تنبيهات شرعية الى العاملين في حقل الصيدلة
تنبيهات شرعية الى العاملين في حقل الصيدلة
الصيدلي أحد عناصر المهنة الطبية وبه تكتمل دائرة هذه الباب من الرحمة الإلهية التي تتضمن الكثير من أفعال الخير كإدخال السرور على المؤمنين وتخفيف الآلام عنهم وتفريج كربتهم وقضاء حاجتهم فهم مشمولون بالمقدمة التي ذكرناها في استفتاء سابق عن (ممارسات خاطئة لدى العاملين في المهن الطبية) ولكي يكون عملهم نظيفاً وصالحا ويقع في محل الرضا من الله تبارك وتعالى الفت نظر الاخوة الصيادلة إلى بعض الأمور ليتخذوا الموقف السليم فيها: ويلاحظ هنا إن هذه التنبيهات شاملة للصيدليات الأهلية والتابعة للمؤسسات الصحية العامة:
(1) لا يجوز أخذ الأدوية من المؤسسات الصحية العامة إلا ضمن القنوات الرسمية المتعارفة لما في ذلك من الإخلال بالنظام الاجتماعي العام والتفريط بحقوق المجتمع فهل يعقل أن يرجع ألف مواطن مسكين خائباً من غير الحصول على دواء يزيل آلامه ويشفي سقمه من اجل أن تترفه ثلة قليلة؟ إنها مسألة بعيدة عن الإنسانية. وسأعرض بعض الصور غير المشروعة:
أ - إضافة بعض الأدوية إلى وصفة المراجع مما لا يحتاجها وصرفها من الصيدلية لا إلى المراجع بل إلى العامل نفسه.
ب- عدم صرف كل الفقرات المكتوبة في وصفة المراجع بل تحجب بعض الفقرات بعنوان إنها غير متوفرة في حين يقوم الصيدلي بصرفها من المذخر لنفسه.
ت- الاتفاق مع الطبيب على كتابة وصفات لمرضى وهميين.
ث- سرقة الدواء من المذاخر بحجة عدم الحاجة إليها والأمن من الضرر وغيرها ولا يكفي في تحليل أخذها وصرفها بوصفات وهمية، وبحجة دفع ثمنها فان هذه الأثمان رمزية لمساعدة المواطنين.
(2) شاع مرض (الجشع) والتمدد على حساب الجياع والمساكين لدى كثير من الصيادلة بل اصبحوا يتنافسون فيما بينهم في سرعة الإثراء ولو من طرق غير مشروعة وتجردوا في ذلك عن المثل الإنسانية والدينية وأصبحت الأسعار بلا ضابط والتفاوت بينها كبير وقد يتذرعون لذلك بان الأسعار الرسمية لا تفي بمصاريف الصيدلية فضلا عن غيرها، وقد يكون معهم بعض الحق لكنه لا يفسر هذه الأسعار الباهضة التي يفرضونها وبحسب علمي فان نقابة الصيادلة تحدد أسعاراً وسطاً بين الأسعار الرسمية والأسعار (التجارية) بحيث تحفظ للصيدلي حقه في مستوى معاشي مناسب ومن دون إجحاف بالموطنين ولكي لا نبخس الناس أشيائهم فان عددا من الاخوة الطيبين الصادقين مع الله تعالى يبيعون بأسعار مثالية تقرب من الأسعار الرسمية فنالوا بذلك رضا الله تبارك وتعالى ورضا المجتمع من دون أن يعرض مستواهم المعاشي للخلل وهم بذلك يكونون حجة لفضح هؤلاء المدعين الذين يسوقون مختلف المبررات الواهية فيتعرضون لسخط الله تعالى ولعنة الناس الضعفاء، وإذا لم يرحموا المخلوقين فكيف يرحمهم الخالق (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) ومثلهم لا يكون له قلب سليم الذي وعد الله صاحبه بالنجاة (إلا من أتى الله بقلب سليم) فأين هم آداب الإسلام وتعالميه على نشر المودة والتراحم بحيث يكره الربح على المؤمنين مطلقاً ويكره زيادة الربح على ما يحصل المعيشة المتعارفة وأسأل هؤلاء هل وفرت لهم هذه الأموال السعادة وهل شبعوا من الأموال وهل اكتفوا باقتناء السيارات الفارهة والدور الوسيعة أم ازدادوا لهاثا كالعطشان الذي يشرب من ماء البحر المالح؟ هذه هي حقيقة الدنيا لطالبيها، أما السعادة الحقيقية فيعيشها من ادخل السرور على قلب مكروب أو ساعد ضعيفاً أو قضى حاجة محتاج أو جاهد نفسه الأمارة بالسوء وانتصر عليها ولم يخضع لشهواتها.
(3) بعض الأدوية المستوردة من خارج البلد غير خاضعة لفحص اللجان الصحية المختصة وقد لا تكون مطابقة للمواصفات العلمية الدقيقة ومثلها لا يجوز تداولها لما في ذلك من خطورة وضرر نوعي فلا يجوز التعامل إلا بالأدوية التي يتم الموافقة عليها من قبل أجهزة السيطرة النوعية. وقد تناقلت الأنباء مؤخراً عن وصول شحنة حقن تعطى للحوامل ملوثة بالإيدز المرض الخطير الفتاك الذي لا وجود له في بلادنا الملتزمة بالدين والأخلاق والآداب العامة.
(4) إذا علم من القرائن إن هذا الدواء من مصدر غير مشروع كالذي ذكرناه أعلاه فلا يجوز شراءه والتعامل به وقد علمت إن بعضهم يمتهن عملية جمع الأدوية المستحصلة بطريق غير مأذون فيه ويبيعها على الصيدلي وهو عمل غير مشروع.
(5) لا يجوز مخالفة الشروط التي تملى على صاحب الصيدلية إذا كانت المخالفة مما تسبب ضررا نوعيا وإخلالاً بالنظام الاجتماعي العام ومن ذلك:
أ - تأجير إجازة الصيدلية على شخص لا يحمل شهادة الاختصاص ومن دون أن يستأجر صيدلياً معه.
ب- بيع كمية الوجبة الدوائية جملة إلى المذاخر والصيدليات الأهلية وعدم بيعها بالمفرد على المواطنين مما يخل بالتوزيع الجغرافي للصيدليات فانه إنما رصدت هذه الكمية لتغطية حاجة المنطقة.
ت - عدم وجود حافظات مبردة للدواء مما يؤدي إلى تلفه خصوصاً في موسم الصيف ومع انقطاع التيار الكهربائي.
(6) بعض الصيادلة يتفقون مع الأطباء لتحويل المرضى عليهم مقابل مبلغ مقطوع أو نسبة من المبيعات يدفعها الصيدلي إلى الطبيب وفي هذا نقص أخلاقي وقد يؤدي إلى عدة مخالفات شرعية منها:
أ- إن الطبيب يكتب أدوية أزيد من حاجة المريض لأجل زيادة مدخول الصيدلية وبالتالي زيادة نسبة ما يصل إليه.
ب- إن الصيدلي سيرفع الأسعار على هذا المراجع ليستخرج ما يدفعه إلى الطبيب من جيب المريض البائس المسكين لا من جيبه.
ت - قد لا يوجد الدواء الفعال لمعالجة المريض فيكتب الطبيب علاجا آخر اقل فعالية لأجل إن الثاني متوفر لدى الصيدلية والأول غير متوفر والغريب إن الطبيب والصيدلاني ليسا بحاجة إلى هذا النقص الأخلاقي بل هما ميسوران وفي غنى عن هذا (الاتفاق).
(7) بعض مستحضرات التجميل وعلب الشامبو ونحوها تحمل على أغلفتها الخارجية صورا لنساء تثير الفتنة والشهوة وفي ضوء هذا لا يجوز تداولها لأنها من إشاعة الفاحشة وتوريط الناس بالمعصية فيجب إزالة هذه الصور أو الاتفاق مع منشأ صناعتها على عدم وضع ما يخل بالتعاليم الإسلامية وينافي الآداب العامة وقد عالجت هذا الموضوع باستفتاء تفصيلي عن الصور التي ترافق بعض الكماليات النسائية.
(8) لا يجوز صرف الأدوية في حالات منها: الأدوية المنشطة جنسيا إلى من يمارسون الفاحشة لأنه من الإعانة على الإثم (ومنها) الأدوية التي نعلم من القرائن على إنها ستستعمل استعمالا سيئا كان يأخذ كمية كبيرة من أشربة السعال ليسكر بها (ومنها) الأدوية التي يضر استعمالها من دون مراجعة الطبيب (ومنها) بعض الأدوية التي لا يوجد مبرر عقلائي في استعمالها سوى الانصياع وراء الأعراف المستوردة من الغرب الكافر كالمتخذة للتسمين والتي يؤدي تركها بعد الإدمان عليها إلى حصول مضاعفات على الجسم كحبوب الدكسون على ما قيل.
(9) لابد من تنبيه المراجع إلى أي تعليمات يتوقع غفلته عنها ويكون من الضروري تنبيهه إليها كإعراضها الجانبية أو إن هذا الدواء بديل عما مكتوب في وصفة العلاج وان كان بحسب اعتقاد الصيدلاني انه يعمل بنفس الكفاءة.
(10) علمت بان بعض الموظفين الصحيين (المضمدين) يتخذ له صيدلية متنقلة حيث يقوم بوصف أدوية وبيعها في أماكن نائية من القرى والأرياف لصعوبة وصولهم إلى المدينة لمراجعة الأطباء إما لصعوبة النقل وغلائه او عدم توفره في الآن، وهذه بحسب اصل الفكرة خدمة إنسانية حيث إننا بحاجة إلى الطبيب الدوار بطبه والمتنقل به كاحتياجنا إلى الطبيب المقيم لكن قيام المضمدين بهذه العملية فيه اكثر من محذور:
أ- إن الأدوية غالبا ما تكون مأخوذة بطريق غير مشروع من المؤسسات الصحية.
ب- انه ليس طبيباً حتى يحق له النظر في الحالات المرضية ووصف الدواء لعلاجها فالصحيح أن تتولى المؤسسات الصحية إرسال مفارز طبية متنقلة لتغطية حاجات مثل هذه المناطق ويكون الطبيب فيها مزوداً بالأدوية التي تكثر الحاجة إليها.
(11) بعض الصيدليات الأهلية تشغل عمالاً غير متخصصين في تحضير وتركيب بعض الأدوية رغم إن هذا العمل يتطلب دقة وخبرة ومهارة عالية فيعرضون حياة المواطن للخطر والضرر فلا يجوز تصدي غير المؤهل لهذا العمل.
(12) وهناك مخالفات أخلاقية تحصل لدى بعض الصيادلة (منها) عدم صرف فقرة واحدة من الوصفة إذا كان المراجع قد صرف البقية من صيدلية أخرى (ومنها) رد المراجع بعنوان إن هذا الدواء غير موجود رغم انه موجود عنده وهذا كذب محرم وممنوع أخلاقياً حرمان محتاج من قضاء حاجته مع القدرة عليها. وبعض هذه التصرفات وان وجد ما يبررها إلا إن مقتضى الكمال والتقرب أزيد إلى الله تعالى الذي هو الهدف الأسمى تجنب أي نقص أخلاقي.
(13) وفي الصيدليات العامة أي التابعة للمؤسسات الصحية الرسمية تحصل بعض الأمور ويجب الالتفات إليها منها:
أ - إن مجموع سعر الوصفة قد يكون (68 دينارا) مثلا وهو مما لا يمكن تحصيله فيطلب رقما متيسرا كمبلغ (75 دينارا) وهو مما لا بأس به إذا كان الفرق المأخوذ مما يتسامح به العرف عادة كالمثال المذكور. وينبغي ملاحظة إن هذا التقريب للرقم إنما يجري بلحاظ مجموع أسعار الفقرات في الوصفة لا بلحاظ كل فقرة على حدة. أما اكثر من ذلك فلا يجوز إلا برضا الدافع وإعلامه فإذا حصل اخذ للأموال من دون ذلك وجب إرجاعها إلى أصحابها إن أيمكن الوصول إليهم وإلا فليدفعها إلى المؤمنين المحتاجين بعنوان (رد مظالم) أو المصالحة عليها مع الحوزة الشريفة.
ب- بعض المرضى يغادرون المستشفى وتبقى أدوية لهم لم تصرف أو صرفت ولم يستعملها سواء دفع أثمانها أو لم يدفع فعلى جميع التقادير لا يجوز أخذها وانما إرجاعها إلى مذخر الأدوية أو الصيدلية التي يفترض فيها النزاهة والوثاقة وإعادة صرفها إلى المحتاجين إليها.
(14) التأكيد على ما ذكرناه سابقا من عدم جواز بيع الوجبة الدوائية التي تخصصها الجهة المعنية لكل صيدلية جملة واحدة إلى صيدليات أو مذاخر أخرى فانه يؤدي إلى اكثر من مشكلة.
أ - الخلل في التوزيع الجغرافي في الدواء حيث سيتكدس عند من يدفع أزيد ولا يتوزع بحسب الحاجة.
ب- إن صاحب الوجبة سوف لا يبيع بالسعر المحدد له وبالتالي فان المذخر الذي اشتراه سيبيعه بالسعر التجاري رغم انه أصلاً مما يجب بيعه مدعوماً. نعم، قد يجوز بيعها إلى صيدلية أخرى إذا بقيت فائضة عن الحاجة ومكدسة مدة أما لعدم وجود مريض يطلبها أو لعدم وجود طبيب اختصاصي فخشية خروج مدة فاعليتها يمكن بيعها إلى صيدلية أخرى ضمن القواعد التي أشرنا إليها فيما سبق وتبديلها بالأدوية التي يكثر احتياجها في منطقته.
(15) يمتنع الكثير من الصيادلة عن دفع الحقوق الشرعية خصوصا الخمس وهو عصيان كبير لهذه الفريضة الإلهية التي لا تقل أهمية عن الصلاة وقد كتبت استفتاءً مستقلا( ) عن الموضوع بدأته بشكوى الإمام المنتظر (ع) من حبس شيعته للحقوق ولولا ذلك لعجل الله لهم اليُمن بلقائه ثم حللت أسباب امتناعهم ثم عالجتها نظريا وعمليا فأرجو من الاخوة الصيادلة والأطباء وغيرهم مراجعته حيث ذكرت فيه موارد صرف الحقوق الشرعية لتزداد قناعتهم بدفعها فان أول خطوة في طريق العمل هو العلم بالشيء فان العاقل لا يسعى وراء مجهول. ولأجل تخفيف الأمر عليهم وتقريبهم إلى الطاعة فهم مأذونون بدفع نصف ما بذمتهم من حقوق شرعية على شكل أدوية تعطى إلى المؤمنين المحتاجين فيبرؤون ذممهم ويقضون حوائج المؤمنين من دون أن تؤثر على وضعهم الاقتصادي.
(16) إن أي عمل له مستويات من النفقة (أولهما) خاص بالمهنة وهو ما حاولنا الإشارة إلى المهم منه في النقاط أعلاه (ثانيهما) عام لكل تجارة والصيدلة كمهنة مشمولة به، فلذا ينبغي مراجعة (فقه السوق) لمعرفة هذه الأحكام.