محور الموقف من الاحتلال
محور الموقف من الاحتلال
بسم الله الرحمن الرحيم
كل احتلال من قبل دولة أو اكثر لدولة اخرى هو احتلال بالمعنى العسكري والسوقي لهذه الكلمة وما يتبعه من معان اخرى سياسية وثقافية واقتصادية وغيرها.. وما يتبعه من سياسات واساليب احتلالية استعمارية معروفة مثل سياسة فرق تسد أو سياسة تفتيت الكل من اجل السيطرة على اجزاء هذا الكل المتفتت لان الكل الواحد يصعب السيطرة عليه ومقاومته... وهذه الحقيقة يعرفها المحتل مثلما يعرفها الشعب وعلى رأس الشعب المرجعية الرشيدة، ولكن الاحتلال دائماً ياتي من منافذ تبرر حضوره وتواجده في الارض التي يحتلها بحيث تسوغ هذه المبررات الاحتلال وتصوره تحريراً وليس فتحاً.. خلاصاً وليس عبودية، حلاً وليس مشكلة.. وهنا اتذكر قصيدة للشاعر اليوناني كفافي عنوانها (البرابرة) الذي يصور فيها انتظار هؤلاء البرابرة كحل من الحلول المهمة المنتظرة....
من هنا يركز المحتل دائماً على تكريس صورة المخلص والمحرر وصاحب الحل.. ولا سيما بوجود المنافذ التي اشرنا اليها وهي وجود الحاكم الظالم او المعتدي على الآخرين فهو اذن - المحتل- مخلص لشعب الحاكم من ناحية وللشعوب المجاورة من ناحية اخرى.. كذلك يعمل المحتل على سياسة خلق الفوضى والقضاء عليها، أي خلق المشكلة التي لاتحل الا بوجوده كما يصورها هو، أي لاتحل الا بأدواته وامكانياته وحشوده وقوته العسكرية..أي بمفاتيحه الخاصة.. اما مصالح هذا المحتل والعمل عليها فانها تجري من تحت هذا الغطاء الخلاصي والتحرري وحل المشاكل والقضاء على الفوضى.
كما ان المحتل قد عرف من خلال العصر الحديث على الاقل انه حتى حين يخرج فانه يزرع مشكلة ذات بعد ستراتيجي لا تحل الا بالعودة اليه - المحتل - وانه يجعل منها مسمار جحا يعود الى الدار بحجة هذا المسمار متى ما شاء.
ولكننا لم نصل بعد الى مرحلة المسمار فالمحتل مازال في الدار وان كان له مسامير قديمة من احتلال قديم هو الاحتلال البريطاني للعراق.
فمحتلنا الجديد يتظاهر بكل لباقة بحرصه على العراق والعراقيين ولكنه لا يتورع احياناً من التصريح بالضد من ذلك حين يحتاج ان يقنع شعبه بوجوده خارج دولته كتصريح الرئيس الامريكي جورج بوش اكثر من مرة بانه نجح في ابعاد الارهاب عن وطنه وانه ينازله في ساحات اخرى بعيدة عن شعبه ووطنه وتكملة هذا الكلام معروفة انه ينازله في العراق او في افغانستان على حساب الشعب العراقي او الشعب الافغانستاني مهما كان الثمن الذي تدفعه الشعوب الاخرى من تضحيات واذلال وسرقة اموالها وغيرها من الخسائر الجسيمة.. كما ان المحتل القديم جاء لنا هذه المرة بتسويق الديمقراطية وفرضها في الشرق الاوسط.. وهذا مسمار كبير ومهم سيجعلنا نحتاج الى المحتل دائماً – كما يتصور – ويجعله يعود متى ما شاء – كما يتصور ايضاً – الى هذه الدار بحجة هذا المسمار ان خرج منها.
اذن فهذا المحتل مدجج بالحجج سواء امام شعبه او امام الشعوب التي يحتلها او الشعوب الاخرى.. كما هو مدجج بالسلاح والعتاد والرجال.. ولكن حبل الكذب قصير ولا سيما حين تكون الكذبة على شعب او على شعوب وان الذي يقطع هذا الحبل ويجعله قصيراً هو حقيقة الاحتلال الكامنة فيه وفي تصرفاته والمستجدات من الاحداث التي تضعه على المحك من هذه الحقيقة.
وكذلك وعي الشعوب وخبرتها وتجربتها المريرة مع الاحتلال ولا سيما شعبنا العراقي الذي عانى وما يزال يعاني من وطأة هذا المحتل وسياساته المخادعة.
فالشعب العراقي يدرك حقيقة مهمة ان الفضل الذي حصل في التغيير في العراق ليس للمحتل او لنقل ليس كله له وانما الجزء اليسير منه للمحتل لانه غيّر سلطة منخورة من الداخل من قبل الشعب الذي عزل هذه السلطة وتخلى عنها ولم يدافع عنها امام المحتل وجعلها لقمة سائغة للتغيير، بل ان هذا المحتل لم يقدم على خطوته باحتلال العراق لو لم يعرف يقيناً بانه سيقاتل سلطة آيلة للسقوط وقد نخر فيها البغض الشعبي حتى جعلها غصنا يابسا يسقط امام أية ريح قادمة.
ولكن بالمقابل هذه السلطة المنخورة اتعبت الشعب بالحروب والحصار والتجويع وجردته من كل وسائل المقاومة فلم يبق لديه سوى وسائل الايمان وسحب البساط الشعبي والجماهيري من تحت اقدامها لذلك فان هذا الشعب لم يستطع كسر هذا الغصن اليابس ولكنه تركه في مهب الريح معزولاً أجرداً فكان ما كان.. !
وهنا نستفيد من خطاب لسماحة الشيخ بعنوان (هل لامريكا الفضل في حصول التغيير ؟) حيث يركز على بعض النقاط المهمة بهذا الصدد في حديثه مع اهالي مدينة الكوت بتاريخ 2/7/2003 أي بعد السقوط بثلاثة ايام فقط (يشعر البعض انه مدين للولايات المتحدة في ذلك وبعضهم ممن يسمون بالاسلاميين لذا تجدهم موافقين على كل ما تمليه عليهم الولايات المتحدة وان كان فيه مصادرة لاستقلالهم ولارادتهم ولحقوق شعبهم لذا وجب تصحيح هذا الوهم..).
وهو بهذا يضع النقاط على الحروف امام أتباع امريكا وادواتها في العملية السياسية ومن يسير في ركبهم ليبصرهم بان المحتل يأخذ منهم اكثر مما يعطيهم حين يصادر حقوق شعبهم.. ثم يذكر سماحة الشيخ النقاط التي تدعم رأيه ليضعها امام هؤلاء الموهومين وامام المحتل نفسه.
(1 – ان الشعب بتضحياته و بجهاده المتواصل ضد النظام.. أوجد حالة من الرفض والانعزال، والانهيار بحيث لم تقع معركة حقيقية طيلة الحرب..) وهذا ما لمسه العالم وما احسه المحتل ويؤكده سقوط بغداد السريع بلا أية مقاومة تذكر وخاصة من قبل الشعب الذي يزيد تعداده في بغداد وحدها اكثر من سبعة ملايين انسان ولكن البغداديين والعراقيين بشكل عام كانوا ينتظرون (البرابرة) كما يقول كفافي في قصيدته.
(2- ان امريكا وان كانت افضل من النظام في بعض الجهات الا انها اضر علينا من جهات اخرى هي اهم..) وقد كان هذا الكلام من لدن سماحته بعد ثلاثة اشهر تقريباً من السقوط ايام كانت فكرة الفردوس المجلوب مع الاحتلال هي السائدة في الساحة العراقية ولم تبدأ صورة المحتل البشعة بالانكشاف بعد.. ما ادى الى انخداع الكثيرين بهذه الصورة حيث ان المحتل لم يكشر عن انيابه بعد كما ان تردي الاوضاع الامنية لم يتضح بعد سوى غبار الحرب المنتشر في الطرقات وفي النفوس الا ان شخصية دينية مفكرة ومرجعية رشيدة مثل الشيخ اليعقوبي لم تخدعه الاساليب البراقة للمحتل بل هو يشخص سوء هذا المحتل منذ فترة مبكرة من السقوط ويعد المواجهة مع المحتل مقارنة بالمواجهة مع النظام السابق بانها مواجهة:
(أخلاقية وعقائدية وفكرية واجتماعية مع انفتاح وانفلات ودغدغة للنفس الامارة بالسوء وتوسع مادي فهي اخبث..) أي ان هذا العدو خلصنا من عدو اقل منه قدرة ومرمى واهدافاً لانه عدو من ملة اخرى وعالم آخر هو العالم الغربي فهذا العدو - المنقذ - يريد ان يمسح الهوية العراقية والاسلامية وله اجندة اخطر على المستوى القريب والبعيد.. فاذا أبقينا عليه اذن سنكون كالمستجير من الرمضاء بالنار.!
(3- ان امريكا وبريطانيا وكل القوى المادية لا تفكر الا بمصالحها..) وهذا هو طبع المحتل مهما كانت شعاراته وسياساته فهو لم يفعل كل ما فعله وعبر البحار والمحيطات باساطيله ومعداته وحشوده لسواد عيون العراقيين وهذا ما أكده الواقع مع تجدد الاحداث فكثير من مصالح امريكا معقودة بهذا الاحتلال وأولها السيطرة على منطقة الشرق الاوسط الغنية بالثروات وتأمين الحماية لاسرائيل ومستقبلها وابعاد الحرب مع الارهاب عن الساحة الامريكية، وتعزيز وجودها في الخليج العربي والتلويح بهيمنتها على العالم كقطب احادي لا يمكن مجاراته.
(4- ان التغيير الذي حصل ظاهراً على يد الولايات المتحدة وبريطانيا وهو صحيح لان الظالم لا يقدر عليه الا من هو اظلم منه، الا ان المسبب الحقيقي هو الله تعالى..) وهل يفوت سماحة الشيخ ان يذكر بان القضية كلها تعود الى ارادة الله وتقديره الذي يمد الطاغي الى حين (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ).
وقد كانت المرجعية الرشيدة تمثل صمام الامان للشعب العراقي امام تصرفات المحتل وسياساته في العراق والرقيب الشرعي الذي يحافظ ويدافع عن الهوية الاسلامية والعراقية بوجه ما هو مضمر او معلن من سياسة الاحتلال ضد هذه الهوية وقد تجلى هذا المبدأ بمواقف عديدة منها حين اعلن مسؤول الادارة لقوات الاحتلال بول بريمر بانه سيستعمل حق النقض ضد إقرار الاسلام كمصدر اساس للتشريع في الدستور العراقي المؤقت او الدائمي فما كان من سماحة الشيخ الا ان يوجه اليه رسالة مفتوحة بتاريخ 22/2/2004 ليضعه امام حقيقة الهوية العراقية الاسلامية وحقيقة نفسه كمحتل ذي وجود نشاز ومؤقت على ارض العراق وليس له سلطة في التدخل بشؤون العراقيين الدينية والحضارية والثقافية والفكرية وهل هناك حق نقض للمحتل في القوانين الدولية بالتدخل في الشؤون الدينية والدستورية.. ولكن هذه التصريحات (تكشف نواياهم الحقيقية من حربهم على العراق واحتلاله..) مشيراً سماحته من طرف خفي الى النية الحقيقية لدى الاحتلال من محاولة سحب السند الروحي والدعم الالهي للشعب العراقي المتمثل بدينه الاسلامي دين الاغلبية العظمى وان من اهم مرتكزات الاحتلال هو الحرب على الاسلام وفك عرى التلاحم بينه وبين الشعوب المسلمة.. ويذكّره سماحة الشيخ بان (الاسلام منبع ثقافة هذه الامة واساس حضارتها.. وان من حق كل شعب ان يثبت في دستوره معالم حضارته وثقافته..) ليؤكد له ايضاً بان الدستور يجب ان يكتب بايد عراقية خالصة بعيداً عن تدخلات المحتل ودسائسه في الدساتير.
ثم يشير الى نقطة مهمة في الاسلام هي التي تثير الخوف والقلق عند بريمر او من الغرب بشكل عام وهي (نظام الحكم المبتنى على ولاية الفقيه، وقانون العقوبات..) لان هذا النظام وهذا القانون يجعلان الحكم (بما انزل الله) وليس ما يريده الظالمون او الكافرون او الفاسقون او المحتلون لانه سيخرج السلطة القضائية والسلطة التنفيذية والسلطة التشريعية من سيطرتهم ويجعلها بيد الشريعة الاسلامية المحصنة بالحكم الالهي.. أي ان الشعب سيتحصن بالله من الشيطان في كل تفاصيل حياته وهذا ما لا يوافق سياسة المحتل واجندته للشعب العراقي.
وحتى اذا لم يتحقق نظام ولاية الفقيه في العراق فان المرجعية تبقي مراقبتها الشرعية السديدة على الدستور العراقي وعلى الحياة العراقية بشكل عام بما لايبتعد عن الشريعة الاسلامية ولا ينافي اخلاقيات الدين الاسلامي الحنيف.
ثم اخيراً في الرسالة يحذر سماحة الشيخ بريمر ويذكره بان (الشعب لا يسكت اذا مس عقيدته شيء وهو لم يرفض نظام صدام الا لانه حارب شعائر الاسلام..) ولمزيد من التحذير يذكره بان رسالته - بريمر- جاءت في زمن إقبال الامة على شهر محرم الحرام الذي تفور فيه شرايين الامة بدماء التضحية.
وقد جاءت هذه الرسالة من سماحة الشيخ في زمن كان اغلب السياسيين يجاملون بريمر ويخطبون وده من اجل مصالحهم الشخصية او السياسية على حساب القضية العراقية وحقوق الشعب العراقي.
ومثل هذا التحذير والتبصير يوجه سماحته لبول بريمر ايضاً في بيان رقم ( 3 ) من (خطاب المرحلة) حين عد بريمر الجماهير الغاضبة التي طالبت بحقوقها بطرق سلمية وحضارية انها خارجة على القانون ولكن هذه المرة يُحمّل سماحته مجلس الحكم مسؤوليته ليأخذ دوره الوطني ازاء هكذا تصرفات او تصريحات من قبل الحاكم المدني.
ولكن سماحة الشيخ يضع في حسبانه ان سياسة امريكا لا تمثل شعبها الامريكي لذلك فهو يدعو الى الحوار الحضاري بين الشعبين والى الاستفادة المتبادلة، ولكن السياسة الخاطئة للحكومة الامريكية تضيع من هذه الفرصة وتزيد من الكراهية.. بل هو يشعر بمشاعر العوائل الامريكية التي تتلقى جنائز ابنائها القادمة من العراق باسى معبراً عن ذلك (اننا كما تعتصر قلوبنا للمشاهد المفجعة في مدن العراق، نألم لحال الاسر الامريكية التي تستقبل جنائز ابنائها.. نطمح ان تنشأ بين شعبينا علاقة احترام متبادل بعد زوال الاحتلال..) أي ان الاحتلال هو العائق امام العلاقة الطيبة والحضارية بين الشعبين او البلدين لانه علاقة غير طبيعية مبنية على العداء والاعتداء، في حين ان العلاقة بين الغرب والشرق يجب ان تكون علاقة حوار حضارات واديان وتبادل ثقافات وخبرات في اجواء طبيعية من التعامل المتكافئ، وبما ان الولايات المتحدة كدولة وكشعب أو أمة امامها - يؤكد سماحة الشيخ - (تحد كبير في العراق اليوم فهي رمز حضارة الغرب وهذه الحضارة كلها امانة في اعناقهم فاما ان يثبتوا للبشرية مصداقيتهم واعطاء صورة مقنعة واما ان تتهاوى الحضارة وسوف لا تقوم لها قائمة..).
وفي كتابه المعنون (نحن والغرب) يتكلم سماحته عن هذه العلاقة استعداداً لهذه المرحلة وما تتضمنه من تحديات وما تقتضيه من تكليف لانها مرحلة الانفتاح على العالم من قبل العراقيين ولا سيما على الغرب بعد ان كان الشعب منغلقاً عليها بفعل عقود من الحروب والحصار.. كما ان زمن العولمة او النظام العالمي الجديد يحتم على الانسان المسلم ان يتحصن بقيمه وتعاليمه الايمانية وهو يدخل عالم اليوم الذي صار قرية صغيرة بفعل توسع وتطور وسائل الاتصال والمعلوماتية.. من هنا يبرز دور المرجعية في تحصين هذا الانسان ازاء هذا الانفتاح.
وفي لقاء مع وفد نقابة ذوي المهن الصحية في 1 ايلول 2005 يطرح سماحة الشيخ مقولة مهمة هي: (نحن ضد الاحتلال من دون ان نكون مع الارهاب وضد الارهاب من دون ان نكون مع الاحتلال) حيث يشير سماحته الى ان كثيراً من المتعاطين مع القضية العراقية (في حالة من عدم التوازن) فقد طرحت المرحلة الجديدة بعد السقوط حالة من التجاذبات السياسية التي تغذيها التجاذبات الطائفية والعرقية وينميها وينشطها وجود الاحتلال وسياساته في سحب الارهاب الى ارض العراق كما ان هناك حالة مهمة تتسيد مشهد العنف في العراق مردها الى قيام دولة مقابل سقوط دولة والصراع المتاتي من تبادلها المواقع.. أي ان هناك محورين للعنف الاول هو احتلال - ارهاب، والثاني دولة ساقطة - دولة قائمة ولكن لهذين المحورين او الصراعين قنوات ومنشطات ودواعم ليس من داخل الواقع العراقي الجديد فحسب وانما من دول الجوار او الاقليمية حيث ان مصالح هذه الدول وسياساتها وتقاطعاتها وتجاذباتها مع القضية العراقية جعلتها تتدخل بشكل سافر او خفي لفرض حضورها وثقلها ودعم مواليها في الميدان العراقي الذي هو بالتاكيد ميدان اقليمي عالمي.
كما ان هناك موضوعة المقاومة التي لم تفتِ بها المرجعية الرشيدة بعد، لانها ترى الطريق السياسي والحوار والتفاهم لخروج المحتل هو الطريق الاسلم والامثل وان الانسحاب التدريجي من المدن العراقية هو الخطوة الاولى للانسحاب الكلي..
وهذه نظرة واقعية وعقلية لقضية التعامل مع المحتل وقد تحقق جزء كبير من هذه الخطوة ولكن هذا لا يعني انه لا توجد مقاومة وطنية للاحتلال ولكن هذه المقاومة الشريفة وقعت في مطب الارهاب احياناً او الولوغ في دماء العراقيين الابرياء حين صار مقتل مائة عراقي او اكثر يقابله مقتل جندي امريكي واحد وهذه المقاومة لم تخلق نقطة توازن وطنية بين موقفها من المحتل ومن موقفها من شعبها.. هذا من ناحية اما من الناحية الاخرى فهو وقوف البعض مع المحتل ضد الارهاب حتى بالغ في وقوفه مع المحتل على حساب شعبه ايضاً فأدى هذا الموقف غير المتوازن الى تدمير قرى او منازل باكملها لوجود ارهابي او اكثر فيها وهذا الموقف ايضاً ادى الى الولوغ في دماء العراقيين الابرياء فخلق هذا التطرف في الجبهتين الاحتلال والارهاب حالة من الانصياع المذل والخيانة في الوقوف في أي من الجبهتين ولكلا الموقفين مغرياته المادية والمعنوية فالاحتلال يروج مع دعمه المادي فكرة القضاء على الارهاب وتخليص العراقيين منه، والارهاب يروج مع دعمه المادي ايضاً فكرة الخلاص من الاحتلال وصار العراقي المتطرف كماشة الجمر بين هذين النارين.
من هنا صار التوازن بين هذه الصراعات يتطلب روحية وطنية مخلصة وحريصة على دماء العراقيين فضلاً عن مرجعية دينية رشيدة تعمق هذا الاخلاص وتحيي هذه الروحية الوطنية وتحصنها بالقرار الديني الساند.. وهذا ما يوصي به ويثقف له سماحة الشيخ اليعقوبي مقتدياً بسيرة اهل البيت (عليهم السلام) حيث يذكر (ان الموقف الصحيح والمتوازن هو المستفاد من سيرة اهل البيت (عليهم السلام) ان نكون ضد الاحتلال من دون ان نكون مع الارهاب وضد الارهاب من دون ان نكون مع الاحتلال.. ).
كما انه كان قد طرح حلاً جذرياً للخلاص من الاحتلال بالطريق السلمي ووضع قوى الاحتلال امام الامر الواقع لخروجها من العراق وهو عدم حاجة العراقيين لها واشعارهم بان وجودهم نشاز ومشين لهم امام العراقيين وامام العالم وامام شعوبهم فقد ذكر سماحته في 5/8/2004 بعد ان بدأ الوضع الامني بالتدهور وبدأت صورة المحتل تزداد سوءاً وبشاعة (لقد نصحنا جميع الاطراف المعنية في وقت مبكر وقبل ان تتدهور الامور الى هذا الحد الى ان اصلاح العملية السياسية واجراءها بالشكل الذي يرضي جميع شرائح الشعب ويكفل مشاركتهم بصورة حرة ونزيهة في التعبير عن آرائهم هو الحل الجذري للمشكلة الامنية بحيث لايبقى مبرر لقوات الاحتلال بالبقاء..)
فالسياسة الصحيحة اذن كانت تكمن في سحب هذا المبرر من تحت اقدام المحتل ليخرج... !