سبل السلام
المقصد الثاني
ما تجب فيه الزكاة
المشهور اختصاص وجوب الزكاة بالأصناف التسعة: وهي النقدان الذهب والفضة المسكوكين كعملة نقدية وبالأنعام الثلاثة: الإبل والبقر والغنم، والغلاّت الأربعة: الحنطة والشعير والتمر والزبيب.
لكن الصحيح المستفاد من روايات أهل بيت العصمة (سلام الله عليهم أجمعين) وجوبها في ما هو أوسع من ذلك فتجب في:
1ـ كل ما يكال أو يوزن من الحبوب كالأرز والعدس والماش.
2ـ سائر العملات كالدينار والدولار واليورو إذا كنزت حولاً ولم يحرّكها.
3ـ الأعيان والبضائع التجارية التي يقتنيها طلباً لزيادة قيَمها ويمرُّ عليها عام يُدفع له خلاله ربح فوق سعر الشراء لكنه يحبسها عن البيع طلباً لزيادة أكثر.
وقد قيل باستحبابها في موارد لم يثبت في شيء منها بالعنوان الخاص للزكاة أي بالمقدار المحدّد شرعاً، لكن الإنفاق في سبيل الله تبارك وتعالى مستحب على أي حال كما نطقت به الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة.
وبلحاظ المورد الثالث فقد تجب الزكاة في غير العناوين الثلاثة من الحيوان.
المبحث الأول
الأنعام الثلاثة
ذكرنا في العدد السابق الشروط الثلاثة الأولى لوجوب الزكاة فيها.
الشرط الرابع: أن يمضي عليها حول جامعة للشروط:
بحيث يمضي عليها عام قمري كامل، وإن كان الأحوط استقرار الوجوب بدخول الشهر الثاني عشر، ولا يضر فقد بعض الشروط قبل تمامه. نعم، لا يبدأ الحول الثاني إلا بعد إتمام الشهر الثاني عشر.
(مسالة25 ): إذا اختل بعض الشروط في الشهر الحادي عشر بطل الحول، كما إذا نقصت عن النصاب أو عجز من التصرف فيها أو قام بتبديلها بجنسها، أو يغير جنسها ولو كان زكوياً، ولا فرق بين أن يكون التبديل بقصد الفرار من الزكاة وعدمه.
(مسألة26 ): إذا حصل لمالك النصاب في أثناء الحول ملك جديد, بنتاج أو شراء أو نحوهما, فهنا عدة صور:
الصورة الأولى: أن يكون الجديد بمقدار العفو, كما إذا كان عنده أربعون من الغنم, وفي أثناء الحول ولدت أربعين, فلا شيء عليه إلا ما وجب في الأول, وهو شاة في المثال.
الصورة الثانية: أن يكون الجديد نصاباً مستقلا, كما إذا كان عنده خمس من الإبل, فولدت في أثناء الحول خمساً أخرى. كان لكل منهما حول بانفراده, ووجبت عليه فريضة كل منهما عند انتهاء حوله.
الصورة الثالثة: أن يكون الجديد نصاباً مستقلا ومكملاً للنصاب اللاحق, كما إذا كان عنده عشرون من الإبل وفي أثناء الحول ولدت ستة, جرى على الستة حول مستقل, ووجب في العشرين الأولى أربع شياه, وفي الستة الأخيرة شاة واحدة.
الصورة الرابعة: ما إذا كان الملك الجديد مكملاً للنصاب, وليس نصاباً مستقلاً, كما إذا كان عنده ثلاثون من البقر, وولدت في أثناء الحول إحدى عشرة وجب استئناف حول جديد لهما معاً. والاحتياط بدفع زكاة الملك السابق (وهي الثلاثون في المثال) عند انتهاء الحول الخاص بها الذي سيكون أثناء الحول الجديد المستأنف للمجموع.
(مسألة27 ): يظهر حكم السخال مما مر إذا كانت أمهاتها سائمة، لما عرفت من أنه لا فرق في الملك الجديد في أثناء النصاب بين أن يكون بالنتاج أو الإرث أو الملك، وإذا كانت أمهاتها معلوفة فإن كان عدد السخال بلغ حد النصاب مستقلا ترتب عليه حكمه، وإلا فلا شيء فيه.
المبحث الثاني
زكاة النقود والعملات
لا يختص وجوب الزكاة بالنقدين الذهب والفضة وإنما تتعلق بكل العملات المتداولة كالدينار والدولار والجنيه واليورو الريال وغيرها إذا كنزت ولم تتحرك، ولا تجب فيما يؤول أو يقابل بالمال كالأسهم والسندات والصكوك وكذا الأرصدة في البنوك لأنها متحركة.
(مسألة28 ): يشترط في زكاة العملات ـ مضافا إلى الشرائط العامة ـ أمور:
الأول: النصاب وهو في الذهب عشرون دينارا، وفيه نصف دينار على الأحوط وجوبا، والدينار ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي ويساوي (3.45)غرام، ولا زكاة فيما دون العشرين ولا فيما زاد عليها حتى يبلغ أربعة دنانير، وهي مساوية لثلاثة مثاقيل صيرفية، وفيها أيضا ربع عشرها أي: من أربعين واحد وهكذا كلما زاد أربعة دنانير وجب ربع عشرها.
أما الفضة فنصابها مائتا درهم وفيها خمسة دراهم، ثم أربعون درهما وفيها درهم واحد، وهكذا كلما زاد أربعون كان فيها درهم، وما دون المائتين عفو، وكذا ما بين المائتين والأربعين، ووزن عشرة دراهم خمسة مثاقيل صيرفية وربع، فالدرهم نصف مثقال صيرفي وربع عشره ويساوي (2.415) غرام، والضابط في زكاة النقدين
من الذهب والفضة: ربع العشر أي (2.5%).
أما في العملات الأخرى فالنصاب فيها ما يعادل أول نصاب الذهب والفضة، وإذا اختلفا في القيمة فيلاحظ أقلهما وهو نصاب الفضة عادة أي مئتي درهم ويساوي (200* 2.415)= 483غرام من الفضة.
الثاني: أن يكون الدرهم – الفضي – والدينــار – الذهبي - مسكوكين بسكة المعاملة، سواء كانت بسكة الإسلام أم بسكة الكفر كانت بكتابة أم بغيرها من النقوش.
(مسألة29): إذا مسحت السكة أي نقش العملة الموجود عليها فإن كان المسح يضر بصدق الدينار والدرهم على الممسوح لم تجب الزكاة بعنوان النقود، وإلا وجبت، ولا فرق في ذلك بين الممسوح بالعارض والممسوح بالأصل، فإن المعيار في وجوب الزكاة إنما هو بصدق الدينار والدرهم الرائج في المعاملات، واءما المسكوك الذي جرت المعاملة به ثم هجرت، فإن كان الهجر والخروج عن المعاملة يؤدي إلى خروجه عن مسمى الدينار والدرهم لم تجب الزكاة فيه بعنوان النقود، وإن كان الهجر بسبب آخر ـ كاتخاذهما زينة للبيت وجمعهما من أجل ذلك لا من اجل أن يتعامل بهما ـ لم يمنع ذلك عن وجوب الزكاة فيهما، لأن المعيار في وجوبها إنما هو بصلاحيتها للتداول كعملات، وإن كان بعض أفراده مهجورا لسببٍ أو آخر، ولا تجب الزكاة في الحلي وإن كان من الدرهم والدينار.
الثالث: الحول، ويعتبر في وجوب الزكاة في العملات دخول الشهر الثاني عشر، فإذا دخل تم الحول ووجبت الزكاة فيها، ولابد أن تكون جميع الشروط العامة متوفرة طيلة مدة الحول، فلو فقد بعضها في الأثناء بطل الحول، وإن تجدد استأنفه مرة ثانية من جديد.
(مسألة30 ): لا فرق في الذهب والفضة بين الجيد والرديء، ولا يجوز الإعطاء من الرديء إذا كان تمام النصاب من الجيد.
(مسالة31 ): تجب الزكاة في الدراهم والدنانير المغشوشة وإن لم يبلغ خالصهما النصاب، وإذا كان الغش كثيرا بحيث لم يصدق الذهب أو الفضة على المغشوش، فلا يمنع ذلك من وجوب الزكاة فيها إذا بلغ خالصه النصاب أو بلغت قيمتها أحد النصابين على ما اخترناه.
(مسالة32 ): إذا شك في بلوغ النصاب فالظاهر عدم وجوب الزكاة، وفي وجوب الاختبار إشكال أظهره العدم.
(مسالة33 ): إذا كان عنده أموال زكوية من أجناس مختلفة فقد قال المشهور باعتبار بلوغ النصاب في كل واحد منها على حدة وتطبيق الشروط على كل واحدة منها مستقلاً عن الآخر، ولا يضم بعضها إلى بعض، فإذا كان عنده تسعة عشر دينارا ومائة وتسعون درهما لم تجب الزكاة في شيء منهما، وإذا كان من جنس واحد ـ كما إذا كان عنده ليرة ذهب عثمانية وليرة ذهب إنجليزية ـ وجب ضم بعضها إلى بعض في بلوغ النصاب، فإذا بلغ المجموع النصاب وجبت الزكاة فيه هذا ولكن الأحوط الضّم مطلقاً بملاحظة قيمة الأجناس بالدراهم ففي المثال المذكور تجب الزكاة.
(مسألة34): يجوز للمالك التصرف في نصاب الذهب والفضة قبل إن يخرج الزكاة شريطة توفر أمرين:
أحدهما: أن يكون بانيا على إخراج الزكاة منهما وعازما على ذلك.
ثانيهما: أن يبقى منهما بمقدار يفي بالزكاة.
المبحث الثالث
زكاة الغلات
وقد قلنا في بداية المقصد الثاني أنها تجب في كل ما يكال أو يوزن من الحبوب خلافا للمشهور الذي خصّ الوجوب بالحنطة والشعير والتمر والزبيب.
(مسالة35 ): يشترط في وجوب الزكاة فيها ـ مضافا إلى الشروط العامة المتقدمة ـ أمران:
الأول: بلوغ النصاب، وهو بالأوزان المتعارفة اليوم ثمانمائة وسبعة وأربعين كيلوا تقريباً، أما وزنه بالمقادير القديمة فقد ذكرنا تفصيلها في كتابنا ( فقه الخلاف/ الجزء الثاني).
الثاني : الملك في وقت تعلق الوجوب، سواء أكان بالزرع أم بالشراء أم بالإرث أم بغيرها من أسباب الملك .
(مسألة36 ): المشهور أن وقت تعلق الزكاة عند اشتداد الحب في الحنطة والشعير، وعند الاحمرار والاصفرار في ثمر النخيل، وعند انعقاده حِصرما في ثمر الكرم، لكن الظاهر أن وقته إذا صدق أنه حنطة أو شعير أو تمر أو عنب.
(مسالة37 ): المشهور أن المدار في قدر النصاب من الغلات اليابس منها مطلقاً، فلو كان الرطب منها بقدر النصاب لكن ينقص عنه بعد الجفاف لم تجب الزكاة، لكن الظاهر هو التفصيل، فالمدار في قدر النصاب هو الرطب, عند انتهاء القطف والتصفية, في الأجناس الثلاثة التمر والحنطة والشعير. فلو كان عندئذ نصاباً. ونقص مع الجفاف بقي وجوب الزكاة. وهذا بخلاف العنب، فانه لا يجب دفع الزكاة في العنب, بل في الزبيب وهو العنب الجاف, ويمكن حسابه على انه جاف ولو خرصاً أو تقديراً.
(مسالة38 ): لا يجوز للمالك تأخير إخراج الزكاة بعد وقت وجوب الإخراج حين تصفية الحنطة والشعير واجتذاذ التمر واقتطاف الزبيب، فإذا أخر الإخراج بغير عذر وعامدا وملتفتا ضمن مع وجود المستحق، ويجوز للساعي من قبل الحاكم الشرعي أن يطالب المالك بالزكاة من حين التعلق، فإذا طلب ذلك منه وجب على المالك القبول والقيام بإفراز حصة الزكاة وتعيينها وتسليمها إلى الساعي أو إلى الفقراء، كما يجوز للمالك أن يقوم بذلك بنفسه بعد تعلق الوجوب من دون الطلب من قبل الحاكم الشرعي، إذ لا يجب عليه أن يتحفظ على الزكاة إلى وقت التصفية بل له تسليمها إلى الحاكم الشرعي أو إلى الفقراء، وليس للحاكم الشرعي أو الفقراء الامتناع عن القبول.
(مسالة39 ): لا تتكرر الزكاة في الغلات بتكرر السنين، فإذا أعطى زكاة الحنطة ثم بقيت العين عنده سنين متعددة لم يجب فيها شيء، وهكذا غير الحنطة من الغلات الزكوية.
(مسالة40 ): يجب على المالك في زكاة الغلات الأربع العُشر إذا سقت الزروع والأشجار والنخيل بالماء الجاري كالعيون والأنهار التي لا يتوقف سقيها بها على مؤنة زائدة، مثل سحب الماء بالآلات كالمكائن ونحوها أو بماء المطر النازل من السماء أو الماء الناضب في الأرض بامتصاص عروقها منه كما في بعض الأراضي والبلدان، ونصف العشر إذا سقيت بالمكائن والدوالي أو غيرهما من الوسائل والعلاجات الحديثة،
وببيان آخر: أن السقي لا يخلو إما أن يكون طبيعيا أو يكون بالآلات كالمكائن ونحوها، فعلى الأول لا فرق بين أن يكون السقي بالأمطار النازلة من السماء أو بالمياه النضبة في الأرض أو بالعيون والأنهار، ولا فرق في العيون بين أن تكون عامرة طبيعية أو عامرة بشرية، وأما إذا كان السقي بكلا الطريقين بنحو الاشتراك، فتكون الزكاة النصف و النصف بمعنى: أن زكاة نصف الحاصل نصف العُشر وزكاة نصفه الآخر العشر، والضابط في الاشتراك هو: أنه لا يمكن الاستغناء عن أحدهما بالآخر في الوصول إلى النتيجة وهي الحاصل وإن كان السقي بأحدهما أكثر من الآخر كما أو كيفا.
(مسألة 41): المدار في التفصيل المتقدم على الثمر لا على الشجر. فإذا كان الشجر حين غرسه يسقى بالدلاء، ولكنه عند أول ثمره يسقى سيحاً, وجب فيه العشر. ولو كان بالعكس، وجب فيه نصف العشر.
(مسألة 42): الأمطار المعتادة في السنة لا تخرج ما يسقى بالدوالي عن حكمه، إلا إذا كثرت بحيث يستغنى عن الدوالي, فيجب حينئذ العشر. أو كانت بحيث توجب صدق الاشتراك في السقي فيجب التوزيع بالنسبة.
(مسألة43): المهم في طريقة سقي الغلات, هو دفع الأجور وعدمه. سواء اتحد شكل السقي ام اختلف, ما دام متحداً في إحدى الصفتين. فلو كان سقيه بدون أجور, ولكنه تارة على المطر, وأخرى على السيح, وثالثة على المياه الباطنية، وجب دفع العشر ولو كان سقيه بأجور لكنها تارة في حفر ساقية, وأخرى في حفر بئر, وثالثة في أجور ناعورة أو مضخة ماء, ورابعة لنقل الماء إلى المزرعة عن طريق السيارات أو الحيوانات، وجب نصف العشر.