العمل الاسلامي والامة الوسط
العمل الاسلامي والامة الوسط (1)
لو اردنا –كمراقبين- ان نقيم العمل الاجتماعي للإسلاميين سواء كانوا من الحوزة العلمية أو الأحزاب الإسلامية أو المفكرين والمثقفين الإسلاميين لوجدنا فيهم خطين بارزين.
(الأول) من انهمك في العمل الاجتماعي واندفع فيه غافلاً عن بناء نفسه وتهذيبها وتكاملها فنسي الهدف الذي بدأ العمل من اجله وانقلبت عنده المعايير فأصبح يرى الحق باطلاً والباطل حقاً (كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً) وتحول عمله إلى صراع على الدنيا وتحولت مشكلته مع الطاغوت إلى الفوز بكرسي السلطة وليس تغيير الظلم وإقامة العدل والإصلاح والحياة الكريمة وابتعد شيئاً فشيئاً عن مبادئه دون ان يشعر، لأن تأثير السلطة على نفسية الشخص المتسلط سيكولوجي (نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) الحشر/19 ومن النادر أن يشعر به الإنسان ويثوب إلى رشده إلا إذا حظي بلطف من الله تبارك وتعالى أو كان له ناصحٌ أمين أو توجد في قلبه وضميره بقية حياة ينبض بها اما اذا لم تتوفر له هذه العوامل الثلاثة فانه سينحدر إلى الهاوية (وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ) ص/3 حيث لا ينفعهم ندم والعياذ بالله تبارك وتعالى، وأوضح مثال على هذا الصنف الأحزاب المتسلطة التي ترفع شعار الإسلام.
(الثاني) من آثر الانعزال والانكفاء على الذات وأصيب بالخمول وفقَدَ همته وحماسه للعمل، وجعل أقصى همه شؤونه الخاصة، أما بسبب فشل تجربة الفريق الأول فانعكس سلباً عليه حيث لحق به عاره او لعجزه عن أداء رسالته أو ليأسه من الإصلاح والتغيير فحصل عنده شعور بالإحباط فكان رد فعله التخلي عن العمل الاجتماعي، وهذا الخط واضح في عدد كبير من طلبة وفضلاء الحوزة العلمية في النجف الاشرف وغيرها، فهاهي النجف رغم احتضانها لآلاف طلبة العلم لكنها لا تجد من يمدُّ إليها يد الارشاد والتوجيه والهداية ويعالج الانحراف والجهل باحكام الدين وآدابه.
ولا شك ان كلا الخطين قد ابتعد عن الصراط المستقيم الذي تسير عليه الأمة الوسط (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) البقرة/143 ولا يستحق أي منهما أن يكون شاهداً على الناس بمقتضى هذه الآية الشريفة لنقصانه.
اما الاول فابتعاده عن الشريعة واضح بل انه في الحقيقة يتورط في كثير من الكبائر والموبقات المهلكة وأولها التقصير في شؤون من ولي أمورهم فان من تولى رئاسة قوم والمسؤولية عنهم – ولو كانوا عدد الأصابع- فانه مسؤول عن كل صغيرة وكبيرة من شؤونهم لذا فان موقفه سيطول بين يدي الله تبارك وتعالى.
كنت اقرأ في سورة القصص حتى وصلت في نهايتها الى ذكر قارون الذي آتاه الله تبارك وتعالى (مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ) وكان وضعه مغرياً لكثيرين أن يكونوا في موقعه (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلاَ يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ * فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ المُنْتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلاَ أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) القصص 79-82 فليست الدنيا حتى مثل دنيا قارون وهارون تستحق ان يتخلى الانسان عن هدفه من اجلها وسيكتشف من يتمنى أن يكون بدل فلان وفلان في مواقع السلطة أن الله تبارك وتعالى أراد به خيراً حين حماه من الوقوع في شراكها.
واما الخط الثاني فانه قد تخلى عن هموم امته وقد ورد في الحديث (من اصبح لا يهتم بامور المسلمين فليس منهم) (2) وتخلى عن مسؤوليته في اعلاء كلمة الله تعالى ونشر تعاليم دينه لأن لديه العلم والمعرفة ومن تحمل العلم كانت عليه مسؤولية تبليغه وايصاله الى الآخرين، خصوصاً مع توفر الفرصة اليوم بأوسع ابوابها للعمل الاسلامي المبارك، واذا فشل شخص أو جهة ممن يحمل لافتة اسلامية في عمله فهذا لا يعني التراجع والنكوص مهما كانت العوائق والاشواك كما نقرأ في زيارة ابي الفضل العباس (ع) (أشهد انك لم تهن ولم تنكل) وهذه هي الامة الوسط التي ارادنا الله تبارك وتعالى أن نكون منها ولا يخلو أي زمان من هذه الامة مهما غلت التضحيات وعظمت العقبات والضغوط والتشكيكات والاحباطات (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) الاحزاب /23
ورد في كتاب الامالي للشيخ الصدوق (قدس الله نفسه) عن الامام الصادق ( عليه السلام) لما سُئل عن تفسير قوله تعالى (قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم اجمعين) (الانعام/149) أنه (عليه السلام) قال: (إن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة: عبدي أكنت عالماً، فان قال: نعم، قال له: افلا عملتَ بما علمت؟ وان قال: كنت جاهلاً، قال له: افلا تعلمت حتى تعمل؟ فيخصمه، فتلك الحجة البالغة)
ان العالم كله ينتظر منكم ايها العراقيون دون غيركم ومن الحوزة العلمية في النجف الاشرف خاصة ان يعرفوهم الاسلام المحمدي الاصيل الذي عرفه أهل البيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعترته بعيداً عن التشويهات و الضلالات التي لحقته، فكونوا من حملة هذه الأمانة (وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) لان العالم كله يجد هذا الاسلام النقي عندكم وفيكم وانتم معدنه واصله ، و وسائل العمل متاحة اليوم وتستطيعون من خلال شبكة الانترنت ان تتواصلوا مع العالم كله.
--------------------------------------------------------------------------------
1 من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع وفد امانة الرصافة الثانية في بغداد لحزب الفضيلة الاسلامي يوم 21/شعبان/1429 المصادف 23/8/2008 بمناسبة الذكرى السنوية الاولى لاستشهاد عضو الامانة المهندس ابي عبد الله عباس ومع وفد مكتب حزب الفضيلة الاسلامي في مدينة علي الغربي
2 الكافي، كتاب الإيمان والكفر، باب الاهتمام بأمور المسلمين.