محور تفعيل النص القرآني
محور تفعيل النص القرآني
بسم الله الرحمن الرحيم
روي عن ابن مسعود انه قال: من اراد علم الاولين والآخرين فليثوّر القرآن.
وهذا التثوير هو تفعيل النص القرآني لا على وتيرة استرجاعية مديحية، بل تحسس الخطاب القرآني واستجلاء مكنوناته النصية بما يضيء النص الوضعي ويعزز فكرته ويعمق من حجته التوصيلية لدى المتلقي فضلاً عن المدد التشريعي الذي يضيفه الخطاب القرآني للخطاب الانساني حين ينهض على وتيرة استدعائية من شأنها اخراج هذا المعطى الالهي من كونه نصاً مقدساً غير مفعل بقوة مع المعطى الحياتي الى نص متفاعل ومؤثر بقوة مع مستجدات الحياة كمرجعية نصية شرعية ساندة.. وهذا يتطلب وعياً رؤيوياً عالياً بالنص القرآني والسنة النبوية الشريفة وقدرة موهوبة من الاجتهاد والمزج بين ما هو منقول من النص وما هو معقول من الاجتهاد..
كذلك الحفظ الواعي للنص القرآني واستدعاؤه في اللحظة المناسبة كحكم تعزيز فيصبح النص القرآني حينئذ اشبه بالثريا فوق النص الوضعي وفوق الاحكام الوضعية الانسانية يضيء للحياة من الفيض الالهي المكتنز في القرآن الكريم على انه (تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ) او (مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ)..
وهنا ياتي دور المرجعية الرشيدة بقدرتها على استنباط الحكم ازاء هذا الـ(كل شيء) وتبيانه وربطه بواقع الحياة المتجدد وتطعيم النص الانساني بالنص القرآني لاضاءته شرعياً ونصياً..
فقد لاحظنا في كتاب (خطاب المرحلة) لسماحة الشيخ اليعقوبي هذه الاضاءة القرآنية الدالة والمؤثرة والداعمة لخطاب المرحلة بما تعزز من ايمان المؤمنين وتوسع الفسحة الايمانية لكل المسلمين متلقيي هذا الخطاب والسائرين في ركاب الدين الاسلامي الحنيف.. وحتى حين يخاطب سماحته الاخرين من اصحاب الكتاب يذكرهم بما جاء في القرآن الكريم فيما يتعلق بالقضية التي يحاورهم بها.. ففي خطاب التهنئة لبابا الفاتيكان بمناسبة اعياد الميلاد يذكره بان السيد المسيح من اولي العزم واصحاب الرسالات الذين امر تعالى نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ان يسير على هداهم ويلتزم بطريقتهم المثلى، كما قال تعالى: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ).
ثم يذكر له (انا نحن المسلمين نعرف عظمة السيد المسيح بما عرّفه لنا القرآن الكريم ونحترم اتباعه لانهم اقرب الناس الينا) ويذكره بالنص القرآني (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ، وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ).
ان هذا الخطاب والحوار مع المرجعية المسيحية العليا في العالم المدعوم بالنص القرآني المؤثر الفاعل يضع الجانب الآخر امام حقيقة الاسلام المشرقة وقدرته على التحاور السلمي مع الاديان الاخرى، ولا سيما الدين المسيحي.
وقد استثمر سماحة الشيخ مقدمته لكتاب (علي بن ابي طالب : صوت العدالة الانسانية) لمؤلفه المسيحي جورج جرداق ليوضح هذا التقارب والتفاهم الانساني المشترك بين الدينين المسيحي والاسلامي كونهما يشكلان النسبة الاعلى من السكان في العالم بل هما يمثلان الشرق والغرب من العالم, ويركز سماحته على ان هذا التقارب فيه تهديد للصهيونية ولوجودها , ما دعا الصهيونية ان تروج وتنفخ لاثارة الحقد والتباعد بين المسيحيين والمسلمين فالشيخ يؤكد على انه (لا توجد عداوة ولا منافرة ذاتية بين المسيحيين والمسلمين, أي بما هم مسيحيون ومسلمون) معززاً طرحه بالآية السابقة (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً..) ثم يدعم هذا الطرح القرآني بما هو على ارض الواقع حيث كشفت نتائج استطلاع اوربي مؤخراً بان اكثرية الآراء اشارت بأن الكيان الصهيوني هو مصدر القلق والارهاب الاول في العالم كذلك تصويت اكثر من ولاية في بلجيكا لمصلحة قطع العلاقات مع هذا الكيان.. ثم يربط مصطلح العولمة ومفهومه الداعي الى وضع العالم في القالب السياسي والفكري والنفسي الذي خططوا له لكي يسير العالم وفق رؤاهم ومخططاتهم وبالتالي وفق مصالحهم مستغلين هذا المفهوم المراد منه ان يكون ثقافياً وفرصة لاطلاع العالم على بعضه البعض من خلال كونه قرية واحدة من المعلومات المتصلة والمتاحة ولكن المستكبرين سحبوا هذه العالماتية المشتركة الى مصالحهم واستكبارهم لكي تبقى دول العالم تسير في ركبهم مهما سدروا في الغي والطغيان ومصادرة حقوق الانسان او الشعوب في كل مكان في العالم.. وهنا يحيل سماحة الشيخ هذا المفهوم الى الآي القرآني الكريم مستشهداً بمنطق المستكبرين في التاريخ امثال فرعون (مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى) او في آية اخرى (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ).
ومن منطلق ان الدين الاسلامي لا يجبر احداً على الدخول فيه(لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) فان انفتاح الدين الاسلامي على الاخر الكتابي من اصحاب الاديان والكتب هو دليل على رصانة الدين الاسلامي والثقة والارضية الالهية الصلبة التي يقف عليها وينتشر ويتفرع منها.
هذا ما يُذكّر به الشيخ في تفعيله للنص القرآني على التطبيقات الحياتية ودعمها بالمدد الشرعي والاوامر الالهية.. وبهذا التفعيل للنص القرآني يؤكد حضوره كنص سرمدي ونص معجز جعل من الذهنية الاسلامية امة تحمله الى الانسانية قاطبة.. فالاسلام يدعو بثقة الى التحاور مع الاديان الاخرى كما يستشهد سماحة الشيخ بالآية (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) أو (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).
ليكمل سماحته (أي ان الدين الاسلامي حافل بالمثل العليا بل يجعلها الهدف الرئيس من بعثة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) برسالة الاسلام وهي تكميل اخلاق البشر قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق).
وفي موضوعة استلهام صفات القائد من النص القرآني يستشهد سماحته بالآية القرآنية مع تفصيلها وتحليل صفات القائد من خلالها مشيراً الى تشخيص الآية لبعض صفات القيادة في شخصية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ) يحمل رسالة شريفة ربانية وقد استوعبها علماً وعملاً، ثم يكمل سماحته الآية مع شرحه لها (من انفسكم) عاش محنتكم وعرف مشاكلكم وهو خبير بكم وانتم تعرفونه في صدقه وامانته واخلاصه (عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ) يتألم لما يصيبكم من عناء وشقاء نتيجة الابتعاد عن المنهج الالهي في الحياة فله همة عظيمة في انقاذكم من هذه الحياة النكدة ولا يعيش هم نفسه فقط ومصلحته وانانيته معزولا عن الناس (حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ) يبذل كل ما في وسعه لاسعادكم ولا يدخر جهداً في اصلاحكم (بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) يضحي من اجلهم ويؤثر على نفسه.. وهكذا سار الشيخ مع هذه الآية مفسراً وداعماً لحديثه وخطابه ومشخصاً صفات القائد التي يجب ان يتحلى بها كل مسؤول يتصدى للقيادة والسياسة وهذا هو التفعيل المؤثر للنص القرآني لدى المتلقي.
وفي موضوع مسؤولية الكلمة يتحدث سماحة الشيخ لمناسبة مرور عام على افتتاح اذاعة البلاد في احتفالية اقيمت في وزارة الثقافة ويضيء المعنى العام الشامل للكلمة سواء كانت هذه الكلمة نصاً او خبراً او عهداً وغيره فانها تقع ضمن الكلمة وفضائها الشرعي والاخلاقي.
فان الكلام زرع كما يصفه القرآن الكريم وهذا الزرع اما يثمر ثمراً طيباً او ثمراً خبيثاً.. لذا فان من مسؤولية الاعلام كما يوجه سماحة الشيخ ويحذر بان يكون رمزاً للكلمة الطيبة او الشجرة الطيبة (لذا خصص المشرع الاقدس حصة كبيرة من تعاليمه لتهذيب الكلمة وتوجيهها لتكون نافعة بناءة فرسم ملامح الكلمة الطيبة (كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا) وحذر سماحته من الكلمة الخبيثة مذكراً بالنص القرآني (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ) اذن فالكلمة الخبيثة غير مستقرة لعدم ثقتها بنفسها وقائلها عكس الكلمة الطيبة ذات الاصل الثابت.. وهذه الاحالة ازاء العمل الاعلامي على النص القرآني فيه من تفعيل النص القرآني بما يضع صاحب الكلمة امام الحكم الالهي وشرعية العمل الاعلامي من عدمه.
وهذا الاستشهاد المؤثر بالآي القرآني ضمن خطاب المرحلة يثبت ان القرآن له من القدرة والمرونة على ان يكون دليلاً في كل الامور السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وان العقلية الكبيرة والمرجعية الرشيدة هي التي تستطيع ان تستفيد وتستنبط من قدرة القرآن في تنظيم كل شيء واثبات ان عقيدة القرآن كل متكامل.
واحياناً يكون النص القرآني ليس قريب المعنى او ليس في المتناول اليسير للاستشهاد به وليس من الآيات المشهورة في دعم رأي او فكرة ولكن سماحة الشيخ يذهب الى هذا البعد النصي القرآني ويسبر غوره ويستجليه بما يدعم فكرته من ناحية ويفعل النص القرآني من ناحية اخرى ففي حديثه بتاريخ 10/4/2006 الى احدى المجاميع الشعبية وقد ارتدت الاكفان استعداداً للتضحية يشير سمـاحته:
(.. فنحن كما اننا محتاجون لمشاريع الاستشهاد وحينما يدعو الواجب اليها كذلك نحن بحاجة الى مشاريع اعمار لكل انشطة الحياة الفكرية والاخلاقية والدينية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والهدف الذي خلقنا من اجله..) ثم يدعم هذا الراي والفكرة او الخطاب بقوله تعالى (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ). فاستعمار الارض او اعمارها من مسؤولية الانسان على الارض وهذا ما استخلصه سماحة الشيخ في هذه المناسبة من النص القرآني..
وفي رسالته الى المؤتمر الوطني العراقي في 15/8/2004 يحث سماحته المؤتمرين على روح التسامح مع الشعب والنظرة اليه بروح الابوة والصدر الواسع بعيداً عن مشاعر المحاسبة والانتقام ونبذ الخلافات الشخصية وعدم النظر الى معالجة الامور من زاوية المصالح الخاصة، ويذكر بقوله تعالى (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ..).
فيضع المسؤولين المؤتمرين امام حكم الله وامام مسؤوليتهم ازاء الشعب مفعلاً النص القرآني المناسب لهذه الفكرة..
فالشيخ عنده بوصلة معرفية شرعية تفتح له كل الدروب والآفاق الايمانية هي القرآن الكريم والسنة النبوية ونهج آل البيت (عليهم السلام) حيث يضع هذه الدلائل نصب عينه سواء في الحكم الشرعي او الخطاب.. فلا تاخذه في الله لومة لائم ولا تغريه او تخدعه الشعارات السياسية او المشاريع التي تتخذ من الديمقراطية والحرية غطاءً لها ومبرراً لتطبيقها.. فحتى في موضوع الديمقراطية يضع الشيخ حدوداً وشرائط شرعية لا يمكن تجاوزها تحت أي ذريعة وهذا ما يوضحه في لقائه مع احدى المؤسسات الثقافية داعماً رأيه بالنص القرآني الكريم فيرد على سؤال بهذا الشان بقوله (..فلا يحق لاي شخص ان يسن تشريعاً مخالفاً لشريعة الله تبارك وتعالى وفي ضوء هذا المبدأ على السلطات الثلاث - التشريعية والقضائية والتنفيذية - ان تفهم صلاحياتها وحدودها..) وان الديمقراطية لها حدودها حين تتقاطع مع تعاليم السماء والشرع الالهي ولكنها مقبولة ومطلوبة كنظام تنظم به الامة شؤونها الادارية والسياسية (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) وحتى في الرد على من يدعي ان لا ديمقراطية في الاسلام متخذا من الآية الكريمة (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا). متخذاً منها حجة ضد ديمقراطية الاسلام فان سماحته يرد على هذا الادعاء بانه (نظرة مبتورة للنظام الاسلامي) ويذكر قوله تعالى (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ).
فانه كما توجد هذه الآية توجد الآية المتقدمة (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) وقوله تعالى(وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ). فحرية الفرد ووجوده ورأيه محترم ضمن الاطار العام الذي تنظمه الشريعة..).
اذن فالشيخ ينهل من النص القرآني ما يرد على هذا الادعاء وغيره وانه على الذي يحاجج بالقرآن ان لا ينظر نظراً مبتوراً اليه او يبتر جزءً من احكام الله.
بيد ان سماحة الشيخ لا يكتفي بالنص القرآني احياناً لايضاح فكرة ما والاضاءة لها على الرغم من قوة المحاججة بالنص القرآني ولكن يجعل من نص الاحاديث الشريفة للنبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن بعض اقوال الائمة المعصومين (عليهم السلام) دعامات نصية لان هذه الاحاديث والاقوال الشريفة خاضت في اهم امور المسلمين وقضاياهم الملحة فيمكن ان ترد هذه الامور الى حكم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) او حكم الائمة (عليهم السلام) فيها.
كذلك يرد على من يحبذ العلمانية في المجتمع الإسلامي بقول حاسم وواضح دون مواربة أو مجاملة داعمه من النص القرآني فيقول سماحته (ان العلمانية تعني معاداة الدين الإسلامي والسعي للقضاء عليه وليست حالة وسطى بين الدين والكفر..) ويدعمه بقوله تعالى (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ).
وعن الدعم النصي والشرعي بأحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) فعن صلاة الجمعة وأهميتها في الدين الإسلامي مثلاً يُذكّر سماحته بقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لإعرابي جاء يشكو إليه عدم استطاعته الحج(عليك بالجمعة فانها حج المساكين).
وفي توجيهاته للعمل بالمعروف والنهي عن المنكر مهما كلف المؤمن من نتائج.. فان سماحته يذكر في حديثه لمناسبة العطلة الصيفية للشباب (.. وقد كانت تكلفني مثل هذه المحاضرات التي كنت القيها تحت اسماع وابصار جلاوزة صدام اخطر النتائج ولكني كنت مطمئناً الى قول امير المؤمنين (عليه السلام) (ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لن يقربا اجلاً ولن يقطعا رزقاً) فضلاً عن قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ).
أي ان سماحته يستخدم النص القرآني والأحاديث النبوية الشريفة وأقوال الأئمة (عليهم السلام) دليلا ومنارا للعمل لان رضا الله هو غاية المؤمن مهما تكن الوسيلة.
وفي الكلمة التي القاها سماحته على المئات من الطلبة الجامعيين في7/ 5/ 2005 يُصدّر كلامه بالقول ان الوضع الامني السيء مصداق لقول الله تعالى (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) مفسراً انطباق هذه الآية على الواقع العراقي بانه لابد من ثمن لمثل هذا التغيير التاريخي العظيم كما ان ما حصل من عنف بحق العراقيين أمام أنظار العالم جعل العالم يعيد قراءة التاريخ ويلتفت الى (الوجه القبيح لهؤلاء واخذ يصدق ان اسلاف هؤلاء قتلوا الرضيع واحرقوا بيوت عقائل النبوة ودفنوا الصلحاء وهم احياء.. وليست هذه الأخبار حكايات مصطنعة..) لان ما يحصل الآن على ارض الواقع هو فروع وميراث لذلك العنف التاريخي بحق اهل البيت او بحق العراقيين الملتزمين ببيت النبوة.. كما ان مسؤولية الشعب العراقي ازاء هذا العنف والاعتداء على دمائهم البريئة هو( التواجد المكثف والفاعل في الساحة وملء مفاصل الحياة والدولة كما وقفت بشجاعة ووعي يثيران الفخر والاعتزاز يوم الانتخابات والمسيرات المليونية..) أي ان ردة الفعل الشعبية تجاه هذا العنف هي ما يخدم شعبنا ومسيرته ويجعله اكثرالتصاقاً بمبادئه ووحدة صفه بل ان الشعب العراقي فضح هؤلاء المجرمين الارهابيين وفضح الذين يقفون من ورائهم ولاسيما علماء السوء الذين يفتون لهم بقتل العراقيين الابرياء ثم يُذكّر سماحته بالآية الكريمة التي تصف الحال (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ، وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ).
فالذي حصل للشعب العراقي من توحد وانبعاث والتفاف حول المرجعية وكشف المؤامرات من حوله ومعرفة الكثير من الاسرار الدولية والاقليمية وما يضر وما ينفعه من سياسات وغيرها من مكتسبات معنوية ينطبق عليه قول الله تعالى (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا).. كما ان سماحته يختم الكثير من خطاباته بقوله تعالى (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)..
ان تفعيل النص القرآني والأحاديث الشريفة وأقوال الأئمة واحدة من المهيمنات النصية في خطاب سماحة الشيخ اليعقوبي من هنا كان خطابه مؤثراً وفاعلاً في الساحة العراقية ومكتنزاً بالمعاني الإيمانية المدعومة بالحجج الدامغة ما احدث علاقة جدلية بين خطابه المرحلي الآني او الستراتيجي وبين النص القرآني بحيث أن احدهم يُفعّل الآخر حين ينصهران في خطاب توجيهي وإيماني واحد لتتحد بهما أو من خلالهما قيم الأرض مع قيم السماء فيكون النص المرجعي دليلاً للمسلم في كل الظروف سواء المستقرة منها أو الظروف الصعبة كما تشهده الساحة العراقية في المرحلة الراهنة..