الشهادة المتبادلة بين المرجعية والأمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الشهادة المتبادلة بين المرجعية والأمة[1]
من مسؤوليات المرجعية ووظائفها الشهادة على الأمة لأنها امتداد للإمامة التي هي وارثة الرسالة والنبوة وقد وصف رسول الله (ص)في القرآن الكريم بأنه (شاهد) بكل ما تعني الشهادة من هداية الى الحق واصلاحٍ للخطأ والفساد وتقويم للاعوجاج وتشخيص للخلل وغيرها ولكن المرجعية باعتبارها غير معصومة فهي لا ترث كل وظائف الامامة وامتيازاتها فشهادة القيادة المعصومة لا تقابلها شهادة من الأمة عليها بينما الأمة شاهدة على المرجعية بمعنى انها تراقب حركة المرجعية وتتأكد على الدوام من قيامها بوظائفها، لأن المرجع لم يعيَّن بالاسم وانما بالشروط والاوصاف فمن انطبقت عليه رجعت اليه الأمة ولو تجرد عنها تخلّت عنه.
ومن المفارقة ان الرسائل العملية للمرجعيات التقليدية تتضمن الاف المسائل التي تعلّم اتباعها تكاليفهم ولكنها لم تذكر مسؤوليات المرجعية في اول كتاب تبدأ به الرسالة العملية وهو (الاجتهاد والتقليد) وحينئذ كيف سيتسنى للأمة تدقيق قيام المرجعية بوظائفها.
ونحن بفضل الله تبارك وتعالى لم نغفل عن هذه النقطة وسجلناها في (سبل السلام) وكذا المرجعيات الواعية الحركية وضعت هذه المعالم في الرسائل العملية أو في كتبها الأخرى.
كما اننا ذكرنا العشرات من النقاط في (دور الأئمة في الحياة الإسلامية) والتي تمثل حركة المرجعية امتداداً لها وكذا في كتاب (الاسوة الحسنة)، وقد تضمّن كتاب نهج البلاغة جملة منها كقول أمير المؤمنين (ولولا ما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كِظةِ ظالم ولا سغب مظلوم) والحياة من حولنا مملوءة بالمظالم التي تعرضها وسائل الاعلام بشكل يومي فهل استجابت المرجعية لما أخذ الله تعالى عليها من عدم المقارّة عليها؟.
ونحن نعيش الذكرى التاسعة لاستشهاد سيدنا الاستاذ الشهيد السيد محمد الصدر (قدس) نتذكر انه كان يركّز على صفات في المرجعية يجدها –بعد تحقق الشروط العامة- هي الفيصل في الاختيار وهي الاخلاص وطيبة القلب حيث ذكرهما في خطبه ولقاءاته وفي مقدمة كتاب المشتق حينما سأل الله تبارك وتعالى لكاتبه أن يكون من ( المراجع الطيبين والقادة المخلصين) لأن الاخلاص يسدد العمل ويبارك فيه وينميه ويثمره، وطيبة القلب تعني نكران الذات والتجرد عن الأنا والتفاني في خدمة الناس وقضاء حوائجهم وايصال الحقوق الى اهلها من غير استئثار أو منع. وكان (قده) يحذّر من دفع الاموال الى الجهات التي تضعها في (فيافي بني سعد)
والخطاب موجّه الى الجميع سواء استجابوا له أم لم يستجيبوا ولا تختص بالمقلدين (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لَأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا) (الاسراء / 7) كما ان رسول الله (ص) رحمة للعالمين وولاية أمير المؤمنين فرض على الجميع لكن كم عدد الذين تمسكوا بها ففازوا؟ ولا يُعذر ُ المعرضون.
ومن صفات المرجعية الحركية الواعية التي تمثل الامتداد الحقيقي للأئمة (سلام الله عليهم) الصراحة والشفافية في التعامل مع الأمة والعمل على رفع مستوى الوعي والمعرفة والبصيرة لديها بعكس المتقمصين لهذا الموقع الشريف فانهم يرون استمرار وجودهم بابقاء الأمة على حالة السذاجة والجهل والتخلف ليستطيعوا تضليلها وخداعها بالهالة المقدسة التي يصطنعونها.
يذكر التاريخ ان أمير المؤمنين حينما كان يأتيه رسول من معاوية كان يأمر الرسول أن يصعد المنبر ويقرأ الرسالة علناً على الناس لأنه كان واضحاً وشفافاً معهم ولم يخف عليهم شيئاً من الحقيقة ولا كان خائفاً من شيء أخفاه على الناس بينما كان معاوية حينما يأتيه الرسول من أمير المؤمنين كان يأخذ الرسالة منه ولا يسمح لأحد أن يطلّع عليها الا شريكه في المكر والخديعة عمرو بن العاص.
لذا فان المرجعية الناطقة الصادقة الشاهدة تتحدث الى الناس وتبيّن لهم ما لها وما عليها وتسمع منهم وتشرح لهم برنامجها ومشروعها (ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيَّ عن بينة) من دون تدليس أو خداع أو تضليل لأنها مطمئنة الى الحق الذي هي عليه.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع وفد الهندية في محافظة كربلاء يوم 2/ ذو القعدة/1428 المصادف 13/11/2007 و من لقاء سماحته مع وفود من حي العامل ومنطقة المعامل ببغداد وغيرهما يوم 13/ذو القعدة/1428.