المرجعية وخطابات المرحلة (53) توجيهات بمناسبة العطلة الصيفية (*)
المرجعية وخطابات المرحلة (53)
توجيهات بمناسبة العطلة الصيفية (*)
يبدأ خلال أيام أحباءنا الطلبة في اداء الامتحانات العامة ومن ثم يتمتعون بعطلة صيفية وقد القيتُ في مثل هذه المناسبات عام 1423 هـ -2002 م عدة محاضرات طبع بعضها في كتاب (الحوزة وقضايا الشباب) وكتاب (موعظة وإرشادات في فصل الصيف) وذكرتُ فيها معاني جليلة مستوحاة من مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) لا ينبغي للأمة ان تقصر في تأملّها والاستفادة منها.
وقد كانت تكلفني مثل هذه المحاضرات التي القيها تحت أبصار واسماع جلاوزة صدام أخطر النتائج ولكنني كنت مطمئناً إلى قول أمير المؤمنين (عليه السلام): (ان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لن يقرّبا أجلا ولن يقطعا رزقاً) وانا لم ازد على احياء هذه الفريضة الالهية العظيمة.
ومما قلت بمناسبة الامتحانات اننا لنأخذ منها الموعظة فان هذا الجهد المضني وسهر الليالي والاعصاب المشدودة التي يعاني منها الطالب في فترة الامتحانات اذا كانت تستحقها شهادة دنيوية -مهما عظمت أهميتها- فانها زائلة فكيف يجب ان نستعد لامتحان الآخرة ونتائجها الباقية اما نعيم مقيم أو عذاب خالد -والعياذ بالله- مما لا تحتمله جلودنا الرقيقة ولنأخذ أيضاً من لذة النجاح والتفوق في هذه الامتحانات أو الشعور بالخجل والخيبة والحقارة عند الرسوب فيها درساً لموقفنا يوم القيامة حينما يحشر الأولون والآخرون في عرصة القيامة والحكم هو لله تبارك وتعالى والشهود هم الانبياء والرسل والأئمة (عليهم السلام) وتعرض نتائج السعي في الدنيا على الملأ العظيم فياقرة عين الفائزين وطوبى لهم وواخجلة المسيئين، وقد دعوت في تلك المحاضرة إلى الجد والاجتهاد في الدراسة لتحصيل اسنى المراتب حتى يكون شبابنا المؤمن هم القدوة في كل شيء وليكونوا بذلك سبباً لهداية غيرهم، وتفاصيل هذه المعاني وغيرها في كتاب (الحوزة وقضايا الشباب) وقلت بمناسبة العطلة الصيفية ان الانسان المؤمن لا يعرف (التعطيل) بمعنى الكسل والخمول والسبات فانه ما خلق لذلك بل خلق ليتكامل ويسمو ويتنافس في درجات القرب من الله تعالى )وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ)(الذريات:56) وقد عبّرت الآية الشريفة عن حياة الانسان بالكدح والعمل المضني الشاق )يَا أَيُّهَا الأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيه)(الانشقاق: من الآية6) فلا نعني بالتعطيل: التعطيل المطلق وانما التعطيل النسبي أي بلحاظ الدراسة وإلا فانه ينتقل إلى نشاطات أخرى ليريح عقله من الجهد العلمي بالاتجاه الذي كان يدرس فيه لكنه يقوم بنشاطه الفكري والبدني في اتجاهات أخرى لا تقل نفعاً وأهمية عن ذلك الجهد وهي بالتالي تعينه على العودة بهمّة كبيرة واستعداد مفتوح للعطاء عند بداية العام الدراسي المقبل باذن الله تعالى.
ومن النشاطات التي دعوتُ الطلبة اليها الالتحاق بالحلقات السريعة المكثفة التي تعقدها الحوزة العلمية وفق منهج معين خلال اشهر العطلة يفي بمتطلبات سنة دراسية كاملة وفق المسار المعمول به في الحوزة العلمية وبذلك هم يتجاوزون مراحل الدراسة الحوزوية من دون ان تؤثر على تحصيلهم الاكاديمي وبنفس الوقت ننشيء داخل الجامعات والمدارس جيلاً يحمل افكار الاسلام ويهدي الآخرين اليها وعلى الأقل فانه يحصّن نفسه وعقيدته من الانحراف المستشري في أوساط الجامعات وفوائد أخرى ذكرناها في المحاضرة.
وبالرغم من ان الكلام لم يذكر على شكل دعوة واضحة للالتحاق بالحوزة العلمية في النجف الأشرف وإنما ذكر عَرَضاً الا ان الاستجابة من الشباب كانة مثيرة للاعجاب فزهت النجف بالمئات من الشباب الجامعيين من مختلف الاختصاصات حتى الراقية منها وبقدر ما افرح المؤمنين وعبّر الكثير من المراجع والعلماء والفضلاء والمفكرين عن سرورهم بهذه الخطوة فانه ازعج الطغاة وأقض مضاجعهم فراحوا يرفعون (التقارير) المتتالية إلى اسيادهم عن هذا النشاط.
وقد بارك الله تعالى بذلك المشروع وسهّل لهم محلات السكن ورواتب شهرية تغطي نفقات سفرهم وإقامتهم بشكل لم تعهده الحوزة العلمية التي تشكو عجزاً وتقصيراً واضحاً في ادارة شؤون الطلبة وإسكانهم بهذه السرعة والتنظيم.
وفي نهاية الدورة كتبت للمشاركين كلمة القاها المشرفون عليهم حيث قسموا إلى مجموعات تضم كل مجموعة (25) طالباً في المعدل ولهم مشرف يهيئ لهم الاساتذة ويوجههم ويوفر لهم الخدمات وكانت تجربة تستحق الاكبار وتسجيل الشكر لكل المساهمين فيها. والكلمة مطبوعة في الجزء الاخير من كتاب ( خطاب المرحلة ) يمكنكم مراجعتها لتحاولوا ان تعيشوا معنا تلك اللحظات القدسية والالطاف الآلهية التي عاشها المؤمنون والتي ببركاتها وامثالها من المشاريع المخلصة منَّ الله تبارك وتعالى على الأمة بزوال الطاغوت المتجبّر بعد عدة أشهر لما علم الله من هذه الأمة الأخلاص له والعمل الصادق في سبيله.
وعلى أبواب العطلة الصيفية هذا العام نحن مطالبون بأن نعيد تلك الأنشطة بشكل أوسع لأن المانع قد زال بفضل الله تبارك وتعالى ولم تعد الدراسة الحوزوية مقتصرة على النجف الأشرف فهذه فروع جامعة الصدر الدينية المحروسة في المحافظات قد بلغت (16) فرعاً وهي تضاهي في مستواها ومنهجها وإدارتها النظام المعمول به في النجف الأشرف.
وأشير هنا إلى بعض الخطوات العملية:
1- ينتظم الطلبة في مجاميع أو (مواكب) ويُحدَّد العدد المناسب لكل موكب ويختار له مشرفاً بالانتخاب.
2- تُحدَّد النشاطات وبرامج العمل المناسبة لكل مدينة بحسب الفرصة ومنها:
أ- المساهمة في أي حملة إعمار موجودة خصوصاً بناء المساجد الحسينيات أو دور المؤمنين المحتاجين مجاناً أو بنصف الأجور احتساباً للأجر عند الله تعالى .
ب- تنظيف الطرق والحدائق العامة بما يشبه العمل الشعبي.
جـ- مساعدة المتضررين.
د- مفاتحة المؤسسات الخدمية كالكهرباء والماء والبلدية والمستشفيات لتقديم الخدمات المجانية أو بنصف الأجور.
هـ- الالتحاق بالدراسة الحوزوية، أي الدورات السريعة او أي شكل من اشكال التحصيل للدروس الحوزوية في مدنهم.
و- إقامة الشعائر الدينية لأهل البيت (عليهم السلام) حتى بدون مناسبة.
ز- المواظبة على صلاة الجماعة.
ح- تنظيم مباريات رياضية بعيداً عن روح الشحناء والتباغض وإنما للتأليف بين القلوب ولتحقيق الوحدة وأجتماع المؤمنين.
ط- القيام باعمال الكسب والارتزاق لتحقيق الاكتفاء الذاتي أو لمساعدة الآخرين.
ي- تأسيس مكتبات جماعية أي جمع اموال من الاعضاء وشراء كتب بالمال المتجمع وتعود ملكيتها للجميع والحث على القراءة والمطالعة.
ك- إقامة المسابقات في شتى المجالات.
ل- دعوة المفكرين والفضلاء لالقاء المحاضرات واستماع التوجيهات ومناقشتهم في قضايا الساعة.
3- تتولى الحوزة العلمية رعاية هذه المواكب وتنظيم نشاطاتها وتوجيهها وتقديم الدعم المادي والمعنوي لعملها.
4- تتحمل ادارات فروع جامعة الصدر في المحافظات مسؤولية تنظيم الدورات السريعة وتوفير المدرسين لها ووضع المناهج الدراسية ومن المفضّل مفاتحة رئاسة الجامعات الأكاديمية أو المدارس لتوفير القاعات لعقد هذه الدروس وتقوم بتقديم الهدايا على المتفوقين والمواظبين على التحصيل وتقوم بمراعاة المستويات العلمية للطلبة.
5- يقتصر التدريس على العلوم الأساسية: الفقه - العقائد - الأخلاق - التفسير والتلاوة - سيرة المعصومين (عليهم السلام) - دروس في علم المنطق. والمناهج الملائمة هي (الصراط القويم) في الفقه و(عقائد الامامية أو بداية المعرفة) في العقائد و(مرآة الرشاد أو أخلاق أهل البيت أو القلب السليم) في الأخلاق و(مختصر تفسير الميزان أو تفسير شبر) في التفسير وكتاب (دور الأئمة في الحياة الاسلامية بقسميه الأول والثاني أو نفحات من السيرة) في تاريخ المعصومين، وعند عدم توفر المصادر يُشجع الطلبة على تحضير دفاتر وتقرير شرح المدرسين.
هذه افكار رئيسية اضعها بين يدي احبائي وأخواني وعليهم وضع التفاصيل وأملي بهم كبير أن يجعلوا من العطلة الصيفية (خلية نحلّ) تعج بالحركة والنشاط وكل ما فيه خير الأمة وصلاحها واعلموا أن من أقسام الجهاد هو من أسس مشروعاً خيرياً أو سنة حسنة وجاهد من أجل ادامتها وانتفاع الأمة منها. ومن أولى هذه اهل هذا البلد الكريم في أن يزدهر فيهم هذا النشاط.
محمد اليعقوبي
9 ربيع الثاني 1425
29 / 5 / 2004
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* صدر هذا الخطاب بمناسبة العطلة الصيفية للعام الماضي 2004 ونعيد نشره اليوم للتذكير بنفس المناسبة