محور الامام المهدي (عليه السلام)

| |عدد القراءات : 7643
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

محور الامام المهدي (عليه السلام)

بسم الله الرحمن الرحيم 

تتخذ فكرة الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ثلاثة محاور يمكن تشخيصها والوقوف عندها:

الاول: الارادة الالهية.

الثاني: الخلاص والانقاذ والامل.

الثالث: اختصار الزمن..

فالارادة الالهية مستمرة في تسيير الكون بادق تفاصيله حسب موازنتها الرحمانية المهيمنة، ومثلما شاء الله سبحانه وقدّر ارسال الانبياء عليهم السلام وختمهم بنبي الرحمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هدى ورحمة للعالمين فانه سبحانه قدرّ ان يمتد نور النبي عبر الائمة الاثني عشر المعصومين عليهم السلام وان لا تخلو الارض من امام منهم فكان هذا الامتداد مشيئة الهية تعززت بغيبة الامام الثاني عشر للحكمة والمشيئة الالهية من ناحية وللظرف الموضوعي والسياسي او الواقعي الذي تطلبه هذا الغياب في أوآنه، ليبقى هذا الامام امتداداً ووريثاً لكل النبوات والرسالات.

اما المحور الثاني فهو فكرة الامل والخلاص حيث ان الانسان المؤمن يعيش تحت ظلال الله ورحمته وينتظر لقاء ربه في الآخرة كما يترقب في الدنيا نسمة خلاص ولحظة عدل كونية تملأ الارض نوراً وعدلاً بعد ان ملئت جوراً وضلالة، هي لحظة التعويض الدهرية المنتظرة.

اما على مستوى التعامل مع الزمن فانها تمثل فكرة الخروج من قيد الزمن والسباحة في فضاء الخلود الذي اتاحه الله سبحانه لهذه الشخصية الوارثة والموعودة من اجل قضية العدل ذاتها.. ولعل تسمية صاحب الزمان جاءت من هذا المعنى.

وفي معرض احاديثه عن الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)يتناول سماحة الشيخ هذه المحاور بحجج بالغة تقرب موضوعة الامام وتجعل منه قضية واقعية قريبة بل قضية شادة وملحة تتطلب منا كمسلمين التفاعل التمهيدي معها وليست مجرد قضية غيبية مركونة في رفوف الايمان والعقل مستفيداً من خطابات الامام نفسه (عجل الله تعالى فرجه الشريف)وعلامات الظهور وشرائطه والقدرة العقلية والايمانية على تصور دولة الامام دولة الحق ومتطلباتها وملامحها وضروراتها بعيداً عن الافكار اليوتوبية والخيالية بل يقربها الى الاذهان بطريقة ذات علاقة حميمية مع الواقع كأنها قائمة او موشكة على القيام كما يربط سماحته هذا القيام بقدرتنا على الاستعداد والتفاعل معه اي ان الظهور يعتمد على واقع المنتظِرين - بكسر الظاء- فضلاً عن دوافع المنتظَر - بفتح الظاء - وبهذا تكون علاقة الانتظار بين الطرفين جدلية او علاقة انتظار متبادل تقوّم احدهما الاخرى، كما يذكر سماحته خطاباً للامام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)يدل على جدل هذه العلاقة وتفاعلها (ولو ان اشياعنا وفقهم الله لطاعته على اجتماع في القلوب والوفاء بالعهد عليهم لما تاخر عنهم اليمن بلقائنا.. فما يحبسنا عنهم الا ما يتصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره منهم..) وهذا التصريح يدل على اهمية دور المنتظر - بكسر الظاء-  المؤمن بقيام دولة الحق.. ويوجز سماحة الشيخ هذا الدور بشرطين اساسيين وهما (الايمان بالعودة الى الدين، والاستعداد للتضحية) وبهذا الاشتراط يضع سماحته على عاتقنا مسؤولية التمهيد والتعجيل بقضية الظهور فضلاً عن ارادة الله سبحانه فيها... وفي فكرة الانتظار المتبادل ستتحتم على المسلمين المؤمنين بالظهور مسؤولية العمل والجهد ضمن فضاء الانتظار بحيث يكون انتظاراً ايجابياً فاعلاً ممهداً لا انتظاراً سلبياً محدوداً بالرصد والترقب فقط اي بمعنى الانتظار المجرد، ومفهوم الانتظار الايجابي هو المشروط بالعودة الى الله والاستعداد للتضحية بحيث يرقى هذا الانتظار الجهادي الى مقولة الرسول المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) ؛ (افضل عبادة امتي الانتظار) او مقولته:

(انتظار الفرج عبادة)، او قوله : (المنتظر لامرنا كالمتشحط بدمه) وبهذا يحمل مفهوم الانتظار اخلاقاً اسلامية خاصة مما يتطلب تهذيب النفس ووضعها على محك المسؤولية الاسلامية وهذه من فوائد الانتظار او ثقافة الانتظار او بالاحرى من فوائد الغيبة حين تكون قضية اسلامية كبرى يعمل المؤمنون بها ضمن مسؤولية التمهيد بما يوازي العمل بها في الظهور، هذا الظهور المبارك المرتبط بالتمهيد..

من هنا جاءت فكرة الانتظار المتبادل ولعل في مقولة الامام الصادق (عليه السلام) حين وصف غيبة الامام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بالشمس التي يحجبها السحاب ما يشير الى فوائد هذه الغيبة فالشمس حين يحجبها السحاب لا تنعدم فائدتها ولكنها تعطي اشارات انتظارية الى فائدة اكبر حين ينقشع السحاب، فضلاً عن فائدة محجوبة بالايمان بالامل واليقين بوجودها وهنا نذكر حديثاً لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منقولاً عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال: ان علي بن ابي طالب امام امتي وخليفتي عليها من بعدي ومن ولده القائم المنتظر الذي يملأ الارض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، والذي بعثني بشيراً ونذيراً ان الثابتين على القول به في زمان غيبته لأعز من الكبريت الاحمر.. فقام اليه جابر بن عبد الله الانصاري وقال : يا رسول الله وللقائم من ولدك غيبة ؟؟ قال : اي وربي وليمحص الله الذين امنوا ويمحق الكافرين، يا جابر ان هذا الامر سر من سر الله مطوي عن عباد الله فاياك والشك فيه فان الشك في امر الله كفر..) وهكذا يرفع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من قضية الغيبة والايمان بظهور الامام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) الى مرتبة الايمان بالله لانه ايمان بامر الله ومشيئته.. وبهذا الرفع ايضاً يصبح الانتظار برنامج عمل ونهجاً دينياً وجهادياً وتربوياً والتزاماً ازاء قضية يقينية مرتبطة بجوهر الدين الاسلامي سواء من حيث كتب الله او الاحاديث النبوية الشريفة او اقوال الائمة المعصومين (عليهم السلام)، كذلك امتداد هذه القضية الى المآلات المصيرية للدين الاسلامي وبالتالي للانسان على الارض وهو امتداد النبوة والتركة العظيمة التي تركها النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الى المسلمين : اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي من آل بيتي فمثلما بقي القران الكريم (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) بقي امتداد النبوة (عترتي) في الارض حيث جعلها الحديث النبوي الشريف صنواً للقران في البقاء بين المسلمين لكي لا يضلوا حتى يردوا الحوض وبهذا التقريب الى الواقع من خلال مشاركة المنتظرين المؤمنين بقضية الظهور وتعلق الامر الى حدٍ ما بهم وتكليفهم بالامر فان سماحته يفتح باب الواقعية لهذا الامر على مصراعيه بتصريحه (هذا هو تكليفنا ضمن الاعداد لدولة الامام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) لانها دولة مؤسسات تقوم على اساس توزيع الاستحقاقات على اهلها ووضع الشخص في الموقع المناسب، ولا يبني الامام دولته بالطرق الاعجازية ولا بالسيف والتدمير وانما بسيرة المصطفى حيث بدأ دعوته وحيداً..) وبهذا نبتعد عن كل التصورات الخيالية اذن فهي دولة ارضية بمؤسسات ارضية وامكانات ارضية ولكنها بمشيئة الهية طبعاً، وبهذا التصور ايضاً يكون اشتراكنا – نحن المؤمنين بالظهور - ضرورياً وفاعلاً فيها بل يحملنا هذا التصور مسؤولية المشاركة الفاعلة الممهدة..

كما تقع مسؤولية تعبئة القواعد المؤمنة بقضية الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) على عاتق المرجعيات الرشيدة باعتبارهم الفقهاء العدول فهم نواب الامام بالنيابة العامة، وبهذا تكون كل المشاريع السياسية والاجتماعية وغيرها ضمن قضية التمهيد فلابد اذن من ان تكون هذه القضية مخلصة وخالصة لانها مسؤولة ومراقبة بل هي (جزء من المشروع الرسالي العظيم الذي يمهد لدولة العدل الالهية..) وهي تحت انظار الامام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ).. ومن باب هذه الواقعية يدخل سماحة الشيخ الى موضوعة المكان المرتبط بظهور الامام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وتاسيس دولته فيه فيشخص العراق مكاناً كما جاء في الاخبار عن الامام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)وباعتبار ان العراق هو المكان الذي ولد و عاش فيه الامام وغاب فيه وباعتبار تواجد المؤمنين الممهدين لظهوره المبارك فيه لذلك يربط سماحة الشيخ واقعية المكان باسباب الغزو الامريكي للعراق برابط سياسي وتاريخي جديد وجريء (وما مجيء اساطيلهم وعدتهم الا لمواجهة هذا الرجل الذي سينطلق من هذه الارض المباركة..)، وهنا اذكر كلاماً اورده عباس الزيدي في كتابه المعنون (المسيح المنتظر) حيث يذكر ما نشرته مجلة نوفيل اوبزفاتور الفرنسية من مقال للصحفي جان دانيال (جاء في وثيقة سرية نشرت بتاريخ 3/4/2004 عن اتصال هاتفي قبل الحرب الاخيرة على العراق بثلاثة اشهر من الرئيس بوش الى الرئيس شيراك وان النقاش استمر بينهما اكثر من ساعة كان فيها بوش مستميتاً لاقناع شيراك بالدخول في الحرب او الموافقة عليها وأمام رفض شيراك فاجأه بوش بقوله : علينا ان نتحرك قبل فوات الاوان ان جيش ياجوج وماجوج هو في الانتهاء من تجهيزاته في بابل حيث سيهجم على اسرائيل الكبرى، لا بد ان نتحرك للقضاء على هذا الجيش قبل ان يتحرك) وفي هذا الحوار دليل على وجود الهاجس لدى العالم الغربي المتأتي من معتقداتهم وتاريخهم ودياناتهم عن ظهور قوة تاريخية موعودة في ارض العراق ولكنهم لا يعرفون تسميتها بالضبط على الرغم من ان كتبهم صريحة في انه من ذرية نبي آخر الزمان ومن ولد اسماعيل الذبيح وليس من ولد اسرائيل يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم.. كما يضيف سماحة الشيخ اليعقوبي معلومة مستوحيها من علامات الظهور وهي جديدة ايضاً في الطرح عن الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) مفادها (وقيل ان الشمس تشرق من المغرب وربما هو الشمس التي تاتي من الغرب وهو يشبه النبي موسى الذي تربى عند الفرعون..).

اما في معرض دفاعه عن فكرة الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وقضية الظهور فان سماحة الشيخ يرد على المشككين ومن امثالهم احمد الكاتب بادلة عقلية ومنطقية مستوحاة من التاريخ والعقيدة والمشيئة الالهية فالمقتضى التاريخي يبين ان الامام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) كان شخصية معلومة ومعروفة في عصره كما كان القمع السياسي من قبل الحكام معروفاً في ذلك العصر ولا سيما استهداف آل البيت (عليهم السلام) من قبل اولئك الحكام لانهم يرون في الائمة المعصومين (عليهم السلام) النور الذي يفيض عدلاً فيفضح جورهم وتسلطهم على رقاب المسلمين وازاء عقدة النقص هذه لدى الحكام الطغاة كانوا يحوكون لهم المؤامرات فقضوا (عليهم السلام) قتلاً او سمّاً.. واذكر هنا بيتا للشاعر دعبل الخزاعي في حضرة المامون العباسي يشخص عقدة النقص هذه والتجاوز على حق آل البيت في ادارة امور المسلمين:

 

ارى حقهم في غيرهم متقسما

وايديهم من حكمهم صفرات

 

فازاء عقدة النقص في الحكم عند الحكام الطغاة كان مصير الامام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) سيكون مثل اسلافه الائمة المعصومين وهو القتل او ان يختار الاختفاء عن اعين هذا الحاكم الجائر فكان هذا السبب السياسي والاضطهادي كافياً للغيبة عن الانظار معززة بمشيئة الله سبحانه وتعالى الذي اراد ان يحفظ ويبقي هذا النسل المحمدي والعلوي مستمراً في الارض.. ومثلما كان الامام معروفاً في عصره باخبار اهل عصره من الكُتّاب والادباء فقد كانت غيبته ايضاً معروفة سواء الغيبة الصغرى او الغيبة الكبرى وظهوره الموعود،اما المقتضى الآخر وهو العقائدي المرتبط بالمقتضى التاريخي فهو كما ذكره سماحة الشيخ ان اهل البيت كانوا يذكرون هذه الغيبة فان المستفاد من النقل الصحيح من الروايات والاحاديث الصحيحة عن النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هو ظهور الامام بعد غيبته وقد روى هذه الاحاديث من كل فرق المسلمين فقد روى احاديث الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) جماعة من محدثي السنة في صحاحهم كالترمذي وابي داود والحاكم وابن ماجة واسندوها الى الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) وابن عباس والى صحابة آخرين منهم ابن عمر وابن مسعود وطلحة وابي هريرة وابي سعيد الخدري وام سلمة وغيرهم ممن سمعوا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يردد حديث مهدي آل البيت بين الحين والآخر.

كذلك في مسند احمد بن حنبل كما يعتقد ابن تيمية بقيمة الحديث الذي رواه ابن عمر: يخرج آخر الزمان رجل من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي يملأ الارض عدلاً بعد ان تملأ جوراً ذلك هو المهدي.

كما اشار سماحة الشيخ الى وجود ذكر الامام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في الكتب السماوية في الاديان الاخرى لذلك يذكر سماحته في رده في اننا اذا اردنا الغاء هذه الوسيلة   - التاريخية- لاثبات المعلومات فلا تبقى وسيلة للتصديق الا في موارد محدودة.. اما الشكل الثاني الذي يذكره سماحة الشيخ فهو رفع المانع (وهو استبعاد طول العمر او عدم الحاجة لذلك ونحوه من الاستبعادات كنوم اصحاب الكهف ورفع عيسى الى السماء ووجود الخضر وهو مشهور وغيرهم..).

ان ما يلفت النظر في موضوع ذكر الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في احاديث سماحة الشيخ هو اشاعة ثقافة الانتظار اليقيني المبني على الاسس الايمانية والعقلية وتقريبها الى الواقع بقوة هذا الايمان وكأننا نعد انفسنا عاملين في مؤسسة الامام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) او دولته المنتظرة باذن الله تعالى.