المبحث الخامس: في التيمم
المبحث الخامس: في التيمم
وفيه فصول:
الفصل الاول
في مسوغات التيمم
وهي متمثلة في مسوِّغين رئيسيّين: الأول عدم وجود الماء، والآخر عدم التمكن من استعماله لوجود مانع عقلي أو شرعي عند المكلف مع وجود الماء، ويجمعهما عنوان العذر المسقط لوجوب الطهارة المائية.
المسوغ الأول: عدم وجدان الماء الذي يكفي للوضوء أو الغسل أو يصلح للاستعمال فيهما، ويتحقق ضمن إحدى الحالات التالية:
الحالة الأولى: أن لا يجد المكلف الماء في بيته ولا في مكانٍ آخر بوسعه الوصول إليه كحي سكني آخر في نفس المدينة بالنسبة للحاضر، وإن كان مسافراً لا يجد في كل أطرافه من مساحة الأرض التي يقدر على الوصول إليها من دون عائق والتحرك ضمنها ما دام وقت الصلاة باقياً، ولا فرق في ذلك بين أن لا يوجد الماء فيها أصلاً، أو يوجد بمقدار لا يكفي للوضوء أو الغسل، أو يكفي ولكن هناك مانع من استعماله كما إذا كان نجساً أو مغصوباً، ففي هذه الحالة وظيفته التيمم بديلاً عن الوضوء أو الغسل.
(مسألة 398) : إنّ تلك المساحة من الأرض التي يجب على المكلف أن يطلب الماء فيها ليست محدودة بحدود معينة شرعاً طولاً ولا عرضاً.
وما ورد في بعض الروايات من تحديدها بمقدار رمية سهم في الأرض الحزنة وسهمين في الأرض السهلة فهو لو ثبت من باب المثال على حدود إمكانية البحث المبريء للذمة، وهو متغير بحسب الأزمان والأحوال والأشخاص، فقد ينعدم الماء في الحي الذي يسكنه لكنه يستطيع الانتقال بسيارته من دون حرج أو مشقة إلى حي سكني آخر يتوفر فيه الماء، بينما لا يستطيع غيره فعل نفس الشي، فإذن يكون المعيار في وجوب الطلب ضمن تلك المساحة سعة وضيقاً إنّما هو بعدم استلزامه العسر والحرج أو الضرر والخطر الجسدي.
(مسألة 399) : إذا شهد ثقة يحصل الاطمئنان من قوله بعدم وجود الماء في تلك المساحة من الأرض، كفى في عدم وجوب الفحص والطلب.
(مسألة 400) : يجوز الاستنابة في الطلب إذا كان النائب ثقة ويحصل الاطمئنان بقوله.
الحالة الثانية: أنّ الماء موجود في بعض نقاط تلك المساحة ولكن الوصول إليه يستلزم مشقة شديدة وحرجاً كما إذا كان الماء في نقطة بعيدة، أو إنّه كان ملكاً لشخص لا يأذن بالتصرف فيه إلا بالإهانة والتذلل له بما يكون محرجاً، أو أنّ الوصول إليه محفوف بالمخاطر كما إذا كان الطريق إليه غير مأمون أو كان في مقربة من الحيوانات المفترسة، ففي هذه الحالة تكون وظيفته التيمم في كل هذه الفروض عوضاً عن الوضوء أو الغسل.
الحالة الثالثة: أن يكون الماء موجوداً في تلك المساحة ولكنه ملك لغيره وهو لا يأذن بالتصرف فيه إلا بثمن مجحف بحاله، أو أنّ الوصول إليه يتوقف على ارتكاب أمور محرمة كما إذا كان الطريق إليه مغصوباً، أو الآلة التي يستعملها في أخذ ذلك الماء مغصوبة، ففي هذه الحالة تكون وظيفته التيمم.
ونلاحظ أنّ المكلف في الحالة الأولى بما أنّه غير واجد للماء فلا يمكن أن يتحقق منه الوضوء فالواجب عليه التيمم، وفي الحالتين التاليتين وهما الحالة الثانية والثالثة فيمكن للمكلف أن يتوضأ ومرخص بتركه والعدول إلى التيمم، ولكن إذا أصر على الوضوء وحصل على الماء متحملاً كل الصعوبات من الحرج والضرر وجب عليه أن يتوضأ وصح منه.
(مسألة 401) : إذا أخلَّ بالطلب وتيمم برجاء إدراك الواقع صح تيممه إن صادف عدم الماء.
(مسألة 402) : بناءً على تحديد مساحة الفحص فانه إذا علم أو اطمأن بوجود الماء في خارج الحد المذكور وجب عليه السعي إليه وإن بعد، إلا أن يكون السعي إليه حرجياً أو فيه مشقة عظيمة.
(مسألة 403) : إذا طلب الماء قبل دخول الوقت فلم يجده ثم دخل الوقت فلا يجب عليه إعادة الطلب، إلا إذا تجدد عنده احتمال الحصول على الماء.
(مسألة 404) : إذا طلب بعد دخول الوقت لصلاة يكفي لغيرها من الصلوات، فلا تجب إعادة الطلب عند كل صلاة، وأمّا إذا احتمل العثور مع الإعادة لاحتمال تجدد وجوده فعليه إعادة البحث.
(مسألة 405) : يسقط وجوب الطلب في ضيق الوقت، كما يسقط إذا خاف على نفسه أو ماله من لص أو سبع أو نحو ذلك، وكذلك إذا كان في طلبه حرج ومشقة لا تتحمل كما مر.
(مسألة 406) : إذا ترك المكلف طلب الماء في المساحات المذكورة حتى ضاق الوقت استحق العقوبة لعصيانه، لكن صلاته صحيحة وإن حصل العلم له بأنّه لو طلب الماء لوجده، والأحوط استحباباً القضاء في الفرض الثاني.
(مسألة 407) : إذا ترك الطلب عمداً في سعة الوقت وصلى بطلت صلاته وإن تبين عدم وجود الماء، نعم، لو حصل منه قصد القربة مع تبين عدم الماء واقعاً حين الصلاة باعتبار أنّه صلى رجاءً أو نسياناً أو جهلاً فصلاته صحيحة، وصح منه قصد القربة.
(مسألة 408) : إذا اعتقد ضيق الوقت عن الطلب فتركه وتيمم وصلى ثم تبين سعة الوقت فإن كان التبين في الوقت وجب عليه الطلب، فإن طلب وعثر على الماء كشف ذلك عن بطلان تيممه وصلاته ووجوب الإعادة، وإن كان ذلك في خارج الوقت لم يجب القضاء.
(مسألة 409) : إذا طلب الماء فلم يجد فتيمم وصلى ثم تبين وجوده في محل الطلب فعليه وجوب الإعادة في الوقت،نعم، لايجب القضاء إذا تبين ذلك في خارج الوقت.
المسوغ الثاني: عدم تمكن المكلف من استعمال الماء مع وجوده عنده، وهو يتحقق ضمن إحدى الحالات التالية:
الحالة الأولى: خوف الضرر من استعمال الماء بحدوث مرضٍ أو زيادته أو طول أمده، أو على النفس، أو البدن، ومنه الرمد المانع من استعمال الماء، كما أنَّ منه خوف الشين الذي يعسر تحمُّله وهو الخشونة المشوَّهة للخلقة، والمؤدَّية في بعض الأبدان إلى تشقُّق الجلد.
الحالة الثانية: خوف العطش على نفسه، أو على غيره الواجب حفظه عليه، أو على نفس حيوانٍٍ يكون من شأن المكلَّف الاحتفاظ به، والاهتمام بشأنه،كدابّته وشاته ونحوهما ممَّا يكون تلفه موجباً للحرج أو الضرر.
الحالة الثالثة: أن يكون بدنه أو ثوبه نجساً وكان عنده ماءٌ يكفي لإزالة النجاسة فقط أو للوضوء كذلك، ففي هذه الحالة يجوز للمكلَّف أن يصرف الماء في غسل بدنه أو ثوبه وإزالة النجاسة عنه ويتيمَّم للصلاة.
الحالة الرابعة: ضيق الوقت عن استيعاب الوضوء والصلاة معاً، فحينئذٍ يجوز له أن يتيمَّم من أجل إدراك تمام الصلاة في الوقت.
الحالة الخامسة: أن يكون الشخص مكلفاً بواجب آخر أهم يتعين صرف الماء فيه على نحو لا يقوم غير الماء مقامه مثل إزالة النجاسة عن المسجد.
(مسألة 410) : إذا خالف المكلَّف عمداً فتوضأ في موردٍ يكون الوضوء فيه حرجيَّاً كالوضوء في شدَّة البرد- مثلاً - صح وضوؤه، وإذا خالف في موردٍ يكون الوضوء فيه محرَّماً بطل وضوؤه، كما إذا كان ضرره خطيراً وهو الضرر الذَّي يحرم على المكلَّف أن يوقع نفسه فيه، وإذا خالف في موردٍ يجب فيه حفظ الماء - كما في الحالة الثانية- فالظاهر صحَّة وضوئه، وفي الحالة الرابعة إذا عصى وتوضأ صح شريطة أن لا ينوي بوضوئه المقدمية لهذه الصلاة التي ضاق وقتها لأنّها لا توجب وضوءاً مع ضيق الوقت، لذا لو نوى مطلق الكون على الطهارة أو الاستحباب النفسي للوضوء صح لأنّ هذه النيات غير مرتبطة بالوقت.
(مسألة 411) : إذا خالف فتطهَّر بالماء لعذرٍ من نسيانٍ، أو غفلةٍ صحَّ وضوؤه في جميع الموارد المذكورة، وكذلك مع الجهل إذا كان مركَّباً، ما لم يكن الوضوء محرماً في الواقع.
(مسألة 412) : إذا آوى إلى فراشه لينام ذكر بعض الفقهاء أنَّه إذا لم يكن على وضوءٍ جاز له التيمُّم وإن تمكن من استعمال الماء فلا بأس بالإتيان به رجاءً، كما يجوز التيمم لصلاة الجنازة إذا خاف عدم إدراكها.
الفصل الثاني
فيما يتيمم به
الأقوى جواز التيمم بما يسمى أرضاً سواء كان تراباً أم رملاً أم مدراً أم حصىً أم صخراً أملس.
ومنه أرض الجص والنورة قبل الإحراق. ولا يعتبر علوق شيء منه باليد. وإن كان الأحوط استحباباً الاقتصار على التراب مع الإمكان.
(مسألة 413) : لا يجوز التيمم بما لا يصدق عليه اسم الأرض وإن كان أصله منها، كالرماد والنبات والمعادن والذهب والفضة ونحوها مما لا يسمى أرضاً، وكذلك الأحجار الكريمة كالعقيق والفيروزج، بل كل المعادن حتى الملح ومشتقات النفط وإن أصبحت جامدة كالقير، كذلك الخزف والجص والنورة بعد الإحراق على الأحوط. وهذا كله مع الاختيار، أمّا مع الانحصار بأحد هذه الأمور فيلزم التيمم بها، فإن وجد غيره في الوقت أعاد دون خارجه وإن كان أحوط.
(مسألة 414) : لا يجوز التيمم بالنجس ولا بالمغصوب إلا لغير الغاصب مع الجهل أو النسيان، ولا الممتزج بما يخرجه عن اسم الأرض، نعم، لا يضر إذا كان الخليط مستهلكاً فيه عرفاً. ولو أكره على المكث في المكان المغصوب أو مجهول المالك فالأظهر جواز التيمم فيه.
(مسألة 415) : إذا اشتبه التراب المغصوب بالمباح وجب الاجتناب عنهما، وإذا اشتبه التراب بالرماد أو الطحين ونحوه فتيمم بكل منهما برجاء المطلوبية صح، بل يجب ذلك مع الانحصار. وكذلك الحكم إذا اشتبه الطاهر بالنجس الجاف.
(مسألة 416) : إذا عجز عن التيمم بالأرض لأحد الأمور المتقدمة في سقوط الطهارة المائية، يتيمم بالغبار المجتمع على ثوبه أو عرف دابته أو غيرهما، إذا كان غبار ما يصح التيمم به، دون غيره كغبار الدقيق أو الرماد. ويجب مراعاة الأكثر فالأكثر على الأحوط. وينبغي أن يلاحظ المكلف في الغبار أن لا يكون قليلاً بحيث لا يناله الحس عرفاً، فلا يصح به التيمم. ولو أمكن نفض الغبار وجمعه على نحو يصدق معه التراب، يجوز التيمم به ابتداءً وإن كان ناعماً.
(مسألة 417) : إذا عجز عن التيمم بالغبار تيمم بالوحل وهو الطين، وإذا أمكنه تجفيفه ولو قليلاً ووسع الوقت لذلك ثم يتيمم به، تعين ذلك.
(مسألة 418) : من عجز عن التيمم بالأرض والغبار والوحل، كان فاقداً للطهور، ولكن تتعين عليه الصلاة في الوقت على الأقوى ويجب عليه قضاؤها عند توفّر الطهور.
(مسألة 419) : إذا تمكن من الثلج ولم تمكنه إذابته والوضوء به، ولكن أمكنه مسح أعضاء الوضوء به على نحو يتحقق مسمى الغسل به وجب، واجتزأ به. وإن كان على نحوٍ لا يتحقق به الغسل، فالأحوط الجمع بينه - بدهن ودلك أعضاء الوضوء- وبين التيمم.
(مسألة 420) : يستحب نفض اليدين بعد الضرب، وأن يكون ما يتيمم به من ربى الأرض وعواليها، ويكره أن يكون من مهابطها وأن يكون من تراب الطريق.
الفصل الثالث
في كيفية التيمم
وذلك: أن يضرب بيديه الأرض، وأن يكون دفعة واحدة على الأحوط وجوباً، بمعنى بطلانه على الأحوط مع تعمد التعدد، وأن يكون الضرب بباطنهما. ثم يمسح بهما جميعاً تمام جبهته وجبينه من قصاص الشعر إلى الحاجبين والى طرف الأنف الأعلى المتصل بالجبهة، والأحوط مسح الحاجبين أيضاً. ثم مسح تمام ظاهر الكف اليمنى من الزند إلى أطراف الأصابع بباطن اليسرى ثم مسح ظاهر الكف اليسرى كذلك بباطن الكف اليمنى.
(مسألة 421) : لا يجب المسح بتمام كل من الكفين، بل يكفي المسح ببعض كل منهما على نحو يستوعب الجبهة والجبين، فالمهم الاستيعاب في الممسوح لا الماسح.
(مسألة 422) : لا فرق في الماسح بين باطن الكف والأصابع، سواء كان الممسوح هو الوجه أو الكفين.
(مسألة 423) : المراد من الجبهة الموضع المستوي من أعلى الوجه. والمراد من الجبين ما بين هذا الموضع وبين طرف الحاجب إلى قصاص الشعر.
(مسألة 424) : الأحوط ثبات الجزء الممسوح مع حركة الجزء الماسح، دون العكس، ولا تحريكهما معاً. كما أنّ الأحوط تحريك الجزء الماسح باتجاه واحد لا أكثر، وهو على الأحوط من الأعلى إلى الأسفل في الوجه ومن الزند إلى الأصابع في الكف.
(مسألة 425) : يكفي في التيمم بدل الوضوء أو الغسل ضربة واحدة يمسح بها وجهه وكفيه ولكن الاحوط استحبابا أن يكون بضربتين، فيمسح بالضربة الأولى وجهه وكفيه ويمسح بالثانية كفيه. غير أنّ الأحوط نية الرجاء في الزائد.
(مسألة 426) : لا يجزي وضع اليدين على الأرض من دون مسمى الضرب ولا الضرب بـإحداهما، ولا بهما على التعاقب، ولا الضرب المتكرر بنية الجزئية، نعم، لا بأس به جهلاً أو سهواً. كما لا يجزي الضرب بظاهرهما ولا ببعض الباطن مع ترك جزء معتد به ولو بمقدار أنملة. ولا يجزي المسح بأحد الكفين وترك الآخر للوجه، ولا مسح الوجه بالكفين على التعاقب.
(مسألة 427) : الأحوط وجوباً جعل شيء من الزيادة في الجزء الممسوح من باب المقدمة العلمية.
(مسألة 428) : إذا تعذر الضرب والمسح بالباطن انتقل إلى الظاهر، ولا ينتقل إليه لو كان الباطن متنجساً بغير المتعدي مع تعذر الإزالة. وأمّا إذا كانت النجاسة حائلة مستوعبة، فالأحوط الجمع بين الظاهر والباطن في الضرب والمسح. وإذا كان على الممسوح حائل طاهر لا تمكن إزالته أو نجس غير متعدي كذلك، مسح عليه. وإذا كان متعدياً انتظر جفافه، فإن ضاق الوقت مسح عليه.
(مسألة 429) : المحدث بالأصغر يتيمم بدلاً عن الوضوء. والمحدث بالأكبر يتيمم بدلاً عن الغسل ويجزيه عن الوضوء، وإذا كان محدثاً بالأصغر أيضاً فالأحوط استحباباً أن يتوضأ. وإن لم يتمكن من الوضوء يتيمم بدلاً عنه، ولا يجزي التيمم بدل الغسل عن الوضوء إذا كان من الاستحاضة المتوسطة، وإذا أحدث بالأصغر بعد تيممه بدلاً عن الغسل وكان معذوراً عن الوضوء تيمم بدله، وإن لم يكن معذوراً توضأ. ولا ينتقض التيمم بدل الغسل إلا بحدثٍ أكبر.
الفصل الرابع
فيما يعتبر في التيمم
يشترط في التيمم نية القربة والإخلاص على ما تقدم في الوضوء مقارناً بها الضرب على الأظهر.
(مسألة 430) : لا تجب في التيمم نية البدلية عن الوضوء أو الغسل مادام التيمم بنحو واحد بدلاً عن أي منهما، بل تكفي حينئذ نية الأمر المتوجه إليه. والأفضل أن يعيّن المبدل عنه حينما يكون الأمر متعدداً كما في حالة الاستحاضة المتوسطة.
(مسألة 431) : الأقوى أنّ التيمم ليس مبيحاً للدخول فيما اشترطت فيه الطهارة فقط، بل هو رافع للحدث حال مشروعيته -أي حال وجود مسوغاته- فلا يحتاج إلى تكراره في كل عمل مشروط بالطهارة مالم ينقضه، لكن لا تجب فيه نية الرفع، ولكن الأحوط أن ينوي فيه تهيئة مقدمات الدخول في أحد الأفعال المشترطة بالطهارة ولو استحباباً، كقراءة القرآن. فإنّه لم تثبت مشروعية التيمم للكون على الطهارة إلا إذا كان عاجزاً عن تحقيق هذه الحالة بالماء، كمن يستيقظ أثناء النوم ويريد أن يحافظ على النوم متطهراً فيتيمم بالضرب على الفراش ونحوه، لكن العجز المسوّغ لهذه الحالة لا ينطبق على العجز المسوّغ للصلاة ونحوها.
(مسألة 432) : يشترط فيه المباشرة والموالاة حتى فيما كان بدلاً عن الغسل، ويشترط فيه أيضاً الترتيب على حسب ما تقدم.
(مسألة 433) : من قطعت إحدى كفيه أو كلتاهما يتيمم بالذراع. ومن قطعت إحدى يديه من المرفق يكتفي بضرب الأخرى بما يتيسر والمسح بها على الجبهة ثم مسح ظهرها بالأرض، وأما أقطع اليدين من المرفق فيكفيه مسح جبهته بالأرض، وقد مرّ حكم ذي الجبيرة والحائل في المسألة (428).
(مسألة 434) : العاجز ييمَّمه غيره، ولكن يضرب بيدي العاجز ويمسح بهما مع الإمكان. ولو دار الأمر بين وضع يدي العاجز بنفسه وضربها بغيره، قدم الأول، وإن كان الأحوط الجمع رجاءً. ومع العجز عن ذلك يضرب المتولي بيدَي نفسه ويمسح بهما وجه العاجز ويديه، وتكون النية للعاجز على أي حال، والأحوط في الصورة الأخيرة ضم نية المتولي أيضاً. ويجب تحصيله مهما زاد الثمن، ما لم يكن مضراً بحاله.
(مسألة 435) : إذا كانت للإنسان يدٌ زائدة مشتبهة باليد الأصلية وجب الجمع بين المسح بهما معاً والمسح عليهما كذلك، وإذا لم تكن مشتبهة بها لم يجب المسح بها ولا عليها، وأمّا إذا كان في مواضع التيمم لحم زائد فإن كان في الممسوح مسح عليه. وإن كان في الماسح مسح به.
(مسألة 436) : الشعر المتدلي على الجبهة يجب رفعه، سواء كان قليلاً أو كثيراً، ثم مسح البشرة تحته. وأمّا النابت فيها فالظاهر الاجتزاء بمسحه.
(مسألة 437) : إذا خالف الترتيب بطل مع فوات الموالاة وإن كانت المخالفة لجهل أو نسيان. أمّا لو لم تفُت صح إذا أعاد على نحو يحصل به الترتيب.
(مسألة 438) : الخاتم ونحوه حائل عن البشرة، يجب نزعه حال التيمم.
(مسألة 439) : الأحوط وجوباً اعتبار إباحة الفضاء الذي يقع فيه التيمم. وإذا كان التراب في إناء مغصوب لم يصح الضرب عليه.
(مسألة 440) : إذا شك في جزء منه بعد الفراغ لم يلتفت، ما لم يكن هو الجزء الأخير فإنّه يأتي به، ما لم تفُت الموالاة أو لم يدخل في عمل آخر غيره. ولو شك في جزء منه بعد التجاوز عن محله والدخول في الفعل الآخر لم يلتفت، كما لو شك في مسح جبهته بعد أن بدأ بمسح ظهر يده اليمنى، وإن كان الأحوط استحباباً التدارك.
الفصل الخامس
في أحكام التيمم
لا يجوز التيمم لصلاة مؤقتة قبل دخول وقتها، نعم، يمكنه التيمم بنية أخرى كما تقدم في المسألة (431)، ولو بقي العذر إلى حين دخول وقتها جازت الصلاة به، ويجوز التيمم عند ضيق وقتها. وفي جوازه في السعة إشكال، والأظهر الجواز مع اليأس عن التمكن من الماء، أو أن يأتي به وبالصلاة رجاء المطلوبية فلو اتفق التمكن من الماء بعد الصلاة وجبت الإعادة.
(مسألة 441) : إذا تيمم لصلاة فريضة أو نافلة لعذر ثم دخل وقت أخرى، فإن يئس من التمكن من الطهارة المائية جاز له المبادرة إلى الصلاة في سعة وقتها، وإلاّ ففيه إشكال إلا أن يأتي بها رجاءً. فإن تبين استمرار العجز صحت صلاته، وإلاّ فعليه الإعادة، والأحوط ذلك لليائس أيضاً.
(مسألة 442) : إذا وجد الماء في أثناء العمل المتوقف على الطهارة كالصلاة بطل عمله، وعليه الاستئناف بعد تجديد الطهارة المائية إن كان في الوقت سعة وإلا استمر بعمله بالطهارة الترابية.
(مسألة 443) : لو اجتمعت أسباب متعددة للحدث الأكبر كفاه تيمم واحد بدل الغسل بنية الجميع. وإذا كان أحدها الجنابة أو الحيض فليذكرها في نيته على الأحوط استحباباً.
(مسألة 444) : لم يثبت بدلية التيمم عن الأغسال المستحبة، كما لم يثبت كونه مستحباً استقلالياً كالوضوء، فالأحوط أن لا يؤتى به بهذه النية، ونحوها نية الكون على الطهارة. وسنشرح مشروعية البدلية في المسألة (448) الآتية بإذن الله تعالى.
(مسألة 445) : لا تجوز إراقة الماء الكافي للوضوء أو الغسل إذا كان منحصراً بعد دخول الوقت. وإذا تعمد ذلك أثم ووجب عليه التيمم مع اليأس من الماء وأجزأ، ولو تمكن بعد ذلك منه وجبت عليه الإعادة في الوقت على الأحوط دون خارجه.
(مسألة 446) : إذا كان على وضوء خلال الوقت لا يجوز له إبطاله، إذا علم بعدم وجود الماء وانتقال الوظيفة إلى التيمم. ولو أبطله والحال هذه أثم ووجب عليه التيمم.
(مسألة 447) : لا يجوز تعمد إيجاد الحدث الأكبر خلال الوقت إذا علم بفقد الماء، إلا أن يأتي أهله. والأحوط تجنب الإنزال بغير الجماع حينئذٍ، ولو أحدث والحال هذه وجب عليه التيمم. وأمّا قبل الوقت ولو قليلاً فلا إشكال في تعمد الحدث ولو علم بفقد الماء في الوقت.
(مسألة 448) : يشرع التيمم لكل عمل مشروط بالطهارة من الواجبات والمستحبات من الصلوات وغيرها، سواء كان اشتراطه أصلياً أو بالنذر ونحوه. وكذا كل ما يتوقف كماله على الطهارة إذا كان مأموراً به ولو استحباباً بدليل معتبر، كقراءة القرآن والأدعية والكون في المساجد والمراقد المقدسة. أمّا ما لم يثبت بدليل معتبر، فلا يستباح به غير ذلك العمل على الأحوط، أي ليس له الدخول في الصلاة مثلاً بذلك التيمم. وكذا الحكم - أي عدم مشروعية التيمم- في ما يحرم على المحدث من دون أن يكون مأموراً به، كمس كتابة القرآن وقراءة آيات السجدة.
(مسألة 449) : إذا تيمم المحدث لغاية جازت له كل غاية وصحت منه. فإذا تيمم للصلاة، جاز له دخول المساجد والمشاهد وغير ذلك مما يتوقف صحته أو جوازه على الطهارة، نعم، لا يجزي ذلك فيما إذا تيمم لضيق الوقت، فإنّه مع ارتفاع العذر بزوال هذا الضيق تتبع الحالة الجديدة حكمها، فلو تيمم لصلاة الصبح لضيق الوقت فإنّه - بعد أدائها وشروق الشمس- عليه أن يرتب حكم حالته في ذلك الوقت من وجود مسوّغ للتيمم وعدمه.
(مسألة 450) : المستحاضة الفاقدة للماء تتيمم بدل الوضوء أو بدل الغسل حسب تكليفها، نعم، لو ارتفع عذرها عن الغسل بعد التيمم والصلاة، فالأحوط لها الاغتسال للصلاة الأخرى إذا كانت لوقت آخر، فالمستحاضة المتوسطة إن تيممت لصلاة الصبح بدل الغسل، ثم وجدت الماء للظهرين وجب عليها الغسل. وأمّا إذا كانت الصلاة لنفس الوقت فالأحوط تجديد الغسل والصلاة، كالمستحاضة الكبيرة إذا تيممت للظهر وصلّت ثم وجدت الماء.
(مسألة 451) : ينتقض التيمم بمجرد التمكن من الطهارة المائية، ويتحقق الانتقاض بوجدان الماء الكافي في الوقت الكافي لإيجاد الطهارة المائية. مع عدم وجود المانع.
(مسألة 452) : إذا وجد الماء مَن تيمم تيمُّمين بدل الغسل وبدل الوضوء، وكان كافياً للوضوء خاصة انتقض تيمُّمه الذي هو بدل عنه. وإن كان كافياً للغسل انتقض كلا التيمُّمين على الأحوط.
(مسألة 453) : إذا وجد جماعة متيممون ماءً لا يكفي إلا لأحدهم، فإن كان ملكاً لأحدهم أو ما بحكمه كما لو أباحه له المالك انتقض تيممه خاصة. وإن كان الماء مباحاً لهم جميعاً فيجب عليهم السعي للحصول عليه، فإن لم يتيسر أن يتوضأ أحدهم لم يبطل تيممهم جميعاً، وإن تيسر ذلك لم يبطل تيمم الآخرين. وإن سعى واحد وتخلف الباقي بطل تيمم السابق. وإن لم يسعَوا إليه بطل تيمم الجميع. إلا أنّ الأحوط مع عدم حصول الحدث هو التيمم رجاء المطلوبية، ولا فرق في إباحة هذا الماء بين الإباحة الأصلية أو إباحة المالك.
(مسألة 454) : إذا اجتمع جنب ومحدث بالأصغر وميت، وكان هناك ماء لا يكفي إلا لأحدهم فإن كان مملوكاً لأحدهم أو بحكم المملوك له تعين صرفه لنفسه. وإلا فيجب على الجنب والمحدث بالأصغر السعي لتحصيل التمكن من استعماله في تكليف السابق منهما، ولو كان ولي الميت المأمور بتغسيله غيرهما وجب عليه السعي معهم.
(مسألة 455) : إذا شك بوجود حاجب في بعض مواضع التيمم فحاله حال الوضوء والغسل، من أنّ الحاجب هل هو مسبوق بالوجود أو بالعدم فيستصحب حالته السابقة، أو ليس كذلك فيجب الفحص حتى يحصل له الاطمئنان بالعدم مما تقدم في باب الوضوء.