الاقتصار على الاحتفال السياسي في ذكرى الشهيد الصدر (قده) ظلم له
بسم الله الرحمن الرحيم
الاقتصار على الاحتفال السياسي في ذكرى الشهيد الصدر (قده) ظلم له(*)
لا زلنا في أجواء ذكرى استشهاد المرجع والمفكر والقائد والأسوة ومثال العالم العامل وهو السيد محمد باقر الصدر(قده)، وقد ساءنا الاقتصار في إحياء ذكراه على الاحتفالات السياسية إذا كان التعبير دقيقاً.
وهذا المنحى ـ أعني اتخاذ الجهات السياسية للمراجع العظام والعلماء الكرام رموزاً للمتاجرة بها والتسلّق إلى مواقع السلطة من خلالها وتأطيرها بهذه الفئوية الضيقة ـ ظلم لأولئك الأعاظم وتحويل الإخلاص الذي عاشوه والهم الإنساني والإسلامي الذي حملوه إلى دنيا زائفة يتصارعون إليها، وربما جرّ صراعهم إلى محاولة تنقيص كل جهة من رمز الجهة الأخرى وغيرها.
وهذا المعنى التفت إليه السيد الشهيد الصدر الأول (قده) وحذر منه في آخر محاضراته عن حب الدنيا، وكان أكثر شيء آلمه وهو في أيامه الأخيرة بحسب ما يروي صاحب كتاب (سنوات المحنة وأيام الحصار ) هو عندما عرض مشروع القيادة النائبة التي تخلف قيادة الحركة الإسلامية على بعض المقرّبين منه فيسأله عن موقعه فيها فإن كان رأساً لها فهو وإلا فلا.
هذه الدنيا التي حذر من الوقوع في شراكها أغوت الكثيرين ووظـّفوا كل شيء لها حتى ذكرى السيد الشهيد الصدر (قده) فلم تشهد اهتماماً يُذكر بإبراز العظمة والإبداع في آثاره العلمية أو الفكرية أو الاجتماعية أو الأخلاقية ، أو الجهادية وغيرها، مع أننا مطالبون بإحياء هذه الجوانب لتتأسى بهم الأمة فتهتدي بهداهم وتسير على دربهم.
لا شك أن الأئمة المعصومين(عليهم السلام) هم الأسوة الأعلى لأنهم الأكمل لكن هذا لا يغني عن دراسة سير العلماء الأعلام والمراجع العظام والشهداء الكرام وإحياء ذكراهم وإبراز مكامن القوة فيهم لأمور:
1ـ الوفاء لهم بإدامة ذكرهم بالخير والدعاء لهم والترحم عليهم (والذكر للإنسان عمرٌ ثاني).
2ـ لأنهم مظهر لصفات الكمال عند المعصومين (عليهم السلام) فإذا كان الشهيد الصدر(قده) وهو أحد أتباع مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) وممن نهل من علومهم بهذه الدرجة الرفيعة من العلم والأخلاق الكريمة والجهاد والتضحية فما هي درجة هذه الصفات عند الأئمة (سلام الله عليهم) ؟.
3ـ إن حياتهم وآثارهم وسيرتهم تمثل قراءة وتجسيداً عملياً لسيرة المعصومين(عليهم السلام) إذ إن أغلب الناس إلا من ندر يحتاجون إلى من يقرأ لهم سيرة المعصومين ويقدّمها لهم ولا يستطيعون فهمها مباشرة أو استيعابها فضلاً عن الإحاطة بها، فيكون دور العلماء تقريب تلك الصورة إلى الأجيال من الناس فمثلاً هناك إشكال يتردد بأنه لماذا صالح الإمام الحسن(عليه السلام) معاوية ويرفع الإمام الحسين (عليه السلام) السيف في وجه يزيد فيقدّم لنا السيد الشهيد الصدر (قده) قراءة لذلك الواقع ويشرحه بأنه (تنوع أدوار ووحدة هدف) والهدف دائماً هو الإصلاح (إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ)(هود/88) وهو ما عبّر عنه الإمام الحسين(عليه السلام) بقوله( إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمد(صلى الله عليه وآله وسلّم))
ولذا فنحن بحاجة دائماً إلى فكر العلماء وعلمهم والاختلاط بهم واستجلاء سيرتهم ليعكسوا لنا من خلالها سيرة وعلم الأئمة(عليهم السلام) وعلى هذا نجد أن قدر هؤلاء العلماء يزداد بمقدار أخذهم من الأئمة المعصومين(عليهم السلام) وتجسيدهم لسيرتهم
وفي الحقيقة فإن الأكمل في هذا أن ننتقل من صور المعصومين(عليهم السلام) وصفاتهم إلى الصفات الإلهية فإنهم مظهر لها بحسب ما يناسب ادراكاتنا المحدودة، فإن المثل الأعلى الذي يجب أن يتّخذ هو الله تبارك وتعالى بأسمائه الحسنى (وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(النحل/60).
فكان المعصومون (سلام الله عليهم) مظهرين لتلك الصفات الحسنى على أرض الواقع ليتعرف الناس على صور بمقدار ما من الصفات الإلهية الحسنى فحينما تطّلع على رحمة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وعفوه وصفحه وكرم أخلاقه وهو يعفو عن قاتليه ويدعو لأعدائه بالمغفرة والهداية فإنك تأخذ فكرة مبسطة عن صفات الله تبارك وتعالى.
وهكذا أمرنا أن نأخذ من صفات الله تبارك وتعالى ونتخلّق بأخلاقه، فإن قيمة الإنسان تزداد بمقدار ما يتصف به من أخلاق الله، وهو وجه شرحنا به الحديث الشريف (قيمة كل امرئ ما يحسنه).
فمثلاً من صفات الله تبارك وتعالى (سريع الرضا ) وهكذا يجب أن نكون في علاقاتنا مع الآخرين، لا ندع الغضب يتملّكنا ويسيطر علينا إذا أساء لنا الآخرون وإنما سرعان ما يتبدد ويتلاشى.
ومن صفات الله تبارك وتعالى انه ( لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ )(الأنفال/51) فلنجتنب الظلم بكل أشكاله ابتداءاً من ظلم النفس بالمعاصي وعدم إتباع الحق والتقصير في الواجبات، إلى الظلم داخل البيت للزوجة والأطفال وسائر أفراد العائلة، إلى ظلم الآخرين خلال التعاطي معهم وعلى رأسه ظلم المسؤولين والموجودين في السلطة للناس وعدم الإخلاص والتفاني في خدمتهم وانشغالهم بمصالحهم الشخصية والفئوية .
والظلم بكل هذه الأشكال ضارب بأطنابه عند كل الناس وإذا كان بعض الظلم مما يغفر ويعالج بالتوبة والندم وعقد العزم على عدم العود وتدارك ما فات كظلم الإنسان نفسه بالمعصية وظلمه لربه بالشرك والكفر(إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ )(لقمان/13)، فان بعضه مما لا يغفر وهو ظلم الآخرين وعدم تأدية حقوقهم والقيام بالواجبات تجاههم إلا بمعالجة كل هذه التقصيرات وتداركها وإلا فان الحساب قاسٍ يوم القيامة ففي الحديث عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال (الظلم ثلاثة: ظلم يغفره عز وجل ، وظلم لا يغفره ، وظلم لا يدعه، فأما الظلم الذي لا يغفره فالشرك بالله عز وجل، وأما الظلم الذي يغفره الله فظلم الرجل نفسه بينه وبين الله عز وجل، وأما الظلم الذي لا يدعه فالمداينة بين العباد).
وما دمت بخدمة أبناء العشائر اليوم فلابد أن أشير إلى المظالم المؤلمة في الأعراف والقوانين التي تحكم علاقاتهم خصوصاً ما يتعلق بالمرأة مع أن الحديث الشريف يقول (ما أكرمهن إلا كريم ، وما أهانهن إلا لئيم) فهي تعاني من قسوة التعامل داخل البيت وتحميلها ما لا تطيق، ومن أشكال الظلم (النهوة) التي تحرم المرأة من حق مقدس في الحياة وهو اقترانها بالرجل المناسب لها لمجرد أن أحد أعمامها نهى عن ذلك لا لشيء سوى الرغبة في الانتقام والإيذاء وهي من الشيطان.
وبعض العشائر من السادة تحرم بناتها من نفس الحق للمنع من تزويج غير السادة العلويين مما يؤدي إلى إعضال المرأة وتركها كشيء لا قيمة له في البيت في الوقت الذي يعطي الرجل (السيد) لنفسه الحق في التزويج بمن يشاء من النساء .