مسؤولية المرجعية عن بيان خصائص أتباعها

| |عدد القراءات : 2183
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

مسؤولية المرجعية عن بيان خصائص أتباعها ([1])

 

تسمى الشيعة الأمامية الاثنا عشرية بـ(الجعفرية) نسبة الى الإمام الصادق جعفر بن محمد (صلوات الله عليهما وعلى أبائهما) وهو شرف عظيم في الدنيا والآخرة {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً، وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً}الإسراء71-72.

 

فيُدعى الشيعة بأئمتهم من أهل بيت النبي (صلى الله عليه واله) الذي اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ويدعى الآخرون بأئمتهم الذين أطاعوهم واتبعوهم من شياطين الإنس والجن ونعم الحكم الله تبارك وتعالى.

 

والسؤال هو انه لماذا اختص الإمام الصادق (ع) بالانتساب إليه والشيعة أتباع جدّه رسول الله (صلى الله عليه واله) وامير المؤمنين (ع) وبقية الائمة الطاهرين صلوات الله عليهم.

 

وقد أجيب هذا السؤال بأن فقه الأمامية وأحكامهم وتفاصيل عقائدهم أخذت بشكل رئيسي من الإمام الصادق (ع) فيُعدّ هو مشيد أركان هذه الطائفة المباركة.

 

وهو جواب يشهد له الواقع فان أكثر الأحكام الفقهية المروية عنه سلام الله عليه، باعتبار الفسحة الواسعة التي سنحت له أبان الدولة الأموية وانهيارها وبداية تأسيس الدولة العباسية وازدهار الحياة العلمية في تلك الفترة.

 

وذكر سيدنا الأستاذ الشهيد الصدر الثاني (قده) في إحدى خطبه وجها آخر وهو ان تشكل المذاهب الإسلامية والطوائف بدأ في زمان الإمام الصادق وما بعده ومن الطبيعي ان تنسب كل طائفة الى زعيمها المعاصر فنسبت الشيعة الى الإمام الصادق (ع).

 

وهو وجه مقبول أيضا وبدأت هذه النسبة بالانتشار في نفس زمان الإمام (ع) بحيث يقال هذا جعفري وقد نشأت من هذه الحالة مسؤولية على الإمام (ع) أن يبين معالم مدرسته وخصوصياتها وصفات من ينتسب إليها لان أي حسنة تصدر من أصحابه تحسب له وأي سيئة -والعياذ بالله- تحسب عليه بشكل من الأشكال ويتحمل مسؤوليتها من وجهة نظر البعض، لذا ورد في تفسير قوله تعالى مخاطباً نبيه الكريم (ص) {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ}الفتح2، عدة وجوه احدها ان الله تعالى يزيل عنه أثار التبعات التي تحسب عليه بسبب تصرفات اتباعه وهو برئ عنها ورافض لها.

 

وقد سبقه جدّه إبراهيم خليل الرحمن (صلوات الله عليه) بقوله {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}إبراهيم36.

 

وفي هذا الصدد وردت روايات عديدة عن الإمام الصادق (ع) (منها) عن زيد الشحام قال: قال لي أبو عبدالله (ع) (اقرأ على من ترى انه يطيعني منهم ويأخذوا بقولي السلام، وأوصيكم بتقوى الله عز وجل، والورع في دينكم والاجتهاد لله، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وطول السجود، وحسن الجوار، فبهذا جاء محمد (ص)، وأدوا الأمانة الى من ائتمنكم عليها برا أو فاجرا، فان رسول الله (ص) كان يأمر بأداء الخيط والمخيط، صلوا عشائركم، واشهدوا جنائزهم، وعودوا مرضاهم، وأدوا حقوقهم، فان الرجل منكم اذا ورع في دينه وصدق الحديث وأدى الأمانة وحسن خلقه مع الناس، قيل هذا جعفري، فيسرّني ذلك ويدخل عليّ منه السرور، وقيل هذا أدب جعفر، وإذا كان على غير ذلك دخل علي بلاؤه وعاره، وقيل هذا أدب جعفر)[2]  الحديث.

 

وقال (ع): (انما شيعة جعفر من عف بطنه وفرجه، واشتد جهاده وعمل لخالقه ورجا ثوابه، وخاف عقابه، فاذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر) ([3]).

 

ومن خلال هذا الحديث بيّن الائمة سلام الله عليهم ما يجب أن تتوفر في المسلم من صفات ليكون شيعياً وألّف الشيح الصدوق (رض) كتابا في ذلك سماه (صفات الشيعة) وليقيموا الحجّة على المدّعين لهذا الشرف العظيم.

 

وكانت الحالة تقتضي احيانا أن يصدر الامام (ع) براءة ولعناً صريحين في بعض الأشخاص لعزلهم عن الامة كالمغيرة بن سعيد الذي قال فيه الإمام الصادق (ع) (لعن الله المغيرة بن سعيد انه كان يكذب على أبي فأذاقه الله حر الحديد).

 

وفي الحقيقة فان الإمام (ع) حينما يبين صفات شيعته بهذا الوضوح انما يوجه رسائل لعدة فئات

 

1- شيعته ليبيّن لهم واجباتهم.

 

2- الذين يدّعون الانتساب اليه نفاقا لتحقيق مآربهم وخداع الأمة لفضحهم وكشف زيفهم حينما يقارن الناس بين افعالهم وبين ما يريده الامام (ع) منهم.

 

3- الفئات الأخرى ليدعوها الى هذا الحق الصريح ويقيم الحجة عليها وليقول لهم أن منهجاً بهذه التفاصيل أحق أن يتّبع.

 

4- اعدائه الذين يسعون الى قتله معنويا ومحاربته وتصفيته جسدياً بأن من كان على هذا الهدى هل يستحق منكم ما تفعلون به.

 

وهذه مسؤولية لا تختص بالإمام الصادق لان هذه النسبة يمكن ان تحصل باستمرار لكثير من القادة والمرجعيات، فعلى المراجع الذين يُنظر اليهم كامتداد للائمة المعصومين (سلام الله عليهم) أن يعوا هذه المسؤولية ويتحمّلوها أمام الأمة فيوضحوا لهم ما يجب أن يتصفوا به ويتبرأوا ممن لا يلتزم بتلك الأوصاف، وإلا فان الأخطاء والمظالم والذنوب ستحسب عليهم، كما ترون اليوم ان الذين تلفّعوا بعباءة المرجعية وتصدّوا للحكم فان الناس لا تقتصر باللوم عليهم لسوء تصرفاتهم وانما تنتقد المرجعية التي دعت الناس لانتخابهم ثم تخلت عن مسؤولياتها في تقويم المسيرة وردع المسيء وإنصاف المظلوم.

 

ان الذين يدّعون الانتساب الى فئة شريفة ولا يلتزمون بتعاليمها هم اشد خطراً عليها من اعدائها الخارجيين لانهم ينخرون بناءها من داخلها فلابد من فضحهم والبراءة منهم لدفع خطرهم.

 

 

 

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

 

1 من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع وفد مؤسسة اهل البيت (ع) في مدينة الفضيلية ببغداد يوم 26/شوال/1428 المصادف 7/11/2007 بمناسبة ذكرى استشهاد الامام الصادق (ع).

 

2 وسائل الشيعة، ج8، كتاب الحج، ابواب احكام العشرة في السفر، الباب1، ح2

 

3 وسائل الشيعة، ج11، كتاب الجهاد، ابواب جهاد النفس، باب 22، ح13