على أعتاب البلوغ
بسم الله الرحمن الرحيم
على أعتاب البلوغ[1]
لما أُسري برسول الله (صلى الله عليه واله) إلى الملأ الأعلى رأى فيما رأى ملكاً من الملائكة عظيم الخلقة فتعجّب منه رسول الله (صلى الله عليه واله) وسأله عن وظيفته وقدراته فقال الملك انني استطيع أن أحسب قطرات المطر النازلة وعدد حبّات الرمل وكل شيء فسأله رسول الله (صلى الله عليه واله): هل يعجزك حساب شيء؟ فقال نعم انني عاجز عن حساب حسنات من يرفع صوته بالصلاة على النبي وآله في جمع من الناس، لأن فيها إعزازاً للمؤمنين وتأييدا للدين وأهله وتدخل الرعب على المنافقين وتذلّهم وتحبط مؤامراتهم لذلك كانت تقضّ مضاجع الطواغيت واعتقلت المؤمنين بسببها.
أيها الأحبّة: قبل أن تبلغوا سن التشريف لم يكن سجل التكليف بالأعمال قد فُتح لكم وبالتالي فان مثل هذا الأجر العظيم كان يكتب لوالديكم ولمن علمكم وتعطون انتم منازل على برائتكم ونقائكم وطيب فطرتكم من دون هذا التنافس الشريف في نيل الدرجات الرفيعة، اما الآن وبعد ان دخلتم سن التشريف صار هذا الثواب وأمثاله يُسجّل لكم وترفعون به رؤوسكم يوم القيامة وتتفوقون به على غيركم ممن لم يناله هذا التوفيق الالهي العظيم.
لذا فنحن بدّلنا تسميته من سن التكليف إلى سن التشريف لان الإنسان يتشرف عند بلوغه بحمل الأمانة الإلهية وخلافة الله تبارك وتعالى في أرضه واضرب لكم مثالاً لتقريب الفكرة لو أن أحد أقربائكم او جيرانكم عمل وليمة فانه يدعو الأب ولا يدعو الأطفال دعوة مستقلة وانما يأتون تبعاً لآبائهم أما بعد أن يبلغوا فتُوجّه لهم دعوات مستقلة عن أبائهم فيشعرون حينئذ بزهو الرجولة والشخصية المعنوية الكاملة. فالإنسان بعد بلوغه يكون مدعواً بشكل مستقل الى موائد الكريم الرحيم ربّ العزة حيث يغدق عليهم ربّهم بما لا عين رأت ولا أذن سمعت.
ومن نعم الله عليكم احتضانكم في هذه المرحلة من العمر من قبل أيدي أمينة تنصحكم وتوجّهكم فهم آباء لكم بعد آبائكم وأمهاتكم، وان التربية والعلم الذي تتلقونه في الصغر يبقى راسخاً ومتجذراً في شخصيتكم وسلوككم كما قيل (التعلم في الصغر كالنقش في الحجر) لثباته وأمامكم فرص عظيمة لعمل الخير كالبر بالوالدين وصلة أرحامكم ومساعدة الضعفاء والمحتاجين ودفع الأذى عن طريق المسلمين ونقل ما تتعلمونه من أحكام وأخلاق وآداب إلى أقرانكم الذين لم تسنح الفرصة لهم ليحضوا بهذه الأجواء الشريفة.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] بدأ فضيلة الشيخ سامي المسعودي إمام جامع وحسينية الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله) في حي الاعلام ببغداد وبمباركة من المرجعية الرشيدة مشروعاً لاحتضان الاطفال الذين قاربوا سن البلوغ بالتربية والتعليم ثم الاحتفال ببلوغهم سن التكليف وان يعلنوا تقليدهم ويؤدوا أول صلاة مفروضة مع المرجعية مباشرة، وبحضور حول مئة من هؤلاء الصبيان تحدث سماحة الشيخ بلغة مناسبة لهم وذكر فيها شيئاً من طفولته، وهذا تقرير بتصرف لبعض ما جاء فيها. كان تاريخ اللقاء 10/صفر/1429 المصادف 18/2/2008