل في طريقه وتسقيط صاحبها وتطويق مسيرته فإنا لله وإنا إليه راجعون.

ولكن الأمل بالله تبارك وتعالى أن يرعى بلطفه هذه الحوزة المباركة ويقيّض لها في كل جيل أمناء على حلاله وحرامه حتى يسلّموا الراية لبقيته وحجته في أرضه المهدي الموعود(أرواحنا له الفداء).



([1] ) من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع الفضلاء الذين يحضرون بحثه الشريف في الفقه بمناسبة الذكرى العاشرة لاستشهاد السيد محمد محمد صادق الصدر (قده) في  3/ ذو القعدة /1429المصادف 2/11/2008.